مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 18

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 18/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب المكاسب و المتاجر

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

بيع الصرف

اشارة

بيع الصرف و هو: بيع الذهب بالذهب أو الفضة، أو الفضة بالفضة أو بالذهب بلا فرق بين المسكوك منهما و غيره (1) و لا فرق فيه بين الخالص و المغشوش و المركب من أحدهما مع شي ء آخر حتى الخيوط المصوغة من الذهب أو

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

بيع الصرف

(1) هذا اصطلاح لدى الفقهاء، و يشهد له العرف الخاص في المسكوك أيضا و قد اصطلح على من يبيع غير المسكوك منهما ب (الصائغ) و لا مشاحة فيه و قد جمع في هذا القسم من البيع حكمان.

أحدهما: الربا كل مع جنسه لأنهما من الموزون.

الثاني: التقابض في المجلس في كل منهما و لو بالنسبة إلى غير جنسه كالذهب بالفضة و بالعكس على ما يأتي تفصيله.

و لكن البحث في هذه المسائل ساقط في هذه الأعصار لرواج المعاملات

ص: 5

الفضة و من شي ء آخر (2). و يشترط في صحته التقابض في مجلس العقد فلو تفرقا و لم يتقابضا بطل البيع (3)،

______________________________

في العالم بالنقود الورقية و لسقوط المعاملة بالفضة و الذهب المسكوكين حتى انه يشتري المسكوك منهما و غير مسكوكهما بالنقود الورقية أيضا.

و دعوى: أن منشأ اعتبار تلك النقود يرجع إلى الذهب و الفضة لكونها طريقا إليهما.

مردود. أولا: بأن المنساق من أدلة بيع الصرف ما إذا كان الثمن و المثمن بنفسهما من الذهب أو الفضة أو بالاختلاف لا ما إذا كانا شيئا آخر و كان منشأ اعتباره الذهب أو الفضة.

و ثانيا: أن منشأ اعتبار النقود الورقية المعادن و الصناعات التجارية و سائر الجهات التي تعتبرها الدول و ليس خصوص الذهب أو الفضة فتصير غالب المسائل المذكورة في بيع الصرف من كتب الفقهاء من المسائل الفرضية إلا ان يبدل اللّه الدهر عودا إلى بدء و ليس ذلك منه تعالى ببعيد.

(2) لإطلاق الأدلة الشامل لهذا التعميم، و ظهور إجماعهم عليه أيضا. إلا ان يشكل في الخيوط المصنوعة من أحدهما انها ليست من جنس أحدهما بل يطلق عليها شي ء آخر عرفا كالكلبتون و غيرها فالتمسك بالإطلاق فيها تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(3) لنصوص مستفيضة- مضافا إلى الإجماع.

منها قول علي عليه السّلام في خبر ابن قيس: «لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد» (1).

و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن حازم: «إذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه و ان نزى حائطا فانز معه» (2)، إلى

ص: 6


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الصرف 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الصرف: 8.

و لو قبض البعض صح فيه خاصة (4) و بطل بالنسبة إلى ما لم يقبض (5) و يتخيران معا في إجازة ما صح فيه و فسخه (6)، و كذا إذا بيع أحد النقدين مع غيرهما صفقة واحدة و لم يقبض الجملة حتى تفرقا بطل البيع بالنسبة

______________________________

غير ذلك من الأخبار، و ظاهر النصوص و معقد الإجماع كون القبض شرطا للصحة و قبله لا صحة و لا نقل و لا انتقال.

و نسب إلى الصدوق عدم اشتراط التقابض في المجلس، لأخبار الساباطي الأربعة المشتملة على نفي البأس عن بيع الدراهم بالدنانير نسبة و عن سلف الدنانير بالدراهم (1)، و موثق زرارة عن أبي جعفر قال: «لا بأس أن يبيع الرجل الدنانير نسية بمائة أو أقل أو أكثر» (2)، و لكنه لا بد من طرحها أو حملها على بعض المحامل لمخالفتها للإجماع و النصوص المعمول بها عند الأصحاب.

(4) لوجود المقتضى و فقد المانع بالنسبة إليه فلا بد من الصحة.

(5) لفقد شرط الصحة بالنسبة إليه فلا بد من البطلان و لا بأس باختلاف حكم عقد واحد بحسب أجزاء متعلقة لانحلال البيع بالنسبة إلى الاجزاء كما في بيع ما يملك و ما لا يملك فيصح في الأول و يبطل في الأخير.

(6) لتبعض الصفقة ما لم يكن تفريط في البين و الا فيختص الخيار بغير المفرط.

و أما صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ابتاع من رجل بدينار و أخذ بنصفه بيعا و بنصفه ورقا؟ قال عليه السّلام: لا بأس، و سألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا و يترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ به ورقا أو بيعا؟

فقال: ما أحب ان أترك منه شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله» (3)، فهو مجمل لا بد من رده إلى أهله أو حمله على ما لا يخالف القواعد.

ص: 7


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الصرف: 10 و 11 و 12 و 13 و 14 ج: 12.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الصرف: 10 و 11 و 12 و 13 و 14 ج: 12.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 9.

إلى النقد و صح بالنسبة إلى غيره مع الخيار كما مر (7).

مسألة 1: لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل البيع

(مسألة 1): لو فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل البيع فاذا تقابضا قبل ان يفترقا صح (8).

مسألة 2: إنما يشترط التقابض في معاوضة النقدين إذا كانت بالبيع دون ما إذا كانت بغيره

(مسألة 2): إنما يشترط التقابض في معاوضة النقدين إذا كانت بالبيع دون ما إذا كانت بغيره، كالصلح و الهبة المعوضة و غيرهما (9).

مسألة 3: يكفي في القبض كونه في الذمة و لا يحتاج إلى قبض آخر

(مسألة 3): يكفي في القبض كونه في الذمة و لا يحتاج إلى قبض آخر (10)، فلو كان في ذمة زيد دراهم لعمرو فباعها بالدنانير قبل التفرق صح (11) بل لو و كلّ زيد بأن يقبض عنه الدنانير التي صارت ثمن

______________________________

(7) أما بطلان البيع بالنسبة إلى النقد فلعدم تحقق شرط الصحة و هو القبض في المجلس. و أما الصحة بالنسبة إلى غيره فلعدم اعتبار القبض في المجلس فيه و حينئذ فمقتضى الإطلاقات و العمومات الصحة. و أما الخيار فلتبعض الصفقة كما مر.

(8) لأن المناط بالمجلس في المقام حالة اجتماع المتبايعين في مقابل التفرق لا حالة إنشاء المعاملة، و يدل عليه قول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما مر من صحيح منصور: «فلا تفارقه حتى تأخذ منه و إن نزى حائطا فانز معه» فإنه نص في أن المناط في البطلان على تحقق المفارقة لا ان يكون المناط حالة اجتماع مجلس إنشاء العقد

(9) لاختصاص أدلة اعتباره بخصوص البيع فيرجع في غيره إلى الأصل و الإطلاق و العموم.

(10) لأن ما في الذمة كالمقبوض عرفا و شرعا، لفرض تسلط الشخص على ذمته كتسلطه على ما قبض. هذا إذا كانت الذمة مشغولة قبل العقد و ان اشتغلت بالعقد فمع تحقق القبض الخارجي يصح و مع عدمه لا يصح.

(11) لفرض أن الدراهم في ذمة زيد فهي مقبوضة له فعلا و المفروض الدنانير صارت مقبوضة لعمرو فعلا فتحقق القبض من الطرفين قبل التفرق.

ص: 8

الدراهم صح أيضا (12).

مسألة 4: إذا اشترى منه دراهم ببيع الصرف ثمَّ اشترى بها منه دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح البيع الثاني

(مسألة 4): إذا اشترى منه دراهم ببيع الصرف ثمَّ اشترى بها منه دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح البيع الثاني (13) فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرق صح الأول (14) و ان لم يقبضها حتى افترقا بطل الأول أيضا (15).

مسألة 5: إذا كان له على شخص دراهم فقال للذي عليه الدراهم

(مسألة 5): إذا كان له على شخص دراهم فقال للذي عليه الدراهم:

______________________________

(12) لأن قبض الوكيل كقبض الموكل فقد تحقق القبض قبل التفرق من كل منهما.

(13) لعدم تحقق قبض الدراهم بعد في العقد الأول الذي تترتب عليه صحة الثاني فيبطل البيع الثاني من هذه الجهة سواء كانت الدراهم كلية أو شخصية، لاعتبار القبض على أي تقدير، و ما تقدم من أن ما في الذمة كالمقبوض إنما هو فيما إذا كانت الذمة مشغولة قبل البيع لا ما إذا اشتغلت به.

و قد يستدل على البطلان بمفهوم صحيح ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يجيئني بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي فهو اليقين انه ليس يريد الدنانير ليس يريد إلا الورق فلا يقوم حتى يأخذ ورقي فاشترى منه الدراهم بالدنانير فلا تكون دنانيره عندي كاملة فأستقرض له من جاري فأعطيه كمال دنانيره و لعلي لا أحرز وزنها، فقال عليه السّلام: أ ليس تأخذ وفاء الذي له؟ قلت بلى، قال عليه السّلام: ليس به بأس» (1)، و لكنه مجمل أو أجنبي عن المقام فراجع المطولات.

(14) لتحقق القبض فيكون المقتضي للصحة موجود و المانع عنه مفقودا فيصح لا محاله و يحصل بذلك منشأ صحة العقد الثاني أيضا.

(15) لما مر من اعتبار القبض قبل التفرق في بيع الصرف.

ص: 9


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 3.

«حولها دنانير» فرضي بذلك و تقبل دنانير في ذمته بدل الدراهم صح ذلك و يتحول ما في ذمته من الدراهم إلى الدنانير و إن لم يتقابضا (16)، و كذلك لو كان له عليه دنانير فقال له حولها دراهم (17).

مسألة 6: الدراهم و الدنانير المغشوشة ان كانت رائجة بين عامة

(مسألة 6): الدراهم و الدنانير المغشوشة ان كانت رائجة بين عامة

______________________________

(16) للأصل بعد الشك في أن هذا بيع حتى يجري عليه اشتراط التقابض في المجلس أولا مضافا إلى الإجماع و النص الخاص كصحيح ابن عمر، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تكون للرجل عندي من الدراهم الوضح فيلقاني فيقول كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول له: كذا فيقول أ ليس لي عندك كذا و كذا ألف درهم وضحا؟ فأقول بلى فيقول لي: حولها دنانير بهذا السعر و أثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال لي إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك فقلت: اني لم أوازنه و لم أناقده انما كان كلام مني و منه، فقال أ ليس الدراهم من عندك و الدنانير من عندك؟ قلت: بلى، قال فلا بأس بذلك» (1)، و غيره من الأخبار، و المراد من الوضح أي: الصحيح الرائج.

(17) للأصل بعد الشك في ان ذلك من البيع، مضافا إلى الإجماع صحيح عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام يكون عنده دراهم فآتيه فأقول: حولها دنانير من غير أن أقبض شيئا؟ قال عليه السّلام: لا بأس قلت: يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول: حولها دراهم و أثبتها عندك و لم أقبض منه شيئا، قال عليه السّلام: لا بأس» (2)، و حيث ان الحكم مطابق للأصل و قاعدة السلطنة يجري في غير الصرف أيضا كالنقود الورقية أيضا، فلو كان له على أحد نقود و رقية ايرانية أو سعودية، فقال حولها عراقية يجوز ذلك بعد تراضيهما عليه مع انه لو كان بيعا يجوز ذلك فيها أيضا لعدم اعتبار التقابض في المجلس فيها.

ص: 10


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 2.

الناس مع علمهم بأنها كذلك يجوز إخراجها و إنفاقها و المعاملة بها (18) و إلا فلا يجوز إنفاقها إلا بعد إظهار حالها (19) بل الأحوط ترك المعاملة بها (20).

______________________________

(18) للسيرة القطعية، و عمومات الأدلة، و أصالة الإباحة، و نصوص كثيرة منها خبر حريز. قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها، فقال عليه السّلام: لا بأس إذا كان جواز المصر» (1)، و ذيله يشمل الدنانير و ان لم تكن مذكورة في الصدر بل جميع هذه النصوص إرشاد إلى السيرة لا ان تكون تعبدا شرعيا.

(19) إجماعا و نصا كخبر ابن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثمَّ يبيعها، قال عليه السّلام: إذا يبين ذلك فلا بأس» (2)، و يشمل ما إذا كان الغش من غيره أيضا لأن الحكم موافق لقاعدة نفي الضرر.

(20) لمكاتبة جعفر بن عيسى قال: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السّلام ما تقول جعلت فداك في الدراهم التي أعلم انها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة، تصير إليّ من بعضهم بغير وضيعة بجهلي به و انما آخذه على انه جيد أ يجوز لي إن آخذه و أخرجه من يدي على حد ما صار إليّ من قبلهم؟ فكتب لا يحل ذلك، و كتبت إليه جعلت فداك هل يجوز أن وصلت إلى رده على صاحبه من غير معرفته به، أو إبداله منه و هو لا يدري أني أبدّله منه أو أرده عليه فكتب لا يجوز» (3)، و خبر المفضل قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فألقى بين يديه دراهم فألقى إليّ درهما منها، فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق؟ فقال:

طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال عليه السّلام: اكسرها فإنه لا يحل

ص: 11


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 10 و 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 10 و 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الصرف حديث: 8.

و لو كانت معمولة لأجل غش الناس لا يجوز إبقائها (21).

مسألة 7: لو بيعت الفضة بالفضة أو الذهب بالذهب لا بد من مراعاة ان لا يلزم الربا

(مسألة 7): لو بيعت الفضة بالفضة أو الذهب بالذهب لا بد من مراعاة ان لا يلزم الربا (22) و حينئذ يتخلص منه بإحدى الطرق التي تقدم سابقا (23).

و منها: الضميمة و لو كانت هي الغش فيهما. بخلاف ما إذا بيع الذهب بالفضة أو بالعكس إذ لا رباء حينئذ (24)، و كذا لا رباء في الريال المعهود إذا بيع بمثله (25)، و كذا في كسور الريال من النصف و العشر و نحو ذلك.

مسألة 8: يكفي في الضميمة وجود الغش إن كان له مالية عرفية

(مسألة 8): يكفي في الضميمة وجود الغش إن كان له مالية عرفية فإذا بيعت فضة مغشوشة بمثلها جاز بالمثل إذا فرض التساوي في الغش

______________________________

بيع هذا و لا إنفاقه» (1)، و لو لا قصور السند لصلح للجزم بالحرمة مع إمكان حمل إطلاقها على ما إذا لم يبين الحال. و تقدم في المكاسب المحرمة ما ينفع المقام (2).

(21) لكونها حينئذ مادة الفساد و الإفساد و يستفاد ذلك مما مر من خبر المفضل أيضا و يجري تمام ما مرّ في النقود الورقية، لكون جميع ما مر مطابق لقاعدة نفي الضرر في الجملة و تقدم في المكاسب المحرمة مسألة 20 ما ينفع المقام (3).

(22) لأنهما موزونان و مثليان فيتحقق موضوع الرباء.

(23) و تقدم في مسألة 19 من المسائل التي يتخلص بها من الربا (4).

(24) لفقد شرط المثلية.

(25) لأنه من المعدود لا الموزون فلا موضوع للربا فيه.

ص: 12


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 5.
2- راجع ج: 16 صفحة: 108 و 62.
3- راجع ج: 16 صفحة: 108 و 62.
4- راجع ج: 17 صفحة: 322- 327.

عند أهل الخبرة أو كان تفاوت في البين و لكن كان بحيث يتسامح فيه عرفا (26)، و كذا يجوز بالتفاضل أيضا (27)، و إذا بيعت المغشوشة بالخالصة لا بد و ان تكون للخالصة زيادة على الفضة المغشوشة لتقع تلك الزيادة في مقابل الغش (28).

مسألة 9: إذا اشترى فضة معينة بفضة أو بذهب

(مسألة 9): إذا اشترى فضة معينة بفضة أو بذهب فوجدها من غير

______________________________

(26) لتحقق المثلية حينئذ في الجنس الربوي فتشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على جواز البيع مثلا بمثل، و كذا في صورة التفاوت، لفرض انه مما يتسامح فيه فترجع إلى المثلية أيضا.

(27) لوقوع الزيادة في مقابل الغش المفروض ان له مالية يقابل بالمال فلا يلزم محذور الربا حينئذ.

(28) لفرض أن للزيادة مالية لا بد و ان يقع بإزائها المال و لا ربا حينئذ لوقوع الزيادة بإزاء الغش الذي له مالية هذا إذا وقعت المعاملة بالنسبة إليها أيضا و لكن لو أعطيت مجانا أو لم يكن لها مالية فلا يلزم ذلك بل قد تكون الزيادة في الخالصة موجبة للربا فيبطل البيع من هذه الجهة.

و خلاصة الأقسام سبعة.

الأول: كون الغش يسيرا يتسامح فيه عرفا لا بد فيه من اعتبار المثلية لئلا يلزم الرباء و لا يجوز التفاضل.

الثاني: كونه مما لا يتسامح فيه و لم يكن له قيمة يجب التماثل و لا يجوز التفاضل.

الثالث: مما لا يتسامح و كانت له قيمة يجوز التفاضل حينئذ لوقوع الزيادة في مقابل الزيادة.

الرابع: كون كل منهما مشتملا على الغش الذي له قيمة يجوز التفاضل لانصراف الزيادة إلى الغش.

الخامس: كون كل منهما مشتملا على الغش مع عدم القيمة له فإن علم

ص: 13

الجنس- كالنحاس و الرصاص- بطل البيع (29) و ليس له مطالبة البدل و لا الأرش، كما انه ليس للبائع إلزامه به (30)، و لو وجد بعضه، كذلك بطل فيه و صح في الباقي (31) و له رد الكل (32)، كما أن له أخذ الجيد فقط بحصة من الثمن (33)، و إذا اشترى فضة كليا في الذمة بذهب أو فضة و بعد ما قبضها وجد المقبوض- كلا أو بعضا- من غير الجنس فإن كان قبل ان يتفرقا فللبائع الابدال بالجنس و للمشتري مطالبة البدل (34)، و ان كان بعد التفرق بطل البيع في الكل أو البعض كما مر (35).

______________________________

مقدار الغش و كانا متساويين يجوز البيع متساويا و لا رباء حينئذ.

السادس: هذه الصورة مع التفاوت في مقدار الغش لا يجوز لأجل الرباء.

السابع: هذه الصورة مع عدم العلم بالمقدار و لا يجوز لاشتراط العلم بالتساوي كما مر و يتجرى هذه الوجوه في كل ربوي مطلقا إذا كان لأحدهما أو لكل منهما خليط غشا كان أو غيره. و منه يظهر حكم الخيوط التي تصنع من الذهب و غيره.

(29) لأن ما قصد وقوع البيع عليه لم يقع في الخارج، و ما وقع عليه البيع لم يكن مقصودا هذا مضافا إلى الإجماع على البطلان.

(30) لعدم حق لأحدهما على الآخر بعد بطلان العقد الذي وقع بينهما.

(31) أما البطلان فلما مر في سابقة. و أما الصحة في الباقي فلوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله الأدلة لا محالة.

(32) لتبعض الصفقة.

(33) لانحلال البيع بالنسبة إلى أجزائه و المفروض ان له الخيار بما شاء و أراد.

(34) لعدم فردية المقبوض للكي، فيكون هذا القبض كالعدم فعلى البائع الإبدال بمقتضى التزامه و للمشتري المطالبة بمقتضى حقه.

(35) لما تقدم من اعتبار التقابض قبل التفرق لأن بالتفرق قبله يبطل البيع

ص: 14

هذا كله إذا كان من غير الجنس، و لو كان من الجنس و لكن ظهر فيه عيب كخشونة الجوهر و الغش الزائد على المتعارف و اضطراب السكة و نحوها ففي ما إذا كان المبيع فضة معينة في الخارج كان له الخيار برد الجميع أو إمساكه (36) بل له رد المعيب وحده أيضا (37)، و يجوز له أخذ الأرش لو كان العوضان متجانسين- كالفضة بالفضة- فضلا عما اختلفا كالفضة بالذهب أو بالعكس (38) و لا فرق في ذلك بين كون الأرش من غير

______________________________

أما في الكل ان لم يقبض الكل أو في البعض إن لم يقبض كذلك.

(36) لما تقدم في خيار العيب الشامل للمقام أيضا.

(37) راجع مسألة 18 من خيار العيب (1)، فقد تقدم تفصيل المقام فيها.

(38) النزاع في جواز أخذ الأرش في المتجانسين صغروي لا أن يكون كبرويا، فإن استظهر من الأدلة ان الأرش جزء من العوضين يترتب عليه جميع أحكام العوضين مطلقا فلا يجوز أخذ الأرش للزوم الرباء و كذا لا يجوز أخذه بعد التفرق في المقام، و ان استظهر العدم لا يترتب عليه تلك الاحكام بلا كلام، و كذا لو شك فيه لأن ترتب أحكام العوضين عليه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه فلا بد من الرجوع إلى الأصل، و ما استشهد به لكونه جزء من الثمن وجوه كلها مخدوشة:

الأول: تعبير بعض الفقهاء انه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمة الصحيح إلى المعيب.

و فيه. أولا: انه من باب الغالب.

و ثانيا: لا اعتبار بقول البعض ما لم يكن من الإجماع المعتبر و الظاهر عدم تحققه.

ص: 15


1- تقدم في ج: 17 صفحة: 183.

.....

______________________________

الثاني: ذكر لفظ الرد في بعض الأخبار كقول أمير المؤمنين عليه السّلام في خبر طلحة: «يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء» (1)، و هي أخبار كثيرة وردت في بيع الجارية.

الثالث: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «كان علي ابن الحسين عليه السّلام:

لا يرد التي ليست بحبلى إذا أوطأها، و كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها» (2)، و مثله غيره.

و فيه: أن الرد أعم من ان يكون من الثمن لأنه يستعمل بمعنى الدفع كما في الحديث، «الدعاء يرد القضاء» (3)، و بمعنى الرجوع كما في قوله تعالى:

فَارْتَدَّ بَصِيراً(4)، أي رجع بصيرا، و في المقام يصح أن يراد منه الدفع و هو أعم من أن يكون من الثمن أو غيره.

و أما قوله عليه السّلام: «يضع له من ثمنها بقدر عيبها:

ففيه. أولا: انه محمول على الغالب.

و ثانيا: ان التمسك به لعدم كفاية غير الثمن يكون من مفهوم اللقب و قد ثبت عدم اعتباره مضافا إلى ما هو المعلوم من ان المناط هو تدارك المالية و هو يحصل و لو بغير الثمن و المسألة بحسب الأصل من صغريات الأقل و الأكثر، لأن دفع مقدار تفاوت المالية معلوم قطعا و خصوصية كونه من الثمن مشكوكة يرجع فيها إلى الأصل، مع انه لو كان جزء من الثمن فاعتبار التقابض فيما وقع عليه عقد الصرف حين إنشاء المعاملة كلا و جزء مسلم و ما خرج عنه و لو كان من تبعاته لا دليل على اعتبار التقابض في المجلس فيه أيضا و مع الشك في شمول الأدلة له يرجع إلى الأصل هذه خلاصة ما ينبغي ان يقال في المقام.

ص: 16


1- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب 3 و 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام العيوب 3 و 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الدعاء.
4- سورة يوسف: 96.

النقدين أو منهما (39). هذا في المبيع الشخصي.

و أما إذا كان كليا في الذمة و ظهر عيب في المقبوض كان له الخيار بين فسخ البيع ورد المقبوض و بين إمضائه و إمساك المعيب بالثمن (40)، كما أن له مطالبة البدل أيضا قبل التفرق (41) و بعده أيضا (42).

______________________________

و أما الكلمات: فنعم ما قاله صاحب الجواهر «قدس» فيها: «و لو أعطيت التأمل حقه في المقام بان لك أن كثيرا من الكلام دخان بلا ضرام و سفسطة بلا حاصل و متبعة بلا طائل» و لكن لا بد من مراعاة الاحتياط.

(39) لما مر من أن الأرش نحو غرامة و من تبعات العوضين لا من نفسهما فلا يلزم منه الربا و لا يعتبر فيه التقابض في المجلس لخروجه عن ما وقع عليه الإنشاء المعاملي و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

(40) لما تقدم في خيار العيب من جريانه في المبيع الكلي أيضا (1)

(41) لبقاء أثر البيع بعد عدم تحقق الافتراق حتى يبطل فله المطالبة بحقه.

(42) لأصالة عدم اعتبار القبض في المجلس بالنسبة إلى البدل إلا مع دليل يدل عليه و هو مفقود إلا دعوى: ان هذا مقتضى البدلية و إن البدل في الواقع هو المبيع فيجري عليه جميع أحكامه.

و فيه: ان التقابض في العوضين قد تحقق قبل التفرق، لأن المقبوض و ان كان معيبا إلا أن عيبه لم يخرجه عن حقيقة الجنسية كما هو المفروض و قد ملكه المشتري و نماؤه له من حين العقد إلى حين الرد فقد وقع أصل البيع صحيحا غاية الأمر ان له طلب حقه الذي حصل له بالبيع، و البيع وقع صحيحا بالقبض الأول، و لذا يجوز له مطالبة البدل و إن كان لم يقع صحيحا فلا وجه لمطالبة البدل بل كان البدل بنفسه بيعا مستقلا مستأنفا.

ص: 17


1- راجع ج: 17 صفحة: 185.

إن كان الأحوط خلافه (43)، كما انه يجوز له أخذ الأرش في المتجانسين كالذهب بالذهب فضلا عن المتخالفين كالذهب بالفضة و بعد التفرق فضلا عما قبله (44).

مسألة 10: لا يجوز أن يشتري من الصائغ خاتما أو قرطا مثلا من فضة أو ذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة أجرته

(مسألة 10): لا يجوز أن يشتري من الصائغ خاتما أو قرطا مثلا من فضة أو ذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة أجرته (45) و يجوز أن يشتريه بغير جنسه مماثلا و يعين له أجرة معينة لصياغته و لو كانت من نفس الثمن، كما يجوز فيما إذا كان الفص من الصائغ و كان من غير الجنس أن يجعل الزيادة في مقابل الفص (46).

______________________________

و الحاصل: ان البدل إما عين المبيع الأول أو جزئه، أو تدارك شي ء حصل لأجل الالتزام في ضمن البيع الأول و الأولان معلوما العدم و الأخير لا دليل على كونه في حكم العوضين من كل جهة فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصل، و لذا نسب إلى المشهور جواز الأخذ بعد التفرق أيضا.

(43) خروجا عن خلاف من ذهب إلى عدم الجواز كالشهيد «ره» و لكن لا دليل له عليه.

(44) لما أثبتناه:

أولا: من ثبوت خيار العيب في الكلي أيضا.

و ثانيا: بأن الأرش خارج عن العقد الذي وقع على العوضين فلا يجري عليه حكم الرباء و لا يعتبر فيه التقابض في المجلس فراجع ما سبق و تأمل فيه.

(45) لأنه من الربا المحرم.

(46) أما الأول فلأنه خارج عن موضوع الرباء تخصصا فتشمله إطلاقات أدلة الجواز و عموماته.

و أما الثاني فلوقوع العقد على المتماثلين في الربا و لا ريب في جوازه نصا و فتوى- كما تقدم- و تعين كون الزيادة في مقابل الأجرة و تشملها عمومات أدلة

ص: 18

مسألة 11: لو اشتغلت ذمته لشخص بأحد النقود الورقية

(مسألة 11): لو اشتغلت ذمته لشخص بأحد النقود الورقية الرائجة في الدول- المختلفة السعر بعضها مع بعض مع قسم آخر منها يتصور فيه وجوه:

الأول: ان يكون عليه نقد عراقي مثلا و أعطاه من النقد الايراني مثلا بعنوان الوفاء و الاستيفاء دفعة أو تدريجا فتفرغ ذمته بمقدار ما أعطاه بسعر وقت الأداء (47).

______________________________

الإجارة لوجود المقتضى و فقد المانع و يصير البائع شريكا مع المشتري بحسب المقدار المجعول له و أما الأخير فتقع الزيادة في مقابل الضميمة، و قد تقدم عدم الرباء حينئذ تخصصا.

(47) لخبر إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الرجل يكون له على رجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: له سعر يوم أعطاه» (1)، و خبر الهاشمي، قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن رجل يكون عنده دنانير لبعض خلطائه فيأخذ مكانها ورقا في حوائجه و هو يوم قبضت سبعة و سبعة و نصف بدينار، و قد يطلب صاحب المال بعض الورق، و ليست بحاضرة فيبتاعها له الصيرفي بهذا السعر و نحوه ثمَّ يتغير السعر قبل ان يحتسبا حتى صارت الورق اثنى عشر بدينار، هل يصلح ذلك له و انما هي بالسعر الأول حين قبض كانت سبعة و سبعة و نصف بدينار؟

قال عليه السّلام: إذا وقع إليه الورق بقدر الدنانير فلا يضره كيف كان الصروف فلا بأس» (2).

و قد وردت الأخبار موافقة للقاعدة لأن الذمة اشتغلت بعين النقد العراقي و المفروض ان الأداء ليس بعينه بل ببدله و قد تراضيا عليه و المناط في تعين

ص: 19


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الصرف: 5/ 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الصرف: 1.

الثاني: أن الدفع و الأخذ بعنوان القرض و الاقتراض ممن اشتغلت ذمته لشخص بالنقود العراقية يدفع إليه بعنوان القرض نقودا ايرانية، و لا ريب في بقاء اشتغال ذمته بما كانت مشغولة به و اشتغال ذمة الآخذ بالنقود الايرانية فهناك ذمتان مشغولتان بشيئين و يجوز لكل منهما مطالبة صاحبه عما عليه مع حلول الأجل (48). و لا يقع التهاتر بين الذمتين (49).

الثالث: أن يبيع أحدهما ما في ذمته بما في ذمة الآخر مع حلول كل

______________________________

البدل للبدلية و العوضية انما هو وقت الأداء عند متعارف الناس فيسقط من الدين بقدر الوفاء بما يتعين حين الأداء و لا بد فيه من معرفة القيمة السوقية لئلا تبقى الذمة مشغولة بشي ء و لا يلزم ضرر على المديون، و يدل على أصل المدعي في الجملة إطلاق خبر الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له عليه دنانير؟ فقال عليه السّلام: لا بأس بأن يأخذ بثمنها دراهم»(1)، و خبره الآخر: «في الرجل يكون له الدين دراهم معلومة إلى أجل فجاء الأجل و ليس عند الذي حل عليه دراهم، فقال له: خذ مني دنانير بصرف اليوم، قال عليه السّلام: لا بأس» (2) و نحوهما غيرهما و ليس هذا بيعا لعدم قصد ذلك منهما بل هو وفاء عرفا.

(48) لأن لكل دائن مطالبة مديونه بما له عليه من الدين مع الحلول بالضرورة الفقهية بل الدينية.

(49) بناء على المشهور من اعتبار اتحاد الجنس في مورد التهاتر و كون النقد العراقي و الايراني مثلا مختلفا فلا موضوع للتهاتر و لكن اعتبار اتحاد الجنس في مورد التهاتر غير مسلم، لأصالة عدمه إلا فيما هو المتيقن منه و أما كون النقد الورقي مختلف مشكل بل ممنوع عرفا و انما الاختلاف بين

ص: 20


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الصرف: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الصرف: 2.

منهما (50) و لكن الأحوط الترك (51).

الرابع: إبراء كل منهما ماله على الآخر أو مصالحة كل منهما ذمته بما في ذمة الآخر و لا بأس بهما (52).

الخامس: دفع أحد النقدين دفعة أو متدرجا بعنوان الامانة ثمَّ الاحتساب من الدين بعد ذلك و لا بأس به أيضا (53) و يلاحظ السعر عند الاحتساب في هذه القسمين و لا ينظر إلى اختلاف السعر قبل ذلك (54).

مسألة 12: إذا حصل دين بنقد معين كمأة ريال سعودي مثلا

(مسألة 12): إذا حصل دين بنقد معين كمأة ريال سعودي مثلا سواء كان من الاقتراض أو من ثمن البيع أو غيرهما إلى أجل معلوم و زاد سعر ذلك النقد أو نقص عنه عند حلول الأجل عن سعره يوم الاشتغال لا يستحق إلا عين ذلك النقد و لا ينظر إلى زيادة سعره و نقصانه (55)

______________________________

إضافته من مجرد الاعتبار الخاص فقط و في مثله لا يقال انه مختلف الجنس.

نعم، لو كان من الدرهم الفضي و الدينار الذهبي لكانا مختلفي الجنسين كما هو واضح.

(50) مقتضى الإطلاقات جوازه إلا إذا شمله النهي عن بيع الدين بالدين و الكالي بالكالي على ما يأتي و يمكن الاشكال فيه بأن المراد به المؤجل لا الحال المعجل و يأتي التفصيل في كتاب الدين ان شاء اللّه تعالى و تقدم بعض القول في النقد و النسية.

(51) خروجا عن خلاف من جعل هذا أيضا عن بيع الدين بالدين.

(52) لإطلاق دليل الإبراء و الصلح الشامل للمقام من غير مانع في البين.

(53) لقاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع.

(54) لأنه وقت الانتقال و تفريغ الذمة و الاستقرار، و يشهد له ما تقدم من الأخبار.

(55) الديون التي تكون في النقود المتبدلة من جهة السعر يتصور

ص: 21

مسألة 13: يجوز أن يبيع مثقالا من فضة خالصة من الصائغ مثلا بمثقال من فضة فيها غش متمول

(مسألة 13): يجوز أن يبيع مثقالا من فضة خالصة من الصائغ مثلا بمثقال من فضة فيها غش متمول و يشترط عليه أن يصوغ له خاتما مثلا.

______________________________

على وجوه:

الأول: أن يكون متعلق الدين الورق النقدي المعين كمأة ريال سعودي مثلا كائنا ما كان السعر من حيث نسبته إلى سائر النقود و لا إشكال في فراغ الذمة بإعطائه عند حلول الأجل كائنا ما كان السعر بحسب سائر النقود لفرض بناء هذا النحو من الدين عليه و لا يضر زيادة قيمته بحسب سائر النقود أو تساويه معه أو بنقيصة عنه و قد ورد لصورة النقيصة فيمن استقرض دراهم و أسقطها السلطان و جاء بدراهم أخرى (1)، من أنه ليس للدائن إلا الدراهم الأولى كما يأتي في كتاب القرض إن شاء اللّه.

الثاني: ان يعين عليه الأداء حين تساوى سعره مع النقد الآخر أو نقيصة عنه لغرض صحيح فيه و لا إشكال في الجواز حينئذ للأصل و قاعدة السلطنة بلا مانع في البين من نص أو إجماع.

الثالث: ان يعين عليه تعين السعر حين زيادة سعره على النقد الآخر كما إذا كان الدين ألف ريال سعودي مثلا و اشترط الدائن على انه إذا صار سعره ثلاثة آلاف تومان ايراني يعطيه ألف ريال سعودي الذي هو الدين و كان ذلك الوقت معلوما بحسب القرائن، و مقتضى الأصل و القاعدة الجواز أيضا في غير القرض. و أما فيه فمبنى على أن مطلق الشرط و لو كان فيه غرض صحيح في الجملة مما يوجب الرباء أو لا، فعلى الأول يبطل و على الأخير لا بأس به و لا دليل على كون مطلق الشرط مما يوجب الربا بل الأصل و الإطلاق ينفيه و المنساق من الأدلة إنما هو شرط الزيادة و النفع الخاص على ما سيأتي تفصيله

ص: 22


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الصرف.

و كذا يجوز ان يقول للصائغ صغ لي خاتما و أنا أبيعك عشرين مثقالا من فضة جيدة بعشرين مثقالا من فضة رديئة مثلا و لا يلزم الرباء في الصورتين (56).

مسألة 14: لو باع عشرة دنانير عراقية بمائة ريال سعودي إلا ريال مثلا- صح

(مسألة 14): لو باع عشرة دنانير عراقية بمائة ريال سعودي إلا ريال- مثلا- صح (57) لكن بشرط أن يعلما نسبة السعر بين العوضين (58)، و كذا الكلام في جميع النقود الورقية العالمية تماما أو كسرا (59).

______________________________

في القرض ان شاء اللّه تعالى.

(56) أما في الأول، فلوقوع زيادة الفضة الخالصة و صياغة الخاتم في مقابل الغش فينتفي موضوع الربا، مضافا إلى خبر الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم و أبدل لك درهما طازجا بدرهم غلة؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (1)، و الطازج الخالص و الغلة المغشوش، و هذا الخبر و ان ورد في الدرهم و لكن حيث أن الحكم موافق للقاعدة تعدينا منه إلى مثقال الفضة مثلا فقد ورد الحديث موافقا للقاعدة.

و أما الثاني: فلأنه من إيجاد الداعي لبيع الجنس الواحد مثلا بمثل و لا تشمله أدلة حرمة الربا، لعدم وقوع شرطه في البيع الذي يقع بعد ذلك، و لم يكن تبان على الشرطية قبله حتى يكون من الشروط البنائية فمقتضى الأصل إباحته و الشك في شمول أدلة حرمة الربا له يكفي في عدم صحة التمسك بأدلته فيه.

(57) للإطلاقات و العمومات من غير ما يصلح للتخصيص و التقييد.

(58) لئلا يلزم الجهالة فيبطل البيع من هذه الجهة.

(59) لكون الحكم مطابقا للقاعدة فيجري في الجميع من غير فرق. ثمَّ ان

ص: 23


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الصرف حديث: 1.

مسألة 15: النقود المتعارفة بين الناس يتعين بالتعيين

(مسألة 15): النقود المتعارفة بين الناس يتعين بالتعيين فإذا باع نقدا معينا أو اشترى شيئا بنقد معين وجب إعطائه فقط و لا يكفي مثله و إن لم يكن فرق بينهما أبدا (60).

______________________________

الأوراق النقدية يتصور على أقسام:

الأول: أن يعلم علما تفصيليا ان اعتبارها لأجل الذهب الموجود في خزينة الدولة بحيث يكون كل جزء من الورق النقدي عنوانا مشيرا إلى مقدار خاص من الذهب بحيث كانت المعاملة تقع بين الذهب و المبتاع، فالظاهر جريان حكم بيع الصرف فيها إذا ما بيعت بمثلها.

الثاني: ان يعلم تفصيلا ان اعتبارها لأجل شي ء آخر كالمعادن أو غيرها و لا إشكال في عدم جريان حكم الصرف عليها لعدم تحقق موضوعه.

الثالث: ان يعلم إجمالا بأن مقدارا منها لأجل الذهب الموجود و البقية لجهات أخرى و لا يجري حينئذ حكم الصرف، لأن هذا العلم الإجمالي ليس منجزا، لخروج غالب أطرافه عن مورد ابتلاء كل مكلف.

الرابع: ان يشك في ان اعتبارها لأي جهة من الجهات الثلاثة المتقدمة، و مقتضى الإطلاقات و أصالة الصحة و أصالة الإباحة صحة البيع مع مثلها متفاضلا و عدم وجوب القبض في المجلس.

(60) للأدلة الأربعة فمن الكتاب آية التراضي (1) و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (2) و من الإجماع إجماع الإمامية و من العقل قبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه و هذا في الجملة مما لا اشكال فيه.

انما الإشكال في انه من مجرد الحكم التكليفي فقط أو يشمل الوضعي أيضا فإذا وقع التراضي على عشرة دنانير عراقية معينة مخصوصة و اعطى الدافع

ص: 24


1- سورة النساء: 29.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

.....

______________________________

عشرة أخرى مثلها و أخذها الطرف جهلا أو نسيانا و تصرف فيها فهل يكون الدافع ضامنا بمقدار عشرة دنانير و هل يترتب عليه أحكام عدم التسليم؟! و المسألة سيالة في موارد كثيرة، فلو سرق شخص عشرة دنانير مثلا و وضع في مكان المسروق عشرة أخرى مثلها في تمام الأوصاف فهل تقطع يده، و لو نذر صرف عشرة معينة على المساكين و صرف مثلها من كل جهة فهل يجب عليه صرف ما نذره ثانيا بل لا بد من تنقيح البحث من أصله من انه هل يصح تعلق الغرض بالعينية المحضة في مثل هذه الأمور الشائعة في هذه الأعصار لأجل وجود المكائن التي تخرج منها أفراد كثيرة من شي ء واحد كل واحد منها عين الآخر في تمام الأوصاف و هل يكون مثل هذا الغرض صحيحا عند العقلاء أو مستنكرا لديهم و مقتضى الصناعة عدم الاعتبار و لم أر هذه المسألة محررة في كلامهم بفروعها.

ص: 25

فصل في بيع السلف و يقال له: السلم أيضا

اشارة

فصل في بيع السلف و يقال له: السلم أيضا (1) و هو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال عكس النسيئة (2).

و يقال للمشتري «المسلم» بكسر اللام، و للثمن «المسلم» بفتحها و للبائع «المسلم إليه» و للمبيع «المسلم فيه» (3) و هو يحتاج إلى إيجاب و قبول (4). و من خواصه ان كل واحد من البائع و المشتري صالح لأن يصدر منه الإيجاب و القبول من الآخر (5)، فالإيجاب من البائع بلفظ البيع

______________________________

فصل في بيع السلف

(1) السلم كالسلف لفظا و معنى لاتفاق النص و الفتوى و اللغة على صحة هذا الإطلاق، و تأتي الإشارة إلى بعض النصوص المشتمل على لفظ «السلم».

(2) لما هو المعروف بين الناس في جميع الملل و الأديان و الأمكنة و الازمان و دليل أصل صحة السلف إجماع المسلمين بل المليين و عمومات الكتاب و السنة بعد كونه قسما من البيع، و إيكال معرفة السلف و النسية إلى عرف المتعاملين أولى من التعرض له لأن بعض التعريفات ربما يزيد المعرف خفاء مع وضوحه بحسب الانظار.

(3) هذه الاستعمالات صحيحة و شائعة في جميع الأفعال التي لها متعلقات و إضافات متعددة و كثيرة الدوران في المحاورات و الألسنة.

(4) لأنه عقد و كل عقد متقوم بهما.

(5) للإطلاق، و العموم، و الإجماع من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص

ص: 26

و أشباهه بأن يقول: بعتك طنا من الحنطة بصفة كذا إلى أجل كذا بثمن كذا.

و يقول المشتري «قبلت» أو «اشتريت» (6). و أما الإيجاب من المشتري فيختص بلفظي «أسلمت» و «أسلفت» فيقول للبائع «أسلمت إليك أو أسلفتك مائة دينار في طن من الحنطة بصفة كذا» و يقول المسلم إليه و هو البائع «قبلت» (7)، و يصح فيه المعاطاة (8).

______________________________

فيكون كالصلح في صحة وقوع إيجابه من كل الطرفين

(6) للعرف، و اللغة و الإطلاق، و العموم بلا مانع في البين.

(7) لظهور هذا الإنشاء في البيع المعبر عنه بالسلف عند العرف و أهل المحاورات و يصح الاحتجاج به لديهم لذلك و ما كان هكذا يكون حجة معتبرة في إبراز المراد و إظهار المقصود و قد مر في أول كتاب البيع أن المدار على الظهور مطلقا سواء كان بالذات أو لأجل القرائن و صدور الإيجاب هنا من المشتري مجمع عليه عندهم بل لو صدر الإيجاب من المشتري في البيع و القبول من البائع لا دليل لهم على عدم الصحة إلا شبهة الإجماع، بل مقتضى الإطلاقات و العمومات الصحة فلو قال من يريد أن يشتري كتابا معينا بدينار بذلت لك هذا الدينار عوضا لكتابك، فقال البائع قبلت يصح و ان كان الأحوط خلافه لشبهة الإجماع، كما انه لا بأس بإنشاء البيع بلفظ: السلم و السلف مع الظهور فيه و لو بالقرينة و كذا العكس فينعقد السلم بلفظ البيع مع القرينة، و أما مع عدم الظهور و لو بالقرينة فلا وجه له.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع بينهم لفظيا فراجع و تأمل مع سقوط هذا البحث رأسا لاستقرار السيرة البشرية على المعاطات في المعاوضات و عدم الإتيان بالصيغة رأسا حتى يبحث عن جهاتها و خصوصياتها.

(8) للإطلاقات، و العمومات، و السيرة. و لا يشكل بأنه ليس فيه تعاط من الطرفين في البين فلا موضوع للمعاطات فيه لما مر في محله من ان المعاطاة

ص: 27

مسألة 16: مورد السلم. تارة: هو النقود الورقية بعضها مع بعض. و أخرى: مطلق الأمتعة و الأجناس

(مسألة 16): مورد السلم.

تارة: هو النقود الورقية بعضها مع بعض.

و أخرى: مطلق الأمتعة و الأجناس مع كونها من المكيل أو الموزون بعضها مع بعض.

و ثالثة: الأمتعة و الأجناس و غير المكيل و الموزون مع النقود الورقية أو الذهبية أو الفضية.

و رابعة: الأجناس بعضها مع بعض و اتحاد الجنس و كونها من المكيل أو الموزون.

و خامسة: النقود الذهبية أو الفضية بعضها مع بعض مع اتحاد الجنس أو اختلافه و الكل صحيح إلا القسمين الأخيرين (9).

مسألة 17: يشترط فيه أمور

اشارة

(مسألة 17): يشترط فيه أمور:

الأول: ذكر الوصف الرافع للجهالة

الأول: ذكر الوصف الرافع للجهالة و كل ما أمكن ضبط أوصافه التي تختلف القيمة و الرغبات باختلافها يصح السلم فيه (10)، و كل ما توقف

______________________________

ما لم يكن فيه إنشاء لفظي سواء كان فيها تعاط من الطرفين أم من طرف واحد أو لم يكن تعاط أصلا بل كان من مجرد التراضي البيعي كما تتحقق المعاطاة في النسية أيضا.

(9) أما صحة الثلاثة الأولى، فللإطلاقات و العمومات بلا مخصص و مقيد في البين، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود فتصح لا محالة.

أما عدم الصحة في القسم الرابع فلزوم الربا، لأن للأجل قسط من الثمن.

و أما البطلان في القسم الخامس فلما مر من اعتبار قبض العوضين في المجلس في النقدين فيبطل السلف فيها من هذه الجهة.

(10) لأنه مع عدم إمكان ذلك يكون من الغرر المنفي شرعا و عرفا و قد استقر بناء العقلاء و إجماع الفقهاء على بطلان المعاملات الغررية، مضافا إلى

ص: 28

درك أوصافه و خصوصياته على المشاهدة لا موضوع للسلف فيه (11) و المرجع في ذلك أهل الخبرة من العرف (12) و يكفي في التوصيف بما هو المتعارف بالنسبة إلى كل شي ء لا ما يؤدي إلى عزة الوجود و ندرته (13).

______________________________

نصوص خاصة ففي صحيح ابن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض» (1)، و غيره من الأخبار.

(11) لأنه من بيع المجهول الذي لا يقدم عليه عاقل و يستنكر ممن أقدم عليه و ينسب إلى السفاهة مضافا إلى الإجماع و حديث الغرر (2)، فراجع شرائط العوضين.

(12) لأنه ليس ذلك من شأن الفقهاء و انما شأنهم بيان الحكم فقط و ربما يكون العامي أعرف بذلك من الفقيه المتبحر فلا وجه للتطويل في ذلك في كتب الفقه خصوصا في هذه الأعصار التي عيّنت تمام الأشياء بحدود خاصة و أرقام مخصوصة و قيم متعينة. و القاعدة الكلية التي يقولها الفقهاء بل العقلاء: ان كل ما يتوقف رفع الجهل فيه إلى خصوص مشاهدته لا يصح فيه السلف بل و لا جميع المعاوضات لبناء المعاوضات على عدم الجهالة الغررية و اهتمام الناس بأموالهم كاهتمامهم بنفوسهم بل ربما يكون أكثر عند بعضهم و في مثله لا ينبغي للفقيه التفصيل بل يوكل الأمر إليهم و من أراد التطويل بلا طائل فليراجع الحدائق و الجواهر.

(13) لأن هذا هو المناط في توصيف العوضين عند عدم مشاهدتهما عرفا في كل معاوضة و ليس المدار على الدقة من كل حيثية و جهة، لأنه خارج عن العادة و مستنكر عند نوع المتعاملين.

ص: 29


1- الوسائل باب: 1 من أبواب السلف.
2- راجع ج: 17 صفحة: 8.
الثاني: قبض الثمن قبل التفرق عن مجلس العقد

الثاني: قبض الثمن قبل التفرق عن مجلس العقد (14) و لو قبض البعض صح فيه و بطل في الباقي مع ثبوت الخيار بالنسبة إلى من لم يقصر في القبض و الإقباض (15) و لو كان الثمن دينا في ذمة البائع فإن كان مؤجلا لا يجوز جعله ثمنا للمسلم فيه على الأحوط (16).

______________________________

(14) للإجماع، و السيرة خلفا عن سلف و لم ينقل الخلاف إلا عن أبي علي و هو شاذ متروك كما اعترف به في الدروس، و الظاهر كون القبض شرطا للصحة كما نص عليه جمع من الفقهاء.

(15) اما الصحة في المقبوض فلوجود المقتضى و فقد المانع. و أما البطلان فلعدم القبض. و أما الخيار فلتبعض الصفقة.

(16) نسب عدم الجواز إلى المشهور و لكن مقتضى الإطلاقات و العمومات الجواز في هذه الصورة و في ما يأتي و لا مانع في البين إلا ما يقال:

انه من بيع الدين بالدين المنهي عنه فلا يصح حينئذ لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يباع الدين بالدين» (1)، و لما في الجواهر عن بعض الكتب المعتبرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك فأتى المطلوب يبتاع منه شيئا، فقال عليه السّلام: لا يبيعه نسئا و أما نقدا فليبعه بما شاء» بناء على أن المراد بالنسإ هنا السلف و فيه: ان الموجود في كتب الأحاديث: «فأتى المطلوب الطالب» (2)، و ما ذكره تكلف و مختص به.

و على أي تقدير لا يصلح كل منهما لإثبات المنع.

أما الأول: فلان المتيقن منه ما إذا كان كل من الثمن و المثمن دينا مؤجلا قبل إنشاء البيع لا ما إذا حصل أحد الدينين بنفس العقد.

و أما الثاني فلما مر و يمكن حمله على الكراهة لمعارضته على فرض

ص: 30


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الدين: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 8.

و إن كان حالا يجوز (17) و إن كان الأحوط تركه (18)، و لو جعل الثمن كليا في ذمة المشتري ثمَّ حاسبه به بما له في ذمة البائع المسلم إليه فلا اشكال فيه و لا وجه للاحتياط حينئذ (19).

الثالث: تقدير المبيع بما يعتبر فيه

الثالث: تقدير المبيع بما يعتبر فيه من الكيل أو الوزن أو العد أو الذرع أو نحوها (20).

الرابع: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيام أو الشهور أو السنين

الرابع: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيام أو الشهور أو السنين

______________________________

الصحة و الدلالة بخبر إسماعيل بن عمر: «انه كان على رجل دراهم فعرض عليه الرجل ان يبيعه بها طعاما إلى أجل فأمر إسماعيل يسأله، فقال: لا بأس بذلك فعاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك و قال إني كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت لا بأس، فقال: ما يقول فيها من عندكم؟ قلت يقولون: فاسد، فقال: لا تفعله فإني أوهمت» (1)، و لا بد من طرح ذيله أو حمله على التقية.

و لذا ذهب جمع إلى الكراهة منهم المحقق في الشرائع و الفاضل في التحرير.

(17) للإطلاقات و العمومات بلا مقيد و مخصص في البين.

(18) لاحتمال كونه من بيع الدين بالدين فيشمله إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا يباع الدين بالدين» (2)، لكن تقدم أن المراد به الدين المؤجل الثابت قبل إنشاء العقد لا الحال أو الحاصل بالعقد و الشك في الشمول يكفي في عدمه.

(19) لأنه حينئذ استيفاء لا أن يكون معاوضة حتى يتوهم فيه بيع الدين بالدين بل هذا من طرق التخلص عن بيع الدين بالدين و تأتي جملة من أقسام بيع الدين بالدين في المسائل الآتية إنشاء اللّه تعالى.

(20) لجملة من النصوص منها قول علي عليه السّلام: «لا بأس بالسلم كيلا

ص: 31


1- الوسائل باب: 8 من أبواب السلف: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الدين حديث: 1.

أو نحو ذلك (21).

______________________________

معلوما إلى أجل معلوم، و لا تسلمه إلى دياس و لا إلى حصاد» (1)، و الدياس دق السنبل ليخرج منه الحب، و منها خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم؟ قال عليه السّلام: لا بأس به» (2)، مضافا إلى إجماع الفقهاء، و سيرة العقلاء، و حديث النهي عن الغرر (3)، و هذا من الشرائط العامة لمطلق المعاوضات و لا اختصاص له بالمقام فيعتبر في المشاهد المحسوس فضلا عن الغائب. و يعتبر في صحة السلم في المعدودات تساوي أفراده عرفا من حيث الكمية فلو اختلف فيها بما لا يتسامح فيه عرفا فلا يصح السلم فيه للجهالة.

(21) لجملة من النصوص منها النبوي المعمول به: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم و وزن معلوم و أجل معلوم»(4)، و خبر سماعة قال: «سألته عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه؟

قال عليه السّلام: نعم، إذا كان إلى أجل معلوم، و سألته عن السلم في الحيوان إذا و صفته إلى أجل و عن السلف في الطعام كيلا معلوما إلى أجل معلوم؟ فقال عليه السّلام: «لا بأس به» (5)، مضافا إلى ظهور الإجماع و هذا هو المرتكز في أذهان الناس و يجعلون هذا النحو من البيع وسيلة لقضاء حوائجهم ببيع أجناس و تسليمها في المستقبل و أخذ ثمنها فعلا و صرفه في حوائجهم و هذا هو المنساق من الأخبار أيضا حيث قرر الشارع هذا البيع المتعارف لديهم إرفاقا بالمحتاجين. و المرجع في تعيين الأجل إلى العرف و هو يختلف بحسب الأوقات المعتبرة لديهم.

ص: 32


1- الوسائل باب: 3 من أبواب السلف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب السلف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 40 من أبواب آداب التجارة: 3.
4- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب السلف حديث: 4.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب السلف حديث: 8.

.....

______________________________

إنما الكلام في أن ذلك من مقوماته بحيث يكون بيع السلف حالا و بدون ذكر المدة باطلا أصلا أو أن ذاك هو الفرد الغالب منه؟ الحق هو الأخير، لأصالة عدم اعتبار ذكر المدة، و إطلاقات جملة من الأدلة و ما ذكر فيه الأجل انما هو من باب الغالب لا التقوم الذاتي فالمقتضي لكون هذا البيع حالا موجود و المانع عنه مفقود، لأن ما يحتمل فيه المنع أمور:

الأول: ذكر الأجل في جملة من الأخبار كما مر.

الثاني: كونه مرتكزا في أذهان الناس.

الثالث: عدم معهودية وقوع بيع الحال بلفظ السلم.

و الكل باطل: إذ الأولان من باب الغالب و بيان اعتبار معلومية الأجل لو ذكر، لا اعتبار أصل الأجل و لزوم ذكره، و أما الأخير فقد مر أن المناط على الظهور العرفي و لو بالقرائن، مع انه لا وجه لهذا الإشكال أصلا لأن الكلام فيما إذا قصد السلم حالا لا فيما قصد مطلق البيع.

و بالجملة قد يتفقان على بيع الحال و يوجد انه بلفظ السلم و لا ربط له بالمقام بل هو يدور مدار ظهور اللفظ فيه و لو بالقرينة و قد يتفقان على بيع السلف المعهود حالا و نتيجته تخيير المشتري في المطالبة في أي زمان شاء و قلنا ان مقتضى الأدلة صحته أيضا لا ان يكون البيع الحال المعهود الذي يكون في مقابل السلم، فالسلف قسمان مؤجل و هو الغالب و حال غير غالب هذا مضافا إلى صحيح ابن الحجاج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا؟ قال عليه السّلام: ليس به بأس. قلت:

إنهم يفسدونه عندنا، قال: و أي شي ء يقولون في السلم؟

قلت: لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل كان أحق، ثمَّ قال: لا بأس بأن يشتري الطعام و ليس هو عند صاحبه إلى أجل. فقال: لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب و البطيخ و شبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا» (1)، هذا مضافا إلى إطلاق المعتبرة المستفيضة النافية للبأس

ص: 33


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام العقود: 1.

فلو جعل الأجل مدة مجهولة كان باطلا (22) و لا فرق في الأجل بعد كونه مضبوطا بين أن يكون قليلا كيوم بل نصف يوم أو كثيرا كعشرين أو ثلاثين سنة (23).

الخامس: إمكان وجوده وقت الحلول و إن كان معدوما حين العقد

الخامس: إمكان وجوده وقت الحلول و إن كان معدوما حين العقد (24)

______________________________

عن السلم مع الضبط بالمقدار من دون تعرض للأجل و لا ينافيها ذكره في غيرها بعد ان كان المراد منه الفرد المتعارف من السلف فيستفاد منه ان المناط كله على القدرة على التسليم حين مطالبة المشتري مؤجلا كان السلم أو حالا غير مؤجل و لذا ذهب جمع إلى الصحة.

(22) بالنسبة إلى السلف المعهود المتعارف إجماعا، و لظواهر ما دل من النصوص على اشتراط المعلومية و لا يساعد العرف أيضا على ذكر الأجل المجهول حتى لو كان معلوما في الواقع و كان مجهولا لدى المتعاملين.

و أما بالنسبة إلى مطلق البيع و السلف الحال فلا وجه لبطلان إلا قاعدة: «ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع» و شمولها للمقام مخدوش لتحقق قصد البيع و السلف في الجملة و القاعدة لا تدل على لزوم وقوع جميع ما قصد في الخارج طبقا لجميع خصوصيات المقصود بل يكون مفاد اعتبار القصد في المنشأ المفروع تحققه.

(23) للأصل و الإطلاق، و عدم دليل على تحديده في طرفي القلة الكثرة.

و نسب إلى أبي على تحديده في طرف القلة بثلاثة أيام و في طرف الكثرة أن لا يكون ثلاث سنين و لا دليل عليه إلا بعض الأخبار الناهية عن البيع سنين (1)، المحمول على الكراهة.

(24) لعدم التمكن من التسليم عرفا مع عدمه و هذا الشرط يرجع إلى

ص: 34


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.

و في البلد الذي شرط التسليم فيه إن شرط ذلك (25).

مسألة 18: يجب تعيين بلد التسليم إن اختلفت الأغراض المعاملية بذلك

(مسألة 18): يجب تعيين بلد التسليم إن اختلفت الأغراض المعاملية بذلك (26) إلا إذا كان متعينا خارجا من انصراف أو نحوه (27).

مسألة 19: إذا جعل الأجل شهرا أو شهرين أو شهور

(مسألة 19): إذا جعل الأجل شهرا أو شهرين أو شهور فإن وقعت المعاملة في أول الشهر يحسب الشهر- واحدا كان أو متعددا- هلاليا (28) تمَّ الشهر أو نقص (29) و إن وقعت المعاملة في أثناء الشهر يحسب كل شهر ثلاثين يوما (30) و يمكن فرض الهلالي أيضا بأن يعد من الشهر اللاحق ما فات من الشهر السابق فإذا وقع العقد في العاشر من الشهر و كان

______________________________

القدرة على التسليم التي هي من الشرائط العامة لمطلق البيع و انما أفرده بالذكر للرد على بعض العامة الذي أبطل السلم على ما كان معدوما حين العقد مع عدم دليل له يصلح لذلك كما فصل في المطولات و قد مر أنه لا يعتبر ذلك في مطلق البيع فضلا عن السلم و إنما المعتبر هو القدرة على التسليم حين القبض و الإقباض.

(25) لعدم التمكن من التسليم بدون ذلك فيه عرفا مع أنه قد اشترط التسليم فيه.

(26) لأنه بدون التعيين غرر مع فرض اختلاف الأغراض المعاملية بذلك.

(27) لأنه يصير التعيين حينئذ لغوا إلا ان يحمل على التأكيد أو كان الغرض تعينه في غير مورد الانصراف و نحوه فلا بد من التعيين حينئذ.

(28) لأنه المنساق منه في المتعارف، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(29) لأنه بعد الانصراف إلى الهلالي عرفا لا وجه لملاحظة التمام و النقصان

(30) لانسباق الثلاثين من الشهر الانكساري عرفا إلا مع القرينة على الخلاف.

ص: 35

الأجل شهرا مثلا حل الأجل في العاشر من الشهر الثاني و هكذا فربما لا يكون ثلاثين يوما لو كان الشهر الأول ناقصا (31) و الأحوط التصالح (32).

مسألة 20: إذا جعل الأجل إلى جمادي أو الربيع حمل على أقربهما

(مسألة 20): إذا جعل الأجل إلى جمادي أو الربيع حمل على أقربهما، و كذا لو جعل إلى الخميس أو الجمعة حمل إلى الأقرب منهما (33) فيحمل الأجل بأول جزء من رؤية الهلال في الأول و بأول

______________________________

(31) لا مكان تصوير الهلالي الذي يكون الشهر حقيقيا فيه عند الإطلاق فيكون هذا أقرب إلى الحقيقة من عد كل شهر ثلاثين و يظهر اختيار ذلك من اللمعة و المبسوط.

(32) لأن الاحتمالات بل الأقوال في المقام كثيرة:

الأول: عد كل شهر ثلاثين يوما.

الثاني: التلفيق مطلقا.

الثالث: عد الشهر الأول ثلاثين و البقية هلالية و إتمام الشهر الأول من الشهر الآخر.

الرابع: انكسار الجميع مطلقا.

الخامس: الانكسار جميعا و اعتبارها هلاليا و أصل النزاع يدور مدار مراعاة الحقيقة أي الهلالي مهما أمكن و مراعاة ما هو الأقرب إليها مع عدم الإمكان و ليس في البين نص و لا إجماع بل المسألة اجتهادية محضة فكل يتبع ظنه و في مثل ذلك ينبغي مراعاة الاحتياط.

(33) لأن الفهم العرفي يساعد الحمل على الأقرب في مثل هذه التعبيرات و ظاهرهم الإجماع عليه أيضا و لا مخالف في البين إلا ما نسب إلى التذكرة في الجمادى و الربيع بدعوى أنهما يطلقان على كل ما يسمى بالجمادى و الربيع فالحمل على الأول ترجيح بلا مرجح و هذا منه غريب لأن الانسباق العرفي يوجب تعين الأول و هو مرجح فالمقام من المشترك المعنوي الذي

ص: 36

جزء من نهار اليوم في الثاني.

مسألة 21: لو اشترى شيئا سلفا لم يجز بيعه قبل حلول الأجل

(مسألة 21): لو اشترى شيئا سلفا لم يجز بيعه قبل حلول الأجل (34) لا على البائع و لا على غيره سواء باعه بجنس الثمن الأول أو بغيره و سواء كان مساويا له أو أقل أو أكثر (35) و يجوز بعد حلوله (36) سواء قبضه أو

______________________________

يكون العرف شاهدا على تعين بعض أفراده عند الإطلاق.

(34) للإجماع، و لأن الملكية و ان حصلت بالعقد و لكن العرف لا يقدم على المعاوضة بالنسبة إلى هذا الملك الذي لم يتسلط المالك عليه بعد من كل حيثية و جهة و لم يحصل الاستيلاء التام له عليه و مع ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاقات و العمومات.

(35) لإطلاق معقد الإجماع الشامل لجميع ذلك، و جريان ما ذكرناه من المناسبة في الجميع.

(36) للإطلاقات و العمومات و الإجماع، و النصوص المعمولة بها عند الأصحاب منها خبر ابان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في خبر الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول لي: ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه، فقال: لا بأس بذلك» (1)، و منها مكاتبة ابن فضال: «كتبت إلى ابي الحسن عليه السّلام: الرجل يسلفني في الطعام فيجي ء الوقت و ليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم؟ قال عليه السّلام: «نعم» (2)، و قريب منهما غيرهما، و الظاهر أن الطعام من باب المثال و الغالب في تلك الأزمنة و لا نحتاج إلى هذه الاخبار بعد موافقة الحكم للقاعدة، كما ان اختصاص هذه الأخبار بالبيع على من هو عليه لا يضر بعد كونه من باب المثال ظاهرا و الاتفاق على عدم الفرق ثانيا، مضافا إلى الإطلاقات و العمومات فما نسب إلى ابن إدريس من الاختصاص جمودا على الظاهر لا وجه له.

ص: 37


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف حديث: 5 و 8.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف حديث: 5 و 8.

لم يقبضه على البائع و على غيره بجنس الثمن أو مخالفه بالمساوي له أو بالأقل أو الأكثر ما لم يستلزم الربا (37).

______________________________

(37) كل ذلك للإطلاقات و العمومات، و إطلاق ما تقدم من الأدلة الخاصة. ثمَّ ان في المقام أخبار أخرى ربما يتراءى منها المخالفة لما تقدم من الأخبار.

منها: خبر ابن جعفر قال: «سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته دراهم؟ قال عليه السّلام: إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم- الحديث-» (1).

و فيه. أولا: أنه ضعيف السند.

و ثانيا: انه ظاهر في الكراهة.

و ثالثا: يمكن حمله على ما إذا تحقق الرباء بالزيادة و النقيصة.

و منها: صحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أمير المؤمنين عليه السّلام: من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه و ليس شرطه إلا الورق، و ان قال: خذ مني بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه فإن لم يجد شرطه و أخذ ورقا لا محاله قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله لا تظلمون (2)، و قريب منه صحيحه الآخر (3).

و فيه: ان المنساق منه انما هو فسخ البيع رأسا ورد الثمن الأول لا بيع المسلم فيه ثانيا كما هو مورد البحث في المقام فلا تعارض له مع ما تقدم مع الأخبار.

و منها: صحيح ابن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسلف في الحنطة و الثمرة مائة درهم فيأتي صاحبه حين يحل الذي له فيقول: و اللّه ما

ص: 38


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 12.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 15 و 9.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 15 و 9.

نعم، لو كان المسلم فيه مما يكال أو يوزن يكره بيعه قبل قبضه (38).

مسألة 22: إذا دفع المسلم إليه إلى المشتري بعد حلول الأجل الجنس الذي أسلم فيه

(مسألة 22): إذا دفع المسلم إليه إلى المشتري بعد حلول الأجل الجنس الذي أسلم فيه و كان دونه من حيث الصفة أو المقدار لم يجب قبوله (39)، و يجوز مع الرضاء و طيب النفس (40). و كذا لو كان من غير

______________________________

عندي إلا نصف الذي لك فخذ مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة و بنصفه ورقا؟ فقال عليه السّلام: لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه» (1).

و فيه: انه أيضا يحتمل فسخ البيع و إيجاد معاملة جديدة، مع انه على فرض الدلالة يمكن الحمل على الكراهة جمعا كما هو دأب الفقهاء في أمثال هذه الاخبار، و من الغريب دعوى الإجماع على عدم الجواز في هذه المسألة التي فيها ستة أقوال أو أكثر مع ذهاب المشهور إلى الجواز فلا بد من رد الأخبار- التي تجاوزت خمسة عشر- بعضها إلى بعض و الحكم بالمحصل منها لا الجمود على بعضها و الغفلة عن الآخر هذا مع ان الإجماع على الجواز في غير الجنس زاد أو نقص فلا بد من تقييد إطلاق بعض هذه الاخبار على ما إذا كان بالجنس بقرينة الإجماع فراجع.

(38) لأنه حينئذ يصير من صغريات بيع الشي ء قبل قبضه و قد مر في النقد و النسية ان المشهور هو الجواز مع الكراهة و لو قبضه ثمَّ باعه تزول الكراهة.

(39) للإجماع و لأنه ليس نفس حقه، مع تضرره به.

(40) نصوصا و إجماعا، و لأن الحق له فيجوز له إسقاطه مع طيب النفس.

و عن أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السلم في الحيوان؟ قال عليه السّلام:

ليس به بأس، قلت: أرأيت ان أسلم في أسنان معلومة أو شي ء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه و فوقه بطيبة نفس منهم، فقال: لا بأس

ص: 39


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 16.

الجنس (41) و إذا كان مثله فيهما وجب القبول كغيره من الديون (42) و كذا إذا كان فوقه من حيث الصفة (43) و أما إذا كان أكثر منه بحسب المقدار لم يجب عليه قبول الزيادة (44).

مسألة 23: إذا حل الأجل و لم يتمكن البائع من أداء المبيع لعارض

(مسألة 23): إذا حل الأجل و لم يتمكن البائع من أداء المبيع لعارض من آفة أو عجز له من تحصيل أو إعوازه في البلد مع عدم إمكان جلبه من مكان آخر أو غير ذلك من الاعذار حتى انقضى الأجل كان المشتري بالخيار بين أن يفسخ المعاملة و يرجع بثمنه و رأس ماله و بين ان يصبر إلى

______________________________

به»(1)، و في رواية الحلبي (2)، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسلم في وصف أسنان معلومة و لون معلوم ثمَّ يعطي دون شرطه أو فوقه، فقال عليه السّلام: إذا كان عن طيبة نفس منك و منه فلا بأس» و نحوهما غيرهما.

(41) لأنه ليس بوفاء أصلا، إذا الوفاء لا بد و أن يكون بالجنس نعم لو تراضيا عليه تبرأ ذمة البائع.

(42) لأصالة عدم حق له على الطرف في حفظ ماله، مضافا إلى الإجماع هذا مع عدم العذر و أما معه فلا يجب القبول لمكان العذر كما لا يجب على الطرف حفظ هذا المال فلا بد له من المراجعة إلى الحاكم الشرعي إلا أن يتراضيا على شي ء.

(43) لأنه حينئذ فرد من أفراد المبيع فيجب عليه القبول مضافا إلى الإجماع هذا إذا لم يكن منة في البين و إلا فلا دليل على وجوب القبول بل مقتضى الأصل عدمه.

(44) لعدم كون الزيادة من أفراد المبيع، و لأصالة عدم وجوب قبول الزيادة خصوصا مع المنة.

ص: 40


1- الوسائل باب: 9 من أبواب السلف حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب السلف حديث: 2 و 1.

أن يوجد و يتمكن البائع من الأداء (45)، و لهما ان يتراضيا بقيمة وقت الأداء سواء زادت عن الثمن أو ساوت أو نقصت عنه (46) و ليس للمشتري إلزام البائع بأداء قيمة وقت الأداء إن كانت أزيد من ثمن المسمى (47).

مسألة 24: لا فرق في هذا الخيار بين كون التأخير بتفريط من البائع أو غيره

(مسألة 24): لا فرق في هذا الخيار بين كون التأخير بتفريط من البائع أو غيره (48).

نعم، لو كان ذلك لتقصير من المشتري فلا خيار له حينئذ (49) و لو

______________________________

(45) للنص و الإجماع و تخلف الشرط ففي موثق ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلف في شي ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه؟ قال عليه السّلام: فليأخذ رأس ماله أو لينظره» (1)، و تدل عليه الاعتبارات المعاملية بين الناس أيضا و لم يخالف في المسألة أحد منا إلا الحلبي فعين عليه الصبر و نسبه في الدروس إلى الندرة و في غيره إلى الخطأ و أما احتمال انفساخ البيع لأنه حينئذ كتلف المبيع قبل القبض فمخالف للأصل و النص و الإجماع مع أنه لم يحتمله أحد منا.

(46) لقاعدة السلطنة بعد أن الحق يقوم بهما، فلهما ما أراد أو ما شاء اما لم يرد تحديد شرعي في البين و هو مفقود.

(47) لأصالة عدم الانتقال إلى القيمة، و أصالة براءة ذمة البائع عن وجوب قبول ذلك، و نسب إلى الشهيد الثاني ثبوت هذا الحق للمشتري، لأن القيمة بدل عند تعذر الحق.

و فيه: انه مخالف للأصل و إطلاق ما تقدم من موثق ابن بكير و ظاهر كلمات الأصحاب.

نعم، لا بأس به مع التراضي كما مرّ.

(48) لإطلاق النص و الفتوى الشامل لصورتي التفريط و غيره.

(49) لأنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه و الخيار للإرفاق فلا يشمل

ص: 41


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 14.

تعذر البعض دون الجميع كان للمشتري الخيار بالنسبة إلى ما تعذر، و كذا بالنسبة إلى الجميع (50).

مسألة 25: هذا الخيار على التراخي و ليس فوريا

(مسألة 25): هذا الخيار على التراخي و ليس فوريا، فلو أخر لعذر أو لغيره لا يسقط خياره (51)، و لو اختار الصبر يصح له الفسخ بعد ذلك (52).

مسألة 26: إذا اتفقا على أصل القبض و اختلفا في انه كان قبل التفرق حتى يصح العقد أو بعده حتى يبطل يقدم قول مدعي الصحة

(مسألة 26): إذا اتفقا على أصل القبض و اختلفا في انه كان قبل التفرق حتى يصح العقد أو بعده حتى يبطل يقدم قول مدعي الصحة (53)، و لو اختلفا في تحقق أصل القبض و عدمه فإن كان بعد التفرق بطل العقد و إن كان قبله فالقول قول منكر القبض (54).

______________________________

صورة الإقدام على التضرر المخالف للإرفاق.

(50) أما الخيار بالنسبة إلى ما تعذر فلوجود المقتضى و فقد المانع فيشمله إطلاق الدليل لا محالة و أما بالنسبة إلى الجميع فلتبعض الصفقة و ظاهرهم الإجماع على الحكمين.

(51) للأصل و الإطلاق و ظواهر الكلمات بل صريح بعضها، و لعدم دليل للفورية إلا أصالة اللزوم في غير المتيقن و هي محكومة بإطلاق موثق ابن بكير كما تقدم فلا وجه للأخذ بالقدر المتيقن مع وجود الإطلاق.

(52) لأن اختيار الصبر ليس لأجل إسقاط حق الخيار بل لأجل أن يظهر الحال و يتفكر فيما يتبين في المآل.

و بعبارة أخرى: هو بنحو الترخيص لا العزيمة و إن كان بالنحو الثاني فليس له الخيار بعد اختيار الصبر و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

(53) لأصالة الصحة الجارية في العقود عند الشك فيها، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(54) لأصالة عدم القبض في القسمين فيبطل العقد إن كانت الدعوى بعد التفرق، و يصح العقد و لا بد من القبض إن كان قبله.

ص: 42

مسألة 27: لو ظهر عيب في الثمن المعين

(مسألة 27): لو ظهر عيب في الثمن المعين فإن كان من غير الجنس بطل العقد إن كان في الجميع و بالنسبة إن كان في البعض (55). و له حينئذ خيار التبعض (56)، و لو كان العقد على الكلي يبدّله قبل التفرق (57) و إن كان بعده بطل العقد (58)، و إن كان من الجنس كخشونة الجوهر و نحوها فللبائع الخيار بين الرد و أخذ الأرش (59).

______________________________

(55) لأن ما وقع عليه لم يكن مورد العقد و ما كان مورد العقد لم ينشأ العقد عليه.

(56) لفرض تبعض الصفقة عليه و هو موجب للخيار.

(57) لوجود المقتضى و فقد المانع.

(58) لما مر من اشتراط عدم التفرق في قبض الثمن.

(59) لما تقدم وجهه في أحكام الصرف فراجع، إذ المقام متحد معه من هذه الجهة و جملة الاقسام فيهما ان العيب إما أن يكون من الجنس أو من غيره و على كل منهما إما أن يكون في تمام الثمن أو في بعضه و على كل حال منها إما ان يظهر قبل التفرق أو بعده و على كل منها اما ان يكون الثمن كليا أو معينا فالأقسام ستة عشر و حكم الكل واضح بعد التأمل.

ثمَّ انهم قد ذكروا هنا بعض أقسام بيع الدين مع انها لا بد و ان يذكر في كتاب الدين و لذا تعرضنا لها هناك و لم نتعرض في المقام مخافة التكرار.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 43

أقسام البيع بالنسبة إلى الثمن

اشارة

أقسام البيع بالنسبة إلى الثمن أقسام البيع بالنسبة إلى ملاحظة الثمن أربعة:

الأول: بيع شي ء معلوم بثمن معلوم مع تراضيهما عليه من دون ذكر رأس المال و الربح و الخسران و لا يلاحظ ذلك كله في العقد و يسمى ذلك بالمساومة.

الثاني: البيع برأس المال مع الزيادة و يسمى ذلك بالمرابحة.

الثالث: البيع برأس المال مع النقيصة و يسمى ذلك بالمواضعة.

الرابع: البيع برأس المال من دون زيادة و لا نقيصة و يسمى ذلك بالتولية، و يأتي ما يتعلق بالتشريك و الكل صحيح (1). و أفضل هذه الأقسام.

______________________________

أقسام البيع بالنسبة إلى الثمن

(1) للإطلاقات، و العمومات، و الإجماع و هذه أقسام عرفية في البيع بل تجري في كل معاوضة و يكفي فيها شرعا عدم ثبوت الردع فكيف بالتقرير، لعموم الأدلة و قاعدة السلطة و قد ورد النص فيها كما تأتي الإشارة إليها، مع انا لا نحتاج إلى دليل خاص و بيان مخصوص و يصح ان يجتمع في بيع واحد بالنسبة إلى أشخاص متعددة جميع هذه الاقسام و في مبيع واحد ذات اجزاء بالنسبة إلى شخص واحد كذلك و قد يذكر قسم خاص و هو التشريك أي: إعطاء بعض المبيع برأس ماله و لم يذكره غير الشهيد في الدروس و اللمعة و الإطلاق يشمله و ان كان كثير من الأصحاب لم يذكره.

ص: 44

المساومة، و المرابحة مكروهة (2).

مسألة 1: يعتبر في تحقق ما تقدم- من الأقسام الأربعة- القصد و لفظ ظاهر في العنوان الخاص المنشأ

(مسألة 1): يعتبر في تحقق ما تقدم- من الأقسام الأربعة- القصد و لفظ ظاهر في العنوان الخاص المنشأ و يتحقق بالمعاطاة أيضا بعد المقاولة على تعيين العنوان، و يعتبر في المرابحة تعيين مقدار الربح و في المواضعة تعيين مقدار النقيصة (3).

مسألة 2: عبارة عقد المرابحة بعد تعيين رأس المال- أو تعينه من الخارج

(مسألة 2): عبارة عقد المرابحة بعد تعيين رأس المال- أو تعينه من الخارج أن يقول البائع: بعتك هذا المتاع بما اشتريت و ربح كذا و يقول:

______________________________

(2) للنص و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في موثق أبان: «اني لأكره بيع عشرة بإحدى عشرة و عشرة باثني عشر و نحو ذلك من البيع و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة، قال: و أتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك و عظم عليّ فبعته مساومة» (1).

(3) أما الأول فإنها عناوين قصدية لا انطباقية قهرية و يكفي القصد الإجمالي و لا يعتبر التفصيلي، للأصل.

و أما الثاني: فللإطلاقات و العمومات الشاملة للمعاطاة أيضا، و قد تقدم في أول كتاب البيع انها مطابقة للقاعدة (2)، و تجري في جميع البيوع و المعاوضات.

و أما الثالث: فلتقوم المحاورات العرفية بالظواهر و لو كانت مستندة إلى القرائن.

و أما الأخيران: فلحديث النهي عن بيع الغرر (3)، مضافا إلى الإجماع، مع عدم اقدام متعارف العقلاء على البيع و الشراء بالنسبة إلى المجهول.

ص: 45


1- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام العقود حديث: 4.
2- راجع ج: 16 صفحة: 226.
3- تقدم في صفحة: 32.

المشتري قبلت أو اشتريت هكذا، و عبارة المواضعة أن يقول: بعتك بما اشتريت مع نقصان كذا، و عبارة التولية ان يقول بعتك بما اشتريت (4).

مسألة 3: إذا قال البائع في المرابحة: بعتك هذا بمائة و ربح درهم في كل عشرة مثلا

(مسألة 3): إذا قال البائع في المرابحة: بعتك هذا بمائة و ربح درهم في كل عشرة مثلا، و قال في المواضعة: بعتك بمائة و وضعية درهم في كل عشرة فإن تبين للمشتري مقدار الثمن و مبلغه بعد ضم الربح أو تنقيص الوضعية أو كان في معرض التبين قريبا عرفا بحيث لا يصدق بيع المجهول في المتعارف عند التجار يصح البيع و إلا يبطل (5).

مسألة 4: لو تعددت النقود و اختلف سعرها و صرفها لا بد من تعيين ذلك

(مسألة 4): لو تعددت النقود و اختلف سعرها و صرفها لا بد من تعيين ذلك و كذا لا بد من ذكر الشروط و الأجل و نحو ذلك مما يتفاوت لأجله الثمن (6).

مسألة 5: إذا اشترى متاعا بثمن معين و لم يحدث فيه ما يوجب زيادة قيمته فرأس ماله ذلك الثمن

(مسألة 5): إذا اشترى متاعا بثمن معين و لم يحدث فيه ما يوجب زيادة قيمته فرأس ماله ذلك الثمن (7) فيجوز عند إخباره عنه أن يقول:

«اشتريت بكذا، أو رأس مالي كذا، أو تقوّم عليّ بكذا أو هو عليّ

______________________________

(4) لظهور كل واحدة من هذه التعبيرات في العناوين الخاصة المنشأ بها و قد تقدم غير مرة ان الظهور العرفي يكفي في إنشاء العقد و لو كان بواسطة القرينة.

(5) لأن المناط في الصحة و البطلان على معلومية العوضين و عدمها ففي الأول يصح البيع بخلاف الثاني و النزاع في الصحة و عدمها في مثل هذه المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا و المعرضية القريبة العرفية بحكم المعلومية عرفا إذا كانت بحيث يعتمد عليها متعارف الناس في معاملاتهم.

(6) لاختلاف الأغراض المعاملية عند الناس بذلك كله و تحقق الجهالة مع عدم التعيين فيصير البيع باطلا حينئذ.

(7) لشهادة العرف و اللغة و الشرع بذلك.

ص: 46

كذا» (8)، و إن أحدث فيه ما يوجب زيادة القيمة، فإن كان بعمل نفسه لم يجز ان يضم أجرة عمله إلى الثمن المسمى و يخبر بأن رأس ماله كذا أو اشتريته بكذا (9)، و يجوز أن يذكر كلا من رأس ماله و عمله مستقلا بأن يقول مثلا: «اشتريته بكذا و عملت فيه كذا» (10)، و ان كان باستئجار غيره جاز ان يضم الأجرة إلى الثمن و يقول: «بأنه تقوم عليّ أو هو عليّ بكذا» (11)، و لا يجوز ان يقول اشتريته بكذا أو رأس ماله كذا (12).

مسألة 6: لو اشترى متاعا معيبا و رجع بالأرش إلى البائع

(مسألة 6): لو اشترى متاعا معيبا و رجع بالأرش إلى البائع فيجوز ان يخبر بالواقع، و له ان يسقط مقدار الأرش من الثمن و يجعل رأس المال ما بقي فيقول: «رأس مالي كذا» (13)، و ليس له ان يجعل رأس المال الثمن المسمى من دون إسقاط قدر الأرش (14) بخلاف ما إذا حط البائع بعض الثمن فإنه يجوز للمشتري ان يخبر بالأصل من دون إسقاط الحطيط (15).

مسألة 7: يجوز أن يبيع متاعا ثمَّ يشتريه بزيادة أو نقيصة

(مسألة 7): يجوز أن يبيع متاعا ثمَّ يشتريه بزيادة أو نقيصة (16)

______________________________

(8) لأن جميع هذه التعبيرات عند العرف و أهل المحاورة و الخبرة واحد و ان اختلفت التعبيرات.

(9) لأنه كذب و هو حرام.

(10) لكونه صدقا فلا اشكال فيه فيجوز لا محالة.

(11) لأنه صدق فيجوز.

(12) لكونه كذب فلا إشكال في الحرمة.

(13) لكونه صادقا في الصورتين فيجوز ما قاله فيهما.

(14) لكونه كذب كما هو معلوم.

(15) لأنها تفضل من البائع عليه و لا دخل لها بالثمن، و كذا كلما كان من هذا القبيل تبرعا كان أو احتسابا من الحقوق.

(16) للإطلاقات و العمومات و قاعدة السلطنة و الإجماع.

ص: 47

إذا لم يشترط على المشتري بيعه منه (17) و إن كان من قصدهما ذلك (18)، و بذلك ربما يحتال من أراد ان يجعل رأس ماله أزيد مما اشترى به المتاع فيشترى متاعا بثمن ثمَّ يبيعه من ابنه أو زوجته أو أجنبي مثلا بثمن أزيد فيشتري منه بالثمن الزائد ثمَّ يخبر بالزائد فلم يكذب حينئذ في الأخبار برأس المال مثل أن يشتري متاعا في السوق بدينارين ثمَّ يبيعه من ابنه أو زوجته بأربعة ثمَّ يشتريه منه بأربعة فيقول في مقام المرابحة: ان رأس مالي أربعة فلم يكذب في رأس المال و صح بيعه بلا إشكال لأنه ليس بأعظم من الكذب الصريح في الإخبار برأس المال (19) لكنه غش و خيانة (20).

نعم، لو لم يكن ذلك عن مواطاة و بقصد الاحتيال جاز له ذلك و لا

______________________________

(17) لما تقدم في مسألة 7 من فصل النقد و النسية (1).

(18) لأن مجرد القصد لا اثر له في العقود و الإيقاعات مطلقا ما لم يكن له.

مبرز خارجي في البين.

(19) يأتي آنفا صحة البيع معه.

(20) لأن المشتري اعتمد على البائع و وثق به في انه ماكس لنفسه في بيعه و لم يماكس و اشترى من هذه الجهة بدون المماكسة وثوقا بل يمكن دعوى انصراف الأخبار بالاشتراء عن مثل ذلك، فيصير من الكذب موضوعا و لا ريب في حرمة الكذب و التدليس و الخيانة في الشريعة، لكن لا يبطل أصل البيع بذلك، للإطلاقات و العمومات، و أصالة الصحة، و لعدم تعلق النهي بذات العوضين فيكون للمشتري الخيار لو اطلع على ذلك بالبينة أو الإقرار و لكن الأحوط التراضي، لما قد يقال بفساد أصل العقد في مثل هذه الموارد.

ص: 48


1- راجع المجلد السابع عشر صفحة: 262.

محذور فيه (21).

مسألة 8: لو ظهر كذب البائع في اخباره برأس المال

(مسألة 8): لو ظهر كذب البائع في اخباره برأس المال كما إذا أخبر بأن رأس المال مائة و باعه بربح عشرة فظهر إنه كان تسعين صح البيع (22) و يتخير المشتري بين فسخ البيع و إمضائه بتمام الثمن و هو مائة و عشرة في المثال (23)

______________________________

(21) للأصل و العموم، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، مع أن الخيانة و الغش أمر قصدي و المفروض عدم قصده إلى ذلك بل قصد العدم و مثل ذلك ما إذا اشترى شيئا في محل من خارج البلد و كانت قيمته في البلد أغلى من ذلك السعر الذي اشتراه به و المشتري يريد شراءه بالسعر الذي اشتراه في الخارج فيبيعه البائع إلى أحد بسعر ثمَّ يشتريه منه و في مقام الإخبار يخبر بالشراء الثاني فإن الظاهر عدم صدق الخيانة عليه و مع ذلك الأولى تركه و يأتي في المسألة التالية ما ينفع المقام.

(22) للأصل و العموم، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و لأن موضوع الصحة هو الإخبار برأس المال لا رأس المال الواقعي في علم اللّه تعالى، و أولويته من تخلف الوصف و الشرط و الجملة، بل الحكم كذلك لو لم يكن له رأس مال أصلا فضلا عن كونه أقل لأجل الكذب و لا تعليق لرضاء المشتري على صدق البائع حتى ينفى بانتفائه بل الظاهر أن صدقه من دواعي الاقدام المعاملي لا أن يكون من القيود التعليلية الحقيقية حتى ينتفي أصل الرضاء بانتفائه، و مع الشك لا تثبت العلية فلا يتحقق بطلان البيع بل يصح، للإطلاق و العموم فما نسب إلى الأردبيلي رحمه اللّه من بطلان البيع لا وجه له.

(23) عمدة دليلهم على ثبوت هذا الخيار هو الإجماع و لا ينطبق على شي ء من الخيارات المعهودة إلا خيار تخلف الشرط البنائي على ما يأتي بيانه.

ص: 49

و لا فرق بين تعمد الكذب و صدوره غلطا و اشتباها (24) و لا يسقط هذا الخيار بالتلف فيعمل المشتري خياره و يرد المثل أو القيمة (25).

مسألة 9: لو سلم التاجر متاعا إلى الدلال ليبيعه له و عين له ثمنا معينا

(مسألة 9): لو سلم التاجر متاعا إلى الدلال ليبيعه له و عين له ثمنا معينا و جعل ما زاد على ذلك له بان قال له: «بعه عشرة برأس ماله فما زدت

______________________________

و أما الاستدلال له بحديث نفي الضرر (1)، و قاعدة الغرور (2)، و خيار التدليس. فلا وجه له إذ المنساق من الأول ما إذا كان العقد ضرريا لا ما إذا حصل الضرر من اخبار البائع، و المنساق من الثاني الضمان لا الخيار، و الأخير ليس عنوانا مستقلا حتى يتعدى من إطلاق دليله للمقام.

نعم، كل ذلك يصلح للتأييد.

و يمكن إدخاله في تخلف الشرط الضمني فإن بناء نوع المتعاملين على عدم الخيانة فيما يتعلق بالأغراض المعاملية و هذا شرط بنائي نوعي في نوع المعاملات و العهود و على هذا يتحقق الخيار في ظهور كل خيانة في كل ما يتعلق بالغرض المعاملي مما يختلف الأغراض المعاملية باختلافه و يظهر ذلك من صاحب الجواهر أيضا قال رحمه اللّه و نعم ما قال: «بل الظاهر ثبوته «الخيار» بعدم الأخبار بما يختلف الثمن فضلا عن الكذب». و لا خيار للبائع للأصل بعد عدم دليل عليه و لو حصل له ضرر لأنه المقدم عليه لكذبه و خيانته.

(24) لإطلاق معقد الإجماع و جريان ما ذكرنا من تخلف الشرط الضمني البنائي في الجميع.

(25) للأصل و عدم ما يصلح للسقوط، إذ لا أثر للتلف بعد التبدل بالمثل أو القيمة و لا يحصل على البائع ضرر من ذلك كما هو معلوم و قد تقدم في خيار الغبن و غيره ما ينفع المقام.

ص: 50


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات حديث: 3.
2- راجع ج: 16 صفحة: 247.

عليه فهو لك» لا يجوز له ان يبيعه مرابحة بأن يجعل رأس المال ما عينه التاجر و يزيد عليه مقدارا بعنوان الربح (26) بل اللازم إما أن يبيعه مساومة أو يبين ما هو الواقع من أن ما قوّمه التاجر كذا و انما أريد النفع كذا (27) فإن باعه بزيادة كانت الزيادة له (28). و ان باعه بما قومه التاجر صح البيع

______________________________

(26) للنص، و الإجماع، و لأنه كذب إذ لم يقع من التاجر معاملة بالنسبة إلى الدلال و إنما صدر منه مجرد الإخبار و المقاولة، و عن الصادق عليه السّلام في موثق سماعة: «سئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق و قد قوّموا عليه قيمة، و يقولون: بع فما ازددت فلك، فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك و لكن لا يبيعهم مرابحة» (1)، و في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ما تقول في الرجل يعطي المتاع فيقول له: ما ازددت على كذا و كذا فهو لك، قال عليه السّلام: لا بأس به» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(27) و لا ريب في صحة كل منهما للإطلاقات و العمومات و خروجهما عن مورد أدلة المنع تخصصا.

(28) البحث في ذلك.

تارة: بحسب النصوص و أخرى: بحسب القاعدة.

أما الأولى: فتكفينا النصوص الواردة في المقام في صحة ذلك و ظهورها في تملك الدلّال للزيادة، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن الرجل يعطي المتاع فيقال له: ما ازددت على كذا و كذا فهو لك؟ قال: لا بأس به» (3)، و مثله موثقه الآخر، و في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال

ص: 51


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 4.

و يكون الثمن له و لم يستحق الدلال شيئا (29) و ان كان الأحوط ارضاءه

______________________________

في رجل، قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، فقال عليه السّلام:

ليس به بأس» (1)، فدليل الحكم تام من حيث النصوص.

و أما الثانية: فالمقام من الجعالة عرفا.

و أشكل على ذلك. أولا: بعدم تحقق القبول من الدلال.

و ثانيا: بأن المالك لا يملك الربح قبل الظهور حتى يملّكه إلى الدلال.

و ثالثا: بالجهالة إذ لا يعلم مقدار ما زاد قبل حصوله إلا رب العباد.

و الكل باطل. أما الأول: فلما يأتي من أن الجعالة من سنخ الإيقاعات لا العقود و على فرض كونه من العقود يكفي فيها القبول العملي، لأنه قد توسع في الجعالة بما لم يتوسع في غيرها على فرض كونها من العقود.

أما الثاني: فلا ريب ان المالك مالك للعين و مالك لكل ما يعتبر في العين اعتبارا صحيحا كالربح الحاصل منه إلا ان الأول فعلى من كل جهة و الثاني اقتضائي شأني و هو أيضا صحيح يترتب عليه الأثر كجواز تملكيه تماما أو بعضا إلى الغير بعد الحصول فلا محذور في الجعالة من هذه الجهة أيضا.

و أما الثالث: فمقدار الزيادة معلوم عندهما إجمالا خصوصا عند الدلال الذي هو من أهل الخبرة و إنما تعلق الجهل بالخصوصية التفصيلية و مثله لا يضر في الجعالة المبنية على الجهالة في الجملة.

هذه خلاصة ما ينبغي ان يقال في المقام و ان شئت التفصيل فراجع المطولات تجد الكلمات مضطربة مشوشة جدا.

(29) أما كون الثمن للتاجر فلأنه عوض ماله الذي اذن في بيعه فمقتضى القاعدة كونه له.

و أما عدم استحقاق الدلال شيئا فلأن من لوازم اقدامه على كون الزيادة له اقدامه على المجانية لو لم تحصل زيادة في البين فالمجانية حصلت من هذا

ص: 52


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

بشي ء (30) و إن باعه بالأقل يكون فضوليا يتوقف صحته على إجازة التاجر (31).

مسألة 10: لو اشترى شخص متاعا أو دارا أو عقارا أو غيرها جاز له ان يشرك فيه غيره بما اشتراه

(مسألة 10): لو اشترى شخص متاعا أو دارا أو عقارا أو غيرها جاز له ان يشرك فيه غيره بما اشتراه بالمناصفة بتنصيف الثمن و بالمثالثة بثلث الثمن و هكذا (32) و يجوز إيقاعه بلفظ التشريك بأن يقول: شركتك في هذا المتاع نصفه بنصف الثمن أو ثلثه بثلث الثمن مثلا فقال قبلت (33)، و لو أطلق يتصرف إلى المناصفة (34) و يجوز إيقاعه بالمعاطاة أيضا مع التعيين (35).

_____________________________

الجعل المقرر بينهما، هذا مضافا إلى إطلاق ما تقدم من الأخبار.

(30) خروجا عن خلاف من جعل له أجرة المثل و ان كان لا دليل عليه و حرصا على عدم بطلان سعيه مهما أمكن و إن كان لا دليل على وجوبه.

(31) لفرض عدم اذنه في ذلك فيتحقق موضوع الفضولي قهرا. و نسب إلى المقنعة البطلان و لا دليل له من عقل أو نقل.

(32) لآية التراضي (1)، و قاعدة السلطنة، و عموم أحل الله البيع (2) بناء على انه بيع كما هو الحق و عموم أدلة بيع التولية لأنه من صغرياتها.

(33) لما مر غير مرة من ان المدار في ألفاظ العقود ظهورها عرفا في العنوان المقصود و لا ريب في ظهور هذا اللفظ في عنوان التشريك.

(34) لانصراف التشريك المطلق إلى النصف عرفا إلا مع القرينة على الخلاف.

(35) لأنه بعد كونه بيعا يجري فيه جميع ما يجري في البيع من غير فرق فتجري المعاطاة فيه.

ص: 53


1- سورة النساء: 29.
2- سورة البقرة: 275.

فصل في بيع الثمار و الزرع و الخضروات

اشارة

فصل في بيع الثمار و الزرع و الخضروات

مسألة 1: لا يجوز بيع الثمار في النخيل و الأشجار قبل بروزها و ظهورها

(مسألة 1): لا يجوز بيع الثمار في النخيل و الأشجار قبل بروزها و ظهورها (1)

______________________________

فصل في بيع الثمار و الزرع و الخضروات

(1) قد اختلفت الأخبار و الكلمات في هذه المسألة و البحث فيها من جهات:

الأولى: في أقسام موضوع المسألة.

الثانية: في حكمها بحسب الأصل العملي.

الثالثة: في حكمها بحسب الإطلاقات و العمومات.

الرابعة: في حكمها بحسب الأخبار الواردة.

الخامس: في بيان الكلمات فيها.

أما الجهة الأولى: فالأقسام المتصورة ثمانية:

الأول: بيعها قبل الظهور بضميمة.

الثاني: بيعها قبله أزيد من عام.

الثالث: بعد الظهور مع الضميمة.

الرابع: بعد الظهور أزيد من عام.

الخامس: بعد بدوّ الصلاح سواء كان مع الضميمة أولا و سواء كان في عام واحد أو أزيد منه.

ص: 54

..........

______________________________

السادس: قبل الظهور مع عدم القيدين.

السابع: بعد الظهور و قبل بدو الصلاح في عام واحد.

الثامن: بيع نفس الموجود فعلا على الشجر لوجود غرض صحيح عقلائي فيه بلا ضميمة و بلا قيد أصلا هذه هي عمدة الأقسام الموضوعية المتصورة في المقام.

أما الجهة الثانية: فمقتضى أصالة عدم النقل و الانتقال عدم ترتب الأثر في جميع هذه الأقسام كما هو الحال في جميع المعاملات و المعاوضات مطلقا عند الشك في ترتب الأثر.

أما الجهة الثالثة: فمقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة في جميع هذه الأقسام الثمانية كما هو كذلك في جميع المعاملات و المعاوضات التي يشك في صحتها و فسادها مع صدق عنوان المعاملة عليها عرفا.

و ما يقال: انه في الصورة السادسة من بيع المعدوم مع أنه غرري، لاحتمال عروض عوارض و آفات تمنع عن الظهور فلا وجه للصحة.

(مدفوع): بأنه مع وجود المادة القريبة إلى الظهور لا معنى لكونه معدوما مطلقا مع فرض اعتبار وجود هذه المادة عند أهل الخبرة و ترتب الأثر عليها عندهم.

و أما الغرر فهو محتمل فيها بعد الظهور أيضا، لأن الآفات غير محدودة بحد خاص و لا يعلمها الا اللّه تبارك و تعالى فكم من ثمرات تحصل الآفة بعد ظهورها و كم من آفات تحصل لها قبل الظهور و مع ذلك تبلغ الثمرة إلى نضجها و غاية كمالها و ذلك تقدير العليم الحكيم، مع أنه قد حددوا جميع الآفات الأرضية و الجوية بالاجهزة الخاصة كما هو معلوم فلا موضوع للغرر و الآفة عند أهل الخبرة.

و أما الأخبار فهي على أقسام:

القسم الأول: موثق ابن يزيد قال: «أمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا

ص: 55

.....

______________________________

جعفر عليه السّلام عن قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في النخل، فقال أبو جعفر عليه السّلام: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسمع ضوضاء، فقال ما هذا؟ فقيل له تبايع الناس بالنخل العام، فقال: أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشي ء و لم يحرمه» (1)، و في صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، فقال عليه السّلام: لا بأس- إلى أن قال- و سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها، فقال عليه السّلام: قد اختصموا في ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرمه و لكن فعل ذلك لأجل خصومتهم» (2)، و في موثق ربعي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه و أسمي الثمر و استثنى الكر من التمر أو أكثر أو العدد من النخل، فقال عليه السّلام لا بأس قلت: جعلت فداك بيع السنتين، قال عليه السّلام: لا بأس قلت: جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم، قال عليه السّلام: أما إنك قلت ذاك لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحل ذلك فتظالموا، فقال صلّى اللّه عليه و آله: لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها» (3).

و منه يظهر ان وجه الحرمة على فرض ثبوتها تظالم الناس بعضهم بعضا و لا ريب في حرمة ذلك مطلقا و لو كان في سنين متعددة، و أظهر من الكل في عدم الحرمة رواية يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء النخل؟ فقال عليه السّلام: كان أبي يكره شراء النخيل قبل أن يطلع ثمرة السنة، و لكن السنتين و الثلاث كان يقول: إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى قال يعقوب: و سألته عن الرجل يبتاع النخل و الفاكهة قبل أن يطلع سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال: لا بأس إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين» (4)، و مقتضى ظاهرها بل صريحها الجواز مطلقا مع

ص: 56


1- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2 و 4.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2 و 4.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 8.

..........

______________________________

الكراهة في العام الواحد قبل بروز الثمرة و ظهورها عاما واحدا و بلا ضميمة و لها نحو حكومة على سائر أخبار الباب و يستفاد منها ان منشأ تشريع الكراهة كان أمرا خارجا عن حقيقة البيع و هو خصومة الناس و يصير مفادها كالعمومات و الإطلاقات الجواز مطلقا قبل البروز و لو عاما واحدا و بلا ضميمة و لكنه يكره في هذه الصورة.

القسم الثاني: موثق سماعة قال: «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال عليه السّلام: لا إلا أن يشتري معها شيئا من غيرها رطبة أو بقلا فيقول: اشترى منك هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقل» (1)، و في موثق ابن عمار (2)، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تشتر الزرع ما لم يسنبل، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت نخلا فابتعت أصله و لم يكن فيه حمل لم يكن به بأس».

و يمكن حملهما على الكراهة خصوصا موثق سماعة بقرينة ذكره في السؤال: «هل يصلح» و الشاهد على الكراهة ما مر من الخبرين.

القسم الثالث: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «و ان اشتريته- أي النخل- في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ» (3)، و للبلوغ مراتب أرقى مرتبتها الظهور و هو ظاهر في الحرمة لو لا ما مر من القسم الأول من الاخبار الموجب لصرفه إلى الكراهة خصوصا مع تذييله بقوله عليه السّلام: «و سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها- الحديث كما تقدم-»، و في موثق ابن الوشاء قال: «سألت الرضا عليه السّلام هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟

قال عليه السّلام: لا يجوز بيعه حتى يزهو، قلت: و ما الزهو جعلت فداك؟

ص: 57


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الثمار: 1 و 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الثمار: 1 و 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

..........

______________________________

قال عليه السّلام: يحمر و يصفر و شبه ذلك» (1)، و في موثق بن موسى قال: «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال عليه السّلام: إذا عقد و صار عروقا» (2)، و في خبر آخر عنه:

«و صار عقودا» و العقود اسم الحصرم بالنبطية، و في حديث المناهي عنه عليه السّلام:

«و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله ان يبتاع الثمار حتى تزهو، يعنى تصفر أو تحمر» (3)، و في النبوي: «نهى عن المخاضرة و هو ان يبتاع الثمار قبل أن يبدو صلاحها» (4) إلى غير ذلك التي عبر فيها.

تارة: ببدو الصلاح كما تقدم في رواية ربعي.

و أخرى: ب «الإطعام» كما في موثق سماعة (5).

و ثالثة: ب «البلوغ» (6).

و رابعة: ب «الإدراك» (7).

و خامسة: ب «الاستبانة» كما تقدم في موثق ابن شعيب.

و سادسة: ب «التبيين» كما فيه كذلك.

و يمكن إرجاع الكل إلى معنى واحد لأنها موضوعات عرفية قابلة للتشكيك و لها مراتب مختلفة.

و بالجملة: الموضوع عرفي لا ان يكون تعبديا شرعيا أو من الموضوعات التي لنظر الفقيه فيها دخل حتى يحتاج إلى البيان و الإطناب بل أهل تلقيح النخل و عمال الأشجار و البساتين ربما يكونوا أعرف بهذه الأمور من الفقيه، و استندوا إليها للمنع عن صحة البيع قبل بدو الصلاح.

القسم الرابع: صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام: عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، فقال عليه السّلام: لا بأس تقول: إن لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل» (8)، و صحيح خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

ص: 58


1- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 14.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 15.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار: 10.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار: 22.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار: 2.
8- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

عاما واحدا و بلا ضميمة (2).

و يجوز بيعها عامين فما زاد (3)

______________________________

لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم و ان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل» (1)، و قد تقدم في خبر يعقوب بن شعيب أيضا.

أقول: يستفاد من قوله عليه السّلام، «ان لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل» ان المناط كله هو الاطمئنان العرفي بالخروج فيشمل ذلك السنة الواحدة و كذا قوله عليه السّلام في رواية أبي بصير (2): «حتى تثمر و تأمن ثمرتها من الآفة».

القسم الخامس: خبر محمد بن شريح قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى ثمرة نخل سنتين أو ثلاثا و ليس في الأرض غير ذلك النخل؟

قال عليه السّلام: لا يصلح إلا سنة و لا تشتره حتى يبين صلاحه، قال: و بلغني انه قال في ثمر الشجر لا بأس بشرائه إذا أصلحت ثمرته فقيل له: و ما صلاح ثمرته؟ فقال:

إذا عقد بعد سقوط ورده» (3)، هذه هي الأخبار التي وصلت إلينا.

و المتحصل من مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض الجواز مطلقا و لو قبل البروز في عام واحد و بلا ضميمة لكن على كراهة و هذا هو مختار صاحب الحدائق و نسب الميل إليه إلى جملة من محققي المتأخرين و لكن في الجواهر ادعى الإجماع على الخلاف على تفصيل يأتي.

(2) للإجماع، و لما مر من الاخبار في القسم الثالث، و ما تقدم من موثق سماعة بالنسبة إلى الضميمة في القسم الثاني، و لكن الظاهر ان إجماعهم اجتهادي و الاخبار يمكن حملها على الكراهة و الإرشاد إلى رفع الخصومة و الضوضاء كما مر في القسم الأول من الاخبار فلا منشأ للحرمة خصوصا مع حصول الاطمئنان العادي بالحصول من القرائن المعتبرة عند أهل الخبرة بأوضاع الأشجار و الاثمار و الزرع و نحوها من النباتات.

(3) لما تقدم في القسم الرابع من الأخبار، مع أن ظاهرهم الإجماع

ص: 59


1- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 13.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 9.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 10.

و مع الضميمة (4) و أما بعد الظهور فإن بدا صلاحها أو كان في عامين أو مع الضميمة يجوز بيعها أيضا (5) بل و يجوز بعد الظهور و إن كان قبل بدو الصلاح و مع عدم الضميمة و في عام واحد لا في عامين أو أكثر (6) و لكن يكره ذلك (7).

______________________________

على الجواز حينئذ.

(4) لموثق سماعة و قد تقدم في القسم الثاني من الأخبار فراجع و تشهد للصحة العرف و الاعتبار حينئذ أيضا.

(5) للإطلاقات و العمومات و ما مر من الاخبار في القسم الرابع و ما تقدم من موثق سماعة فإنها تشمل صورة بدو الصلاح بالنسبة إلى أكثر من عام واحد.

(6) لإطلاقات الأدلة و عموماتها، و القسم الأول من الاخبار، و انقطاع منشأ الخصومة و الضوضاء بعد الظهور غالبا، و سيرة أهل الخبرة على الأقدام بالمعاملة لعدم الجهالة و السفاهة و الغرر فيها حينئذ.

(7) لما تقدم في القسم الثالث و الخامس من الاخبار المحمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما تقدم في القسم الأول من الاخبار، مع اختلاف التعبيرات فيها من أمارات الكراهة.

فتلخص من جميع ما تقدم ان للثمرات أحوال أربعة:

الأول: قبل الظهور مطلقا.

الثاني: بعده و قبل بدو الصلاح بمراتبه.

الثالث: بعده و قبل النضج.

الرابع: بعد النضج، و الأخير جائز بالضرورة و بلا قيد، و كذا يجوز الثالث أيضا بل و كذا يجوز الثاني أيضا و أما الأول فقد تقدم عدم جوازه عند المشهور و قد ناقشنا في أدلتهم مع الاطمئنان المتعارف بالحصول و عدم الآفة فراجع.

ثمَّ انه في كل مورد لم يجز البيع يصح فيه الصلح لتحمله من الجهالة

ص: 60

مسألة 2: بدو الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره

(مسألة 2): بدو الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره و في غيره انعقاد حبه بعد تناثر ورده (8).

مسألة 3: يعتبر في الضميمة عند الاحتياج إليها كونها مما يجوز بيعها منفردة، و كونه مملوكة للمالك

(مسألة 3): يعتبر في الضميمة عند الاحتياج إليها كونها مما يجوز بيعها منفردة (9)، و كونه مملوكة للمالك (10). و منها الأصول لو بيعت مع الثمرة (11)، و لا فرق بين كون الضميمة تابعة أو

______________________________

و الغرر ما لا يتحمله غيره من المعاوضات على ما يأتي في كتاب الصلح ان شاء اللّه تعالى.

(8) للنص و الإجماع، و اللغة و العرف، ففي خبر ابن شريح: «لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته فقيل له: ما صلاح ثمرته؟ فقال: إذا عقد بعد سقوط ورده» (1)، و في خبر الوشاء عن الرضا عليه السّلام: «هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ قال:

لا يجوز بيعه حتى يزهو قلت و ما الزهو جعلت فداك؟ قال: يحمر و يصفر و شبه ذلك» (2)، و الظاهر كونه من الأمور المتعارفة بين أهل البساتين و الزروع و يصح ان يراد به وصول الثمرة إلى أوان أكله و لو ببعض مراتبه. و لا وجه في تعيينه إلى الرجوع إلى الاخبار و إجماع فقهائنا الأخيار و لا يخفى ان لبدو الصلاح و الاحمرار و الاصفرار مراتب كثيرة و يكفي صرف وجودها لظهور الإطلاق.

(9) لأنها مخرجة للمعاملة عن الغرر و الجهالة و المجازفة فإن لم تكن مما يجوز بيعها منفردة لا أثر لها و يلزم من فرض وجودها عدمه و قد جعل الفقهاء ذلك من القواعد الفقهية و أرسلوها إرسال المسلمات الفقهية في جميع الموارد.

(10) لأنه بدون ذلك لا يصح بيعها فلا وجه لفرض كونها ضميمة.

(11) لإطلاق معاقد الإجماعات الشامل لها أيضا، و إطلاق خبر ابن عمار قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا تشتر الزرع ما لم يسنبل فاذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك، أو ابتعت نخلا فابتعت أصله و لم يكن فيه حمل لم يكن

ص: 61


1- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 13 و 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 13 و 2.

متبوعة فيصح البيع بكل منهما (12).

مسألة 4: إذا ظهر بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع الموجودة و المتجددة في تلك السنة

(مسألة 4): إذا ظهر بعض ثمرة البستان جاز بيع ثمرته أجمع الموجودة و المتجددة في تلك السنة (13) سواء اتحدت الشجرة أو تعددت و سواء اتحد الجنس أو اختلف (14)، و كذلك لو أدركت ثمرة بستان جاز بيعها مع ثمرة بستان آخر لم تدرك ثمرته (15).

______________________________

به بأس» (1).

(12) لصدق الضميمة بالنسبة إليهما عرفا فيشمله إطلاق الدليل من الإجماع و الاخبار، و في خبر ابن عمار يكون الثمرة تابعا لأصل بيع النخل فتكون الضميمة متبوعة حينئذ. نعم، الغالب أن الضميمة تابعه في القصد و قد ثبت في محله ان الغلبة لا يوجب التقييد.

(13) للإطلاقات و العمومات من غير مقيد و مخصص مضافا إلى الإجماع لأنه من الضميمة و للنصوص الخاصة منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن شعيب: «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعا» (2)، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة و إن شئت أكثر» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(14) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك مع التصريح بالاختلاف فيما مر من صحيح ابن شعيب، و إطلاق الاختلاف و تقرير الإمام له يشمل جميع أقسام الاختلاف مع صحة فرض الضميمة بالنسبة إلى الجميع.

(15) لصدق الضميمة فيجوز معها مضافا إلى إطلاق النصوص السابقة الشامل لهذه الصورة أيضا و خصوص خبر إسماعيل بن الفضل، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بيع الثمرة قبل ان تدرك؟ فقال: إذا كان له في تلك الأرض بيع له

ص: 62


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الثمار: 3.
2- و الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار: 4.

مسألة 5: لو كانت الشجرة تثمر في سنة واحدة مرتين تكون المرتان بمنزلة عامين

(مسألة 5): لو كانت الشجرة تثمر في سنة واحدة مرتين تكون المرتان بمنزلة عامين فيجوز بيع ثمرتها في المرتين قبل الظهور (16).

مسألة 6: إذا باع الثمرة سنة أو سنتين أو أزيد بيعا صحيحا ثمَّ باع الأصول من شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة

(مسألة 6): إذا باع الثمرة سنة أو سنتين أو أزيد بيعا صحيحا ثمَّ باع الأصول من شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة (17).

فتنتقل الأصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة (18) و لو كان جاهلا كان له الخيار في فسخ بيع الأصول (19) كالعين المستأجرة (20).

______________________________

غلة قد أدركت فبيع ذلك كله حلال» (1).

(16) للإطلاقات و العمومات بعد انصراف ما دل على المنع في عام واحد عنه مضافا إلى شمول التعليل الوارد في موثق ابن شعيب المتقدم: «ان لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى» (2)، له إذا المقطوع به انه ليس لتعدد السنة مدخلية خاصة بل المناط كله تعدد الحمل و الثمرة و انما ذكر تعدد السنة طريقا إلى ذلك.

(17) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و لجواز التفكيك بينها في الملكية، و يدل عليه خبر الغنوي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يشتري النخل ليقطعه للجذوع فيدعه فيحمل النخل، قال عليه السّلام: هو له إلا ان يكون صاحب الأرض ساقاه و قام عليه» (3).

(18) لفرض ان البائع استوفى منفعتها بالنقل إلى غيره نقلا صحيحا شرعيا فلا وجه لانتقالها بعد ذلك إلى مشتري الأصول.

(19) للإجماع، و قاعدة نفي الضرر.

(20) لأنه إذا باع العين المستأجرة يصح البيع بالنسبة إلى العين و لا تبطل

ص: 63


1- الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار: 2.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 8.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

مسألة 7: لا تدخل الثمرة الموجودة في بيع الأصول إلا بالشرط

(مسألة 7): لا تدخل الثمرة الموجودة في بيع الأصول إلا بالشرط (21).

مسألة 8: يجب على مشتري الأصول إبقاء الثمرة مجانا إلى بلوغها

(مسألة 8): يجب على مشتري الأصول إبقاء الثمرة مجانا إلى بلوغها (22).

مسألة 9: لو اختلف في وقت البلوغ يرجع في تعيينه إلى ثقات أهل الخبرة

(مسألة 9): لو اختلف في وقت البلوغ يرجع في تعيينه إلى ثقات أهل الخبرة (23)، و مع اختلافهم فلا بد من التصالح و التراضي (24).

مسألة 10: لكل من مالك الأصل و الثمرة سقي الشجرة

(مسألة 10): لكل من مالك الأصل و الثمرة سقي الشجرة مع المصلحة و انتفاء الضرر عن الآخر (25).

مسألة 11: لو انتفع أحدهما بالسقي و تضرر الآخر

(مسألة 11): لو انتفع أحدهما بالسقي و تضرر الآخر فإن حكم أهل الخبرة بالترجيح يعمل به (26).

مسألة 12: الأوراق التي ينتفع بها انتفاعا شائعا في حكم الثمرة

(مسألة 12): الأوراق التي ينتفع بها انتفاعا شائعا في حكم الثمرة في هذه الجهة فيجوز بيعها من شخص و بيع الأصل من آخر (27)- كورق التوت، و الحناء، و الخلاف المسمى في الفارسية (بيد مشك) في البلدان التي ينتفع بها، و كذا بعض الأوراد (28).

______________________________

الإجارة و لمشتري العين الخيار مع جهله بالإجارة و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة ان شاء اللّه تعالى.

(21) للأصل ما لم تكن قرينة أو شرط على الخلاف.

(22) لأن ذلك مقتضى إقدامه عليه مضافا إلى ظهور الإجماع.

(23) لأنهم أعرف في هذه الأمور من غيرهم.

(24) لانقطاع نزاعهم بذلك.

(25) لقاعدة السلطنة.

(26) لأنهم المتبع في هذه الأمور كما عرفت.

(27) لما تقدم في مسألة 6 بعد فرض المالية للأوراق.

(28) لما مر في سابقة و يأتي في المسائل الآتية بعض ما يتعلق بها.

ص: 64

مسألة 13: لا يبطل بيع الثمار بموت بائعها و لا بموت مشتريها

(مسألة 13): لا يبطل بيع الثمار بموت بائعها و لا بموت مشتريها بل تنتقل الثمرة إلى ملك ورثة المشتري (29) و يبقى الأصل على ملك البائع و إن مات ينتقل إلى ورثته (30).

مسألة 14: لو باع الثمرة بعد ظهورها أو بدو صلاحها

(مسألة 14): لو باع الثمرة بعد ظهورها أو بدو صلاحها فأصيبت بآفة سماوية أو أرضية قبل قبضها الذي هو التخلية كان من مال بائعها (31) و كذا النهب و السرقة مما لا يكون المتلف فيه معلوما (32). نعم لو كان المتلف شخصا معينا كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع و بين إمضائه و مطالبة المتلف بالبدل (33)، و لو أتلفه المشتري قبل القبض استقر

______________________________

(29) للأصل، و لأنها صارت ملكا للمشتري، و تجري عليها جميع آثار الملك، و من آثاره الانتقال إلى الورثة عند موت المالك و البائع صار أجنبيا عنها.

(30) لعين ما تقدم في الثمرة من غير فرق، و مشتري الثمرة أجنبي عن الأصل، و كذا لو باع الأصل من شخص و الثمرة من آخر يجري عليه هذا الحكم من غير فرق، فإن مات مشتري الأصل ينتقل إلى ورثته مسلوبة المنفعة كما كان للمورث.

(31) لقاعدة أن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه التي أشرنا إليها و إلى مدركها سابقا (1).

(32) لأنه لا ريب في صدق التلف على ذلك كله، فتشمله القاعدة و قد ذكر السرقة فيما مر من خبر عقبة في مدرك القاعدة (2).

(33) لأصالة اللزوم و عدم انفساخ البيع، و قاعدة ضمان المتلف و حيث تعذر التسليم، للمشتري خيار تعذر التسليم. و الظاهر عدم الفرق بين كون المتلف هو البائع أو شخصا آخر، و لكن الأحوط التصالح في الأول لذهاب

ص: 65


1- راجع ج: 17 صفحة: 281.
2- راجع ج: 17 صفحة: 281.

العقد (34)، كما انه لو كان التلف بعد القبض كان من مال المشتري مطلقا و لا يرجع إلى البائع بشي ء (35).

مسألة 15: لو تلف بعض المبيع قبل القبض كان من مال البائع أيضا

(مسألة 15): لو تلف بعض المبيع قبل القبض كان من مال البائع أيضا فيأخذ المشتري السليم بحصته من الثمن (36) و كان له خيار التبعيض (37) و يجري حكم التلف قبل القبض و بعده بالنسبة إلى ثمرة السنة الثانية لو كانت بعض المعقود عليه و لا يكون القبض بالنسبة إلى السنة الأولى قبضا بالنسبة إلى الثانية حتى يجري فيها حكم التلف بعد القبض فقط (38) و لكن لو ظهر عدم الثمرة في السنة الثانية أصلا فلا ضمان على البائع

______________________________

جمع إلى أن إتلاف البائع كالتلف عنده يوجب الانفساخ.

(34) لأن إتلافه كالقبض فيخرج بذلك عن ضمان البائع.

(35) لخروج المال بالقبض عن ضمان البائع و استقرار ملك المشتري عليه فلا وجه للرجوع إلى البائع بشي ء.

ثمَّ ان عمدة الأقسام أربعة عشر: لأن الإتلاف إما من البائع و المشتري معا، أو من غيرهما، أو من البائع خاصة، أو من المشتري خاصة، أو من البائع و الأجنبي أو منهما و أجنبي فالأقسام سبعة و جميع هذه الأقسام إما قبل القبض أو بعده و يظهر حكم الكل بالتأمل فيما ذكرناه فراجع و تأمل فإنه يمكن فرض أقسام أخرى أيضا.

(36) لجريان قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه بالنسبة إلى البعض كجريانها بالنسبة إلى الكل، مضافا إلى الإجماع و يجري فيه أيضا جميع الأقسام التي تقدمت بالنسبة إلى الكل.

(37) لظهور الإجماع، و قاعدة نفي الضرر.

(38) لانحلال البيع بالنسبة إلى السنة الثانية أيضا فيشملها إطلاق القاعدة، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف فيه.

ص: 66

حينئذ (39).

مسألة 16: يجوز ان يستثنى البائع لنفسه حصة مشاعة من الثمرة

(مسألة 16): يجوز ان يستثنى البائع لنفسه حصة مشاعة من الثمرة كالثلث و الربع أو مقدارا معينا- كمأة كيلوات مثلا- كما يجوز له ان يستثنى ثمرة نخل أو شجر معين (40)، فإن خاست الثمرة يسقط من الثنيا بحسابه في الأولين (41).

______________________________

(39) لأن الضمان عليه انما هو في صورة التلف فقط، و عدم الوجود أصلا لا يصدق عليه التلف عرفا حتى يتحقق موضوع الضمان فمقتضى الأصل لزوم البيع و براءة البائع عن الضمان.

(40) للنص، و الإجماع، و الأصل و قاعدة السلطنة، و السيرة و في صحيح ربعي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه و اسمي الثمن و استثنى الكر من التمر أو أكثر أو العدد من النخل، فقال عليه السّلام: لا بأس- الحديث-» (1)، و خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «في الرجل يبيع الثمرة ثمَّ يستثنى كيلا و تمرا، قال عليه السّلام: لا بأس به، قال: و كان مولى له عنده جالسا، فقال المولى:

إنه ليبيع و يستثنى أو ساقا يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام قال: فنظر إليه و لم ينكر ذلك من قوله» (2).

و توهم بطلان أصل البيع لاستلزامه الجهالة (فاسد) بعد معلومية أصل المبيع و مقدار الاستثناء مع انه من الاجتهاد في مقابل النص.

(41) لأن هذا مقتضى الإشاعة كما هو المفروض و المنساق من مثل هذه التعبيرات في نظائر المقام هو الحمل على الإشاعة أيضا و هو الأصل فيها إلا إذا أحرز الخلاف. نعم، لو كان مرادهما الكلي في المعين لا يسقط من المستثنى شي ء ما دام يكون مقدار الاستثناء باقيا كما يأتي.

ص: 67


1- الوسائل باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

و لا يسقط شي ء منه في الأخير (42).

مسألة 17: يجوز بيع الثمرة على النخل و الشجر بكل شي ء يصح ان يجعل ثمنا في سائر البيوع

(مسألة 17): يجوز بيع الثمرة على النخل و الشجر بكل شي ء يصح ان يجعل ثمنا في سائر البيوع من النقود و الأمتعة و الطعام و الحبوب و الحيوان و غيرها بل المنافع و الاعمال و نحوها (43). نعم لا يجوز بيع التمر على النخل بالتمر و هو المسمى بالمزابنة (44). سواء كان مقدارا من تمرها أو

______________________________

(42) لفرض أنه استثنى مقدارا خاصا معينا فإن أصابته آفة تكون عليه فقط و إن سلم فجميعه له بمقتضى الاستثناء.

(43) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(44) البحث في المقام من جهتين:

الأولى: في أن عدم الجواز بحسب القاعدة حتى تجري في جميع الموارد أو انه للدليل الخاص فلا بد من الاقتصار على مورده؟ الحق هو الأخير لأن مقتضى الإطلاقات و العمومات و أصالة الإباحة الجواز مطلقا إلا إذا دل دليل خاص على المنع و يأتي ذكر الأدلة التي استدلوا بها على أن عدم الجواز مطابقا للقواعد العامة و الجواب عنها.

الثانية: في الأدلة الخاصة الواردة في المقام و هي على قسمين:

الأول: ما دل على عدم الجواز و هو الإجماع و النص، ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه السّلام: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة، قلت: و ما هو؟ قال عليه السّلام: أن يشتري حمل النخل بالتمر و الزرع بالحنطة» (1)، و يمكن الحمل على اللف و النشر المشوش فبيع الزرع بالحنطة محاقلة و بيع النخل بالتمر مزابنة، لكن في الرواية الثانية: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة، فقال: المحاقلة النخل بالتمر و المزابنة بيع السنبل

ص: 68


1- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الثمار: 1.

.....

______________________________

بالحنطة» (1)، و لا مشاحة في التسمية و الاصطلاح بعد حرمة كل منهما، و عدم ثمرة عملية بل و لا علمية في التسمية و إن كانت قد تظهر في النذر و العهد.

ثمَّ انه قد يستدل على حرمة بيع التمر على النخل بالتمر بالقواعد العامة التي تجري في جميع الموارد كلزوم اتحاد الثمن و المثمن تارة، و لزوم الربا أخرى، و الغرر و الجهالة ثالثة، و بأنه يقل إذا جف رابعة هذه أدلتهم.

و الكل مخدوش: إذ يرد الأول بأنه يكفي فيه الاختلاف بحسب الأغراض الصحيحة و التغاير الاعتباري و لو كان اتحاد في الجملة بحسب الصورة، مع انه يمكن أن يكون الثمن كليا و يشترط التأدية من تمر النخل.

و الثاني: بأنه لا وجه له لأن الربا المعاملي انما يتحقق فيما إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون و التمر على النخل لا يكون منهما عرفا و ان صار منهما بعد الاقتطاف، مضافا إلى ما يأتي من موثق الكناني من نفي الربا عنه.

و الثالث: بأنه لا وجه للغرر و الجهالة بعد معلومية التمر على النخل بحسب التخمين و الحدس الصحيح عند أهل الخبرة.

و الرابع: بأنه يضر فيما إذا كانت المعاملة ربوية و المفروض في المقام عدم لزوم الرباء لفقد شرطه في أحد العوضين كما مر.

القسم الثاني من الأخبار: ما يظهر منها الجواز- مضافا إلى الأصل، و الإطلاقات، و العمومات- كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء، فباعه، قال عليه السّلام: لا بأس به، و قال: التمر و البسر من نخلة واحدة لا بأس به فأما إن يخلط التمر العتيق أو البسر فلا يصلح و الزبيب و العنب مثل ذلك» (2)،

ص: 69


1- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الثمار: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب بيع الثمار: 1 و 3.

.....

______________________________

و موثق الكناني (1)، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر و كان له نخل، فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك، فأبى أن يقبل فأتى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه لفلان عليّ خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله إليه، فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال: يا رسول اللّه لا يفي، و أبى أن يفعل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لصاحب النخل أجذذ نخلك فجذه له فكاله فكان خمسة عشر وسقا، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط و لا أعلم إلا اني قد سمعته منه أن أبا عبد اللّه عليه السّلام، قال: ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال هذا ربا قلت أشهد باللّه انه لمن الكاذبين، قال: صدقت»، و في موثق يعقوب بن شعيب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه:

اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيل مسمى و تعطيني نصف هذا الكيل أما زاد أو نقص و أما أن آخذه أنا بذلك؟ قال: نعم لا بأس به» (2)، و في خبره الآخر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن الرجل يكون له على الآخر مائة كر تمر و له نخل فيأتيه فيقول: أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه» (3).

و فيه: أن الأصل و الإطلاقات و العمومات لا مجال للعمل بها في مقابل ما مر من صحيح الحجاج.

و أما الأخبار فأسقطها عن الاعتبار إعراض المشهور عنها، مع ان إطلاق صحيح الحلبي مخالف للإجماع، إذ لم يقل أحد بالجواز من تمر عين تلك النخلة، مع أن ذيله مجمل لم يعلم المراد منه، و موثق الكناني و خبري ابن شعيب لا ظهور لها في البيع، و يمكن إرادة المصالحة و المراضاة لا خصوص البيع المحرم.

ص: 70


1- الوسائل باب: 6 من أبواب بيع الثمار: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 5.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

تمر آخر على النخيل أو موضوعا على الأرض (45) و الأحوط إلحاق ثمرة ما عدى النخيل من الفواكه بها فلا تباع بجنسها (46).

مسألة 18: يجوز الصلح أو الهبة المعوضة و نحوها في التمر على النخل بالتمر

(مسألة 18): يجوز الصلح أو الهبة المعوضة و نحوها في التمر على النخل بالتمر (47). و الاحتياط في ترك كل معاوضة مطلقا (48).

______________________________

(45) لإطلاق الدليل الشامل لكل منها. و دعوى: ان المتيقن هو الأول خلاف ظاهر الإطلاق. نعم، يصح هذا الدعوى بالنسبة إلى الإجماع لكنه أيضا خلاف ما نسب إلى المشهور من التعميم، و معه لا وجه لأخذ القدر المتيقن من الإجماع، لأن المشهور أعرف بمراد المجمعين من متأخري المتأخرين.

(46) نسب الإلحاق إلى المشهور فإن كان الحكم في الملحق به موافقا للقاعدة كلزوم الربا أو الجهالة أو نحوهما مما تبطل به أصل المعاوضة فلا ريب في صحة الإلحاق، بل لا وجه لتسميته بالإلحاق لأنها بنفسها من احدى صغريات القاعدة أيضا، و قد ذكرنا المناقشة في كون الحكم لأجل القواعد العامة.

و أما ان كان الحكم في الملحق به لأجل الدليل الخاص به فلا يجري في سائر الفواكه في هذا الحكم المخالف للأصل و العمومات و الإطلاقات.

نعم، احتمال أن يكون ما ورد في التمر من باب المثال لجميع الفواكه يجري و لكنه لا يصلح للفتوى كما لا يخفى و ان صلح للاحتياط.

(47) للجمود على ظاهر النص الدال على المنع في البيع في هذا الحكم المخالف للأصل و العمومات.

كما ان مقتضى الجمود على النص أيضا كون تمر النخل مثمنا، و لو كان بالعكس فمقتضى الأصل و الإطلاقات الجواز، و إن كان خلاف الاحتياط، لاحتمال التعميم.

(48) لاحتمال عدم اختصاص أدلة المنع بخصوص البيع، و إن كان هذا

ص: 71

مسألة 19: لو مزج التمر بغيره- و جعله ثمنا أو مثمنا- يجوز بيعه بالتمر

(مسألة 19): لو مزج التمر بغيره- و جعله ثمنا أو مثمنا- يجوز بيعه بالتمر (49)، و لو باع الطلع بالتمر كان مزابنة (50).

مسألة 20: لا فرق في المنع بين كون المبيع نفس ما على النخلة و بين جعله كليا في الذمة

(مسألة 20): لا فرق في المنع بين كون المبيع نفس ما على النخلة و بين جعله كليا في الذمة و يشترط أداءه منها (51).

مسألة 21: قد استثنى من حرمة المزابنة العرايا بخرصها تمرا

(مسألة 21): قد استثنى من حرمة المزابنة العرايا بخرصها تمرا (52).

مسألة 22: يجوز ان يبيع ما اشتراه من الثمرة بزيادة عما ابتاعه به

(مسألة 22): يجوز ان يبيع ما اشتراه من الثمرة بزيادة عما ابتاعه به أو

______________________________

الاحتمال خلاف الظاهر.

(49) للشك في صدق دليل المنع بالنسبة إليه لأن الظاهر منه التمر الخالص دون المخلوط.

(50) لصدق حمل النخل بالنسبة إليه فيشمله ما تقدم من الصحيح.

(51) للإطلاق الشامل لهما، و إن كان مقتضى الجمود هو الأول في هذا الحكم المخالف للأصل و الإطلاقات.

(52) للنص و الإجماع، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في موثق السكوني: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في العرايا بأن تشتري بخرصها تمرا، قال: و العرايا: جمع عرية و هي النخلة يكون للرجل في دار رجل آخر، فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا و لا يجوز ذلك في غيره» (1)، و في خبر ابن سلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه رخص في العرايا، واحدتها عرية و هي النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا» (2)، قال في المجمع: «العرية النخلة يعيرها صاحبها غيره ليأكل ثمرتها، فيعروها أي يأتيها من قولهم عروت الرجل أعروه إذا أتيته أو من قولهم أنا عرو من هذا الأمر أي خلو منه سميت بذلك لأنها استثنيت من جملة النخيل الذي نهى عنها و هي فعيلة بمعنى مفعولة و دخلت الهاء لأنه ذهب بها مذهب الأسماء كالنطيحة

ص: 72


1- الوسائل باب: 14 من أبواب بيع الثمار.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب بيع الثمار.

نقصان قبل قبضه أو بعده (53).

مسألة 23: لا يجوز بيع الزرع بذرا قبل ظهوره

(مسألة 23): لا يجوز بيع الزرع بذرا قبل ظهوره (54)

______________________________

و الأكيلة فإذا جي ء بها مع النخلة حذفت الهاء، و قيل نخلة عري»، و حيث ان الموضوع غير مبتلى به في هذه الأعصار فلا وجه للتطويل، و الأحوط في موارد الشك في الصدق أن يكون بنحو المصالحة لا البيع.

(53) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عنن الرجل يشتري الثمرة ثمَّ يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال عليه السّلام: لا بأس به إن وجد ربحا فليبع» (1)، و صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «في رجل اشترى الثمرة ثمَّ يبيعها قبل أن يقبضها، قال عليه السّلام: لا بأس» (2).

(54) للنص، و الإجماع، قال معاوية بن عمار: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لا تشتر الزرع ما لم يسنبل، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك» (3)، و عن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الحنطة و الشعير أشترى زرعه قبل أن يسنبل، و هو حشيش؟ قال عليه السّلام: لا إلا ان يشتريه لقصيل يعلفه الدواب ثمَّ يتركه ان شاء حتى يسنبل» (4) المحمول على ما إذا لم يكن غرض صحيح في البين قبل ان يسنبل بقرينة غيرهما من الأخبار و ان حملناه على الكراهة كما عن الشيخ فليس في النصوص ما يدل على المنع عن بيع الزرع فيكون دليله منحصرا بالإجماع، و المتيقن منه ما إذا لم يكن غرض صحيح شرعي في البين. و لكن عمدة الصور سبعة:

الأولى: أن يكون بيع نفس البذر المدفون في الأرض مورد الغرض الصحيح الشرعي المعاملي بأن يراد إخراجه من الأرض، و جمعه لفائدة صحيحة مترتبة على ذلك.

و بعبارة أخرى: بيعه من باب الوصف بحال الذات لا الوصف بحال

ص: 73


1- الوسائل باب: 7 من أبواب بيع الثمار: 2 و 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب بيع الثمار: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: 5 و 10.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: 5 و 10.

.....

______________________________

المتعلق، و مقتضى الأصل و الإطلاقات و العمومات جواز ذلك، و المنساق مما مر من النص و الإجماع غير هذه الصورة.

الثانية: بيعه من حيث كونه منشأ للسنبل و أخذ الحب منه. و بعبارة أخرى:

بيعه من باب الوصف بحال المتعلق و هذا هو المتيقن من الإجماع و المنساق مما مر من النص الدال على المنع و عدم الجواز على فرض تمامية الدلالة، و استدل على عدم الجواز بالجهالة و الغرر، و بيع المعدوم و قد ناقشنا في ذلك كله في (مسألة 1) من أول الفصل فراجع.

الثالثة: بيع الزرع محصودا مكتفيا بالمشاهدة، و مقتضى الأصل و الإطلاقات و العمومات جوازه، كما أن مقتضى السيرة جواز الاكتفاء في تعيينه بالمشاهدة.

الرابعة: بيعه أخضر بأن يبيعه هذا الموجود الخارجي، و مقتضى الأصل و الإطلاقات و العمومات الجواز أيضا مضافا إلى نصوص خاصة، منها إطلاق صحيح بكير بن أعين، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يحل شراء الزرع الأخضر؟

قال عليه السّلام: نعم لا بأس به» (1)، و يدل عليه صحيح ابن خالد الذي يأتي بعد ذلك (2).

الخامسة: بيع الزرع مطلقا و يشترط على المشتري قطعه و إفراغ الأرض منه و هذا جائز أيضا، للإطلاقات و العمومات و الأصل.

السادسة: بيع الزرع و هو حشيش، إن شاء أبقاه المشتري حتى يسنبل، و إن شاء قطعه و هذا صحيح أيضا، للإطلاقات العمومات، و اخبار خاصة يأتي التعرض لها ان شاء اللّه تعالى.

السابع: بيعه قصيلا و يقطعه المشتري قبل ان يسنبل، و مقتضى الإطلاقات و العمومات الجواز و يستفاد ذلك من الأخبار الخاصة أيضا كما سيأتي.

إذا لا بأس بشراء، الزرع في جميع أحواله إلا في صورة واحدة كما مر.

ص: 74


1- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: 2 و 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: 2 و 5.

و يجوز الصلح عنه (55)، كما يجوز بيعه تبعا للأرض لو باعها و أدخله في المبيع بالشرط (56).

و أما بعد ظهوره و طلوع خضرته فيجوز بيعه قصيلا بأن يبيعه بعنوان أن يكون قصيلا و يقطعه المشتري قبل أن يسنبل سواء بلغ أوان قصله أو لا (57) و سواء عين مدة لإبقائه بالشرط أو أطلق (58) و يجب على المشتري قطعه إذا بلغ أوانه (59) إلا إذا رضي البائع بإبقائه فيجوز حينئذ (60).

______________________________

(55) لإطلاق أدلة الصلح و تحمّل الصلح للجهالة بما لا يتحمّله غيره.

(56) لعموم أدلة الشرط الشامل لهذه الصورة، و يقتضيه الأصل أيضا و لا محذور في البين إلا احتمال سراية جهالة الشرط إلى المبيع فيفسد أصل البيع حينئذ. و لكنه مردود لأن الشرط في المقام ليس من الشرط الدقي العقلي و من باب وحدة المطلوب، بل هو من باب تعدد المطلوب لو حظ تبعا للمبيع في إنشاء البيع و ذلك لا يوجب الجهالة في المبيع المعلوم بحدوده من حيث انه الأصل و انه المقصود الأصلي في المعاملة.

و بالجملة: أصل الغرض المعاملي قائم بالمتبوع فإذا كان معلوما يصح البيع و تغتفر الجهالة فيما هو خارج عن حقيقة المبيع.

(57) لما تقدم في القسم الرابع من الإطلاقات، و العمومات، و النصوص الخاصة.

(58) أما في صورة التعين فلا ريب في الصحة. و أما في صورة الإطلاق فلانصرافه عرفا إلى قطعه في أوان القصل لفرض أن المبيع هو القصيل دون غيره، و الانصراف المعتبر كالقرينة المحفوفة بالكلام فهو كالتعيين.

(59) لأن الإبقاء تصرف في مال البائع و هو الأرض بدون رضاه و هو محرم بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا، فلا بد له من قطعه أو إرضائه.

(60) لفرض إذن المالك بالإبقاء و رضائه به فيجوز لا محالة.

ص: 75

و لو لم يرض به و لم يقطعه المشتري فللبائع قطعه (61). و الأحوط ان يكون بعد الاستيذان من الحاكم الشرعي مع الإمكان (62)، و له تركه و المطالبة بأجرة أرضه مدة بقائه (63) و لو أبقاه إلى أن طلعت سنبلته فالأحوط التصالح و التراضي بينهما (64). و كما يجوز بيع الزرع قصيلا يجوز بيعه من أصله لا بعنوان كونه قصيلا و اشترط قطعه، بل بعنوان كونه

______________________________

(61) لقاعدة السلطنة التي هي من أهم القواعد النظامية المعتبرة بالأدلة الأربعة كما تقدم مكررا.

(62) لأن مورد جريان قاعدة السلطنة التي هي معتبرة بالأدلة الأربعة ما إذا كان موردها خاصا و محضا للمالك. و أما فيما إذا كان المورد مما يصلح لأن يكون من المشترك بينه و بين غيره و لو ببعض أجزائه بالنسبة إلى الحد المشترك فلا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي دفعا لاحتمال وقوع الخصومة مهما أمكن و هذا الوجه يصلح للاحتياط و لا يصلح للفتوى، لأنه يجب على البائع ملاحظة عدم تضرر المشتري و عدم الإضرار به.

(63) لأنه من فروع قاعدة السلطنة، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(64) لثبوت حق كل منهما في الجملة في البين و عدم ثبوت ترجيح لأحد الحقين على الآخر فلا بد من التصالح لا محالة، لأن الاحتمالات في السنبلة ثلاثة: كونها من توابع أصل البذر لأنه المنشأ و الأصل لحدوثها فتكون للبائع، و كونها من توابع القصيل لأنه المادة القريبة لحدوثها فتكون للمشتري.

و كونها تابعة لكل منهما دخل في حدوثها فيكون لكل من البائع و المشتري نفس القصيل و أما لو اشترى القصيل و البذر المدفون في الأرض تبعا للقصيل تكون السنبلة للمشتري لأنها من توابع ملكه بمادته القريبة و البعيدة، هذا بحسب القواعد.

و أما الأخبار الخاصة فمنها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «في زرع

ص: 76

ملكا للمشتري إن شاء قصله و إن شاء تركه إلى أن يسنبل (65).

مسألة 24: لا يجوز بيع السنبل قبل ظهوره و انعقاد حبه

(مسألة 24): لا يجوز بيع السنبل قبل ظهوره و انعقاد حبه (66) و يجوز بعد انعقاد حبه سواء كان حبه بارزا كالشعير أو مستترا كالحنطة منفردا أو مع أصوله، قائما أو حصيدا (67)، و لا يجوز بيعه بحب من جنسه بأن تباع سنابل الحنطة بالحنطة و سنابل الشعير بالشعير (68). بل يشمل بيع سنبل

______________________________

بيع و هو حشيش ثمَّ سنبل، قال عليه السّلام: لا بأس إذا قال: ابتاع منك ما يخرج من الزرع فإذا اشتراه و هو حشيش فإن شاء أعفاه و ان شاء تربص به» (1)، و هو ظاهر فيما مر من الصورة السادسة. و منها صحيح زرارة قال عليه السّلام: «لا بأس ان تشتري الزرع و القصيل أخضر، ثمَّ تتركه إن شئت حتى يسنبل ثمَّ تحصده، و ان شئت ان تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل ان يسنبل فأما إذا سنبل فلا تعلفه رأسا رأسا فإنه فساد» (2)، و منها قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن خالد: «لا بأس بأن تشتري زرعا اخضر فإن شئت تركته حتى تحصده، و ان شئت فبعه حشيشا» (3). و منها رواية معلى بن خنيس قال «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أشتري الزرع؟ قال عليه السّلام: إذا كان قد شبر» (4)، و لا بد من حمله على مطلق الأولوية و الرجحان بقرينة غيره و ليس في تلك الاخبار ما يخالف القواعد العامة بعد تأمل مجموعها ورد بعضها إلى بعض و الأخذ بالمتحصل من مجموعها.

(65) لما تقدم من الأدلة العامة و الخاصة.

(66) للإجماع، و لما تقدم في الثمرة قبل ظهوره و بروزه و قد مر التفصيل فراجع.

(67) للإطلاقات و العمومات و الإجماع و الأصل و إطلاق بعض ما مر من الأخبار الخاصة.

(68) للنص و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد الرحمن: «نهى

ص: 77


1- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: حديث: 9.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: حديث: 3 و 6 و 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: حديث: 3 و 6 و 4.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الثمار: حديث: 3 و 6 و 4.

.....

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة، قلت: و ما هو؟ قال: ان يشتري حمل النخل بالتمر و الزرع بالحنطة» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن المحاقلة و المزابنة، فقال: المحاقلة النخل بالتمر و المزابنة بيع السنبل بالحنطة» (2).

أقول: يمكن أن يكون التفسير من باب صحة إطلاق كل واحدة من المحاقلة و المزابنة على الأخرى للمناسبة بينهما في الجملة، و يمكن أن يكون الإطلاق و هما من الراوي و لا مشاحة في التسمية بعد معلومية الحكم. و عن سماعة عنه عليه السّلام: «عن رجل زارع مسلما أو معاهدا فأنفق فيه نفقة، ثمَّ بدا له في بيعه، إله ذلك؟ قال عليه السّلام: يشتريه بالورق فإن أصله طعام» (3).

و استدل أيضا بالجهالة، و الغرور، و الرباء، و لزوم اتحاد الثمن و المثمن.

و الكل مخدوش: إذ الجهالة و الغرر منفيان بالرجوع إلى أهل الخبرة، و الرباء لا موضوع له في المقام لأنه انما يتحقق فيما إذا كان العوضان من المكيل أو الموزون، و السنبل في حالة السنبلية ليس منهما، و الأخير يكفي فيه المغايرة الاعتبارية، كما إن المتيقن من الإجماع إنما هو فيما إذا كان الحب منه لا من الخارج، و لكن نسب إلى المشهور التعميم و ادعى الإجماع عليه و يقتضيه إطلاق النصوص و ذكر خصوص الورق في موثق سماعة المتقدم.

و الاحتمالات في المحاقلة ثلاثة:

الأول: بيع الزرع بحب من جنسه.

الثاني: بيع السنبل بحب من جنسه.

الثالث: بيع سنبل الحنطة و الشعير بحب منهما.

و المتيقن من الإجماع إلى المنع هو الأخير و إطلاق الأدلة اللفظية يشمل الثاني.

و الأول لا دليل على منعه إلا موثق سماعة و يمكن دعوى انصرافه إلى

ص: 78


1- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الثمار: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الثمار: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب بيع الثمار: 4.

.....

______________________________

أحد الأخيرين في هذا الحكم المخالف للعمومات و الإطلاقات.

و أما قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا بأس أيضا أن يشتري زرعا قد سنبل و بلغ بحنطة» (1)، و صحيح الهاشمي عن الصادق عليه السّلام: «عن بيع حصائد الحنطة و الشعير و سائر الحصائد، قال عليه السّلام: فليبعه بما شاء» (2)، و ما سأل الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «عن رجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلومة بمائة كر على أن يعطيه من الأرض، فقال عليه السّلام: حرام، فقلت: جعلت فداك فإني اشتري منه الأرض بكيل معلوم و حنطة من غيرها، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك» (3) فأسقطها عن الاعتبار إعراض المشهور عنها بل ان إطلاق صحيح الحلبي مخالف للمجمع عليه و صحيح الهاشمي في الحصائد، و لا إشكال في جوازه و لا ربط له بالمقام، و كذا خبر الوشاء لأنه في بيع الأرض لا في بيع نفس الزرع.

ثمَّ أن المذكور في الأدلة و فتاوى الأجلة لفظ الزرع و السنبل، و لا ريب في شمولهما للحنطة و الشعير، بل هما المنصرف منهما عند الإطلاق خصوصا في الأزمنة القديمة، و لم أظفر بلفظ الشعير في الروايات فيما تفحصت عاجلا و إنما المذكور فيها الحنطة، و لكن الزرع و السنبل يشمل الشعير بلا إشكال، فيكون الشعير في المقام كالحنطة كما في الربا على إشكال كما يأتي فيستفاد من مجموع الروايات و الكلمات صور أربع:

الأولى: بيع سنبل الحنطة بسنبل الحنطة.

الثانية: بيع سنبل الشعير بسنبل الشعير.

الثالثة: بيع سنبل الحنطة بسنبل الشعير.

الرابعة: عكس ذلك و بناء على عدم الفرق بين جعل الحنطة ثمنا أو مثمنا و كذا الشعير تصير الأقسام ثمانية، و الكل باطل لشمول إطلاق الأدلة للجميع.

ص: 79


1- الوسائل باب: 12 من أبواب بيع الثمار: 1.
2- الوافي ج 10 باب: 78 أحكام التجارة و شروط البيع.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

الحنطة بالشعير و سنبل الشعير بالحنطة على الأحوط (69) و كذا إلحاق باقي الحبوب بالحنطة كالأرز و الدخن و الذرة و غيرها فلا يجوز بيع سنبلها بها على الأحوط (70).

مسألة 25: لا يجوز بيع الخضر- كالخيار و الباذنجان و البطيخ- قبل ظهورها

(مسألة 25): لا يجوز بيع الخضر- كالخيار و الباذنجان و البطيخ- قبل ظهورها (71) و يجوز بعد انعقادها و تناثر وردها لقطة أو لقطات

______________________________

(69) لما مر من شمول الزرع و السنبل له أيضا، و لكنه مشكل في الحكم المخالف للإطلاقات و العمومات، مع عدم ذكر له في الروايات و إن استظهر الإلحاق في الجواهر تمسكا بإطلاق لفظ الزرع و السنبل و لكنه مخالف للأصل، مع ان كون الإطلاق واردا في مقام البيان حتى من هذه الجهات مشكل و إن كان مذاق الفقاهة يقتضي الإلحاق.

(70) جمودا على لفظ الزرع و السنبل الشاملين لها أيضا، لكن لا بأس بالاختلاف هنا فيجوز بيع سنبل الأرز بالدخن مثلا و كذا العكس لما مر من عدم الدليل على إلحاق الشعير بالحنطة في المقام الذي ألحق بها في الربا فضلا عن إلحاق سائر الحبوب الذي لم يلحق بعضها ببعض أصلا لا في الرباء و لا في غيره، و ان كان الجمود على لفظي الزرع و السنبل يقتضي الإلحاق و لكنه جمود في جمود.

(71) للنص و الإجماع، ففي موثق سماعة، قال: «سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال عليه السّلام: إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة» (1)، و يدل عليه ما مر في النخل، و يشهد له الجهالة و الغرور. و أما مثل رواية ابن ميسر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن بيع النخل سنتين؟ قال عليه السّلام: لا بأس به، و عن الرطبة يبيعها هذه الجزة و كذا و كذا جزة بعدها؟ قال عليه السّلام: لا بأس به، ثمَّ قال: قد كان أبي يبيع الحناء كذا و كذا

ص: 80


1- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

معلومة (72)، و المرجع في اللقطة إلى عرف الزراع و شغلهم و عادتهم (73).

و الظاهر أن ما يقطع منها من الباكورة لا تعد لقطة (74).

مسألة 26: إنما يجوز بيع الخضر- كالخيار و البطيخ- مع مشاهدة ما يمكن مشاهدته في خلال الأوراق

(مسألة 26): إنما يجوز بيع الخضر- كالخيار و البطيخ- مع مشاهدة ما يمكن مشاهدته في خلال الأوراق (75)، و لا يضر عدم مشاهدة بعضها المستورة (76)، كما لا يضر عدم تناهي عظمها كلا أو بعضا و عدم تناثر ورد بعضها بل لا يضر انعدام ما عدا الأولى من اللقطات بعد ضمها إلى الأولى (77).

مسألة 27: إذا كان الخضر مما كان المقصود منه مستورا في الأرض

(مسألة 27): إذا كان الخضر مما كان المقصود منه مستورا في الأرض، كالجزر و الشلجم و الثوم و نحوها فإن أحرز بتعيين أهل الخبرة مقدارها و سائر

______________________________

خرطة» (1)، فالمنساق منهما عرفا بعد الظهور و على فرض الإطلاق لا بد من تقييده بما مر.

(72) للإطلاقات، و العمومات، و الإجماع بلا مقيد في البين.

(73) لقاعدة أن كل ما لم يرد فيه تحديد شرعي يرجع فيه إلى العرف و أهل الخبرة به.

(74) لأن المنساق من اللقطة عرفا ما إذا شاع وجود الملقوط لا ما ندر مع أن الشك في الشمول يكفي في عدمه

(75) لأنه بدونها يكون من بيع المجهول و هو غير جائز.

(76) لأنه كالتابع لما شوهد فيعلم من المشهود غير المشهود غالبا.

(77) كل ذلك للسيرة و الإطلاق و الاتفاق، و ما مر في النخل من صحة ضم المعدوم إلى الموجود.

ص: 81


1- الوسائل باب: 1 و 4 من أبواب بيع الثمار: 11/ 3.

خصوصياتها يجوز بيعها مستورا في الأرض (78)، و إلا فيصح الصلح بالنسبة إليها (79)، و كذا في مثل البصل مما يكون ظاهره مقصودا أيضا (80).

مسألة 28: يجوز بعد الظهور بيع ما يجز ثمَّ ينمو

(مسألة 28): يجوز بعد الظهور بيع ما يجز ثمَّ ينمو كالرطبة و الكراث و النعناع جزة و جزات معينة، و كذا ما يخرط كورق التوت و الحناء خرطة و خرطات (81)، و المرجع في الجزة و الخرطة هو المتعارف بين أهل خبرة

______________________________

(78) لوجود المقتضى و فقد المانع للبيع حينئذ فتشملها الإطلاقات و العمومات بلا مقيد و مخصص.

(79) لتحمّله من الجهالة ما لا يتحمله غيره من المعاوضات كما يأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.

(80) فيجوز بيع الظاهر منفردا كما يجوز بيعه مع أصله، للسيرة و الاتفاق و الإطلاق.

(81) للأصل، و الإطلاق، و السيرة و الاتفاق و أخبار خاصة، ففي خبر ابن زيد قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرطبة تباع قطعتين أو ثلاث قطعات؟

فقال عليه السّلام: لا بأس و أكثرت السؤال عن أشباه هذا، فقال: لا بأس به» (1)، و عن سماعة: «سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال عليه السّلام: إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة» (2)، و في خبر ابن ميسرة (3)، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرطبة يبيعها هذه الجزة و كذا و كذا جزة بعدها؟ قال عليه السلام: لا بأس به، ثمَّ قال: قد كان أبي يبيع الحناء كذا و كذا خرطة» و بعد كون الحكم مطابقا للقاعدة و العمومات و الإطلاقات لا نحتاج إلى الأدلة الخاصة فهي تطابقها لا أن يكون مخالفا لها.

ص: 82


1- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الثمار: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الثمار: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الثمار: 2 و 3.

هذه الأمور (82)، و لا يضر انعدام بعض الأوراق بعد وجود مقدار يكفي للخرط و إن لم يبلغ أوان خرطه فيضم الموجود إلى المعدوم كانضمام الثمرة المتجددة في السنة أو في سنة أخرى مع الموجود (83).

مسألة 29: إذا كان نخل أو شجر أو زرع بين اثنين مثلا بالمناصفة يجوز ان يتقبل أحد الشريكين حصة صاحبه بخرص معلوم

(مسألة 29): إذا كان نخل أو شجر أو زرع بين اثنين مثلا بالمناصفة يجوز ان يتقبل أحد الشريكين حصة صاحبه بخرص معلوم، بأن يخرص المجموع بمقدار فيتقبل أن يكون المجموع له و يدفع لصاحبه من الثمرة نصف المجموع بحسب خرصه زاد أو نقص و يرضى به صاحبه (84) و يصح أن تكون معاملة خاصة مستقلة و ليس لها صيغة خاصة فتقع بكل

______________________________

(82) لأن الموضوع من العرفيات و لا دخل للشرع فيه فلا بد من الرجوع إلى المتعارف بين أهل الخبرة في هذه الأمور كما تقدم في اللقطة.

(83) لقاعدة صحة انضمام المعدوم مع الموجود في البيع المستفاد من الإطلاقات و العمومات و الاعتبارات العرفية المعاملية و اخبار خاصة تقدمت في بيع الثمرات من النخل و غيرها.

(84) للنصوص، و الإجماع منها صحيح ابن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيل مسمى و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و أما ان آخذه أنا بذلك واردة عليك؟ قال: لا بأس بذلك (1)، و في صحيح الحلبي قال: «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام إن أباه حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها، فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوم عليه قيمة و قال لهم: إما أن تأخذوه و تعطوني نصف الثمر و إما أعطيكم نصف الثمر، فقالوا: بهذا قامت السماوات و الأرض» (2)، و في

ص: 83


1- الوافي باب: 86 من أبواب أحكام التجارة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 3.

لفظ ظاهر في المقصود عرفا (85).

______________________________

مرسلة محمد بن عيسى قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام إن لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون فيقولون: إنا قد حررنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم على هذا الحرز، قال: و قد بلغ؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام: لا بأس بهذا، قلت: انه يجي ء بعد ذلك فيقول: ان الحرز لم يجي ء كما حرزت و قد نقص، قال: فإذا زاد يرد عليكم؟ قلت: لا، قال: فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إن زاد كان له كذلك إذا نقص كان عليه» (1)، و في موثق أبي الصباح قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة إليهم، فخرص عليهم فجاؤا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالوا: إنه قد زاد علينا فأرسل عبد اللّه، فقال صلّى اللّه عليه و آله: ما يقول هؤلاء؟

قال: خرصت عليهم بشي ء، فإن شاءوا يأخذون بما خرصت، و إن شاءوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار و الإشكال عليها كما عن ابن إدريس بأنها تخالف القواعد، اجتهاد في مقابل النص المعمول به لدى الأصحاب بل لدى علماء المسلمين، و مقتضى العمومات جريان المعاطاة فيه أيضا، كما ان مقتضى أصالة اللزوم في كل عقد لزومه أيضا و يقتضيه ظواهر الأخبار الخاصة الواردة في المقام أيضا.

(85) لإطلاق هذه الأدلة الخاصة و لا دليل على لزوم حصر المعاملات فيما هو المعهود منها من عقل أو نقل، كما يصح ان يقع بعنوان الصلح أيضا، بل يصح أن تكون بيعا أيضا إن قصد ذلك و لكنه توسع فيه من حيث اللفظ و من جهات أخرى لإطلاق الأدلة و يصلح جريانها بالنسبة إلى غير الشريك و في غير الثمار بناء على كونه من الصلح.

نعم، بناء على كونها معاملة مستقلة برأسها لا بد من الاقتصار على

ص: 84


1- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 2.

مسألة 30: إذا مر بثمرة نخل أو شجر أو زرع مار مجتازا لا قاصدا إليها لأجل الأكل جاز له ان يأكل منها بمقدار شبعه و حاجته

(مسألة 30): إذا مر بثمرة نخل أو شجر أو زرع مار مجتازا لا قاصدا إليها لأجل الأكل جاز له ان يأكل منها بمقدار شبعه و حاجته من دون ان يحمل منها شيئا و من دون إفساد للاغصان و إتلاف للثمار (86). و لا فرق

______________________________

خصوص مورد النص، و لكن دعوى القطع بعدم الفرق بين الشرك و غيره و الثمار و غيرها لا بأس به و لو كانت معاملة مستقلة.

(86) لنصوص مستفيضة بل متواترة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «لا بأس بالرجل يمر على الثمرة و يأكل منها و لا يفسد، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة، قال: و كان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان فخربت لمكان المارة» (1).

و في مسائل الصرمي قال: «سألته عن رجل دخل بستانا أ يأكل من الثمرة من غير علم صاحب البستان؟ قال عليه السّلام: نعم» (2).

و في التوقيع الرفيع: «و أما ما سألته من أمر الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه و يأكله هل يحل له ذلك؟ كتب عليه السّلام: إنه يحل له أكله و يحرم عليه حمله» (3).

و عن الصادق عليه السّلام في موثق ابن أبي عمير، قال: «سألته عن الرجل يمر بالنخل و السنبل و الثمر فيجوز له ان يأكل منها من غير أذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال عليه السّلام لا بأس» (4).

و عن ابن مروان قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أمر بالثمرة فأكل منها، قال عليه السّلام: كل و لا تحمل، قلت: جعلت فداك إن التجار اشتروها و نقدوا أموالهم،

ص: 85


1- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 12 و 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 12 و 11.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: حديث: 9.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: حديث: 3.

.....

______________________________

قال عليه السّلام: اشتروا ما ليس لهم» (1).

و عن الصادق عليه السّلام قال: «قال النبي صلّى اللّه عليه و آله فيمن سرق الثمار في كمه فما أكل منه فلا أثم عليه و ما حمل فيعزر و يغرم قيمته مرتين» (2).

و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن رجل يمر على ثمرة فيأكل منها؟ قال: نعم قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان تستر الحيطان برفع بنائها» (3)، الى غير ذلك من الأخبار.

و أما صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر، أ يحل له أن يتناول منه شيئا و يأكل بغير إذن صاحبه؟ و كيف حاله إن نهاه صاحبه، أو أمره القيم فليس له؟ و كم الحد الذي يسعه ان يتناول منه؟ قال عليه السّلام: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا» (4).

و مرسل ابن عبيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: رجل يمر على قراح الزرع و يأخذ منه السنبلة، قال عليه السّلام: لا. قلت: أي شي ء سنبلة؟ قال عليه السّلام: لو كان كل من يمر به يأخذ سنبلة كان لا يبقى شي ء» (5)، فلا بد من حملهما على الأخذ أو الإفساد أو الكراهة فلا تنافي الروايات الصريحة في جواز الأكل.

ثمَّ انه لا بد من تأسيس الأصل حتى يرجع في موارد الشك إليه و مقتضاه:

عدم جواز التصرف مطلقا بالأدلة الأربعة إلا مع إذن من المالك الحقيقي و هو الشارع أو المالك الظاهري، و يدور جواز التصرف حينئذ مقدار الإذن كما و كيفا و في موارد الشك فيهما لا يجوز التصرف أيضا إلا مع وجود إطلاق وارد في مقام البيان من كل جهة فيتمسك به للجواز في موارد الشك كما أو كيفا أو هما معا، و أخبار المقام يحتمل أن تكون في مقام الإذن من المالك الحقيقي و إن لم يرض المالك الظاهري، و هو بعيد عن سياقها، و يحتمل أن تكون في مقام

ص: 86


1- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 4 و 1 و 2 و 7 و 6.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 4 و 1 و 2 و 7 و 6.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 4 و 1 و 2 و 7 و 6.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 4 و 1 و 2 و 7 و 6.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار: 4 و 1 و 2 و 7 و 6.

بين ما كان على الشجر أو متساقطا عنه (87)، و يلحق الخضراوات بالثمار أيضا في هذا الحكم (88) و الأحوط الاقتصار على ما إذا لم يعلم كراهة المالك في الجميع (89) و لا فرق في ذلك كله بين الثمار المعهودة في تلك

______________________________

تغريب الملاك و تحريضهم على ان يأذنوا لمن يمر في ذلك، و يزيلوا المانع عنه لأن يتناول من اثمارهم لمصالح تترتب على ذلك. و المنساق منها هو الأخير، و يشهد له نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله من أن تبنى الحيطان لمكان المارة- كما تقدم- ليكون ذلك شاهدا على رضائهم بذلك و على هذا لا بد و ان يقتصر على المتيقن من الأدلة و هو فيما اجتمعت هذه الشروط فيه:

الأول: كون المرور اتفاقيا لا أن يكون من قصده ذلك لأن يتناول منها شيئا.

الثاني: عدم الإفساد في الثمار و الأغصان و الجدران و في سائر الجهات.

الثالث: ان لا يأخذ معه شيئا.

الرابع: بلوغ الثمار أوان اعتياد أكله فلا يجوز الأكل في غيرها.

(87) لشمول الإطلاق لكل منهما و إن كان المتيقن هو الأول.

(88) لإطلاق بعض الأخبار، و نقل الإجماع أيضا.

(89) لأنه المتيقن من الأدلة بعد عدم استفادة الإذن المطلق الشرعي منها حتى مع عدم رضاء المالك، و لذا اختار بعض الفقهاء عدم الجواز مطلقا، و تردد فيه آخر إلا مع إحراز الرضاء لتطابق الأدلة الأربعة على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا برضاه، لما مر من صحيح ابن يقطين، و مرسل ابن عبيد، و خبر مسعدة بن زياد، عن الصادق عليه السّلام: «انه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة و الرطب مما هو لهم حلال؟ فقال عليه السّلام: لا يأكل أحد إلا من ضرورة، و لا يفسد إذا كان عليها فناء محاط، و من أجل الضرورة نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ان يبنى على

ص: 87

الأزمنة القديمة و بين المستحدثة بعدها (90).

______________________________

حدائق النخل، و الثمار بناء لكي يأكل منهما كل أحد» (1).

و لكن لا وجه لطرح الأخبار الكثيرة التي عمل بها من لا يعمل إلا بالقطعيات لأجل هذه الاخبار بعد إمكان حملها على المرجوحية كما هو الجمع الشائع في الفقه في نظائر المقام.

و قد استدلوا على المنع بأمور أخرى ظاهرة الخدشة و من شاء العثور عليها فليراجع المطولات، مع ان جميعها من الاجتهاد في مقابل النص.

(90) لظهور الإطلاق الشامل للجميع قديمها و حديثها.

و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 88


1- الوسائل باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 10.

فصل في بيع الحيوان الناطق منه و الصامت

اشارة

فصل في بيع الحيوان الناطق منه و الصامت.

مسألة 1: يجوز استرقاق الحربي أي: الكافر الأصلي

(مسألة 1): يجوز استرقاق الحربي أي: الكافر الأصلي (1)، إذا لم يكن معتصما بعهد أو ذمام (2) سواء كان في دار الحرب أو في دار

______________________________

فصل في بيع الحيوان

(1) للنص، و الإجماع ففي صحيح رفاعة عن أبي الحسن الأول عليه السّلام:

«إن الروم يغزون على الصقالبة و الروم فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثمَّ يبعثون بهم الى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم و نحن نعلم انهم قد سرقوا، و انما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال عليه السّلام: لا بأس بشرائهم إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار السلام» (1)، و عنه «عليه السّلام أيضا في موثق ابن عبد الحميد: «في شراء الروميات، فقال عليه السّلام: اشترهن و بعهن» (2).

(2) لحرمتهم حينئذ بالعهد و الذمام كما تقدم في كتاب الجهاد، و في خبر زكريا بن آدم: «سألته عن أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده، فقال: هذا لك أطعمه و هو لك عبد؟ فقال عليه السّلام: لا تبتع حرا فإنه لا يصلح لك و لا من أهل الذمة» (3).

ص: 89


1- الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الحيوان: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الحيوان: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1 و 2.

الإسلام، و سواء كان بالسرقة أو الغيلة أو القهر و الاغتنام (3)، بل لو قهر الحربي حربيا آخر فباعه صح البيع و إن كان أخاه أو زوجته (4)، بل لو باع الحربي من ينعتق عليه كبنته و ابنه و أبيه و اشتراه المسلم يملكه بعد الشراء و إن لم يكن شراء حقيقيا، بل كان استنقاذا فيثبت الملك للمشتري بالاستيلاء و التسلط عليه (5). و يشكل كونه من الشراء الحقيقي (6).

مسألة 2: إذا استرق المسلم حربيا يسري في أعقابه و ذراريه

(مسألة 2): إذا استرق المسلم حربيا يسري في أعقابه و ذراريه (7) ما لم

______________________________

(3) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك بل ذكر السرقة فيما مر من صحيح رفاعة.

(4) لأن المنساق من الأدلة ان الحربي كالمباحات الأولية يملكه كل من أستولى عليه، مضافا إلى خبر اللحام، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (1).

(5) لما مر من ان الحربي كالمباحات الأولية يملكه كل من استولى عليه بأي نحو و سبب كان الاستيلاء.

(6) لما يأتي من الأدلة الدالة على عدم صحة كون الرجل مالكا لعموديه و الشراء الحقيقي يتوقف على كون البائع مالكا للمبيع، و لا دليل على تخصيص تلك الأدلة بخصوص المقام إلا خبر اللحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها، قال عليه السّلام: لا بأس» (2) و حمل الاشتراء على التسبب للتسلط على البنت و استنقاذها، عن سلطة والدها من أقرب طرق الجمع بين الأدلة كما لا يخفى.

(7) لأنها نماء الملك فتتبعه في الملكية كما في سائر الأملاك التي يتبعها نمائها لقاعدة تبعية النماء للملك.

ص: 90


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2.

تعرض الأسباب المحررة (8) و ان كان قد أسلم الرق (9)، و أما المرتد- مليا كان أو فطريا- فلا يصح استرقاقه (10).

مسألة 3: يملك الرجل كل أحد عدا أحد عشر

(مسألة 3): يملك الرجل كل أحد عدا أحد عشر: الأب و الأم و الأجداد و الجدات و إن علوا و الأولاد و أولادهم ذكورا و إناثا و إن سفلوا و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت و إن سفلن (11) نسبا

______________________________

(8) لحصول التحرر حينئذ فتنفى التبعية قهرا.

(9) لعدم المنافاة بين الإسلام و الرقية إذا كان المولى مسلما.

(10) لأصالة عدم ولاية لأحد على ذلك إلا بدليل خاص و هو مفقود بالنسبة إلى غير الحربي.

(11) للنص و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح عبيد بن زرارة: «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته و ذكر أهل هذه الآية من النساء عتقوا جميعا، و يملك عمه و ابن أخيه و ابن أخته و الخال و لا يملك أمه من الرضاعة و لا أخته و لا عمته و لا خالته إذا ملكن عتقن» و قال: «ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع»، و قال: «يملك الذكور ما خلا والدا أو ولد، و لا يملك من النساء ذات رحم محرم قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال: نعم، يجري في الرضاع مثل ذلك» (1)، و قال عليه السّلام أيضا في خبر أبي عيينة: «إذا ملك الرجل أبويه فهما حران» (2)، و الأبوان يشمل الأجداد و الجدات و إن علو إجماعا، كما إن الولد يشمل ولد الولد و إن سفلوا ذكورا و إناثا، و في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر الأول عليه السّلام: «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو خالته، أو عمته عتقوا» (3)، و قال عليه السّلام أيضا في صحيح ابن مسلم: «لا يملك الرجل والديه و لا ولده» (4) إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 91


1- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1 و 4.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق: 1.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق: 2.

و رضاعا (12)،

______________________________

(12) لجملة من النصوص منها ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح عبيد بن زرارة، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «في امرأة أرضعت ابن جاريتها، قال عليه السّلام: تعتقه» (1)، و في صحيح عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام:

«سألته عن المرأة ترضع عبدها أ تتخذه عبدا؟ قال عليه السّلام: تعتقه و هي كارهة» (2)، و في صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه يحل لها بيعه؟ قال: لا حرّم عليها ثمنه أ ليس قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب أ ليس قد صار ابنها» (3) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و ذكر الأم في هذه الأخبار من باب المثال لكل رحم رضاعي للقول بعدم الفصل، و تعليل الصادق عليه السّلام بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظاهر في إن المناط كله حصول علقة الرضاع، كما أن المراد بقوله: عليه السّلام: «تعتقه» حصول العتق قهرا بقرينة سائر الأخبار و ظهور الإجماع.

و هذه النصوص معتبرة سندا و دلالة و جهة و عمل بها الأصحاب، فلا بد من حمل غيرها أو طرحها كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «في بيع الام من الرضاعة، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك إذا احتاج» (4)، و موثق ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا اشترى الرجل أباه و أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع» (5)، و خبر أبي عيينة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: غلام بيني و بينه رضاع يحل لي بيعه، قال عليه السّلام: إنما هو مملوك إن شئت بعته و ان شئت أمسكته و لكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار. و فيها

ص: 92


1- ، الوسائل باب: 8 من أبواب العتق: 1 و 2.
2- ، الوسائل باب: 8 من أبواب العتق: 1 و 2.
3- ، الوسائل باب: 8 من أبواب العتق: 1 و 2.
4- الوافي باب: 81 من أبواب العتق و الانعتاق ج: 6 صفحة: 93.
5- الوافي باب: 81 من أبواب العتق و الانعتاق ج: 6 صفحة: 93.
6- الوافي باب: 81 من أبواب العتق و الانعتاق ج: 6 صفحة: 93.

و يملك ما عدا هؤلاء من الأقارب حتى الأخ (13).

نعم، يكره بالنسبة إلى الأخ (14)، بل يكره أن يملك العم و الخال و أولادهم أيضا (15).

______________________________

مضافا إلى مخالفة هذه الاخبار للمشهور بيننا و موافقتها للمعروف بين غيرنا انه يمكن حمل الرضاع في هذه الاخبار على الرضاع غير الجامع للشرائط عندنا، مع ان خبر أبي عيينة في الأخ من الرضاع و قد مر جواز تملكه عندنا فلا وجه للمعارضة بينها و بين ما مر من الاخبار المعللة بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و جعل الامام عليه السّلام ذلك من المسلمات.

(13) للإطلاقات و العمومات من غير مخصص و مقيد في البين مضافا إلى نصوص خاصة منها صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يملك والده و لا والدته و لا أخته و لا ابنة أخيه و لا عمته و لا خالته، و يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته و لا يملك أمه من الرضاعة» (1).

(14) أما أصل جواز التملك، فلما مر من الإطلاقات و العمومات و صحيح عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام: «و يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته» و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يملك الرجل والده و لا والدته و لا عمه و لا خالته، و يملك أخاه و غيره من ذوي قرابته من الرجال» (2)، و قريب منه غيره.

و أما الكراهة فلقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح عبيد بن زرارة: «لا يملك الرجل أخاه من النسب و يملك ابن أخيه، و يملك أخاه من الرضاعة» (3)، المحمول على الكراهة جمعا.

(15) نسب كراهة التملك فيها إلى المشهور، و أستدل لها

ص: 93


1- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق حديث: 4 و 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق حديث: 4 و 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق حديث: 6.

و تملك المرأة كل أحد (16) عدا الإباء و ان علوا و الأولاد و إن نزلوا (17) نسبا و رضاعا (18)، و المراد بعدم ملك هؤلاء عدم استقراره، فلو ملك الرجل و المرأة أحد هؤلاء بناقل اختياري كالشراء أو قهري كالإرث انعتق عليهما في الحال (19).

______________________________

تارة: بعدم القول بالفصل بينهم و بين الأخ في الكراهة.

و أخرى: بأن التملك ينافي صلة الأرحام و مراعاة الاحترام، و لا بأس بها لأن الكراهة يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها. و ثالثة بموثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له ان يبيعه أو يستعبده؟

قال عليه السّلام: لا يصلح له بيعه و لا يتخذه عبدا و هو مولاه و أخوه في الدين، و أيهما مات ورثه صاحبه إلا أن يكون له وارث أقرب منه إليه» (1).

(16) للأصل، و العموم، و الإطلاق و الاتفاق.

(17) للنص، و الإجماع ففي خبر أبي حمزة الثمالي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ فقال عليه السّلام: كل أحد إلا خمسة: أبوها و أمها و ابنها و ابنتها و زوجها» (2)، و التعميم في الإباء بالنسبة إلى العلو و في الأولاد بالنسبة إلى النزول للصدق مضافا إلى الإجماع، كما أن عدم ملكيتها لزوجها انما هو مع بقاء الزوجية و إلا فتملكه و تبطل الزوجية كما يأتي.

(18) تقدم في عدم ملك الرجل لا قاربه دليل التعميم فلا وجه للتكرار.

(19) لأن في المقام اجتمعت أمور ثلاثة بحسب الأدلة العامة:

الأول: ترتب الملكية على أسبابها الخاصة اختيارية كانت أو قهرية فلا بد و ان يصير المملوك ملكا للمنتقل إليه.

الثاني: أدلة المقام الظاهرة في الانعتاق قهرا و عدم حصول الملكية.

ص: 94


1- الوسائل باب: 4 من أبواب بيع الحيوان حديث: 6.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب العتق: 1.

..........

______________________________

الثالث: ما رواه الفريقان عنه صلّى اللّه عليه و آله من قول صلّى اللّه عليه و آله: «لا طلاق قبل نكاح و لا عتق قبل ملك» (1)، و من طرقنا قوله عليه السّلام في خبر ابن مسكان: «من أعتق ما لا يملك فلا يجوز» (2)، و قريب منهما اخبار آخر، فاختلف آراء الفقهاء «قدست أسرارهم» في الجمع بين هذه الأمور الثلاثة فمن قائل بفرض حصول الملكية لأنها من الأمور الاعتبارية و هي خفيفة المؤنة، فتترتب الملكية الفرضية في المقام على أسبابها الاختيارية أو القهرية فلا يبقى موضوع لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عتق قبل ملك» لأن المراد بهذه الملكية أعم من الحقيقية و الفرضية، و المراد بالفرض هنا حصول مصحح الملكية و هو الشراء في الملكية الاختيارية و الموت في الملكية القهرية فيجمع بذلك بين جميع الأدلة و لا بأس به لأنه فرض حسن ثبوتا و إثباتا و لا امتناع فيه لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا.

و من قائل بأن أدلة المقام إنما تدل على عدم حصول الملكية المستقرة، و أما عدم حصول الملكية و لو آنا ما مقدمة لحصول الانعتاق جامعا للشرائط فلا محذور فيه، و يشهد له ظاهر بعض النصوص كقوله عليه السّلام في صحيح ابن مسلم:

«إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو خالته أو عمته عتقوا» (3)، فإنه ظاهر في أصل حصول طبيعة الملكية ثمَّ الانعتاق في الجملة.

و أشكل عليه بأنه مع عدم جواز الملكية شرعا لا فرق بين المدة القصيرة و الطويلة.

و فيه: ان المدعى عدم شمول الأدلة المانعة و انصرافها عن مثل هذه الملكية المقدمية المحضة التي لا يترتب عليها أثر إلا الانعتاق.

و من قائل: بأن ترتب المعلول على العلة ليس زمانيا بل رتبي كما ثبت في محله فبمجرد حصول سبب الملكية تحصل الملكية رتبة لا زمانا و بمجرد

ص: 95


1- الوسائل باب: 5 من أبواب العتق حديث 1، 4 و راجع سنن ابن ماجه ج: 1 باب: 17 من كتاب الطلاق حديث: 2048.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب العتق حديث 1، 4 و راجع سنن ابن ماجه ج: 1 باب: 17 من كتاب الطلاق حديث: 2048.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب العتق: 1.

و يملك كل من الزوجين صاحبه و لو بعضا (20) لكن يبطل النكاح مطلقا (21).

______________________________

حصول الملكية يحصل الانعتاق بلا تخلل الزمان بين المعلولين المترتبين على العلة الموجدة لهما، و يمكن إرجاع القول الثاني إلى هذا القول ان قصرت عباراته عن ذلك.

(20) للعموم، و الإطلاق. و الاتفاق. و أما ما تقدم من خبر الثمالي(1) الدال على عدم ملكية الزوجة لزوجها لا بد من حمله على عدم الملكية من حيث النكاح و إلا يكون مخالفا للإجماع.

أما جريان الحكم في ملك البعض فلظهور الاتفاق، مضافا إلى التصريح به في بعض النصوص (2).

(21) للنصوص و الإجماع منها موثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته، قال عليه السّلام: ليس بينهما نكاح»(3)، و منها خبر سعيد بن يسار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال عليه السّلام: نعم لأنه عبد مملوك لا يقدر على شي ء» (4)، إلى غير ذلك من الاخبار التي يأتي بعضها في كتاب النكاح ان شاء اللّه تعالى و هذه الأخبار و ان اختصت بملك الزوجة لزوجها و لكنه لا قائل بالفصل بينهما في ذلك، مع ان التفصيل في سبب النكاح قاطع للشركة و لعل اقتصار الروايات على كون الزوجة مالكة و الزوج مملوكا لأن بذلك يحرم الوطي مضافا إلى بطلان أصل النكاح بخلاف العكس فإن الوطي حلال بسبب الملك و إن بطل النكاح هذا مضافا إلى استقباح و طي المملوك لمالكه عرفا أيضا بخلاف العكس و انه لا فرق بين الدائم و المنقطع، لاتحاد المدرك و ظهور

ص: 96


1- تقدم في صفحة: 94.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب نكاح العبيد و الإماء: 2 و 4.
4- الوسائل باب: 49 من أبواب نكاح العبيد و الإماء: 2 و 4.

مسألة 4: الكافر لا يملك المسلم ابتداء

(مسألة 4): الكافر لا يملك المسلم ابتداء و لو كان له مملوك كافر فأسلم المملوك أجبر على بيعه من مسلم و لمولاه ثمنه (22).

مسألة 5: كل من أقر على نفسه بالعبودية حكم عليه بها مع وجود شرائط صحة الإقرار

(مسألة 5): كل من أقر على نفسه بالعبودية حكم عليه بها مع وجود شرائط صحة الإقرار من البلوغ و العقل و الاختيار (23). إن لم يكن مشهورا بالحرية (24)،

______________________________

الاتفاق.

و لو ملك ثمَّ زال الملك لفسخ أو نحوه لم يعد النكاح للأصل، و ولد الشبهة في حكم الصحيح لأنه ولد شرعي بخلاف ولد الزنا لانتفائه شرعا و ان كان الأحوط الإلحاق و الإعتاق اختيارا، لاحتمال ان يكون الحكم مترتبا على الولدية التكوينية دون الشرعية.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 18، ص: 97

يجري حكم الرجل و المرأة على الصبي و الصبية أيضا، لأن الظاهر ان الحكم من الوضعيات الغير المختصة بالكاملين، و يشهد له بعض نصوص أم الولد من انعتاقها من نصيب ولدها (1).

(22) لما تقدم في مسألة 55 من شرائط المتعاقدين.

(23) لقول علي عليه السّلام في موثق ابن سنان: «الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية و هو مدرك من عبد أو أمة، و من شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا» (2)و قريب منه غيره، و الظاهر انه من القواعد النظامية المعتبرة عند جميع العقلاء، و في جميع الشرائط كقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز

(24) لأن الاشتهار أقوى من الإقرار فلا وجه لقبوله مع وجود قرينة أقوى على الخلاف مضافا إلى أصالة الحرية في الإنسان التي هي من الأصول العقلائية، و يدل عليها ما مر من قول علي عليه السّلام: «الناس كلهم أحرار».

ص: 97


1- الوسائل باب: 6 من أبواب العتق.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب العتق: 1.

و لا فرق بين كون المقر له مسلما أو كافرا (25)، و لا يلتفت إلى رجوعه عن إقراره (26).

مسألة 6: لو اشترى عبدا فادعى الحرية لا يقبل قوله إلا بالبينة

(مسألة 6): لو اشترى عبدا فادعى الحرية لا يقبل قوله إلا بالبينة (27).

مسألة 7: إذا أراد مالك الجارية ان يبيعها و قد وطئها يجب عليه ان يستبرئها قبل بيعها

(مسألة 7): إذا أراد مالك الجارية ان يبيعها و قد وطئها يجب عليه ان يستبرئها قبل بيعها (28) بحيضة إن كانت تحيض، و بخمسة و أربعين يوما إن كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض بأن كان بيعها بعد انقضاء هذه

______________________________

(25) لإطلاق دليل الاعتبار مما مر من قول علي عليه السّلام، و قاعدة اعتبار الإقرار.

(26) لأن إقراره السابق وقع عن أهله و في محله فيكون الرجوع لغوا لا محالة. نعم، لو ذكر قرائن معتبرة ان إقراره السابق كان باطلا و صدقه الحاكم الشرعي تجري بالنسبة إليه أصالة الحرية حينئذ.

(27) أما جواز ابتياعه مع الشك في حريته فلظاهر يد البائع و فعله، إذ اليد أمارة الملكية و الفعل محمول على الصحة.

و أما قبول الدعوى مع البينة فلإطلاق أدلة سماع الدعوى مع البينة و هي حاكمة على قاعدتي اليد و الصحة، مضافا إلى خبر ابن حمران قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ادخل السوق و أريد اشتري جارية، فتقول: إني حرة، فقال: اشترها إلا أن يكون لها بينة» (1)، و مثله غيره.

(28) للنصوص و الإجماع ففي صحيح حفص عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يبيع الأمة من رجل، قال عليه السّلام: عليه ان يستبرئ من قبل أن يبيع» (2)، و لا بد من تقييده بما إذا وطئها بقرينة غيره.

ص: 98


1- الوسائل باب: 5 من أبواب بيع الحيوان: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان: 2 6.

المدة من زمن وطئها (29). و إن لم يستبرئها البائع و باعها صح البيع (30)،

______________________________

(29) للنصوص، و الإجماع منها قول علي عليه السّلام: «تستبرئ الأمة إذا اشتريت بحيضة و إن كانت لا تحيض فبخمسة و أربعين يوما» (1).

و أما صحيح ابن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الجارية و لم تحض؟ قال عليه السّلام: يعتزلها شهرا إن كانت قد مست» (2)، فإما محمول على الغالب من حصول الحيضة في الشهر أو على الندب فيما إذا أخبر البائع بالاستبراء.

و كذا صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أ يصلح بيعها من الغد؟ قال عليه السّلام: لا بأس»(3)، فمحمول على ما إذا وثق البائع إن المشتري يستبرئها مع ان الاستبراء ليس شرطا لصحة البيع كما يأتي.

و أما ما دل على ان الاستبراء حيضتان كصحيح سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «ادنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري و البائع؟ قال عليه السّلام: أهل المدينة يقولون حيضة و كان جعفر عليه السّلام يقول حيضتان» (4)، فلا بد من حمله على الندب أو طرحه.

(30) لعدم موضوعية خاصة في الاستبراء من حيث هو، و إنما هو طريق محض، لاستظهار عدم الحمل فيصح البيع، أو وجوده فيبطل لظهور كون الحمل من البائع، و لانكشاف انه كان من بيع أم الولد و حينئذ فمقتضى الأصل و العمومات و الإطلاقات صحة أصل البيع ما لم ينكشف الخلاف فيترتب آثار صحة البيع ظاهرا من خروج المبيع عن ملك البائع و وجوب التسليم من حين

ص: 99


1- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان: 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان: 4.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان: 7.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

و المراد بالاستبراء عدم وطئها إلا بعد حيضة أو انقضاء خمسة و أربعين يوما (31)، بل لو لم يعلم ان البائع قد وطأها أو أستبرئها بعد وطئها يجب عليه استبراؤها (32).

نعم، لو علم أو أخبره ثقة انه قد أستبرئها البائع و لم يطأها لم يجب عليه الاستبراء، كما انه لا يجب لا على البائع و لا على المشتري لو كان البائع امرأة أو كانت الجارية صغيرة أو يائسة (33).

______________________________

البيع ما لم يثبت الخلاف كما في سائر الموارد التي يجب الفحص فيها لجهة من الجهات من العبادات و المعاملات، و حيث ان البائع ملتزم بحسب الالتزامات المعاملية إخراج المبيع عن معرضية البطلان يجب عليه الاستبراء من هذه الجهة أولا، و إلا فيجري استبراء المشتري أيضا كما نطقت به الروايات لأنه يجري ظهور عدم الحمل سواء كان من البائع أو من المشتري بالاختيار أو بغيره أو بالآلات الحديثة أو بقول الثقات من أهل الخبرة، هذا مع ان النهي عن البيع قبل الاستبراء تعلق بأمر خارج عن العوضين فلا وجه للبطلان كما ثبت في محله.

(31) للنص كما تقدم، و الإجماع على أن المراد بالاستبراء في المقام ترك الوطي.

(32) لإطلاق الأدلة الشامل لهذه الصورة أيضا، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سنان: «إن الذين يشترون الإماء ثمَّ يأتونهن قبل أن يستبرؤهن فأولئك الزناة بأموالهم» (1)، فإن المنساق منه إحراز تحقق الاستبراء خارجا إما من البائع أو المشتري، و هو الذي يقتضيه كثرة اهتمام الشارع بعدم اختلاط المياه و طهارة الولد عن التردد و الارتياب.

(33) أما الأول فلاعتبار العلم و لا وجه للاستبراء بعد قيام طريق معتبر

ص: 100


1- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الحيوان: 5.

..........

______________________________

عليه.

و كذا الثاني لأن الخبر الموثق به من الحجج العقلائية قرره الشارع ففي خبر البختري عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إني لم أطأها، فقال عليه السّلام: إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا في خبر أبي بصير: «ان ائتمنته فمسها»(2)، و في خبر ابن سنان عنه عليه السّلام أيضا: «إن كان عندك أمينا فمسها» (3)، و في خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «إن كان عدلا أمينا فمسها، و قال عليه السّلام: إن ذا الأمر شديد» (4)، و لكنه محمول بالنسبة إلى اعتبار العدالة على مجرد الوثاقة و الامانة جمعا بينه و بين غيره الذي يظهر منه صحة الاكتفاء بمجرد الوثاقة و الامانة.

كما أن ما يظهر منه لزوم الاستبراء حتى مع إخبار البائع به (5)، لا بد من حمله إما على عدم أمانة البائع و ثقته أو على الندب فلا وجه للمعارضة.

ثمَّ انه لا فرق بين كون الأخبار موافقا للأصل كعدم الاستبراء أو مخالفا له كالاستبراء، كما لا فرق بين كونه من البائع أو من غيره و ذلك كله للإطلاق الشامل لجميع ذلك.

أما الثالث: فللإجماع، و نصوص مستفيضة منها صحيح رفاعة، قال:

«سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال عليه السّلام: لا بأس ان يطأها من غير أن يستبرأها» (6)، و في صحيح زرارة قال: «اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني إنه لم يطأها أحد فوقعت عليها و لم أستبرئها فسألت عن ذلك أبا جعفر عليه السّلام، فقال عليه السّلام: هو ذا أنا قد فعلت ذلك و ما أريد أن أعود» (7)، و يجوز هنا إعمال حيلة شرعية لإسقاط الاستبراء بأن يشتري الأمة من الرجل ثمَّ يبيعها من

ص: 101


1- الوسائل باب: 6 من أبواب نكاح العبيد: 1 و 4 و 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب نكاح العبيد: 1 و 4 و 2.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب نكاح العبيد: 1 و 4 و 2.
4- الوافي باب: 203 من أبواب عدد النساء ج: 12 صفحة: 192.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الحيوان: 5.
6- الوسائل باب: 7 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

مسألة 8: لا يختص وجوب الاستبراء بالبيع و الشراء

(مسألة 8): لا يختص وجوب الاستبراء بالبيع و الشراء، بل كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك وجب عليه قبل وطئها الاستبراء إذا لم يستبرء قبل ذلك حتى لو ملكها بالإرث أو الاسترقاق، و كذا لا يختص بالبائع، بل يعم كل ناقل لها بمثل الصلح و الهبة و غيرهما فيجب عليه الاستبراء بالشروط المتقدمة قبل إيجاد السبب المملك (34).

مسألة 9: إذا باع جارية حبلى لم يجب على البائع استبرائها

(مسألة 9): إذا باع جارية حبلى لم يجب على البائع استبرائها (35).

نعم، يجب على كل من انتقلت إليه الجارية الحبلى بأي وجه من

______________________________

امرأة ثمَّ يشتريها منها و لكن الأولى تركها.

و أما الأخيران: فللإجماع، و النص لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الجارية الصغيرة يشتريها الرجل و هي لم تدرك، أو قد يئست من الحيض، فقال عليه السّلام: لا بأس بأن لا يستبرأها» (1)، و ما يظهر من بعض الأخبار خلاف ذلك (2) لا بد من حمله على الندب أو بعض المحامل.

(34) لأن المناط كله تصفية الرحم و إخراج النطفة عن الارتياب، مضافا إلى ظهور إجماع الأصحاب على التعميم، و إن ذكر البيع في الأدلة من باب المثال و الغالب لا التقييد، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن صالح: «نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الناس يوم أو طاس ان استبرؤا سباياكم بحيضة» (3)، و لا قول بالفصل عندنا بين السبي و غيره من الأسباب المملكة.

(35) لاشتغال الرحم بالحمل فلا تردد في النطفة و الحمل حتى يكشف الحال بالاستبراء.

ص: 102


1- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الحيوان: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب نكاح العبيد: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

التملك ترك وطئها قبل ان ينقضي لحملها أربعة أشهر و عشرة أيام (36)، و يكره بعد ذلك (37) فإن وطئها و قد استبان حملها عزل استحبابا فإن لم يعزل فالأحوط وجوبا عدم جواز بيع الولد بل يجب عتقه و جعل شي ء له من ماله يعيش به (38).

______________________________

(36) لصحيح رفاعة عن أبي الحسن عليه السّلام في الجارية المشتراة: «قلت فإن كانت حبلى فمالي منها إن أردت؟ قال عليه السّلام: لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حملها أربعة أشهر و عشرة أيام فإذا جاز حملها أربعة أشهر و عشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج، قلت: ان المغيرة و أصحابه يقولون: لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأته و هي حامل قد استبان حملها حتى تضع فيغدو ولده، قال عليه السّلام: هذا من أفعال اليهود» (1).

(37) لنصوص مطلقة المحمولة على الكراهة جمعا، منها: خبر ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: «في الوليدة يشتريها الرجل و هي حبلى، قال عليه السّلام: لا يقربها حتى تضع ولدها» (2)، و يمكن ان يحمل على التقية من المغيرية بل لو لا استقرار الشهرة على الحرمة في أربعة أشهر و عشرة أيام لأمكن استفادة الكراهة منها أيضا لقرائن مذكورة في المطولات فراجع، فإن الكلمات مختلفة في المسألة غاية الاختلاف حتى من فقيه واحد في موارد مختلفة.

ثمَّ ان المتيقن من حرمة و طي الحامل في أربعة أشهر و عشرة أيام انما هو في القبل فقط دون غيره، لقاعدة السلطنة، و أصالة الإباحة و قصور الأدلة عن إثبات حرمة غيره.

(38) لموثق إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى جارية حاملا قد استبان حملها فوطئها؟ قال عليه السّلام: بئس ما صنع، فقلت:

ص: 103


1- الوسائل باب: 8 من أبواب نكاح العبيد: 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب بيع الحيوان: 2.

مسألة 10: لو كانت الأمة حائضا حين نقلها الى الغير يجوز له وطيها

(مسألة 10): لو كانت الأمة حائضا حين نقلها الى الغير يجوز له وطيها إلا زمان حيضها بلا استبراء لها حينئذ (39).

مسألة 11: المحرّم في زمان الاستبراء انما هو الوطي فقط

(مسألة 11): المحرّم في زمان الاستبراء انما هو الوطي فقط و أما سائر الاستمتاعات فلا يحرم (40).

______________________________

ما تقول فيها؟ قال: عزل عنها أم لا؟ قلت: أجنبي في الوجهين، قال: إن كان عزل فليتق اللّه و لا يعد، و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئا من ماله يعيش به فإنه قد غذاه بنطفته» (1)، و عن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه. و من جمع منهم المحقق في الشرائع كراهة الوطي و استحباب العزل و كراهة بيع الولد و استحباب ان يجعل له شيئا من ماله لظهور التعليل فيها، و إجماع ابن زهرة مخدوش بوجود الخلاف و استناده إلى هذه الموثقة.

(39) لصحيح الحلبي قال: «سألته عن رجل اشترى جارية و هي حائض؟

قال عليه السّلام: إذا طهرت فليمسها إن شاء» (2)، و الظاهر أن هذه الحرمة لأجل الحيض لا لأجل الاستبراء، فلا استبراء للحائض.

(40) للأصل، و قاعدة السلطنة، و نصوص خاصة، ففي صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السّلام: «يحل للمشتري ملامستها؟ قال عليه السّلام: نعم، و لا يقرب فرجها» (3)، و في موثق ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «ليس جائزا أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة و لكن يجوز ذلك ما دون الفرج» (4)، و في موثق ابن محمد قال: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام بمنى فأردت أن أسأله عن مسألة فجعلت

ص: 104


1- الوسائل باب: 9 من أبواب نكاح العبيد: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب نكاح العبيد: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب نكاح العبيد: 5.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب بيع الحيوان: 4.

مسألة 12: يكره التفرقة بين الأطفال و أمهاتهم قبل استغنائهم عن أمهاتهم

(مسألة 12): يكره التفرقة بين الأطفال و أمهاتهم قبل استغنائهم عن أمهاتهم (41).

مسألة 13: العبد يملك، فلو ملّكه مولاه شيئا ملكه

(مسألة 13): العبد يملك، فلو ملّكه مولاه شيئا ملكه، و كذا ما حاز لنفسه من المباحات بإذن مولاه أو اشترى في الذمة بإذنه، و لكن ليس ملكه

______________________________

إهابه قال عليه السّلام: يا عبد اللّه سل، قلت: جعلت فداك اشتريت جارية، ثمَّ سكت هيبة له، فقال عليه السّلام: أظنك أنك أردت أن تصيب منها فلم تدر كيف تأتي لذلك؟

قلت: أجل جعلت فداك، قال عليه السّلام: و أظنك أردت أن تفخذ لها فاستحييت أن تسأل عنه؟ قلت: لقد منعتني من ذلك هيبتك، قال عليه السّلام: لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها و إن صبرت فهو خير لك- الحديث» (1).

نعم يكره ذلك لقوله عليه السّلام: «و ان صبرت فهو خير لك».

(41) للأخبار و الاعتبار قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن عمار: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسببي من اليمن، فلما بلغوا الجحفة نفذت نفقاتهم فباعوا جارية بسبي كانت أمها معهم، فلما قدموا على النبي صلّى اللّه عليه و آله سمع بكاءها، فقال صلّى اللّه عليه و آله: ما هذه؟ قالوا: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله احتجنا إلى نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فأتى بها و قال صلّى اللّه عليه و آله: بيعوها جميعا أو أمسكوها جميعا» (2).

و في صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه اشتريت له جارية من الكوفة، قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة فقالت: يا أماه، فقال لها أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ لك أم؟ قالت: نعم، فأمر بها فردت» (3)، و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من فرّق بين الوالدة و ولدها و بين الأخ و أخيه» (4)، إلى غير ذلك

ص: 105


1- الوسائل باب: 5 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الحيوان.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب بيع الحيوان.
4- سنن ابن ماجه باب: 46 من أبواب التجارات حديث: 3.

تاما لأنه محجور عليه، و لا ينفذ تصرفاته فيما ملكه بدون اذن مولاه و للمولى السلطة التامة على ملكه حتى ان له ان ينتزعه منه (42).

______________________________

من الأخبار التي سياق مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض ظاهر في الكراهة.

نعم، قد يحرم لجهات خارجية و بذلك يمكن أن يجمع بين الأقوال.

(42) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الاعتبار.

و رابعة: بحسب الأخبار.

و خامسة: بحسب أنظار فقهائنا الأبرار.

أما الأول: فمقتضاه عدم حصول الملكية له مع الشك فيها بجميع أسبابها الاختيارية و القهرية و لكنه لا وجه للتمسك به في مقابل الإطلاقات و العمومات الدالة على حصول الملكية بأسبابها الخاصة اختيارية كانت أو قهرية، فلا وجه للتمسك به مع وجودها كما ثبت في الأصول.

أما الثاني: بلا ريب في شمولها للعبد كشمولها للحر بلا فرق بينهما في كونهما مصداقا و موردا للإطلاقات و العمومات، فلا فرق بينهما من هذه الجهة لا لغة و لا عرفا و لا شرعا بعد كون الأسباب جامعة للشرائط التي منها إذن المولى بالنسبة إلى العبد.

و أما الثالث: فأي فرق بينه و بين الصغير بل الجنين و العبد في صحة اعتبار الملكية للأولين دون الأخير، هل هو لعدم المقتضي أو لوجود المانع؟ و لا وجه للأول لفرض وجود الإطلاقات و العمومات الدالة على حصول الملكية بأسبابها الخاصة و هي تشمل العبيد و الأحرار في عرض واحد مع وجدان الشرائط فالفرق بينهما تحكم محض من هذه الجهة، و ليس العبد كالبهائم بوجدان كل

ص: 106

..........

______________________________

ذي شعور. و أما الثاني فلا مانع في البين إلا بعض ما استدل به على عدم ملكه و يأتي نقله و دفعه ان شاء اللّه تعالى.

و أما الرابعة: التي هي العمدة تكون على قسمين:

الأول: ما هو ظاهر في حصول الملكية له.

و الثاني: ما يظهر منه الخلاف.

و لا بد و ان يعلم أولا ان الملكية.

تارة: يراد بها مجرد المنشئية لصحة اعتبارها فقط بلا ترتب أثر من آثارها عليها أبدا فيصح للغير انتزاع الملك من هذا المالك اقتراحا و بلا سبب و لا يجوز للمالك التصرف فيما يملك بوجه من الوجوه أبدا إلا بإذن الغير و رضاه.

و أخرى: يراد بها ملكية يترتب عليها جميع الآثار و التسلط الفعلية المطلقة على التصرف بما شاء و كيف ما أراد و الاستيلاء المطلق على مدافعة كل مزاحم و معارض لها و هذه هي الملكية التي لا يصلح سلب الملك عنها بخلاف الأولى فإنه يصح سلب الملكية عنه في المتعارف كما لو ألقى أحد ماله في البحر بحيث لا يقدر على التصرف فيه بوجه من الوجوه فيقول الناس انه فقير و لا مال له، و يعطونه من الصدقات و لا يترتب عليه آثار الغنى لا شرعا و لا عرفا و مالكية العبد من هذا القبيل لا من القسم الثاني.

و بذلك يجمع بين الأخبار و كلمات فقهائنا الأخيار فما يظهر منه انه يملك أي: بالقسم الأول من الملك، و ما يظهر منه عدمه أي: بالقسم الأخير منه.

ثمَّ انه قد استدل على عدم ملكيته.

تارة: بالآية الشريف عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (1)، و المراد بها عدم القدرة مستقلا في مقابل المولى على شي ء فلا وجه للاستدلال بها على عدم حصول الملكية له بإذن مولاه بالأسباب الخاصة.

و أخرى: بالإجماع بتعبيرات مختلفة كالتعبير بمذهب الأصحاب تارة،

ص: 107


1- سورة النحل: 75.

..........

______________________________

و بمذهب الإمامية أخرى، و عند علمائنا ثالثة، إلى غير ذلك من التعبيرات.

و فيه: أن جميع ذلك دعوى بلا برهان و قول بلا فحص و بيان كيف يعتبر هذا الدعوى مع ان الشهيدين نسبا إلى الأكثر القول بأنه يملك، و الشهيد الأول لسان الفقهاء و ترجمانهم فكيف يخفى عليه الإجماع و يظهر على غيره ثبوت الإجماع.

و ثالثة: بأن ما يملكه العبد ملك للمولى، لقاعدة تبعية النماء في الملكية للأصل، و حيث أن أصل العبد ملك للمولى يكون ملكه أيضا كذلك.

و فيه: ان القاعدة محكومة بالإطلاقات و العمومات الواردة في الأسباب المملكة لا ينبغي الارتياب في شمولها للعبد، و كما ان مالكية المولى لعبده مالكية تصرفية فكذا بالنسبة إلى ماله أيضا و ليست مالكيته للعبد كمالكيته للحيوان الذي يشتريه من السوق فيذبحه و يقطع أعضائه إربا إربا بل نحو مالكية خاصة محدودة بحدود مخصوصة و يترتب على هذه الملكية ملكه لمنافعه و تصرفاته فبإذنه يملك بالأسباب المملكة و تصرفه في ملكه منوط بإذن السيد أيضا و لا محذور فيه من عقل أو شرع.

و أما الأخبار التي استدل بها على انه لا يملك فأقسام ثلاثة:

الأول: ما اشتمل على تعليل الإمام عليه السّلام لقوله تعالى عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (1)، و محتملات عدم القدرة ثلاثة:

الأول: عدم القدرة التكوينية و هو باطل قطعا.

الثاني: عدم القدرة الشرعية بدون إذن المولى و هو صحيح.

الثالث: عدم القدرة و عدم النفوذ حتى مع إذنه، و لا يستفاد من هذه الأخبار هذا، بل يستفاد من سياق مجموعها صحته بقرينة قوله عليه السّلام: «انه لم يعص اللّه و انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز» (2)، فالاستدلال بهذه

ص: 108


1- راجع الوسائل باب: 66 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء: 1.

..........

______________________________

الأخبار على المنع لا وجه له، بل لنا أن نتمسك بمثل هذه الأخبار على الجواز أما الآية الشريفة ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ (1)، لا ربط لها بعدم ملكية العبد و إنما هي إرشاد إلى حكم الفطرة من ان العبد ليس في عرض المولى و الخادم ليس في عرض المخدوم و إلا لاختل النظام.

الثاني من الأخبار: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن قيس قال:

«المملوك ما دام عبدا فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا ان يشاء سيده» (2)، و عن ابن سنان في صحيحه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام مملوك في يده مال عليه زكاة؟ قال عليه السّلام: لا، قلت: فعلى سيده؟ قال عليه السّلام: لا لأنه لم يصل إلى سيده و ليس هو للمملوك» (3)، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق المتفرق في الأبواب المتفرقة.

و فيه: أن استفادة نفي السلطة الفعلية المطلقة بدون إذن المولى من هذه الأخبار مسلمة و أما عدم الملك مطلقا فلا يستفاد منها خصوصا بقرينة سائر الأخبار.

الثالث من الاخبار ما هو ظاهر في أنه يملك ظهورا عرفيا منها صحيح عمرو بن يزيد عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: للمملوك ان يتصدق مما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال عليه السّلام: نعم، و أجر ذلك له» (4)، و منها صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل أعتق عبدا و للعبد مال لمن المال؟ فقال عليه السّلام: ان كان يعلم ان له مالا تبعه ماله و إلا فهو له» (5)، إلى غير ذلك من النصوص المتفرقة في الأبواب الذي لا يسع الفقيه

ص: 109


1- سورة الروم: 28.
2- الوسائل باب: 78 من أبواب أحكام الوصايا: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الحيوان: 2.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الحيوان: 1.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب العتق: 4.

مسألة 14: كل حيوان مملوك كما يجوز بيع جميعه يجوز بيع بعضه المشاع كالنصف و الربع مثلا

(مسألة 14): كل حيوان مملوك كما يجوز بيع جميعه يجوز بيع بعضه المشاع كالنصف و الربع مثلا (43) بلا فرق بين الناطق و الصامت و لا بين مأكول اللحم و غيره (44).

و أما جزؤه المعين كرأسه و جلده أو يده و رجله أو نصفه الذي فيه رأسه مثلا فإن كان مما يؤكل لحمه، أو لم يكن المقصود منه اللحم و إن حل أكله بل كان المقصود منه الركوب و الحمل و ادارة الرحى و نحو ذلك لم يجز بيعه (45)، و أما إذا كان المقصود منه الذبح مثل ما يشتريه القصابون و يباع منهم يصح بيعه و لا بأس به (46).

______________________________

حصرها على وجه يقطع بملاحظتها حصول الملكية له و قد أطنب بعض الفقهاء في هذه المسألة مع أنها لا تستحق الإطناب مضافا إلى كونها خارجة عن مورد الابتلاء و من شاء العثور على التفصيل فليراجع المطولات و لا وجه لتضييع العمر فيما لا موضوع له و لذا تركنا التعرض لجملة من الفروع التي تعرض لها أصحابنا في المقام لأنها فرض في فرض غير واقع.

(43) للأصل و العموم و الإطلاق و الاتفاق.

(44) للعمومات و الإطلاقات الشاملة للجميع بلا مخصص و مقيد في البين.

(45) للإجماع، و لأن هذا النحو من البيع في مثل هذه الحيوانات غير معهود عند متعارف الناس و ربما يعد من السفه لديهم.

(46) لإطلاقات الأدلة و عموماتها من دون مخصص و مقيد من إجماع أو غيره، بل قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «اختصم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا و استثني البائع في الرأس أو الجلد ثمَّ بدا للمشتري أن يبيعه، فقال للمشتري: هو شريكك في البعير على

ص: 110

فإن ذبحه يكون للمشتري ما اشتراه و ان باعه و لم يذبحه بكون المشتري شريكا في الثمن بنسبة ماله (47) بأن ينسب قيمة الرأس و الجلد مثلا على تقدير الذبح إلى البقية و له من الثمن بتلك النسبة (48)، و كذا

______________________________

قدر الرأس و الجلد» (1)، و عن علي بن الحسين عليه السّلام بإسناده إسباغ الوضوء، قال:

«اختصم إلى علي عليه السّلام رجلان أحدهما باع الآخر بعيرا و استثنى الرأس و الجلد ثمَّ بدا له ان ينحره، قال عليه السّلام: هو شريكه في البعير على قدر الرأس و الجلد» (2)، و عن الصادق عليه السّلام في صحيح الغنوي (3): «في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد فقضى ان البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير، فقال عليه السّلام: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فإن قال أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك هذا الضرار و قد اعطى حقه إذا أعطى الخمس»، و الكل مطابق للقواعد العامة لأن شركته في الرأس و الجلد إنما تكون بحسب المالية و أما الخصوصية العينية فيسلط عليها ما يستلزم ضرر على الغير كما إذا ذبح و أما مع لزومه فيسقط تسلطه لأجل الضرر على الغير.

(47) لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، و لما مر من صحيح الغنوي.

(48) لأن هذا هو المراد من اشتراء الاجزاء و نسبتها إلى الكل عند أهل الخبرة بهذه الأمور و يمكن استفادته من صحيح الغنوي أيضا.

و قد يستشكل في مثل هذا البيع بالجهالة.

و فيه: ان أهل خبرة هذه الأمور لا يرون الجهالة فيها و هم المحكم فيها لا الدقيات العقلية إذ ليست الأحكام مبنية عليها و لا انظار الفقهاء لأنهم ليسوا بأهل خبرة هذه الأمور و قد أطنبوا المقال في هذا المجال كما لا يخفى على من راجع المطولات.

ص: 111


1- الوسائل باب: 22 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب بيع الحيوان.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب بيع الحيوان.

الحال فيما لو باع حيوانا قصد به اللحم و استثنى الرأس و الجلد، أو اشترك اثنان أو جماعة في اشتراء حيوان و شرط أحدهم لنفسه الرأس و الجلد أو الرأس و القوائم مثلا، أو أشترى شخص حيوانا ثمَّ شرك غيره معه في الرأس و الجلد مثلا، كما إذا اشترى شاة بعشرة دنانير ثمَّ شرك شخصا بدينارين بالرأس و الجلد فالكل صحيح فيما يراد ذبحه فإذا ذبح استحق العين و إلا كان شريكا بالنسبة (49).

مسألة 15: لو قال شخص لآخر اشتر حيوانا بشركتي كان ذلك توكيلا له في الشراء

(مسألة 15): لو قال شخص لآخر اشتر حيوانا بشركتي كان ذلك توكيلا له في الشراء (50) فلو اشتراه حسب استدعاء الأمر كان المبيع بينهما نصفين و على كل منهما دفع نصف من الثمن (51) إلا إذا صرح بأن الشركة على نحو آخر (52)، و لو دفع المأمور عن الآمر ما عليه من الثمن ليس له الرجوع إليه (53).

______________________________

(49) لأن الحكم في الجميع مطابق للعمومات و الإطلاقات و قاعدة السلطنة، و عموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و قاعدة نفي الضرر مضافا إلى ما مر من صحيح الغنوي.

(50) لأنه الظاهر من مثل هذا التعبير عرفا فيتبع هذا الظهور ما لم يكن قرينة على الخلاف.

(51) لأنه المنساق من الشركة، و لأصالة التساوي في الشركة إلا مع القرينة على الخلاف.

(52) أو كانت قرينة لها ظهور عرفي على الخلاف، لأن القرينة المعتبرة صارفة عن الظهور و الانسباق فكيف بالتصريح عليه.

(53) لأنه متبرع بالدفع حينئذ لفرض عدم الإذن له في ذلك و عدم قرينة عليه و مجرد الإذن في الشركة أعم من ذلك عرفا و شرعا.

ص: 112


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

نعم، لو كانت في البين قرينة معتبرة على أن المقصود الشراء و الدفع عنه ما عليه من الثمن كالشراء من مكان بعيد لا يدفع المبيع حتى يدفع الثمن فيرجع حينئذ إلى الآمر بما دفع عنه (54).

مسألة 16: تقدم في باب الربا أنه يجوز بيع شاة بشاتين

(مسألة 16): تقدم في باب الربا أنه يجوز بيع شاة بشاتين و كذا سائر الحيوانات (55).

مسألة 17: لو اشترى أمة فوطئها فظهر انها ملك لغير البائع كان للمالك انتزاعها منه

(مسألة 17): لو اشترى أمة فوطئها فظهر انها ملك لغير البائع كان للمالك انتزاعها منه (56) و له على المشتري عشر قيمتها ان كانت بكرا و نصف العشر إن كانت ثيبا (57) و لو حملت منه فالولد حر (58) و كان عليه

______________________________

(54) لأن الإذن في الشراء ملازم للإذن في دفع الثمن عنه حينئذ عرفا كما هو الظاهر من أهل الخبرة.

(55) لعموم الأدلة و إطلاقها و عدم الربا لأنه يعتبر في تحقق الربا المعاملي كون العوضين من المكيل و الموزون و الحيوان الحي ليس كذلك و تقدم هناك ما ينفع المقام فراجع.

(56) لقاعدة السلطنة مضافا إلى الإجماع.

(57) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن صبيح الوارد في المقام:

«و لمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها» (1).

(58) للأصل و التبعية لأشرف الأبوين، و صحيح ابن صبيح عن الصادق عليه السّلام الوارد في المقام: «قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال عليه السّلام: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى» (2).

ص: 113


1- الوسائل باب: 67 من أبواب نكاح العبيد: 1.
2- الوسائل باب: 67 من أبواب نكاح العبيد: 1.

قيمة الولد يوم ولد حيا (59)، و يرجع إلى البائع بما اغترمه للمالك إن كان جاهلا (60).

مسألة 18: إذا اشترى كل من العبدين المأذونين صاحبه عن مولاه

(مسألة 18): إذا اشترى كل من العبدين المأذونين صاحبه عن مولاه فإن اقترن العقدان و كان شراؤهما لأنفسهما بطلا معا (61).

______________________________

(59) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق جميل: «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمَّ يجي ء مستحق الجارية قال عليه السّلام: يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» (1)، و لا يخفى ان هذا من فرض القيمة تعبدا لاحترام نماء مال المالك و إلا فلا وجه لتقويم الحر كما لا يخفى.

(60) لقاعدة الغرور، و ما مر في موثق جميل.

(61) لعدم إمكان الإبهام المحض في الأسباب المملكة، و بطلان الترجيح بلا مرجح فلا بد من البطلان و لا موضوع للقرعة هنا لأن موضوعها ما إذا كان في البين صحيح واقعي و أحرز السبق و اللحوق و اشتبه ظاهرا و مع التقارن لا صحة كذلك فلا وجه للاستدلال لها بالمرسل الذي يأتي، مع انه قاصر سندا و معارض بما عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي سلمة: «في رجلين مملوكين مفوض إليهما يشتريان و يبيعان بأموالهما، فكان بينهما كلام فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا، و هذا الى مولى هذا، و هما في القوة سواء فاشترى هذا من مولى هذا العبد، و ذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد الآخر و انصرفا الى مكانهما و تشبث كل منهما بصاحبه، و قال له: أنت عبدي قد اشتريتك من سيدك قال عليه السّلام: يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد، و إن كانا سواء فهما ردا على مواليهما جاءا سواء و افترقا سواء إلا أن يكون أحدهما سبق صاحبه فالسابق هو له ان شاء باع و ان شاء أمسك و ليس له ان

ص: 114


1- الوسائل باب: 88 من أبواب نكاح العبيد: 5.

و إن كان شراؤهما لغيرهما يصحان معا (62)، و ان ترتبا صح السابق بأي وجه معتبر أحرز السبق و اللحوق (63) و أما اللاحق فإن كان الشراء لنفسه فهو باطل (64) و ان كان الشراء لسيده توقف على إجازته (65).

مسألة 19: لو وطئ الشريك الجارية المشتركة لأحد عليه مع الشبهة

(مسألة 19): لو وطئ الشريك الجارية المشتركة لأحد عليه مع الشبهة (66)، و مع عدمها يسقط عنه الحد بقدر نصيبه و يثبت بمقدار نصيب غيره (67) فإن حملت قومت عليه و انعقد الولد حرا و عليه قيمة حصص

______________________________

يضر به»(1)، و لا وجه للعمل بهذه الرواية أيضا لأنها فيما إذا أحرز السبق و اللحوق و اشتبه ظاهرا فلا وجه إلا للبطلان.

(62) لوجود المقتضي للصحة و هو الإذن المطلق منهما و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة. نعم، لو كان الإذن مقيدا بكونه عبدا له تتوقف الصحة على اجازته.

(63) لشمول أدلة الصحة له بلا محذور فيه.

(64) لأنه بعد أن صح السابق يصير هذا مملوكا للسابق و لا يصح شراء المملوك لمالكه و سيده.

(65) لأنه حينئذ من الفضولي بناء على زوال الإذن بانتقاله عن ملك الاذن إلى ملك غيره و بذلك يفترق الإذن عن الوكالة، و أما مع عدم زواله فيكفي الإذن السابق و لا يحتاج إلى إجازة لا حقة.

(66) لما يأتي في كتاب الحدود من سقوطه مع الشبهة إجماعا، و في الحديث: «ادرءوا الحدود بالشبهات» (2).

(67) للنصوص، و الإجماع منها خبر ابن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجال اشتركوا في أمة فأتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده

ص: 115


1- الوسائل باب: 18 من أبواب بيع الحيوان.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمات الحدود: 4.

الشركاء من الولد عند سقوطه حيا (68).

______________________________

فوطئها؟ قال عليه السّلام: يدرأ عنه من الحد بقدر ماله فيها من النقد و يضرب بقدر ما ليس له فيها، و تقوم الأمة عليه بقيمة و يلزمها، و إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنها الأول، و إن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن و هو صاغر، لأنه استفرشها، قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراؤها دون الرجل؟ قال عليه السّلام: ذلك له، و ليس له ان يشتريها حتى تستبرأ و ليس على غيره ان يشتريها إلا بالقيمة»(1).

(68) أما تقويم الجارية فللإجماع و النصوص منها ما تقدم في خبر ابن سنان و نحوه غيره مما هو كثير، و يحتمل تقويمها بمجرد الوطي مع احتمال الحمل، لأنه أوجب بمجرد ذلك معرضية سقوط الجارية عن ملك ملاكها لصيرورة كونها معرضا لأم الولد المتشبثة بالحرية.

و أما انعقاد الولد حرا فلقاعدة التبعية لأشرف الأبوين و أصالة الحرية و ليس هو زناء محضا حتى ينفى مطلقا على فرض شمول النفي لمثل هذه الأمور و عدم اختصاصه بخصوص نفي الإرث فقط كما هو ظاهر حديث: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» (2).

و أما أن عليه قيمة حصص الشركاء من الولد فلأنه أتلف عليهم نماء مالهم فيجب عليه القيمة مضافا إلى الإجماع و النص ففي صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا وطأ رجلان أو ثلاث جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده و يرد قيمة الولد على صاحب الجارية، قال: فإن اشترى رجل جارية و جاء رجل فاستحقها و قد ولدت من المشتري رد الجارية عليه و كان له ولدها بقيمته» (3).

ص: 116


1- الوسائل باب: 17 من أبواب بيع الحيوان.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب نكاح العبيد حديث: 4.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب نكاح العبيد حيث: 1.

مسألة 20: يستحب لمن اشترى مملوكا ان يغير اسمه، و يطعمه شيئا من الحلاوة

(مسألة 20): يستحب لمن اشترى مملوكا ان يغير اسمه، و يطعمه شيئا من الحلاوة، و الصدقة عنه بأربعة دراهم و ان لا يريه ثمنه (69).

______________________________

و أما كون المناط قيمة يوم سقطه حيا فلأنه المتيقن من الأدلة و هو أول يوم يصدق الولد عليه و هو الذي تساعده التقويمات المتعارفة، و لأصالة البراءة عن اعتبار تقويم غيره.

و الظاهر جريان الحكم المذكور على الأمة أيضا فيدرء عنها بقدر ما درء عن الواطئ و تضرب بقدر ما ضرب.

(69) لخبر زرارة قال: «كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فدخل عليه رجل و معه ابن له، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: ما تجارة ابنك؟ فقال: التنخس، فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام لا تشتر شيئا و لا عيبا و إذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان فما من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح و إذا اشتريت رأسا فغير اسمه و اطعمه شيئا حلوا إذا ملكته و صدق عنه بأربعة دراهم» (1).

و الحمد للّه رب العالمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

ص: 117


1- الوسائل باب: 6 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

فصل في الإقالة

اشارة

فصل في الإقالة

______________________________

البحث فيها من جهات:

الأولى: إنها من الحقوق المجاملية بين الناس في عقودهم و عهودهم موافقة لقاعدة السلطنة لا أن تكون مخالفة لها نتعبد بها شرعا فقط لأن من شؤون المعاهدة بين العقلاء إقالة النادم في العهود الدائرة بينهم سواء كانت الندامة من طرف واحد أو من الطرفين، و قد وردت الروايات مطابقة لهذا الأمر الأخلاقي العرفي.

الثانية: إنها حق لا أن تكون حكما، لكونها مثل الفسخ عرفا، و صرح في التذكرة بأنها تورث، و على فرض عدم الإرث كما عن جمع فلا يلزم أن يكون حكما، إذ ليس كل حق موروثا و كل ما لا يورث حكما كما هو واضح.

الثالثة: الإقالة كالفسخ الحاصل بالخيار لكنها تفترق عنه بتوقفها على تراضي الطرفين، بخلافه فإنه قائم بمن له الخيار فقط فالإقالة رد الملك إلى من كان له قبل العقد بالتراضي، و ليست بيعا مستأنفا فلا تترتب عليها آثار البيع و أحكامه بل ليست عقدا أصلا فهي من سنخ الإيقاعات كالفسخ، و لذا تقع بقول أحدهما مع رضاء الآخر، و ليس كل ما كان متوقفا على رضاء الطرفين عقدا فتتحقق بلفظ أحدهما و مجرد رضاء الآخر بها- و أنه أحرز ذلك بوجه معتبر كما يأتي- قلبا و لو لم يصدر منه لفظ و لا فعل بل و بفعل أحدهما و رضاء الآخر كذلك.

ص: 118

و هي: فسخ العقد من الطرفين. و رضاء الأخر به (1) و تجري في جميع العقود (2) سوى النكاح (3).

مسألة 1: تقع الإقالة بكل لفظ أفاد المعنى المقصود عرفا

(مسألة 1): تقع الإقالة بكل لفظ أفاد المعنى المقصود عرفا كما إذا قال المتعاقدان أو أحدهما: تفاسخنا أو تقايلنا أو يقول أحدهما للآخر:

(أقلتك) و قبل الآخر، أو التمس أحدهما إقالة الآخر، فأقال، أو رد كل واحد منهما ما انتقل إليه الى صاحبه بعنوان الإقالة، فتتحقق بالفعل من كل منهما

______________________________

(1) للإطلاقات، و العمومات و ظاهر قوله عليه السّلام: «أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة»(1)، انه يكفي الإقالة من طرف و الندامة من الطرف الآخر كما في اقالة اللّه تعالى لعبيدة النادمين، و قال عليه السّلام أيضا: «أربعة ينظر اللّه عز و جل إليهم يوم القيامة: من أقال نادما، أو أغاث لهفان، و أعتق نسمة أو زوج عزبا»(2)، إلى غير ذلك من النصوص التي وردت مورد التأليف و التسهيل.

(2) للإطلاق و الاتفاق و ذكر البيع في بعض الأدلة من باب الغالب.

(3) للإجماع على عدم جريانها فيه، و لأن رفع النكاح منحصر بسبب خاص و نصوص مخصوصة كما يأتي تفصيله في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى. و عن بعض عدم جريانها في الهبة اللازمة، و الضمان و الصدقة لعدم جريان الفسخ فيها و جريان الإقالة ملازم لجريانه.

و فيه: ان مقتضى الإطلاق الدال على تشريع الإقالة جريانها في الثلاثة أيضا إلا مع الدليل المعتبر على الخلاف أو ثبوت الملازمة بدليل معتبر و الأول مفقود، و الثاني مشكل و يأتي التفصيل في محالها و لكن الأحوط عدم

ص: 119


1- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب التجارة: حديث: 2 و 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب آداب التجارة: حديث: 2 و 5.

بل تتحقق بالفعل من أحدهما و القول من الآخر (4) و بعد تحقق الإقالة وجب على من بيده المال رده الى صاحبه (5).

مسألة 2: لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن و لا نقصان

(مسألة 2): لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن و لا نقصان فلو أقال المشتري بزيادة عن الثمن الذي اشترى به أو أقال البائع بوضيعة بطلت الإقالة و بقي العوضان على ملك صاحبهما (6) هذا إذا جعلت الزيادة أو النقيصة من حدود نفس الإقالة و أما ان كانت خارجة عنها كما إذا كانت بجعالة أو شرط أو هبة أو صلح أو بيع مستأنف فيجوز ذلك (7).

______________________________

وقوعها في الثلاثة.

(4) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و الأصل بعد عدم دليل يدل على تعيين خصوصية خاصة في البين.

(5) لأنه صار مال الغير فلا يجوز إمساكه و التصرف فيه بغير رضاه و مقتضى قاعدة اليد وجوب رده.

(6) لأن الإقالة المعهودة رد الملك الأول بما كان عليه حين العقد لا ما زيد شي ء عليه فإن الزيادة تحتاج إلى تمليك جديد و هو مفقود و ليس من شأن الإقالة ذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع و النص ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل اشترى ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمَّ رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة؟ قال عليه السّلام: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد» (1).

(7) للأصل، و الإطلاقات، و العمومات من غير مقيد و مخصص في البين لأن المتيقن من الإجماع و المنساق من النص انما هو البطلان فيما إذا كانت من حدود نفس الإقالة و قيودها لا ما إذا كانت خارجة عنها بالمرة و غير مربوط بها

ص: 120


1- الوسائل باب: 17 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

مسألة 3: لا يجري في الإقالة الفسخ و الإقالة

(مسألة 3): لا يجري في الإقالة الفسخ و الإقالة (8).

مسألة 4: تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد و في بعضه

(مسألة 4): تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد و في بعضه و يقسط الثمن حينئذ بالنسبة إلى حصته (9) بل إذا تعدد البائع أو المشتري

______________________________

و ان ذكر في ضمنها فليست الزيادة و النقيصة تمليكا بالإقالة بل هو بالشرط الذي التزم به في الإقالة فيشمله عموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1).

إن قلت: ان الشرط يصير من متممات العوضين فيرجع الزيادة و النقيصة بالأخرة إليهما فتبطل الإقالة، قلت: انه خلف الفرض إذ المفروض انه شي ء مستقل ذكر فيها تحفظا على ثبوته و استحكامه.

إن قلت: ان فائدة الشرط التسلط على فسخ العقد الذي اشترط فيه مع عدم الوفاء به و الفسخ في الإقالة غير معهود لأنها فسخ و لا معنى لتزلزل الفسخ و الفسخ في الفسخ، قلت: التسلط على فسخ العقد عند عدم الوفاء بالشرط من إحدى فوائد الشرط لا أن تكون منحصرة فيه كما في الشرط في ضمن العتق و الوقف و نحوهما مما لا يتسلط المشروط له على الفسخ فيه مع عدم الوفاء.

إن قلت: ان الذي وجب الوفاء به لا بد و ان يقع في ضمن العقد و كون الإقالة من العقد أول الكلام قلت: أولا دعوى ان الوفاء الواجب في الشروط ما كان في ضمن العقد أول الدعوى لشمول العمومات و الإطلاقات للشروط الابتدائية أيضا، و لكن نسب إلى المشهور عدم وجوب الوفاء بها كما مر.

و ثانيا: يكفي كونه في ضمن ما هو لازم- عقدا كان أو غيره- كالعتق و الوقف بناء على كونه إيقاعا و ايقافا كما هو الحق و يأتي تفصيله في كتاب الوقف إن شاء اللّه تعالى.

(8) للأصل و انقطاع العلاقة بينهما فلا موضوع في البين حتى يكون موردا لها، مضافا إلى تسالم الفقهاء عليه.

(9) لإطلاق الأدلة الشامل للكل و البعض مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

ص: 121


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

تصح إقالة أحدهما مع الطرف الآخر و إن لم يوافقه صاحبه (10).

مسألة 5: تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحة الإقالة

(مسألة 5): تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحة الإقالة فإذا تقابلا رجع بمثله ان كان مثليا و بقيمته إن كان قيميا (11) و المناط في القيمة على يوم الأداء (12) و الخروج عن الملك ببيع أو هبة أو نحوهما كالتلف (13).

مسألة 6: تلف البعض كتلف الكل يستوجب الرجوع الى البدل في البعض التالف

(مسألة 6): تلف البعض كتلف الكل يستوجب الرجوع الى البدل في البعض التالف (14) و حصول العيب يوجب الرجوع الى الأرش (15).

مسألة 7: حق الإقالة كحق الفسخ موروث

(مسألة 7): حق الإقالة كحق الفسخ موروث (16) و لكن الأحوط التراضي من الورثة مستقلا بصلح أو هبة و نحوهما من دون أن يكون ذلك بعنوان حق الورثة للإقالة (17).

______________________________

(10) لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، و أصالة عدم حق لصاحبه عليه.

(11) لإطلاق الأدلة الشامل لصورة التلف أيضا، و لأصالة المساواة بين الفسخ و الإقالة إلا ما خرج بالدليل، و قد مر صحة الفسخ حتى مع التلف أيضا.

(12) لأنه وقت تفريغ الذمة و قطع العلقة بينهما بالمرة فنعتبر العين في الذمة إلى وقت فراغها و الأحوط التراضي لأن المسألة خلافية.

(13) لأن الإقالة تسبيب رد كل من العوضين إلى المالك بحسب مقتضى العقد الأول الواقع بينهما فاذا انتفى مقتضاه ينتفي موضوع الإقالة أيضا، مع أن ذلك هو المتيقن من الإجماع و المنساق من النصوص التي تقدم.

(14) لما مر في تلف الكل من غير فرق بينهما في ذلك.

(15) لقاعدة نفي الضرر و الضرار الجارية في كل مقام.

(16) لأصالة المساواة بينهما و بين الفسخ بعد ثبوت كونها مثل حق الفسخ.

(17) للاقتصار على المتيقن من أدلة الإقالة و إمكان المناقشة فيما ذكرناه

ص: 122

مسألة 8: لا فرق في صحة الإقالة بين قصر المدة بين البيع و بينها

(مسألة 8): لا فرق في صحة الإقالة بين قصر المدة بين البيع و بينها و لا بين طول المدة (18).

______________________________

من الأصل و لذا ذهب جمع إلى عدم كونه موروثا.

(18) للإطلاق الشامل لكل منهما ما لم يكن الطول خلاف المتعارف لصحة دعوى الانصراف عنه حينئذ و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 123

ص: 124

كتاب الشفعة

اشارة

كتاب الشفعة

مسألة 1: إذا باع أحد الشريكين حصته من شخص أجنبي

(مسألة 1): إذا باع أحد الشريكين حصته من شخص أجنبي فللشريك الآخر مع اجتماع الشروط الآتية حق تملكها أو انتزاعها من المشتري بما بذله من الثمن و يسمى هذا الحق بالشفعة و صاحبه بالشفيع (1).

______________________________

كتاب الشفعة هذه المادة تستعمل في اللغة بمعنى التقوية و الإعانة و الزيادة و الضم و ليس ذلك من المشترك اللفظي بل الجامع في الكل هو الضم إذ به يحصل الزيادة و الإعانة و التقوية و بهذا المعنى استعمل في اصطلاح السنة و الفقهاء و المتشرعة أيضا لانضمام حصة الشريك إلى شريكه بهذا الحق فتحصل الزيادة و التقوية و الإعانة، و بهذا المعنى يستعمل لفظ الشفاعة أيضا لأنها ضم المجرم إلى من له حق الشفاعة، لعل اللّه تعالى يتجاوز عن المجرم بفعل من له حق الشفاعة و نفس هذا الحق للشافع بفعل من اللّه تعالى بالنسبة إليه.

و لا ريب في كونها من الحقوق المجاملية و هي حق مخالف للأصل ثبت بنصوص متواترة تأتي الإشارة إليها و إجماع المسلمين و لا بأس بتعريفها بأنها:

«حق لأحد الشريكين في حصة شريكه عند انتقالها إلى غيره بالبيع».

(1) لما تطابقت عليه أقوال الفقهاء و ان اختلفت تعبيراتهم في تأدية هذا المعنى، و لكنه من مجرد الاختلاف في اللفظ مع كون المراد الواقعي واحدا.

ص: 125

مسألة 2: تثبت الشفعة في كل ما لا ينقل إذا كان قابلا للقسمة

(مسألة 2): تثبت الشفعة في كل ما لا ينقل إذا كان قابلا للقسمة كالأراضي، و البساتين و نحوهما (2).

______________________________

(2) للنصوص المستفيضة من الطرفين و إجماع المسلمين، منها قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الشفعة في كل شي ء» (1)، و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما» (2)، و عنه أيضا عليه السّلام قال: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، و قال: لا ضرر و لا ضرار، و قال: إذا أرّفت الأرف و حدت الحدود فلا شفعة» (3).

و البحث في هذه المسألة من جهات.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الاعتبار.

و ثالثة: بحسب الأخبار.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل الأولى عدم ثبوت هذا الحق لأنه مسبوق بالعدم فيستصحب.

أما الثاني: فلا ريب في ثبوت السيرة العقلائية في الجملة على تقديم الشريك على الأجنبي و هو من الآداب المجاملية بين الناس فيقدمون الشريك على الأجنبي عند الدوران بينهما فلو عكس بأن يقدم الأجنبي مع اقتضاء الشريك يقع مورد الملامة و التقبيح.

ان قيل هذا مسلم في الحق المجاملي الأخلاقي، و انما البحث في الحق الشرعي الذي يكون للشفيع إلزام المشتري بالأخذ. و لو بدون رضاه و لا يثبت

ص: 126


1- كنز العمال ج: 7 صفحة 3 حدث: 19 ط حيدر آباد.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الشفعة: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الشفعة: 1.

..........

______________________________

ذلك من بناء العرف و العقلاء يقال: حق الاسترجاع و التسلط عليه مساوق لصحة الإلزام به عرفا و هو من فروع ولاية الشريك على ماله فإن من فروع هذه الولاية دفع المزاحم و المعارض و لو من جهة الشركة فإن مراعاة خصوصيات الشريك من أهم مقاصد الشركة.

و أما الأخبار فهي على قسمين:

الأول: ما يظهر منه التعميم كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في مرسل يونس:

«الشفعة جائزة في كل شي ء من حيوان أو أرض أو متاع» (1)، و في مرسله الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الشفعة لمن هي؟ و في أي شي ء هي؟ و لمن تصلح؟

و هل تكون في الحيوان شفعة؟ و كيف هي؟ فقال عليه السّلام: الشفعة جائزة [واجبة] في كل شي ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي ء بين الشريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره و إن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم» (2).

الثاني: جملة من الأخبار الواردة في المملوك كصحيح الحلبي (3)، عن الصادق عليه السّلام: «انه قال في المملوك: يكون بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه: أنا أحق به إله ذلك؟ قال عليه السّلام: نعم، إذا كان واحدا، قيل له: في الحيوان شفعة؟ قال عليه السّلام: لا» و ذيله محمول على ما إذا تعدد الشركاء بقرينة قوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «قال عليه السّلام: لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا» (4)، و ظاهر هذه الأخبار بل نصها صحة الشفعة في المنقول و عدم الاختصاص بخصوص غير المنقول فتكون شاهدا على التعميم.

ص: 127


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الشفعة: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 2 و 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 2 و 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 7.

..........

______________________________

الثالث: مرسل الكافي: «الشفعة لا تكون إلا في الأرضين و الدور فقط» (1)، و لا بد من حمله إما على الغالب أو على الحصر الإضافي بقرينة ما مر من صحيح ابن سنان و غيره مضافا إلى قصور سنده.

الرابع: قولهم عليه السّلام: «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»(2)، و قوله عليه السّلام:

الشفعة لا تكون إلا لشريك لم يقاسم» (3)، و كذا قوله عليه السّلام: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما» (4)، إلى غير ذلك مما اشتمل على مثل هذه التعبيرات و استفادوا منها أن موضوع الشفعة انما هو فيما كان قابلا للقسمة فما ليس قابلا للقسمة لا شفعة فيه.

و فيه: أولا ان مثل هذه الأخبار في مقام بيان مدة ثبوت حق الشفعة للشفيع و ليست متعرضة لبيان شي ء آخر. و ثانيا: انها معارضة بما هو ظاهر في التعميم و لا وجه لطرح الظهور لأجل مثل هذه الاحتمالات.

الخامس: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا شفعة في سفينة و لا في نهر و لا في طريق» (5).

و في رواية أخرى زيادة: «و لا في رحى و لا في حمام» (6).

و فيه: أولا أنه معارض بما دل على ثبوتها في الطريق كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن حازم: «ان كان باع الدار و حول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة» (7). و ثانيا: يمكن حمله على ما إذا كان الشريك أكثر من واحد كما هو الغالب في السفينة و الحمام و النهر، مع أن للشفعة نحو حق و للحق مراتب متفاوتة و يمكن حمل مثل هذه

ص: 128


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الشفعة: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الشفعة: 7.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الشفعة: 6 و 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الشفعة: 6 و 1.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الشفعة: 1 و 2.
6- الوسائل باب: 8 من أبواب الشفعة: 1 و 2.
7- الوسائل باب: 4 من أبواب الشفعة: 1.

بل تثبت فيما ينقل كالثياب و المتاع و السفينة و الحيوان، و فيما لا ينقل و كان غير قابل للقسمة كالضيقة من الأنهار و الطرق و الآبار و غالب الأرحية و الحمامات، و كذا في الشجر و النخيل و الأبنية و الثمار على النخيل و الأشجار (3) و لكن الأحوط للشريك عدم الأخذ بها إلا برضى المشتري كما ان الأحوط للمشتري اجابة الشريك ان أخذ بها (4)، و كذا الأحوط لهما ذلك في أشياء خمسة: النهر، و الطريق، و الرحى، و الحمام، و السفينة (5).

______________________________

الأخبار على نفي بعض مراتب الحق لا نفي أصله بالمرة.

هذا مع ان الموضوع عرفي لا ان يكون تعبديا محضا حتى نحتاج إلى الاستظهار من الأخبار ففي كل مورد يرى العرف الشريك أولى من الأجنبي نقول بها إلا مع تنصيص الشارع على المنع نصا معتبرا غير قابل للحمل، مع أن جملة من هذه الأخبار قاصرة سندا.

الرابعة: و هي البحث بحسب كلمات الفقهاء فهي مضطربة جدا فنسب إلى أكثر المتقدمين التعميم، بل ادعى المرتضى في الانتصار الإجماع عليه، و عن جمع كثير التخصيص منهم الفاضل و والده و ولده، و الشهيدان في اللمعة، و نسب ذلك إلى المشهور و الظاهر بل المعلوم ان إجماعهم و شهرتهم مستند إلى ما بين أيدينا من النصوص فلا اعتبار بهما، فإذا لم يعتبر إجماعهم فكيف يعتبر لنا أقوالهم التي أنهاها في الجواهر إلى أربعة.

(3) لما مر من الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها التعميم.

(4) لأنه يجوز الأخذ بها حينئذ قطعا و يعمل بذلك بالروايات المانعة أيضا، لأن المنع على فرضه انما هو مع عدم الإذن و الرضا من المشتري فكل واحد من الشفيع و المشتري تخلّص من احتمال المنع و جوازه.

(5) لما عرفت من ورود النص فيها بالخصوص و مر ما يتعلق به من إمكان الحمل على صورة كون الشركاء أكثر من اثنين، أو على ما إذا لم يكن

ص: 129

مسألة 3: موضوع ثبوت الشفعة إنما هو بيع الحصة المشاعة من العين المشتركة

(مسألة 3): موضوع ثبوت الشفعة إنما هو بيع الحصة المشاعة من العين المشتركة (6) فلا شفعة بالجوار، فلو باع أحد داره أو عقاره ليس لجاره الأخذ بالشفعة (7)، و كذا لا شفعة في العين المقسومة إذا باع أحد الشريكين حصته المفروزة (8) إلا إذا كانت دارا قد قسمت بعد اشتراكها أو كانت من أول الأمر مفروزة و لها طريق فباع بعض الشركاء حصته المفروزة من الدار فإنه تثبت الشفعة للآخر لكن إذا بيعت مع طريقها (9).

______________________________

المذكورات قابلة للقسمة بناء على عدم الشفعة فيما لا تقبل القسمة و لكن الحمل الثاني مخدوش لما مر من جريانها فيه.

(6) لظاهر ما تقدم من النصوص من ذكر لفظ «الشريك» فيها مضافا إلى الإجماع.

(7) للأصل، و الإجماع، و النصوص المتقدمة المشتملة على الشريك الظاهرة في الشركة المالية الدالة على عدم الشفعة في غيرها فلا موضوع للشفعة في الجوار بلا شركة بين المتجاورين، و أما النبوي: «جار الدار أحق بالشفعة» (1)، فهو مع قصور سنده يمكن حمله على عرض البيع عليه أولا أو ان المراد به قسم خاص من الجار و هو الشريك.

(8) للنصوص، و الإجماع منها ما مر من قوله عليه السّلام: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما»(2)، و قريب منه غيره، مع انتفاء موضوع الشفعة حينئذ تخصصا لأنها تكون بالنسبة إلى الشريك و قد انتفت الشركة بالقسمة.

(9) للنص، و الإجماع، ففي صحيح ابن حازم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دار فيها دور و طريقهم واحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال عليه السّلام: إن كان باع الدار و حول

ص: 130


1- كنز العمال ج: 7 حديث: 17 و غيره طبعة حيدر آباد.
2- تقدم في صفحة: 128.

و كذا إذا كانت داران تختص كل واحد منهما بشخص و كانتا مشتركتين في الطريق فبيعت احدى الدارين مع الحصة المشاعة في الطريق (10)، و أما إذا بيعت الحصة أو الدار مستقلا من دون الطريق بل بقي الطريق على ما كان عليه من الاشتراك بين الملاك، فلا شفعة حينئذ لا في الدار و لا في الطريق (11).

نعم، لو باع حصته من الطريق تثبت فيها الشفعة إن كان قابلا للقسمة (12).

______________________________

بابها الى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة» (1)، و قريب منه الفقه الرضوي (2)، و لم يظهر الخلاف فيه إلا من المحقق فإنه قال ان الحكم مخالف للأصل، و كما مر من إطلاق الأدلة الدالة على انه لا شفعة مع القسمة.

و فيه: أنه من الاجتهاد في مقابل النص، إذ الأصل محكوم بالنص الخاص، كما ان إطلاق الأدلة مقيدة به.

(10) لظهور إطلاق الدليل الشامل لهذه الصورة أيضا، فيستفاد من إطلاقه انه لا فرق في مورد ثبوت الشفعة بين ما إذا كان المبيع مقصودا بالبيع مستقلا أو كان ملحوظا تبعا.

(11) أما الأول فلعدم الاشتراك الذي هو موضوع الشفعة. و أما الثاني فلعدم تحقق البيع بالنسبة إليه أصلا لا مستقلا و لا تبعا فلا وجه للشفعة حينئذ.

(12) لوجود المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها فتشمله الأدلة لا محالة.

ص: 131


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الشفعة: 1.
2- مستدرك الوسائل: باب: 4 من كتاب الشفعة حديث: 2.

و كذا ان كان غير قابل للقسمة من جهة الضيق مثلا (13) و إن كان الأحوط فيه التراضي (14). و يجري ما قلناه في سائر الأملاك المشتركة في الطريق، كالبستان مثلا (15)، و كذا الاشتراك في الشرب كالبئر و النهر و الساقية فإنه كالاشتراك في الطريق أيضا فيما مر (16).

و لكن الأحوط فيهما التراضي بين الشفيع و الآخر (17).

مسألة 4: لو باع ما فيه حق الشفعة مع ما ليس فيه الشفعة

(مسألة 4): لو باع ما فيه حق الشفعة مع ما ليس فيه الشفعة، كما إذا باع حصته من الدار المشتركة بينه و بين غيره مع دار يملكها مستقلا ببيع

______________________________

(13) لما مر من شمول إطلاق الأدلة لما إذا لم يكن المورد قابلا للقسمة أيضا، و قلنا ان ما يستفاد منها اعتبار قبول القسمة لا يدل على نفي الشفعة عن غيرها.

(14) لذهاب جمع الى اعتبار قابلية القسمة في مورد الشفعة تمسكا بالأخبار المشتملة على القسمة و التقاسم (1)، و تقدم الجواب عنها فراجع.

(15) لعدم خصوصية في ذكر الدار في صحيح ابن حازم المتقدم و انما ورد في سؤال السائل من جهة انها كانت مورد احتياجه في وقت السؤال، و لذا عبر جمع من الفقهاء بالأرض كالمحقق في الشرائع و العلامة في القواعد و التحرير.

(16) لأن الظاهر ان ذكر الطريق في الصحيح من باب ذكر مصداق مرافق الدار و ما تحتاج إليه من مرافقها و ضرورياتها العامة فيشمل الجميع.

(17) جمودا على ظاهر الصحيح، و تمسكا بأصالة عدم حدوث هذا الحق، و ان كان فيهما ما لا يخفى، و خروجا عن مخالفة جمع خصوا الحكم بخصوص الدار و الطريق و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه إلا الجمود و فيه ما مرّ

ص: 132


1- تقدم في صفحة: 128.

واحد صفقة واحدة كان للشريك الشفعة في تلك الحصة المشاعة بحصتها من الثمن (18) و لكن الأحوط تراضيهما في ذلك (19).

مسألة 5: تختص الشفعة بخصوص البيع

(مسألة 5): تختص الشفعة بخصوص البيع، فإذا انتقلت الحصة إلى الأجنبي بالصلح، أو الهبة، أو الخلع، أو الإرث أو غير ذلك فلا شفعة للشريك (20)،

______________________________

(18) لوجود المقتضى لثبوتها و فقد المانع فيشمله إطلاق الأدلة، و اتحاد الصفقة لا يخرج كلا منهما عن حكمه، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(19) لاحتمال أن يكون حق الشفعة في المجموع بمجموع الثمن و لكنه احتمال ضعيف.

(20) للأصل، و ظهور الإجماع، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر الغنوي:

«الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها بالثمن» (1) و قوله عليه السّلام: أيضا: «إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره» (2) إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على لفظ «البيع»، و في صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار و له في تلك الدار شركاء قال؟ عليه السّلام: جائز له و لها، و لا شفعة لأحد من الشركاء عليها» (3)، بناء على أن نفي الشفعة من جهة الصداق لا من جهة تعدد الشركاء.

و عن ابن الجنيد من المتقدمين و الشهيد الثاني التعميم لكل نقل لأن ذكر البيع في الأدلة من باب المثال و الغالب لا التقييد و صحيح أبي بصير لأجل تعدد الشركاء لا الصداق و في الاجتزاء في الحكم المخالف للأصل و قاعدة السلطنة و الشهرة بل الإجماع بهذا المقدار إشكال.

ص: 133


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الشفعة: 2.

و الأحوط التراضي في غير البيع من سائر النواقل (21)، خصوصا في الأراضي و المساكن (22).

مسألة 6: انما تثبت الشفعة إذا كانت العين بين شريكين

(مسألة 6): انما تثبت الشفعة إذا كانت العين بين شريكين، فلا شفعة فيما إذا كانت بين ثلاثة فما فوقها (23) من غير فرق بين أن يكون البائع

______________________________

(21) خروجا عن خلاف ابن الجنيد و الشهيد.

(22) جمودا على إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، و قال: لا ضرر و لا ضرار» (1)، على ما أسسناه من الأصل من ان الشفعة من الأصول النظامية العقلائية، و يمكن أن يستأنس للتعميم من قوله صلّى اللّه عليه و آله في تشريع الشفعة: «لا ضرر و لا ضرار».

(23) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة» (2)، و مرسل يونس قال: «سألته عن الشفعة لمن هي؟ و في أي شي ء هي؟ و لمن تصلح؟ و هل تكون في الحيوان شفعة؟ و كيف هي؟ فقال عليه السّلام: الشفعة جائزة في كل شي ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره و إن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم» (3)، إلى غير ذلك من الاخبار هذا مضافا إلى الإجماع لأن المخالف على فرض ثبوته مسبوق بالإجماع و ملحوق به فلا أثر لقوله.

و أما ما ذكر فيه من لفظ: «الشركاء» كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «الشفعة بين الشركاء» (4)، و خبر طلحة بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السّلام قال:

«الشفعة على عدد الرجال» (5)، و مثله ما في خبر السكوني، و خبر ابن سنان عن

ص: 134


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الشفعة: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الشفعة.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 5.

اثنين من ثلاثة فكان الشفيع واحدا أو بالعكس (24).

نعم، لو باع أحد الشريكين حصته من اثنين دفعة أو تدريجا فصارت العين بين ثلاثة بعد البيع لا مانع من الشفعة للشريك الآخر (25).

و يجوز حينئذ له التبعيض بأن يأخذ بالشفعة بالنسبة إلى أحد

______________________________

الصادق عليه السّلام: «سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال: يبيعه- الحديث-» (1)، إلى غير ذلك مما يمكن أن يستفاد منه ثبوتها بين أكثر من اثنين أسقطها عن الاعتبار موافقتها للعامة و إجماع الإمامية على الخلاف، و قصور سند بعضها، و إمكان الحمل على ان المراد بالشركاء أقل الجمع و هو اثنان إلى غير ذلك من المحامل الممكنة.

(24) لإطلاق الأدلة الشامل لكل واحد من الفرضين.

(25) لأن المنساق من الأدلة و الفتاوي عدم الشفعة مع الكثرة السابقة على إنشاء البيع كما إذا كان الشي ء مشتركا بين ثلاثة مثلا فباع أحدهم نصيبه لا ما إذا كانت لا حقة عليه. و اختار ذلك جمع منهم الشهيد، و عن الفاضل في القواعد المفروغية عن صحته.

و توهم شمول الإطلاق لهذه الصورة أيضا.

فاسد: فإن قوله عليه السّلام في خبر يونس: «إذا كان الشي ء بين شريكين لا غيرهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره» ظاهر بل نص في ان المناط على الشركة المجوزة للشفعة و المانعة عنها انما هو قبل إنشاء البيع لا ما حصلت بعده.

و أما قول أبي عبد اللّه في صحيح ابن سنان المتقدم: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة» فلا يدل على عدم الشفعة في المقام بدعوى: ان المراد بالصيرورة مطلقها حتى تشمل بعد

ص: 135


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 7.

المشتريين دون الآخر (26)، و لكن الأحوط ان يكون أصل الشفعة و التبعيض فيها بالتراضي (27).

مسألة 7: إذا كانت العين مشتركا بين الوقف و الملك المطلق و بيع الطلق لم يكن للموقوف عليه

(مسألة 7): إذا كانت العين مشتركا بين الوقف و الملك المطلق و بيع الطلق لم يكن للموقوف عليه و لو كان واحدا و لا لولي الوقف الشفعة (28).

نعم لو بيع الوقف في صورة جوازه تثبت لذي الطلق (29) إلا إذا كان الوقف على أشخاص بأعيانهم و كانوا متعددين (30) و لكنه مشكل (31).

مسألة 8: يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن

(مسألة 8): يعتبر في ثبوت الشفعة كون الشفيع قادرا على أداء الثمن، فلو كان عاجزا عن أدائه فلا شفعة له و ان بذل الضامن أو

______________________________

البيع أيضا بل الظاهر ان لفظة «صاروا» بمعنى «كانوا» بقرينة غيره.

(26) لتعدد البيع الموجب لتعدد الاستحقاق و ليس ذلك من تبعيض حق الشفعة في البيع الواحد حتى لا يصح ذلك كما يأتي فلا وجه لقياس أحدهما على الآخر.

(27) لما نسب إلى جمع من عدم جواز أصل الشفعة حينئذ و نسب إلى آخرين عدم التبعيض فيها على فرض الجواز مستندا إلى ما مر مع المناقشة فيه.

(28) لأن المنساق من الأدلة انما هو ما إذا كان الشريك الذي تثبت له الشفعة مالكا لذات العين لا للتصرف فيه فقط، و قول المرتضى رحمه اللّه ثبوتها لولي الوقف غريب و دعواه الإجماع في هذه المسألة التي نسب عدم ثبوت الشفعة فيها إلى الأكثر أغرب.

(29) لوجود المقتضى و فقد المانع حينئذ فتشمله الأدلة لا محالة. و ما يتوهم: من احتمال انصراف الشفعة عن هذه الصورة «مخدوش» بأنه من الانصرافات البدوية التي لا اعتبار بها.

(30) لما مر من اعتبار كون الشفعة بين الشريكين فقط.

(31) لاحتمال انصراف ما دل على نفيها فيما إذا تعدد الشركاء عن المقام

ص: 136

الراهن (32)، إلا ان يرضي المشتري بالصبر (33)، بل يعتبر فيها إحضار الثمن عند الأخذ بها (34).

و لو اعتذر به في مكان آخر فذهب ليحضر الثمن فإن كان في البلد ينتظر ثلاثة أيام، و ان كان في بلد آخر ينتظر بمقدار يمكن بحسب العادة نقل المال من ذلك البلد بزيادة ثلاثة أيام فإن لم يحضر الثمن في تلك

______________________________

و اختصاصه بما إذا كان الشركاء مالكا طلقا للذات، و لذا نسب الجواز إلى جمع منهم الشهيد و المحقق الثاني.

(32) للأصل و الاعتبارات العرفية، و ظهور الاتفاق عليه، و فحوى خبر ابن مهزيار قال: «سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على ان يحضر المال فلم ينض فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أ يبيعها أو ينتظر مجي ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال عليه السّلام: إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال و إلا فليبع و بطلت شفعته في الأرض، و ان طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة و ينصرف و زيادة ثلاثة أيام إذا قدم، فإن وافاه و إلا فلا شفعة له» (1)، فإنه إما أن يكون المراد منه قبل إنشاء البيع من البائع فيدل على ما بعد إنشائه بالأولوية، و اما أن يكون المراد بعده فيراد بطلب الشفعة من المشتري و يكون المراد بقوله: «إذا أراد بيعها أ يبيعها أو ينتظر» بتنجز البيع و إقراره فيدل على المقام بالمفاد المطابقي.

(33) لأن هذا الشرط انما هو لمراعاة حق المشتري فإذا رضي بالصبر أو بأخذ الضامن أو بأخذ الرهن فقد أسقط حقه عن التعجيل فلا وجه لسقوط حق الشفعة لأنه بلا موجب حينئذ.

(34) لأنه الظاهر من الفتاوي، و المنساق مما مر من خبر ابن مهزيار

ص: 137


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الشفعة: 1.

المدة فلا شفعة له (35) إلا أن يرضي المشتري بالصبر (36) و يكفي في ثلاثة أيام التلفيق و مبدؤها من حين الأخذ بالشفعة لا من زمان البيع (37)، و الصبر إلى ثلاثة أيام أو الانتظار الى ان ينقل المال انما هو فيما إذا لم يتضرر المشتري و إلا فيدور مدار رضاه (38) و لا فرق في ذلك كله بين كون اشتراء المشتري الحصة نقدا أو نسيئة (39).

مسألة 9: يشترط في الشفيع الإسلام إذا كان المشتري مسلما

(مسألة 9): يشترط في الشفيع الإسلام إذا كان المشتري مسلما، فلا شفعة للكافر على المسلم و ان اشتراه من كافر و تثبت للكافر على مثله و للمسلم على الكافر (40)

______________________________

و تشهد له الاعتبارات العرفية أيضا.

(35) لما مر من خبر ابن مهزيار، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(36) لما تقدم من أن هذا الشرط لمراعاة حقه.

(37) أما الأول فلظهور الإطلاق الشامل للملفق و غيره كما في نظائر المقام من أيام العادة و الإقامة، و خيار الحيوان و نحوها. و اما الثاني فلظاهر خبر ابن مهزيار.

(38) لأنه المتيقن من مورد إجماعهم على هذا الشرط و هو المنساق من النص بعد تحكم قاعدة نفي الضرر عليه.

(39) لإطلاق النص و الفتاوى الشامل لكل منهما.

(40) أما الأول: فللنص، و الإجماع قال علي عليه السّلام في خبر طلحة بن زيد:

«ليس لليهودي و لا للنصراني شفعة» (1)، و في موثق السكوني عن الصادق عليه السّلام:

«ليس لليهودي و النصراني شفعة» (2)، و المراد منه على المسلم و ظاهرهم الإجماع على إلحاق سائر أقسام الكفر بهما و استدلوا عليه بقوله تعالى لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (3)، و بحديث: «إن الإسلام يعلو و لا

ص: 138


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 1.
3- سورة النساء: 141.

مسألة 10: تثبت الشفعة للغائب فله الأخذ بها بعد اطلاعه على البيع و لو بعد زمان طويل

(مسألة 10): تثبت الشفعة للغائب فله الأخذ بها بعد اطلاعه على البيع و لو بعد زمان طويل (41).

و إذا كان له وكيل مطلق أو في خصوص الأخذ بالشفعة جاز له الأخذ بالشفعة للموكل مع اطلاعه على البيع (42).

مسألة 11: تثبت الشفعة للشريك و ان كان سفيها أو صبيا أو مجنونا

(مسألة 11): تثبت الشفعة للشريك و ان كان سفيها أو صبيا أو مجنونا (43) فيأخذ لهم الولي (44)، بل إذا أخذ الصبية أو الصبي بإذن الولي صح (45).

______________________________

يعلى عليه» (1)، و في إجماعهم كفاية لإمكان الخدشة في دلالة الآية و الرواية و قد تقدم في بيع العبد المسلم من الكافر ما ينفع المقام (2)، فراجع.

و أما الثاني: فلظهور الإطلاق و الاتفاق.

و أما الأخيران: فلإطلاق الأدلة و الإجماع بل الضرورة.

(41) للإطلاق، و الإجماع، و خصوص قول علي عليه السّلام في ما تقدم من خبر السكوني: «للغائب شفعة» (3)، و أما ثبوته له و لو بعد زمان طويل فللأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق بعد عدم تمكنه للأخذ بها مباشرة أو تسبيبا.

(42) لاقتضاء دليل وكالته ذلك، مضافا إلى الإجماع على الجواز.

(43) لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، مضافا إلى قول علي عليه السّلام: «وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان له رغبة» (4).

(44) لولايته على جميع أمورهم التي يكون المقام منها.

(45) لأنهما بمنزلة الآلة للولي كما في سائر التصرفات المالية في مالهما بإذنه، كما تقدم في كتاب البيع.

ص: 139


1- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث حديث: 11.
2- تقدم في ج: 16 صفحة: 385.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 2.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 2.

مسألة 12: تثبت الشفعة للمفلس

(مسألة 12): تثبت الشفعة للمفلس إذا رضي المشتري ببقاء الثمن في ذمته أو استبدال الثمن من غيره أو دفعه من ماله بإذن الغرماء (46). و ليس للغرماء الأخذ بها و لا إجبار المفلس عليه و ان بذلوا الثمن (47).

مسألة 13: لو أسقط الولي على الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة لم يكن لهم المطالبة بها

(مسألة 13): لو أسقط الولي على الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ و الرشد و العقل (48)، و كذا إذا لم يكن في الأخذ بها مصلحة فلم يطالب (49)، و لو ترك المطالبة بها مساهلة في حقهم لهم المطالبة بعد الكمال (50).

مسألة 14: إذا كان المبيع مشتركا بين الولي و المولى عليه فباع الولي عنه جاز له أن يأخذ بالشفعة

(مسألة 14): إذا كان المبيع مشتركا بين الولي و المولى عليه فباع الولي عنه جاز له أن يأخذ بالشفعة، و كذا إذا باع الولي عن نفسه فإنه يجوز

______________________________

(46) لوجود المقتضى للثبوت و هو الشركة و فقد المانع بعد تحقق ما ذكر.

(47) لأصالة عدم هذا الحق لهم و تعلق حقهم بماله لا يستلزم ثبوت حق لهم بالشفعة و الإجبار بوجه من الاستلزام.

(48) لوقوع الاسقاط عن أهله و في محله فيؤثر أثره لا محالة فلا موجب لعوده بعد ذلك بحدوث كمال الشريك.

(49) لعدم الموضوع لحدوث حق الشفعة حينئذ للشريك فلا يثبت من أصله، فلا موجب لحدوثها بعد ذلك هذا بناء على اعتبار المصلحة في تصرفات الولي و ان اكتفينا بمجرد عدم المفسدة فيسقط مع المفسدة في الأخذ بها مع عدمها.

و لكن يظهر مما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه في الخلاف عدم السقوط حينئذ بعد الكمال، للإطلاقات و الاستصحاب، و لأن ترك الولي للأخذ بها لا يلازم سقوطها عن المولى عليه بوجه من الملازمة بعد صحة التأخير في الأخذ بالشفعة في الجملة في المقام و هو حسن إن لم يكن مخالفا للمشهور.

(50) للأصل، و الإجماع بعد أن كان التأخير لعذر- و هو عدم كمال

ص: 140

له ان يأخذ بالشفعة للمولى عليه، و كذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكا مع الموكل (51).

مسألة 15: لو اشترى عامل المضاربة ما يكون مشتركا بين صاحب المال في المضاربة و بين شخص آخر

(مسألة 15): لو اشترى عامل المضاربة ما يكون مشتركا بين صاحب المال في المضاربة و بين شخص آخر بحيث يصير صاحب المال هو الشفيع يملكه صاحب المال بنفس الشراء لا بالشفعة (52).

مسألة 16: يثبت حق الشفعة بمجرد وقوع المعاملة سواء كان بالعقد اللفظي أو بالمعاطاة

(مسألة 16): يثبت حق الشفعة بمجرد وقوع المعاملة سواء كان بالعقد اللفظي أو بالمعاطاة (53) و لا يتوقف على انقضاء الخيار

______________________________

الشريك- فأصل الحق ثابت من الأول و اعماله يتوقف على رفع المانع و مقتضى إطلاق النص و الفتوى هو الثبوت. و لو تضرر المشتري بذلك يمكن تدارك ضرره بالخيار.

(51) كل ذلك لإطلاق أدلة الشفعة، و ما دل على صحة تصرفات الولي فيما يتعلق بمال المولى عليه و الوكيل فيما يتعلق بمورد وكالته مع ظهور الاتفاق على ذلك كله.

(52) لفرض انه اشترى بعين ماله فلا موضوع للشفعة حينئذ لأنها للشريك على المشتري لا للمشتري نفسه.

و ما عن جامع المقاصد من انه لا يمتنع ان يستحق الملك بالشراء ثمَّ بالشفعة إذ لا يمتنع اجتماع العلتين على معلول واحد. لأن علل الشرع معرفات (واضح الفساد) كما في الجواهر، و قد أثبتنا في الأصول ان قضية علل الشرع معرفات لا أصل لها لا من العقل و لا من النقل بل العلل غير الشرعية تكون معرفات تارة و حقيقة أخرى.

هذا إذا لم يظهر الربح فلا حق للعامل إلا أجرة عمله فقط، و أما لو ظهر و قلنا بملكه بمجرد الظهور فيصير العامل شريكا للمالك بقدر حصته من الربح.

(53) لإطلاق الأدلة، و لأنه مسبب عن انتقال الملك إلى المشتري فتترتب عليه آثاره و لوازمه و لا نزاع في البين إلا ممن يقول بأن الملكية تحصل بانقضاء

ص: 141

مطلقا (54).

مسألة 17: حق الشفعة من الحقوق القائمة بطرف واحد و هو الشفيع

(مسألة 17): حق الشفعة من الحقوق القائمة بطرف واحد و هو الشفيع و لا يحتاج إلى قبول الطرف و لا التقابض فهو مثل حق الخيار إنشاء إيقاعي لا أن يكون عقدا (55). فيحصل الأخذ بها بكل لفظ له ظهور عرفي في ذلك و لو بقرينة و بكل فعل كان كذلك (56)، فالقول مثل ان يقول:

«أخذت المبيع المذكور بثمنه» و الفعل مثل ان يدفع الثمن و يستقل بالمبيع (57).

______________________________

الخيار لا بمجرد العقد و هو نزاع صغروي تقدم بطلانه في أحكام الخيار (1).

(54) لعدم دليل عليه من عقل أو نقل بعد ان أبطلنا توقف حصول الملكية على انقضاء الخيار، و قلنا بأنها تحصل بمجرد العقد. نعم، استقرارها يتوقف على انقضاء الخيار.

(55) لظواهر الأدلة كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في ما تقدم: «فشريكه أحق به من غيره» (2)، و قول علي عليه السّلام: «للغائب شفعة» (3)، و قوله عليه السّلام أيضا: «وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة» (4)، و صرح بذلك جمع من الفقهاء و يظهر من آخرين أيضا، و تقتضيه أصالة عدم اعتبار شي ء آخر فيه بعد ظهور الإطلاقات و العمومات الواردة في مقام البيان.

(56) لما تقدم في إعمال حق الخيار من ان ظواهر الأقوال و الأفعال حجة معتبرة في المحاورات العقلائية يعتمد عليها في الاحتجاجات و غيرها.

(57) لأن ظهور كل منهما في اعمال هذا الحق مما لا ينكر عرفا، و كذا نظائرهما من الألفاظ و الافعال الظاهر ظهورا عرفيا في هذا العنوان الخاص.

ص: 142


1- تقدم في ج: 17 صفحة: 249.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 2.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 2.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الشفعة: 2.

مسألة 18: لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع و ترك بعضه

(مسألة 18): لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع و ترك بعضه، بل أما ان يأخذ الجميع أو يدع الجميع (58).

مسألة 19: الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأكثر منه و لا بالأقل

(مسألة 19): الشفيع يأخذ بقدر الثمن لا بأكثر منه و لا بالأقل (59)، و لا يلزم ان يأخذ بعين الثمن (60) بل له ان يأخذ بمثله إن كان مثليا (61).

و بالقيمة إن كان قيميا (62).

______________________________

(58) لانسباق ذلك من الأخبار، و ظهور إجماعهم عليه، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذيل بعض أخبار الشفعة: «لا ضرر و لا ضرار» (1)، إذ قد يتضرر المشتري بذلك، و قوله صلّى اللّه عليه و آله حكمة الجعل لا أن يكون علة الحكم المجعول حتى يدور الحكم مداره، و لو كان التبعيض برضاء المشتري فالأحوط أن يقع ذلك بعنوان المصالحة لا الشفعة، لاحتمال عدم صحة التبعيض فيها و لو برضاء المشتري.

(59) للنص و الإجماع، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر الغنوي: «الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها بالثمن (2).

(60) للقطع بعدم اعتبار ذلك، و تقتضيه سيرة المتشرعة بل العقلائية مضافا إلى تعذر ذلك.

(61) لأنه المنساق مما مر من قوله عليه السّلام: «بالثمن» أي: بقدره و هذا التعبير ورد في نصوص الفريقين و العرف و العقل و الإجماع يشهد بذلك أيضا فلا وجه لقول من قال انه يعتبر في الشفعة رد عين الثمن الذي اشترى به.

(62) للإطلاقات، و العمومات، و إطلاق قوله عليه السّلام: «بالثمن» أي بقدره في المالية فيشمل القيمي أيضا، و اختار هذا القول جمع منهم الشيخين في المقنعة و المبسوط و الشهيدين و الفاضل في جملة من كتبه و نسب إلى الأكثر، و عن جمع سقوط الشفعة في القيمي منهم الشيخ في خلافه، و خلاصة أدلتهم ثلاثة:

ص: 143


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الشفعة.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة.

و الأحوط التراضي (63)، و المرجع في المثلية و القيمية متعارف أهل الخبرة (64).

مسألة 20: إذا غرم المشتري شيئا من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع له البائع بشي ء لا يلزم على الشفيع تداركه

(مسألة 20): إذا غرم المشتري شيئا من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع له البائع بشي ء لا يلزم على الشفيع تداركه و كذا إذا حط البائع شيئا من

______________________________

الأول: أصالة عدم ثبوتها إلا في المتيقن و هو المثلي.

الثاني: دعوى الشيخ (رحمه اللّه) الإجماع في الخلاف على السقوط.

الثالث: خبر ابن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى دارا برقيق و متاع و بز و جوهر قال عليه السّلام: ليس لأحد فيها شفعة» (1).

الكل مردود أما الأصل فبالإطلاقات و العمومات الواردة في مقام التسهيل و الامتنان. و أما الإجماع فلا اعتبار به لمخالفة ناقله له في مبسوطه و نسب في المسالك عدم السقوط إلى الأكثر، و في الدروس نسبه إلى المشهور. و أما الخبر فليس له ظهور في أن عدم الشفعة كان لأجل ان الثمن قيمي فلعله كان لأجل عدم الشريك أو لجهة أخرى و المنساق منه بقرينة الأنس بمذاق أئمة الدين ان المشتري صرف جميع أمواله في اشتراء هذا الدار و تفرد بها لنفسه فنفى عليه السّلام الحكم مشيرا به إلى نفي الموضوع.

(63) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم فلا وجه للتكرار.

(64) لأنهما ليسا من الموضوعات التعبدية الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يرجع في تعيينهما إلى الفقيه، بل من الأمور العرفية فلا بد و ان يرجع فيها إلى ثقات خبراء العرف في كل شي ء و قد تقدم بعض الكلام فيهما في كتاب البيع عند بيان المقبوض بالعقد الفاسد (2).

ص: 144


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الشفعة حديث: 1.
2- راجع ج: 16 صفحة: 269.

الثمن للمشتري أو احتسب له من الحقوق ليس للشفيع تنقيصه (65).

نعم لو تصالحا على شي ء زيادة أو نقيصة مع قطع النظر عن الشفعة لا بأس به (66).

مسألة 21: لو اطلع الشفيع على البيع فله المطالبة بها في الحال

(مسألة 21): لو اطلع الشفيع على البيع فله المطالبة بها في الحال (67)، و تبطل الشفعة بالمماطلة و التأخير بلا داع عقلائي و عذر شرعي أو عقلي أو عادي (68). بخلاف ما إذا كان التأخير لعذر من الأعذار- كعدم اطلاعه على البيع، أو عدم كون المخبر به ثقة لديه، أو جهله بثبوت حق الشفعة له، أو توهم كثرة الثمن فبان قليلا، أو كونه بحيث يصعب عليه

______________________________

(65) لظاهر قوله عليه السّلام: «فشريكه أحق به من غيره بالثمن» (1)، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(66) لأنه حينئذ خارج عن حقيقة الشفعة فيشمله عموم دليل جواز الصلح.

(67) لإطلاق الأدلة الشامل لأول زمان اطلاعه على هذا الحق، و ظهور الإجماع على ان الإهمال و المماطلة مع عدم العذر مسقط لهذا الحق، بل لا نحتاج إلى الإجماع لأن الظاهر كونه من المسلمات العرفية العقلائية أيضا لأن إبقاء ملك المشتري على التزلزل بلا داع عقلائي و غرض عرفي نحو ضرر و ظلم بالنسبة إليه و يستقبح ذلك كله، فالفورية في حق الشفعة ليست قيدا لذات الشفعة كسائر الموارد التي تعتبر فيها الفورية بل مرجعها إلى مبطلية الإهمال لها بلا غرض صحيح كما يظهر ذلك من مجموع كلماتهم فراجع المطولات.

(68) لما مر من ان الإهمال بلا عذر و المماطلة في التأخير من دون جهة مسقط لها لا أن تكون الفورية معتبرة فيها و هذا هو المتحصل من مجموع

ص: 145


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الشفعة: 2.

تحصيله إلى غير ذلك من الأعذار التي لا تحصى- ففي جميع موارد التأخير لعذر أي عذر كان نثبت الشفعة (69).

مسألة 22: المراد بالمبادرة اللازمة في الأخذ بالشفعة هو المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة

(مسألة 22): المراد بالمبادرة اللازمة في الأخذ بالشفعة هو المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة، فإذا كان مشغولا بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها، و إذا كان مشغولا بأكل أو شرب لم يجب عليه قطعه و لا يجب عليه الإسراع في المشي، و يجوز له إن كان غائبا انتظار الرفقة إذا احتاج إليها عرفا أو انتظار زوال الحر أو البرد إن جرت العادة بذلك، و ان كان في الحمام و علم بالبيع يجوز له قضاء و طره و أمثال ذلك

______________________________

الكلمات بعد التأمل فيها، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «من اقتضاء إطلاق الأدلة ثبوت حقه مطلقا، و لكن خرج منه صورة الإهمال مع عدم عذر أصلا فما لم تتحقق فهو على حقه و منه يعلم حكم حال الشك و ليس القائل بالفورية يقول أن الشفعة الثابتة هي التي على جهة الفورية على وجه تكون الفورية قيدا لها و ان الاعذار المزبورة كالمستثنى منها ضرورة عدم دليل له لا على المستثنى و لا على المستثنى منه، بل ذكره للأعذار المزبورة غير مشير إلى دليل مخصوص في شي ء منها كالصريح فيما قلنا بل ذكر غير واحد من الأصحاب عدم وجوب الاشهاد على العذر بل في المسالك لا يجب عندنا مشعر بالإجماع عليه يشهد لذلك أيضا».

أقول: و يشهد للتوسعة فيها ما مر من خبر ابن مهزيار من الإمهال ثلاثة أيام لمن كان في المصر بالنسبة إلى إحضار الثمن و انه إذا ادعى غيبته في بلد آخر ينتظر مع ذلك مقدار ذهابه و إيابه (1).

(69) لما تقدم من عدم الدليل على الفورية الخاصة المعهودة في سائر

ص: 146


1- تقدم في صفحة: 137.

من الأمور المتعارفة، و كذا مثل تشييع الجنازة و عيادة المريض، و الإتيان بالنافلة و نحو ذلك مما لا يصدق عليها المماطلة عرفا، و مع صدق المماطلة تسقط و مع الشك فيها تثبت (70).

مسألة 23: يجوز للمشتري و الشفيع ان يتراضيا بتأخير الأخذ بالشفعة

(مسألة 23): يجوز للمشتري و الشفيع ان يتراضيا بتأخير الأخذ بالشفعة بما شاءا و أرادا (71).

مسألة 24: إذا كان الشفيع غائبا عن محل البيع و علم بوقوعه

(مسألة 24): إذا كان الشفيع غائبا عن محل البيع و علم بوقوعه و كان يتمكن من الأخذ بالشفعة مباشرة أو تسبيبا فلم يبادر إليه سقطت الشفعة (72).

مسألة 25: يقبل قول الشفيع في وجود العذر بلا بينة و لا يمين

(مسألة 25): يقبل قول الشفيع في وجود العذر بلا بينة و لا يمين ما لم يكن متهما من غير فرق بين ما لا يعرف إلا من قبله و غيره (73).

______________________________

الموارد بل المناط عدم صدق المماطلة و التسامح.

(70) أما السقوط مع صدق المماطلة فللإجماع، و لقاعدة الضرر. و أما الثبوت مع الشك فللاستصحاب.

(71) لأن السقوط بالمماطلة انما هو لمراعاة المشتري و هذه الفورية نحو حق له على الشفيع فيصح للمشتري الإذن في التأخير. نعم، لو كان من الحكم الشرعي فلا يجوز و لكن الأحوط أن يكون ذلك بصلح مستقل خارج عن حد الشفعة، لاحتمال ان يكون حكما لا حقا فبالصلح ينتفي أصل موضوع الشفعة و يحدث موضوع آخر حينئذ.

(72) لصدق المماطلة و التسامح إلا إذا أبدى عذرا فيقبل قوله فيه.

(73) نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب، لإطلاق أدلة ثبوت حقه مطلقا و خرج منه صورة إحراز الاتهام و الإهمال بلا عذر أصلا فما لم يحرز ذلك فهو على حقه و مقتضى ظاهر حال المسلم و حمل تأخيره في الأخذ بها على الصحة انه ليس في مقام تضييع حق المشتري و الإضرار به.

ص: 147

مسألة 26: تقدم انه يتحقق الأخذ بالشفعة بالقول كما يتحقق بالفعل

(مسألة 26): تقدم انه يتحقق الأخذ بالشفعة بالقول كما يتحقق بالفعل، و لكن لا يكفي مجرد القول من دون ترتب أثر عليه، فلو أخذ بها قولا و هرب أو ماطل أو لم يقدر على دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول الى ملك الشفيع و بالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري (74).

مسألة 27: يجوز للمشتري التصرف في المبيع بكل ما شاء و أراد

(مسألة 27): يجوز للمشتري التصرف في المبيع بكل ما شاء و أراد (75) و لا يمنع حق الشفعة عن ذلك (76) و لا يسقط بذلك حق الشفيع (77).

______________________________

(74) لأصالة بقاء الملك على ملك المشتري و عدم موجب لانتقاله إلى الشفيع و ليس للقول من حيث هو موضوعية خاصة و انما هو طريق لعدم تحقق المماطلة و عدم تضييع حق المشتري و المفروض تحقق ذلك فيصير القول لغوا محضا.

هذا مضافا إلى ظهور الإجماع على السقوط، و هذا معنى قول الفقهاء قدّس سرّهم:

لا بد في الأخذ بالشفعة من استحضار الثمن، أي يعتبر في ترتيب الأثر على القول عدم تحقق مماطلة و تضييع في البين و الا فنفس الاستحضار الخارجي للثمن من حيث هو عند الأخذ بالشفعة قولا لا دليل عليه كما فصل في المطولات.

(75) لقاعدة الناس مسلطون على أموالهم، و اقتضاء الملكية الحاصلة بنفس العقد لذلك و إطلاقات الأدلة و ظهور الإجماع.

(76) للأصل بعد عدم دليل عليه، فهو كتعلق حق الدين بالشركة الذي لا يمنع عن تصرف الورثة فيها بما شاءوا و أرادوا مضافا إلى إجماع المسلمين إلا ممن لا يعبأ بقوله من العامة.

(77) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

ص: 148

مسألة 28: لو باع المشتري ما اشتراه من الشريك كان للشفيع الأخذ من المشتري الأول بما بذله من الثمن

(مسألة 28): لو باع المشتري ما اشتراه من الشريك كان للشفيع الأخذ من المشتري الأول بما بذله من الثمن فيبطل شراء الثاني (78)، و له الأخذ من الثاني بما بذله من الثمن فيصح الأول (79)، و كذا لو زادت البيوع على اثنين فإن له الأخذ من المشتري الأول بما بذله من الثمن فتبطل البيوع اللاحقة، و له الأخذ من الأخير بما بذله من الثمن فيصح جميع البيوع المتقدمة و له الأخذ من الوسط فيصح ما تقدم و يبطل ما تأخر (80).

______________________________

(78) أما الأخذ من المشتري الأول فلأدلة ثبوت حق الشفعة من الإجماع و السنة كما تقدم.

و أما بطلان الشراء الثاني فلانتقال العين إلى الشفيع بحق الشفعة فلا يبقى موضوع لصحته حينئذ، نعم للشفيع اجازته فيصير صحيحا بالنسبة إليه.

(79) أما الأخذ من الثاني فلإطلاق أدلة الشفعة، و إطلاق قوله عليه السّلام: «فهو أحق بها بالثمن» (1)، الشامل لكل بيع ورد على العين المشترك واحدا كان أو متعددا فحق الشفعة ثابت مع التعدد كثبوته مع الوحدة.

و أما صحة البيع الأول فلوجود المقتضى و فقد المانع، لأن ما يتوهم فيه انما هو تعلق حق الشفيع، و المفروض أنه أعمل حقه و ظفر بقصده و الرضاء بكل لا حق يستلزم الرضاء بسابقه.

(80) لكون الحكم مطابقا للقاعدة، لأن بالأخذ بها ينقل المال الى الشفيع فإذا كان في الأخير تصح البيوع المتقدمة، لما مر من وجود المقتضى و فقد المانع عن الصحة، و إن كان في الأول أو الوسط لا موضوع لصحة البيوع اللاحقة و قد تقدم مثله في ترتب الأيادي المتعاقبة على مال الغير في بيع الفضولي فراجع.

ص: 149


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة.

ثمَّ انه لو باعه الشريك إلى المشتري الأول بعشرة- مثلا- و باعه المشتري الى آخر بعشرين و باعه الآخر بثلاثين، فبأي مشتري يرجع الشفيع يلزم عليه إعطاء ثمنه الذي اشتراه به فإن رجع إلى الثاني يلزمه إعطاء عشرين و إلى الثالث ثلاثين (81).

مسألة 29: لو تصرف المشتري فيما اشتراه بغير البيع- كالوقف و الهبة و نحوهما- مما لا شفعة فيه

(مسألة 29): لو تصرف المشتري فيما اشتراه بغير البيع- كالوقف و الهبة و نحوهما- مما لا شفعة فيه فللشفيع الأخذ بالشفعة فيبطل ذلك كله (82).

مسألة 30: لو تلف المبيع تماما بحيث لم يبق منه شي ء أصلا سقطت الشفعة

(مسألة 30): لو تلف المبيع تماما بحيث لم يبق منه شي ء أصلا سقطت الشفعة (83)، و ان بقي منه شي ء كالدار إذا انهدمت و بقيت

______________________________

(81) لإطلاق قوله عليه السّلام: «فهو أحق بها بالثمن» (1)، الشامل لجميع ذلك فإن أخذ من الأول دفع عشرة و رجع الثالث على الثاني بثلاثين و الثاني على الأول بعشرين و لو أخذ من الثاني صح الأول و دفع عشرين الى الثاني و لو أخذ الثالث صح جميع العقود و دفع ثلاثين، و هكذا في جميع العقود المترتبة.

(82) لسبق حقه فتكون صحة ذلك كله منوطا بعدم الأخذ بالشفعة مضافا إلى ظهور إجماعهم على أن له ابطالها بالأخذ بالشفعة فيكون الترتيب بين الأخذ بالشفعة و بطلانها ترتبا ذاتيا لا زمانيا كما هو كذلك بين كل معلوم و علته. هذا بناء على أن الأخذ بالشفعة موجب لبطلانها، و أما انه يكشف عن بطلان أصلها فالأمر أوضح لانكشاف وقوعها في متعلق حق الغير بلا رضاء منه فلا بد من البطلان لا محالة. نعم له إنفاذ أي منها شاء و أراد.

(83) لانتفاء الموضوع فلا موضوع حتى يتعلق به الحق و احتمال تعلق الحق بأصل المالية أعم من العين أو المثل و القيمة كما في الفسخ عند تلف

ص: 150


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة.

عرصتها و أنقاضها أو عابت لم تسقط الشفعة، فللشفيع الأخذ بها و انتزاع ما بقي منها من العرصة و الانقاض مثلا بتمام الثمن أو الترك من دون ضمان على المشتري (84).

مسألة 31: لو كان التلف بعد الأخذ بالشفعة و كان بفعل المشتري ضمنه

(مسألة 31): لو كان التلف بعد الأخذ بالشفعة و كان بفعل المشتري ضمنه (85)، و كذا إذا كان بفعل الغير مع أخذ الشفيع بالشفعة و مماطلة المشتري في الإقباض (86).

______________________________

متعلقه خلاف المنساق من أدلة المقام و يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل الأصل عدمه.

(84) للأصل، و النص، و الإجماع ففي مرسل ابن محبوب- الذي اعتمد عليه المشهور- قال: «كتبت إلى الفقيه عليه السّلام في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاع غير مقسوم و كان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا فلما قبضها و تحول عنها تهدمت الدار و جاء سيل خارق [جارف] فهدمها و ذهب بها فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كاملا الذي نقد في ثمنها فقال له: ضع عني قيمة البناء فإن البناء قد تهدمت و ذهب به السيل ما الذي يجب في ذلك؟ فوقّع عليه السّلام: ليس له إلا الشراء و البيع الأول ان شاء اللّه (1)، و يقتضيه إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كان شريكا فهو أحق بها بالثمن» (2).

و احتمال أن الانقاض صارت منقولة بالانهدام فلا تتعلق بها حق الشفعة «باطل» لتعلق الحق بها و هي غير منقولة فيستصحب.

(85) لصيرورة الحصة ملكا للشفيع بالأخذ بالشفعة فوقع الإتلاف من المشتري لملك الشفيع فيجب عليه الضمان، لقاعدة الإتلاف.

(86) لأن المشتري صار سببا لتلف مال الشفيع فالضمان عليه و هو يرجع

ص: 151


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الشفعة: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة.

و أما مع عدم مماطلته في ذلك فيرجع الى من أتلفه (87)، و كذا الكلام في أرش العيب لو تعيبت الحصة (88).

مسألة 32: لا يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ

(مسألة 32): لا يشترط في الأخذ بالشفعة علم الشفيع بالثمن حين الأخذ، فلو قال بعد اطلاعه عليها: «أخذت بالشفعة بالثمن بالغا ما بلغ» صح ان علم بعد ذلك (89).

______________________________

الى المتلف و يصح رجوع الشفيع إلى المتلف أيضا، لأن قرار الضمان عليه.

(87) لفرض عدم حصول شي ء من المشتري يوجب ضمانه و جريان قاعدة «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» في المقام مشكل بل ممنوع، لأن الشفعة ليست بيعا و لا معاوضة و انما هو نحو حق إيقاعي فقط كما تقدم.

(88) لأن ما قلناه مطابق للقاعدة فلا بد من إجرائها في جميع صغرياتها هذا خلاصة ما ينبغي ان يقال في المقام. و أما كلمات الأعلام فقال في الجواهر و لقد أجاد و نعم ما قال: «و من التأمل فيما ذكرناه يظهر التشويش في المقام في جملة من عبارات الأساطين كالفاضل و الشهيدين و غيرهم» فراجعها تجدها كما قال رحمه اللّه.

(89) للأصل، و الإطلاق، و عدم كونها بيعا حتى تعتبر فيها شروط البيع فهو نحو حق إيقاعي يعمل و يئول بعد ذلك إلى المعلومية و على فرض شمول دليل النهي عن الغرر (1)، للشفعة فالمنساق منه الغرر المستقر لا الذي يئول إلى العلم قريبا و عند ترتب الأثر خارجا.

و لكن نسب إلى المشهور اعتباره حين الأخذ بها فلا تصح مع الجهل و ان آل إلى العلم بعد ذلك، و استدل عليه ..

تارة: بأنه غرر منهي عنه (2).

ص: 152


1- تقدم في ج: 16 صفحة: 347- 351.
2- تقدم في ج: 16 صفحة: 347.

و لكن الأحوط اعتبار علمه به (90).

مسألة 33: الشفعة موروثة

(مسألة 33): الشفعة موروثة (91)،

______________________________

و أخرى: بأن الثمن يزيد و ينقص و الأغراض تختلف فيه قلة و كثرة.

و ثالثة: بأن الشفعة على خلاف الأصل و المتيقن من ثبوتها صورة العلم بالثمن.

و رابعة: بأنه المنساق من نصوصها كما تقدم.

و خامسة: بأنه لا بد من دفعه حين الأخذ بها و لا يمكن دفع المجهول.

و سادسة: بدعوى الإجماع على اعتبار العلم به.

و الكل مخدوش. أما الأول فلما مر من عدم كونه غررا مع الأول إلى العلم حين تفريغ الذمة و على فرضه فالغرر المنهي عنه انما هو في البيع و المعاوضات دون الايقاعيات.

و أما الثاني فهو عبارة أخرى عن الأول فلا وجه لذكره مستقلا.

و أما الثالث فلأنه مع وجود الإطلاق و العموم لا وجه للأخذ بالمتيقن.

و أما الرابع فلأنه من مجرد الدعوى. نعم، هو نحو احتمال في الأدلة لا تبلغ مرتبة الظهور.

و أما الخامس فيدفع كل ما يرتضيه المشتري. مضافا إلى ما تقدم في معنى استحضار الثمن فراجع.

و أما الأخير فعهدته على مدعيه و لو كان ثابتا لما تمسكوا بهذه الوجوه المخدوشة.

(90) خروجا عن مخالفة ما نسب إلى ظاهر المشهور.

(91) لعموم أدلة الإرث كتابا، و سنة، خصوصا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «ما تركه الميت من حق فهو لوارثه» (1)، و لو لم يكن لفظ الحق فيه كفانا إطلاق كلمة «ما»، مع انه

ص: 153


1- لم نعثر عليه في المجامع للأحاديث و لكن الشهيد «رضى اللّه عنه» ذكره في المسالك ج: 2 كتاب الشفعة ط. الحجرية.

و الاحتياط في التراضي (92)، و إذا أخذ جميع الورثة بالشفعة يقسم المشفوع بينهم على ما فرضه اللّه تعالى في المواريث (93)، فلو خلف زوجة و ابنا كان الثمن لها و الباقي له و لو خلف ابنا و بنتا كان للذكر مثل حظ الأنثيين (94)، و ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون (95).

نعم لو عفى بعضهم و أسقط حقه كانت الشفعة لمن لم يعف و يكون

______________________________

قد ادعى المرتضى و ابن إدريس الإجماع على انها موروثة.

و لكن نسب إلى جمع انها غير موروثة لخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام قال: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: لا يشفع في الحدود، و قال: لا تورث الشفعة»(1)، و هو موافق لجمع من العامة (2)، و مخالف للمعروف بين الإمامية، فكيف يعتمد عليه في مقابل العمومات من الكتاب و السنة و دعوى الإجماع من السيد و الحلي.

(92) ظهر وجه مما مر.

(93) لإطلاق أدلة المواريث من السنة و الكتاب و إجماع الأصحاب على أن المشفوع يقسم على ما فرضه اللّه تعالى في الكتاب، و لأن الوارث يأخذ المال من مورثه فتجري فيه فرائض اللّه تعالى لا أن يأخذه من حيث انه شريك مستقل يأخذ بالشفعة من المشتري حتى يكون التقسيم على الرؤوس.

(94) لأن هذا هو الفريضة الإلهية في القرآن العظيم و ما فصله خلفاؤه في السنة المباركة و التقسيم على الرؤوس يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(95) للزوم التبعيض على المشتري و قد مر عدم جوازه بل اللازم إما أن يأخذ الجميع أو يدعه كذلك.

ص: 154


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الشفعة.
2- راجع المغني لابن قدامة كتاب الشفعة صفحة: 536.

العافي كأن لم يكن رأسا (96).

مسألة 34: إذا باع الشفيع نصيبه قبل ان يأخذ الشفعة يسقط حقه

(مسألة 34): إذا باع الشفيع نصيبه قبل ان يأخذ الشفعة يسقط حقه خصوصا إذا كان بعد علمه بها (97).

مسألة 35: لو أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط

(مسألة 35): لو أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط (98).

______________________________

(96) لأن عفو العافي إنما يسقط استحقاق نفسه لنصيبه المعين من المال لا أنه يسقط أصل حق الشفعة رأسا بحيث تصير الشفعة كأن لم تكن أصلا فيبقى تمام حق الشفعة لباقي الورثة، لما تقدم من انه لا تبعيض في حق الشفعة فيأخذ الباقي بالجميع و يقسمون المال على حسب الفريضة بينهم بالسهام المفروضة و يصير العافي كأن لم يكن لفرض انه أسقط حقه من التركة و يظهر من ذلك انه لا وجه لتردد المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

(97) لأن الشركة علة للشفعة فمع زوالها لا موجب لحدوث المعلول فتكون مما حدث بلا علة و هو محال.

و احتمال انها علة للشفعة بنحو الإهمال في الجملة لا العلة الحقيقية، لا دليل عليه من عقل أو نقل بل خلاف المتيقن في هذا الحكم المخالف للأصل، مع ان هذا الاحتمال خلاف ظواهر الأدلة، فراجع و تأمل.

(98) لا نص معتبر في هذه المسألة يصح الاعتماد عليه في استظهار هذا الحكم فلا بد من تطبيقها على الاعتبارات الصحيحة حتى يتبين حكم المسألة، فنقول: المعروف بين الفقهاء انه لا يصح إسقاط ما لم يجب لأن صدق معنى الإسقاط و الإزالة و الإعدام لا بد له من اعتبار وجود شي ء أولا، ثمَّ سقوطه بالإسقاط و زواله بالإزالة و انعدامه بالأعدام.

و بعبارة أخرى: هذه المعاني و ألفاظها انما يراد بها رفع الموجود لا دفع ما سيوجد و مع عدم وجود شي ء أو لا يكون استعمال مثل هذه الألفاظ لغوا و باطلا و هذا صحيح في الجملة و لا ريب فيه إجمالا و لكن الأقسام ثلاثة:

ص: 155

و كذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري لكن الأحوط للمشتري استرضاء الشفيع (99)، و لو كانت في البين قرينة على ان المراد الاسقاط

______________________________

الأول: تحقق الشي ء خارجا من كل حيثية و جهة و لا ريب في صحة تعلق الإسقاط و الإزالة و الاعدام به كما هو معلوم.

الثاني: عدم التحقق أصلا حتى بمرتبة الاقتضاء و الاستعداد بحيث يكون الشي ء معدوما من جميع الحيثيات و الجهات أصلا و لا ريب في عدم صحة استعمال هذه الألفاظ و عدم صدق معانيها في المحاورات الصحيحة العرفية حينئذ إلا بنحو من المجاز و العناية.

الثالث: ثبوت المقتضي للتحقق مع عدم الوصول إلى مرتبة الفعلية الخارجية لجهة من الجهات و الظاهر صحة الصدق حينئذ بلا عناية و مجاز و ذلك لتحقق المقتضى (بالفتح) و ثبوته بتحقق المقتضي (بالكسر) و ثبوته و اعتبار أزيد من ذلك منفي بالأصل، و حينئذ نقول: فمجرد الشركة مقتض للشفعة فيصح للشريك إسقاط الشفعة لتحقق مقتضيها و ثبوتها ثبوتا اقتضائيا بثبوت أصل الشركة هذا بحسب الاعتبارات العرفية.

و أما الأخبار فيستفاد من الإطلاقات و العمومات الواردة في الباب ثبوت الحق الاقتضائي للشريك قبل البيع فيصح له الإسقاط، و يشهد لذلك النبوي المروي عن التذكرة: «الشفعة في كل مشترك في أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع» (1)، و في الدروس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يحل له ان يبيع حتى يستأذن شريكه» (2)، و ظهورهما في ثبوت الحق في الجملة قبل البيع مما لا ينكر.

(99) وجه الاحتياط احتمال عدم كفاية الثبوت الاقتضائي في الإسقاط بل

ص: 156


1- كنز العمال ج: 7 كتاب الشفعة حديث: 1.
2- المغني لابن قدامة كتاب الشفعة ج: 5 صفحة: 460.

بعد البيع يصح و تسقط (100).

مسألة 36: يجوز ان يصالح الشفيع مع المشتري عن شفعته بعوض و بدونه

(مسألة 36): يجوز ان يصالح الشفيع مع المشتري عن شفعته بعوض و بدونه (101)، و يكون أثره سقوطها فلا يحتاج بعد إلى إنشاء مستقل (102) و لو صالح معه على إسقاطه أو ترك الأخذ بها صح أيضا (103).

و لزم الوفاء به (104) و لو أثم و لم يف به و أخذ بالشفعة ففيما إذا كان مورد الصلح هو الإسقاط يصح أخذه بالشفعة مع الإثم (105) و لا يصح فيما إذا

______________________________

لا بد فيه من الثبوت الفعلي الخارجي و لكن إثباته بالدليل مشكل إلا دعوى انصراف الأدلة إليه.

(100) لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ فتسقط بلا إشكال.

(101) لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الصلح جائز بين المسلمين» (1)، و غيره الشامل لجميع ذلك.

(102) لأن الغرض الأولى من هذا الصلح و الداعي إليه هو سقوط هذا الحق فلا وجه لبقائه بعد ذلك.

(103) لجواز الصلح في كل ما يكون فيه غرض عقلائي غير منهي عنه، و لا ريب في كون ما ذكر مما فيه غرض صحيح و لا نهي عنه.

إن قيل: إن مقتضى ذلك مشروعية الصلح ليفيد فائدة الطلاق و الوقف و التحرير و نحو ذلك، كما ان في المقام يفيد فائدة الإسقاط (يقال): نعم لو لم يكن إجماع على عدم صحة الصلح فيما يفيد هذه الفوائد و إلا لقلنا بجريانه فيها أيضا و ترتب الأثر عليه.

(104) لعموم وجوب الوفاء بالعقود و يأتي انه من العقود اللازمة.

(105) لما ثبت في محله من ان النهي في غير العبادات لا يوجب الفساد إلا

ص: 157


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الصلح: 2.

كان مورده ترك الأخذ بالشفعة (106).

مسألة 37: لو كانت العين مشتركة بين حاضر و غائب و كانت حصة الغائب بيد ثالث فباعها بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه

(مسألة 37): لو كانت العين مشتركة بين حاضر و غائب و كانت حصة الغائب بيد ثالث فباعها بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه و التصرف فيه بأنواع التصرفات (107)، و يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد اطلاعه على البيع (108)، فإذا حضر الغائب و صدق الوكيل فهو و ان أنكر كان القول قوله بيمينه (109)، فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع و كان له عليه عوض المنافع الفائتة سواء كانت مستوفاة له أو لا (110).

______________________________

إذا كان نهيا عن أصل السبب أو عن العوضين و المقام ليس من أحدهما بل يكون من قبيل النهي عن البيع في وقت النداء.

(106) لأن الصلح وقع على ترك الشفعة و قد سقطت بنفس الصلح و لا وجه للأخذ بما هو ساقط لأنه لا يبقى موضوع للحق بعد إسقاطه.

(107) لاعتبار ظاهر يده و دعواه الوكالة من الدعوى بلا معارض فيقبل ما دام لم ينكشف الخلاف و بعد انكشاف الخلاف يعمل بحسب القواعد فيكون هذا الحكم ظاهريا ما داميا لا واقعيا حقيقيا كما في جميع الامارات و الطرق التسهيلية الامتنانية إذا انكشف الخلاف.

(108) لما مر في سابقة من غير فرق لأن موضوع الأخذ بالشفعة انما هو الطرق الظاهرية التي يصح التعويل عليها في ظاهر الشرع أصلا كانت أو أمارة أو قاعدة فان طابقت الواقع فنعم الوفاق و إلا فيعمل بسائر القواعد كما في جميع الموارد التي ينكشف فيها الخلاف.

(109) لأنه منكر، و البينة على المدعي و اليمين على من أنكر، هذا إذا لم تكن للوكيل بينة على الوكالة و إلا فيقدم قوله لأجل البينة.

(110) أما انتزاع الحصة منه فلقاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» التي

ص: 158

فإن دفعها إلى المالك يرجع بها على مدعي الوكالة (111).

مسألة 38: لو كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل

(مسألة 38): لو كان الثمن مؤجلا جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل (112)، و يصح للمشتري إلزام الشفيع بالكفيل لو حصل المقتضى له (113)، و يجوز أيضا الأخذ بثمن حالا مع رضا المشتري به (114).

______________________________

هي من أهم القواعد المعتبرة الشرعية النظامية كما مر.

و أما الرجوع إلى عوض المنافع مطلقا فلقاعدة على اليد الشاملة للمنافع المستوفاة و غيرها.

(111) لقاعدة ان المغرور يرجع إلى من غره التي هي أيضا من القواعد المعتبرة و تقدم اعتبارها (1).

(112) لإطلاق أدلة الشفعة الشامل لكلا صورتي تأجيل الثمن و تعجيله و لا محذور فيه و لا منافاة فيه لفورية الأخذ بالشفعة، لأنها انما تكون فيما إذا لم يكن في البين غرض صحيح شرعي و تراض من الطرفين في البين و المفروض حصول التراضي بينهما في ذلك، و ما مر من خبر ابن مهزيار من بطلان الشفعة بعد ثلاثة أيام (2)، انما هو فيما إذا لم يرض المشتري بالتأخير عن طيب نفسه به و إلا فلا وجه للسقوط. و كذا توهم أنه لا بد و ان يكون الشفعة بالثمن و التأجيل يخالفه في صفته و إن لم يخالفه في ذاته «فإنه باطل لأن ما بذله المشتري بالثمن في مقابل العين و هو هنا واحد، و انما الاختلاف في التأجيل حصل برضائهما.

(113) لأن أخذ الكفيل و الاستيثاق للمال من فروع ولاية المالك على ماله، و من فروع قاعدة السلطنة، فالمقتضي لأخذ الكفيل موجود و المانع عنه مفقود.

(114) لإطلاق الأدلة الشامل لهذه الصورة، و لأن الحق بينهما فلهما ان يتراضيا بكل ما شاءا و أرادا ما لم يرد دليل على الخلاف و هو مفقود.

ص: 159


1- راجع ج: 16 صفحة: 347- 351.
2- تقدم في صفحة: 135.

مسألة 39: الشفعة لا تبطل بالإقالة

(مسألة 39): الشفعة لا تبطل بالإقالة (115). فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري و نماء الثمن للبائع كما كان كذلك قبل الإقالة (116)، و لكن الأحوط التصالح و التراضي مطلقا (117).

______________________________

(115) لثبوتها نصا، و فتوى، بأصل حدوث البيع فمقتضى الأصل، و الإطلاق بقاؤها كما ان مقتضى إطلاق أدلة الإقالة صحتها أيضا في مورد ثبوت الشفعة إلا ان للشفيع إزالة الإقالة لسبق حقه فتكون صحتها مراعي بعفو الشفيع فإن حصل استمرت و الا بطلت من حينه.

إن قيل: لا وجه لسبق حق الشفيع، لأن الإقالة أيضا من الحقوق المجاملية الحاصلة بالبيع، مع ان لنا ان نقول بصحة كل منهما فينقل المبيع بالإقالة إلى البائع و يأخذ الشفيع عن البائع فيصحان معا.

يقال: أما حدوث الإقالة بأصل البيع فلا وجه له و هو خلاف ظواهر أدلتها التي هي ظاهرة في حدوثها بالندامة الحاصلة بعد البيع، و أما أخذ الشفيع العين من البائع بعد انتقالها إليه بالإقالة فهو أيضا خلاف ظواهر أدلة الشفعة و يظهر من الجواهر الإجماع على خلافه.

إن قيل: لا تجري الشفعة في مورد الإقالة لانصراف أدلتها إلى غير هذه الصورة.

يقال: هذا من مجرد الاحتمال و لا ينافي ظهور الإطلاق.

إن قيل: يتساقطان الحقان بعد التعارض و عدم الترجيح فيبقى العين على ملك المشتري بلا تقايل و لا شفعة.

يقال: التقايل لا اقتضاء و حق الشفعة لازم و سابق و لا تعارض بين ما هو لا اقتضاء و ما هو سابق.

(116) لأنه لا وجه لبطلان الإقالة إلا هذا فكأن البيع ثابت و الإقالة لم تقع.

(117) لما مر من احتمال سقوط الشفعة من أصلها في مورد الإقالة و إن كان

ص: 160

مسألة 40: ثبوت الخيار للبائع- أي خيار كان- لا ينافي ثبوت حق الشفعة للشفيع

(مسألة 40): ثبوت الخيار للبائع- أي خيار كان- لا ينافي ثبوت حق الشفعة للشفيع (118).

مسألة 41: ليس للشفيع فسخ البيع الواقع بين الشريك و المشتري و لو بالإقالة

(مسألة 41): ليس للشفيع فسخ البيع الواقع بين الشريك و المشتري و لو بالإقالةو عن تراض بينه و بين البائع (119).

مسألة 42: لو كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له و لا أرش

(مسألة 42): لو كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له و لا أرش (120) و إذا أخذ الشفيع بالشفعة مع علمه بالعيب فلا شي ء له أيضا (121)، و إن كان جاهلا كان له الخيار في الرد فقط دون اختيار الأرش (122).

______________________________

هذا الاحتمال ضعيفا.

(118) لإطلاق أدلة الشفعة، مع ان كل بيع ملازم لخيار المجلس غالبا و تساوى الحقين في ثبوتها بنفس البيع و إطلاق أدلتها و عدم دليل على سقوط أحدهما دون الآخر إلا احتمال انصراف أدلة الشفعة عما إذا كان للبائع خيار و هذا الانصراف من مجرد الاحتمال فقط فلا عبرة به و لكن الأحوط التراضي مع المشتري.

(119) لأصالة لزومه، و أصالة عدم ثبوت هذا الحق له و انما له حق الأخذ بالشفعة من المشتري فقط مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(120) لأنه أقدم على شراء المعيوب بعمده و اختياره فلا وجه لثبوت الخيار له، لأن الخيار و الأرش مجعول لتدارك الضرر و مع الإقدام على التضرر لا معنى لتداركه.

(121) لما مر في سابقة من انه أقدم على التضرر فلا وجه لتدارك مثل هذا الضرر.

(122) أما خيار الشفيع في الرد فلقاعدة الضرر، و ظهور فتوى الأصحاب عليه مع عدم اقدام منه عليه، لمكان جهله.

ص: 161

و إذا كان المشتري جاهلا له الأرش و لا خيار له في الرد (123) و لو أخذ الشفيع بالشفعة يصح له أخذ الأرش من المشتري (124). سواء كان

______________________________

و أما اختصاصه بخصوص الرد دون أخذ الأرش فلأن تشريع الأرش انما هو لأجل تدارك ما فات من المشتري من عوض ماله و تتميم ما نقص منه و لا موضوع له في المقام لفرض أن الشفيع يعطي جميع ما غرمه المشتري من الثمن بلا نقص منه فإما إن يأخذ المبيع المعيوب بالثمن فلا نقص على المشتري حتى يتدارك بالأرش و إما ان يردّه إلى المشتري فلا موضوع للأرش أيضا.

و منه يظهر ما نسب الى الفاضل و الشهيدين و المحقق الثاني رحمه اللّه من تخييره بين الرد و الأرش و لم يأتوا بدليل له إلا إطلاق دليل الأرش و ارتضاه صاحب الجواهر و استحسنه المحقق رحمه اللّه.

و فيه: ان كون الإطلاق واردا لبيان هذه الجهات مشكل بل ممنوع و الأحوط ان يكون أخذه بتراضيهما معا خروجا عن خلاف هؤلاء الأساطين.

(123) أما أصل ثبوت خيار العيب له، فلدليل خيار العيب الجاري في المقام بلا كلام و أما عدم تخييره في الرد فلتعلق حق الشفيع به.

أما تعين الأرش فلجبران النقص المعاملي الحاصل له بالعيب مع الجهل به.

(124) لفرض انه لم يصل تمام عوض ماله إليه فلا بد من تداركه و هو يصلح بالأرش.

و توهم: اختصاص أخذ الأرش بالبيع فلا يثبت في الأخذ بالشفعة.

مردود: لعموم دليله و هو قاعدة نفي الضرر الجاري في البيع و غيره، كما ان توهم ان إطلاق قوله عليه السّلام في أخبار الشفعة: «هو أحق بها بالثمن» (1)، عدم

ص: 162


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الشفعة حديث: 1.

المشتري قد أخذ الأرش من البائع أو لا بل أسقطه عنه (125).

مسألة 43: إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع للشفعة يجوز له أخذ الأرش من البائع

(مسألة 43): إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع للشفعة يجوز له أخذ الأرش من البائع و عليه دفعه إلى الشفيع (126).

و لو اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش (127) و يجوز له مطالبة المشتري به (128) و الأحوط التصالح و التراضي في جميع هذه المسألة و ما قبلها (129).

______________________________

الزيادة و النقيصة بالنسبة إلى الثمن، و هو يشمل حتى الأرش أيضا، مردود فإن الأرش متمم مالية المبيع لا أن يلحظ في ناحيته الثمن.

(125) لأن ما وقع من البيع الأول و الشفعة اللاحقة له موضوعان مختلفان من هذه الجهات فكل ما دل الدليل على اعتباره في الأخذ بالشفعة نقول به و ما لم يدل دليل عليه نعمل فيه بحسب سائر الأدلة و لا دليل من عقل أو نقل يصح الاعتماد عليه للملازمة بين أخذ الشفيع للأرش من المشتري و بين أخذ المشتري له من البائع وجودا و عدما.

(126) أما جواز أخذه الأرش من البائع فلقاعدة نفي الضرر. و أما لزوم دفعه إلى الشفيع فلأن الأرش من متممات مالية المبيع و تتميم نقصه و مورد الشفعة عند المتعارف و بحسب المنساق من الأدلة انما هو تسليم المبيع تماما و بلا نقص إلى الشفيع إلا مع تراضيهما على الاكتفاء بالمنقوص.

(127) لكونه أجنبيا بالنسبة إلى الشفيع لأن حق الشفعة يتعلق بملك المشتري لا البائع.

(128) لما مر آنفا فلا وجه للتكرار.

(129) لاضطراب الكلمات و تشويشها حتى ان المحقق قدس سرّه مع بنائه على التهذيب و التنقيح لم يهذب كتاب الشفعة كسائر الكتب، و كذا صاحب الجواهر «رحمهم اللّه تعالى».

ص: 163

مسألة 44: لو أراد المالك أو المشتري ان لا يثبت حق الشفعة للشريك

(مسألة 44): لو أراد المالك أو المشتري ان لا يثبت حق الشفعة للشريك أنشئا نقل الملك بالصلح أو الهبة لا البيع (130).

مسألة 45: إذا أقر المالك انه باع نصيبه من أجنبي و أنكر الأجنبي البيع لا يثبت حق الشفعة للشريك

(مسألة 45): إذا أقر المالك انه باع نصيبه من أجنبي و أنكر الأجنبي البيع لا يثبت حق الشفعة للشريك (131).

______________________________

(130) لما تقدم من اختصاص حق الشفعة بخصوص البيع و لا يجري في سائر النواقل و هناك حيل شرعية أخرى لحرمان الشريك عن حق الشفعة مذكورة في المطولات، من شاء فليراجع إليها.

(131) لأن إقرار العقلاء على أنفسهم و ان كان صحيحا لكن لا يثبت به ملكية الأجنبي للنصيب التي هي موضوع ثبوت حق الشفعة و قد مر أن المنساق من الأدلة تعلق حق الشفعة بملك المشتري و لا ربط له بالبائع و المفروض عدم ثبوت ملكية المشتري بمجرد إقرار البائع مع إنكاره.

و لكن، عن جمع منهم الشيخ، و المحقق و الفاضل و الشهيدين ثبوته بمجرد إقرار البائع بالبيع بدعوى: أن حق الشفعة تابع للبيع و قد حصل بالإقرار.

و فيه: انه تابع للبيع من حيث إضافته إلى قبول المشتري لا من حيث إقرار البائع فقط مع إنكار المشتري و قد بالغ الحلي في رد هذا القول من أراد فليراجع المطولات.

و الحمد للّه على كل حال و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

ص: 164

كتاب الصلح

اشارة

كتاب الصلح و هو التراضي و التسالم على أمر (1) من تمليك عين أو منفعة أو

______________________________

كتاب الصلح و هو مشروع بالأدلة الأربعة فمن الكتاب آيات منها قوله تعالى:

وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ (1)، و قوله تعالى الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (2)، و قوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (3)، التي بإطلاقها تشمل الصلح العقدي المتعارف و غيره، و ذكرنا ما يتعلق بمادة (صلح) في التفسير (4).

و من السنة نصوص كثيرة بين الفريقين تأتي الإشارة إلى بعضها منها قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» (5)، و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصلح جائز بين الناس» (6)، و مثله غيره.

و من الإجماع إجماع المسلمين.

و من العقل حكمه البتي بحسنه في الجملة ما لم يكن محذور في البين.

(1) مادة (ص ل ح) في أي هيئة وجدت و في أي صورة تحققت تشعر

ص: 165


1- سورة الأنفال: 1.
2- سورة الحجرات: 10.
3- سورة النساء: 128.
4- مواهب الرحمن ج: 9 ص: 386 ط. النجف.
5- سنن ابن ماجه باب: 23 من أبواب الأحكام كتاب الصلح.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب الصلح: 1.

إسقاط دين أو حق و غير ذلك (2)، و لا يشترط كونه مسبوقا بالنزاع (3) و إن كان تشريعه في شرع الإسلام لقطع التجاذب و رفع التنازع بين الأنام (4)، و يجوز إيقاعه على كل أمر و في كل مقام (5) إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا لحرام (6).

______________________________

بضد الفساد و تكون حليف الصلاح و السداد و التسالم في الجملة لغة و شرعا و عرفا، و الصلح محبوب في فطرة الإنسان بل كل ذي شعور من الحيوان و هو انفع العقود و يجتمع مع جميعها و أوسعها دائرة لوقوعه على ما في الذمة و من غير عوض و مع الجهالة.

و بالجملة: فكما إن لفظه سهل يسير يكون معناه من جميع جهاته كذلك وفقنا اللّه تعالى للصلاح و الصلح و التصالح بين بني نوعنا إنه ولي ذلك.

(2) لإطلاق الأدلة الشامل لكل ما يصلح أن يكون غرضا للصلح و لم ينه عنه الشرع.

(3) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق فيصح مع سبق التسالم أو النزاع و الإقرار و الإنكار، فلو ادعى عليه شي ء و أنكره، ثمَّ قال المنكر للمدعي:

صالحني، يصح الصلح كما انه لو أقر تصح المصالحة أيضا.

(4) و يكون هذا من بعض حكم التشريع كحكمة ذهاب أرياح الآباط في تشريع غسل الجمعة و استبراء الرحم للعدة و غير ذلك مما هو كثير، و قد أثبتوا ان الحكمة لا تخصص العموم و لا تقيد المطلق لكونها حكمة الجعل لا علة المجعول.

(5) لما تقدم من الأصل و الإطلاق و الاتفاق و يأتي تفصيل ذلك كله في المسائل المستقبلة.

(6) لإجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين و التصريح بذلك في نصوص المعصومين عليهم السّلام كما يأتي.

ص: 166

مسائل في الصلح

مسألة 1: الحق ان الصلح عقد مستقل بنفسه و عنوان برأسه

(مسألة 1): الحق ان الصلح عقد مستقل بنفسه و عنوان برأسه (7)، و ليس كما قيل راجعا إلى سائر العقود و إن أفاد فائدتها (8).

فيفيد فائدة البيع إذا كان عن عين بعوض و فائدة الهبة إذا كان عن عين بلا عوض و فائدة الإجارة إذا كان عن منفعة بعوض، و هكذا (9)، فلم يلحقه أحكام سائر العقود و لم يجر فيه شروطها (10) و إن أفاد فائدتها كما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه و شروطه فلا يجري فيه الخيارات المختصة بالبيع كخياري المجلس و الحيوان و لا الشفعة.

و لا يشترط فيه قبض العوضين إذا تعلق بمعاوضة النقدين و ما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة و هكذا.

______________________________

(7) لظواهر الأدلة، و إجماع الإمامية و المرتكزات العرفية.

(8) لأن مجرد إفادة عقد فائدة عقد آخر أعم من اتحادهما ذاتا كما هو واضح فما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه من أنه بيع مع تعلقه بالعين، و إلى الشافعي انه بيع و إجارة و هبة و عارية و نحوهما إن أفاده فائدتها قول عليل و بلا مدرك و دليل.

(9) إفادته لهذه الفوائد في هذه الموارد وجداني لكل أحد و لكنه أعم من الاتحاد في الحقيقة كما هو معلوم.

(10) للأصل و الإجماع بعد كون الاتحاد في الأثر أعم من الاتحاد في الذات و الحقيقة، مع أن ظواهر أدلة تلك الاحكام و الشروط اختصاصها بخصوص موردها و عدم التعدي عنها.

ثمَّ ان هذه التوسعة و التعميم في الصلح من حيث انه ينطبق على جميع العقود انما هو من اللطائف التي جعلها اللّه تعالى في هذه المادة بجميع هيئاتها و مشتقاتها فجعلها مما يجمع بها الشمل و ينتظم بها الفرق فاذا كانت مادة الصلح في عالم الاعتبار كذلك فما ذا تكون حقيقته في عالم الواقع.

ص: 167

مسألة 2: لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول مطلقا

(مسألة 2): لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول مطلقا (11) حتى فيما أفاد فائدة الإبراء و إسقاط الحق على الأقوى (12)، فابراء المديون من الدين و إسقاط الحق عمن عليه الحق و ان لم يتوقفا على قبول من عليه الدين أو الحق (13). لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقفا على القبول (14).

مسألة 3: لا يعتبر في الصلح صيغة خاصة

(مسألة 3): لا يعتبر في الصلح صيغة خاصة، بل يقع بكل لفظ أفاد في متفاهم العرف التسالم أو التراضي على أمر (15) من نقل عين أو منفعة

______________________________

(11) أما كونه عقدا فتكفي ضرورة فقه الإمامية بل فقه المسلمين بل مرتكزات الناس أجمعين. و أما احتياج كل عقد إلى الإيجاب و القبول فهو من البديهيات التي يحكم بها ذو و العقول.

(12) لأصالة عدم سراية خصوصية متعلق العقد إلى نفسه و بالعكس فلا ملازمة بينهما من هذه الجهة لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا، فيصح أن يكون المتعلق إبراء و إيقاعا و ما تعلق به عقدا و باختلاف الجهة ينتفي محذور التضاد إذا لا منافات بين كون المورد إيقاعا و الوارد عليه عقدا، كما انه يمكن أن يكون المتعلق عباديا و الأمر الوارد عليه توصليا كما في العبادات الاستيجارية التي تقع مورد الأمر الإجاري.

(13) لا كلية في ذلك، فإنه لو كان الإبراء أو الإسقاط مستلزما للمنة على من عليه الحق و هو لا يرضى بذلك، فالظاهر توقفهما على رضاه و ذلك لا ربط له بالمقام، أي: صحة وقوع الإيقاع في الجملة مورد العقد.

(14) لما مر من عدم المنافاة بينهما، فيكون إيقاعا بحسب الذات و عقدا بالعنوان الطارئ عليه و تقدم نظيره في صحة اجتماع الأمر العبادي و التوصلي في واحد من جهتين.

(15) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و عدم بناء الفقهاء على التعرض

ص: 168

أو إقرار مشروع بين المتصالحين (16).

نعم، اللفظ الدائر في الألسن الذي هو كالصريح في إفادة هذا المعنى من طرف الإيجاب (صالحت) و هو يتعدى إلى المفعول الأول بنفسه و إلى المفعول الثاني ب (عن) أو (على) فيقول مثلا «صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا» فيقول المصالح «قبلت المصالحة أو اصطلحتها بكذا» (17).

مسألة 4: عقد الصلح لازم من الطرفين لا يفسخ إلا بإقالة المتصالحين

(مسألة 4): عقد الصلح لازم من الطرفين (18) لا يفسخ إلا بإقالة المتصالحين أو بوجود خيار في اللبن (19) حتى فيما أفاد فائدة الهبة الجائزة (20)، و الظاهر جريان جميع الخيارات فيه إلا خيارات ثلاثة خيار

______________________________

لخصوصيات هذا العقد كما تعرضوا لخصوصيات سائر العقود من الإيجاب و القبول و سائر جهاتها فراجع الشرائع و الجواهر و غيرهما و قد أثبتنا في كلي العقود انه يقع بكل لفظ له ظهور عرفي في عنوان العقد المخصوص و لو بالقرائن و هذا يجري في المقام أيضا.

(16) و ضابطه كل أمر فيه غرض عقلائي غير منهي عنه شرعا.

(17) لظهور كل ذلك في المعنى المعهود، و الظاهر وقوعه بكل لفظ و لو مع التمكن من العربية، بل يقع بالمعاطاة، للعموم، و الإطلاق، و لكثرة توسعهم فيه بما لم يتوسعوا في غيره.

(18) لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل كما أثبتناها في البيع بأدلة كثيرة فراجع (1).

(19) كما هو شأن كل عقد تجري فيه الإقالة و الفسخ كالبيع و نحوه.

(20) فيكون لازما أيضا و لا منافاة بين كون شي ء جائزا بحسب الذات و لازما من حيث عروض عنوان الصلح عليه و باختلاف الجهتين تذهب المنافاة

ص: 169


1- راجع المجلد السادس عشر صفحة: 231- 233.

المجلس و الحيوان و التأخير، فإنها مختصة بالبيع (21).

و في ثبوت الأرش لو ظهر عيب في العين المصالح عنها أو عوضها فالأحوط التصالح و التراضي بالنسبة إلى الأرش (22).

مسألة 5: متعلق الصلح إما عين أو منفعة أو دين أو حق

(مسألة 5): متعلق الصلح إما عين أو منفعة أو دين أو حق، و على التقادير إما أن يكون مع العوض أو بدونه و على الأول إما أن يكون العوض عينا أو منفعة أو دينا أو حقا، فهذه عشرون صورة كلها صحيحة (23) فيصح الصلح عن عين بعين و منفعة و دين و حق و بلا عوض و عن منفعة بمنفعة و عين و دين و حق و بلا عوض و هكذا (24).

______________________________

من البين.

(21) أما جريان جميع الخيارات فيه، فلعموم أدلتها الشامل للصلح و لكل عقد لازم أيضا إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخروج.

و أما اختصاص الخيارات الثلاثة بالبيع فلاختصاص أدلة ثبوتها به كما مر في كتاب البيع فراجع (1).

(22) منشأ التردد ان الأرش مخالف للقاعدة و مختص بمورد خاص دل عليه الدليل المخصوص فلا يجري في غير ذلك المورد أو أنه موافق للقاعدة فيجري في كل مورد و قد مر في خيار العيب أنه يمكن جعله مطابقا للقاعدة فراجع كتاب البيع خيار العيب.

(23) للإطلاق و الاتفاق، و وجود المقتضى و فقد المانع فتشملها الأدلة بلا مدافع.

(24) لما تقدم من توسعة الأمر في الصلح بما لم يوسع في غيره من سائر العقود فهو صلح من جميع شؤونه و نواحيه.

ص: 170


1- تقدم في ج: 17 صفحة: 89- 111- 171.

مسألة 6: الصلح إذا تعلق بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المصالح

(مسألة 6): الصلح إذا تعلق بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المصالح (25) سواء كان مع العوض أو بدونه (26) و كذا إذا تعلق بدين على غير المصالح له أو حق قابل للانتقال كحقي التحجير و الاختصاص (27)، و إذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه، و كذا إذا تعلق بحق قابل للإسقاط غير قابل للنقل و الانتقال كحقي الشفعة و الخيار (28).

مسألة 7: يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين أو فضاء

(مسألة 7): يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين أو فضاء، كأن يصالح على ان يسكن داره أو يلبس ثوبا له مدة أو على ان يكون جذوع سقفه على حائطه أو يجري مائة على سطح داره أو يكون ميزابه على عرصة داره أو يكون الممر و المخرج من داره أو بستانه أو على أن يخرج جناحا في فضاء ملكه أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه و غير ذلك فإن هذه كلها صحيحة سواء كانت بعوض أو بغير عوض (29).

مسألة 8: إنما يصح الصلح عن الحقوق التي تسقط بالإسقاط

(مسألة 8): إنما يصح الصلح عن الحقوق التي تسقط بالإسقاط

______________________________

(25) لأنه لا فائدة في هذا القسم من الصلح و لو لم تترتب عليه هذه الفائدة لصار لغوا و باطلا.

(26) أما مع العوض فلأنه معاوضة حينئذ و هي متقومة بانتقال كل واحد من العوضين إلى كل واحد من المتعاوضين. و أما إذا كان بلا عوض فلانحصار فائدته فيه و إلا فيصير لغوا.

(27) لأنه لو لا الانتقال إليه لصار لغوا و باطلا، مضافا إلى اتفاقهم على الحكم في جميع ذلك.

(28) للإجماع، و لزوم اللغوية لو لا هذا الأثر.

(29) للإطلاق، و الاتفاق، و السيرة العملية و الفتوائية في كل ذلك، و ما مر من توسع الأمر في الصلح بما لم يوسع في غيره.

ص: 171

كحقي الشفعة و الخيار و نحوهما و ما تكون قابلة للنقل و الانتقال كحقي التحجير و الاختصاص، و من ذلك حق الأولوية لمن بيده الأراضي الخراجية المسمى في العرف الحاضر بحق اللزمة.

و أما ما لا تسقط بالإسقاط و لا يقبل النقل و الانتقال فلا يصح الصلح عنها (30) و ذلك مثل حق العزل الثابت للموكل في الوكالة، و حق مطالبة الدّين الثابت للدّارين في الدين الحال، و حق الرجوع الثابت للزوج في الطلاق الرجعي، و حق الرجوع في البذل الثابت للزوجة في الخلع و غير ذلك.

مسألة 9: يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين

(مسألة 9): يشترط في المتصالحين ما يشترط في المتبايعين من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (31).

______________________________

(30) بلا إشكال فيه من أحد، بل هو من البديهيات الفقهية، لأن ما لا يقبل النقل و الانتقال و لا الإسقاط لا يوجد العاقد عقد الصلح بالنسبة إليه و لو كان خلاف في البين انما هو صغروي بمعنى ان بعض هذه الموارد من الحق أو من الحكم و على الفرض الأول هو من الحقوق القابلة للنقل و الإسقاط أو لا، و المشهور فيها أنها حق لا يقبل النقل و لا الإسقاط و العرف مساعد عليه أيضا و يأتي تفصيل ذلك كله في محله المختص به ان شاء اللّه.

(31) بالضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و تقدم في البيع ما ينفع المقام فراجع (1)، و مقتضى كثرة توسع الأمر في الصلح و عدم دليل غير الإجماع على اعتبار البلوغ في المتعاقدين صحة عقد الصلح من غير البالغ إذا كان جامعا للشرائط و كان بإذن الولي و لكنهم لا يقولون به، و كذا يعتبر عدم الحجر لسفه أو غيره إجماعا.

ص: 172


1- المجلد السادس عشر صفحة: 272.

مسألة 10: الظاهر انه تجري الفضولية في الصلح كما تجري في البيع

(مسألة 10): الظاهر انه تجري الفضولية في الصلح كما تجري في البيع (32) حتى فيما إذا تعلق بإسقاط دين أو حق و أفاد فائدة الإبراء و الإسقاط الذين لا تجري فيهما الفضولية (33).

مسألة 11: يجوز الصلح عن الثمار و الخضر و غيرها قبل وجودها

(مسألة 11): يجوز الصلح عن الثمار و الخضر و غيرها قبل وجودها و لو في عام واحد و بلا ضميمة و ان لم يجز بيعها كما مر في بيع الثمار (34).

مسألة 12: لا إشكال في انه يغتفر الجهالة في الصلح

(مسألة 12): لا إشكال في انه يغتفر الجهالة في الصلح (35)، فيما إذا تعذر للمتصالحين معرفة المصالح عنه مطلقا، كما إذا اختلط مال أحدهما

______________________________

(32) لما تقدم في كتاب البيع انها موافقة للقاعدة فتجري في الجميع إلا ما خرج بالدليل.

(33) لما ادعي من الإجماع على عدم جريانها في الإيقاعات، و لكن المقام من العقود، لما تقدم من عدم المنافاة بين كون نفس الصلح عقدا و متعلقه إيقاعا و لا ملازمة بينهما بوجه لا عرفا و لا عقلا و لا شرعا.

(34) لاغتفار الجهالة في الصلح بما لم يغتفر في غيره و توسع الأمر فيه بما لم يوسع في غيره على ما هو المتسالم عليه بين فقهاء الفريقين و يستفاد من النصوص أيضا كما يأتي.

(35) للإجماع، و النص و الاعتبار لأن تشريع الصلح لقطع التشاجر و اللجاجة و النزاع و لو كان مبنيا على المداقة و لو في الجملة لما وقعت المصالحة المبنية بذاتها على المسامحة، و يستفاد من المتواتر بين الفريقين: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرّم حلالا» (1)، التوسعة في كل جهة من جهات إلا في جهة واحدة و هي تحريم الحلال و تحليل الحرام، مع انه ليس بنحو الكلية أيضا فقد ورد جواز الكذب في الإصلاح (2)، و في صحيح ابن مسلم

ص: 173


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الصلح و تقدم في صفحة: 165.
2- الوسائل باب: 141 من أبواب أحكام العشرة.

بالآخر و لم يعلما مقدار كل منهما فاصطلحا على أن يشتركا فيه بالتساوي أو الاختلاف أو صالح أحدهما ما له مع الآخر بمال معين، و كذا إذا تعذر عليهما معرفته في الحال لتعذر الميزان و المكيال على الأظهر، و أما مع إمكان معرفتهما بمقداره في الحال ففيه إشكال (36).

______________________________

عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال عليه السّلام: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما» (1)، فجعل عليه السّلام المناط على طيبة النفس و التراضي بأي وجه اتفق، و منه يستفاد التعميم من كل حيثية و جهة و في كل شي ء و مورد.

(36) مقتضى الإطلاقات المزبورة الواردة مورد البيان من كل جهة صحة الصلح حتى في هذه الصورة أيضا، و لا منشأ للتشكيك إلا دعوى الانصراف، و الظاهر كونه من الانصرافات البدوية التي لا اعتبار بها و أي عموم و إطلاق أعم و أكثر توغلا في الإطلاق من قوله تعالى وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ (2)، فعلق طبيعة الخير على طبيعة الصلح بأي نحو وجهه تحقق، و أما دعوى ذكر تعذر المعرفة في اغتفار الجهالة في كلمات جمع، أو دعوى أنه من الغرر و هو منفي. لا وجه لكل منهما.

أما الأولى فلأنه لا وجه لذكر تعذر المعرفة و اعتباره في اغتفار الجهالة ما لم يذكر دليله، و لم يذكر له دليلا من إجماع أو غيره.

نعم قد ادعى انسباقه من الأدلة و هو أول الدعوى في مقابل ما مر من الإطلاقات.

و أما الثانية فلا وجه له أيضا بعد فرض ان الصلح متحمل من الجهالة ما لا

ص: 174


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح: 1.
2- سورة النساء: 128.

مسألة 13: إذا كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما

(مسألة 13): إذا كان لغيره عليه دين أو كان منه عنده عين هو يعلم مقدارهما و لكن الغير لا يعلم المقدار فأوقعا الصلح بينهما بأقل من حق المستحق لم يحل له الزائد إلا ان يعلمه و يرضى به (37).

نعم، لو رضي بالصلح عن حقه الواقعي على كل حال بحيث لو بين له الحال لصالح عنه بذلك المقدار بطيب نفسه حل له الزائد (38).

مسألة 14: تقدم في أحكام الربا المعاملي انه لا يجري حكم الربا المعاملي في الصلح

(مسألة 14): تقدم في أحكام الربا المعاملي انه لا يجري حكم الربا المعاملي في الصلح و حينئذ فلو صلوح عن الربوي بجنسه بالتفاضل صح و إن كان الأحوط تركه (39)، و لا إشكال مع الجهل و ان احتمل

______________________________

يتحملها غيره، و الأحوط أن يهب كل منهما ماله مجانا إلى صاحبه أو يتصالحا على إسقاط ما بينهما من الحق ان كان في الواقع.

(37) للنص، و الإجماع، و لأنه مع عدم الإعلام و الإرضاء بقول مطلق نحو خيانة بالنسبة إلى الطرف، و في صحيح علي بن أبي حمزة قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم فمات ألي أن أصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟ قال عليه السّلام: لا يجوز حتى تخبرهم» (1)، و في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى مات ثمَّ صالح ورثته على شي ء فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتى يستوفيه منه في الآخرة، و إن هو لم يصالحهم على شي ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به» (2).

(38) لفرض حصول الرضاء و طيب النفس بالزيادة بأي نحو تحققت كما و كيفا فيكون المقتضي للصحة موجودا حينئذ و المانع عنها مفقودا.

(39) أما الصحة فلفرض عدم الربا. و أما الاحتياط فللخروج عن خلاف

ص: 175


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح: 4.

التفاضل، كما لو كان لكل واحد من شخصين طعام عند صاحبه لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فأوقعا الصلح على أن يكون لكل منهما ما عنده مع احتمال التفاضل في البين (40).

مسألة 15: يصح الصلح عن دين بدين حالين أو مؤجلين أو بالاختلاف متجانسين أو مختلفين

(مسألة 15): يصح الصلح عن دين بدين حالين أو مؤجلين أو بالاختلاف متجانسين أو مختلفين سواء كان الدينان على شخصين أو على شخص واحد، كما إذا كان له على ذمة زيد وزنة حنطة و لعمرو عليه وزنة شعير فصالح مع عمرو على ماله في ذمة زيد بما لعمرو في ذمته، و الظاهر صحة الجميع (41)، إلا في المتجانسين مما يكال أو يوزن مع التفاضل ففيه إشكال من جهة الربا (42).

نعم، لو صالح عن الدين ببعضه- كما إذا كان له عليه دراهم إلى أجل فصالح عنها بنصفها حالا- فلا بأس به (43)، إذا كان المقصود إسقاط

______________________________

من ذهب إلى جريان الرباء المعاملي فيه أيضا كما مر.

(40) لإطلاق ما تقدم من صحيح ابن مسلم (1)، فإن إطلاقه يشمل حتى بناء على جريان الرباء المعاملي فيه أيضا.

نعم، يخرج منه صورة العلم بالتفاضل، لحكومة أدلة حرمة الربا عليه حينئذ بناء على جريانه فيه و لكن تقدم عدم الجريان.

(41) لإطلاقات أدلة الصلح الشاملة لجميع هذه الصور من دون دليل على الخلاف.

(42) تقدم عدم جريانه في الصلح فيصح في هذه الصورة أيضا و ان كانت الصحة خلاف الاحتياط.

(43) لعدم كونه من الرباء- لا الرباء القرضي و لا المعاملي.

ص: 176


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح: 1.

الزيادة و الإبراء عنها و الاكتفاء بالناقص كما هو المقصود المتعارف في نحو هذه المصالحة لا المعاوضة بين الزائد و الناقص (44).

مسألة 16: يجوز ان يصطلح الشريكان على أن يكون الربح و الخسران على أحدهما و للآخر رأس ماله

(مسألة 16): يجوز ان يصطلح الشريكان على أن يكون الربح و الخسران على أحدهما و للآخر رأس ماله (45).

______________________________

أما الأول فلفرض ان هذا العمل صلح و إسقاط ما في الذمة و ليس بقرض.

و أما الثاني فلأنه مفروض العدم أيضا.

و سيأتي في كتاب الدين استفادة الحكم من بعض الروايات.

(44) لأنه حينئذ يصير من الربا المعاملي فيحرم من هذه الجهة مع تحقق سائر شرائطه.

(45) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى أصالة الصحة صحته بعد الشك في أن مثل هذا الصلح مخالف للشرع بدعوى: ان مقتضى الشركة كون الربح و الخسران على الشريكين لا أن يكون الخسران على أحدهما فقط، أو ليس مخالفا له بدعوى:

ان كونهما مشتركين في الربح و الخسران هو مقتضى إطلاق الشركة لا مقتضى ذاتها و حقيقتها فيجوز اشتراط الخلاف، و التصالح كذلك و هذا مقتضى قاعدة السلطنة أيضا.

و أما الثاني: فمقتضى إطلاقات أدلة الصلح و عموماتها الصحة و الجواز أيضا.

و أما الثالث: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين اشتركا

ص: 177

مسألة 17: يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدعى به أو بشي ء آخر

(مسألة 17): يجوز للمتداعيين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشي ء من المدعى به أو بشي ء آخر حتى مع إنكار المدعى عليه، و يسقط بهذا الصلح حق الدعوى، و كذا حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر، و ليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة (46).

لكن هذا فصل ظاهري تنقطع به الدعوى في ظاهر الشرع و لا يحل به ما أخذه من كان غير محق منهما (47).

______________________________

في مال فربحا فيه و كان من المال دين و عليهما دين، فقال أحدهما لصاحبه:

أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى، فقال عليه السّلام: لا بأس إذا اشترطا، فإذا كان شرط يخالف كتاب اللّه فهو رد إلى كتاب اللّه عز و جلّ»(1)، و من ذيله يستفاد صحة المسألة على جميع فروضها المفروضة ما لم يكن فيها شي ء مخالف لكتاب اللّه تعالى و ان كان مورد ظاهر السؤال هو بعد انتهاء الشركة لكن خصوصية المورد لا يخصص إطلاق الحكم الموافق للأصل و العمومات فيصح هذا الصلح في ابتداء الشركة و في أثنائه و في انتهائه و قد ضبط الحديث بطرق و متون أخرى لا يضر بالمقصود فراجع المطولات.

و أما الأخير: فادعى الإجماع على الصحة في الجملة، و لكن الكلمات مشوشة في اعتبار بعض القيود فراجعها، و لا محصل للتعرض لها بعد صحة المسألة على جميع الفروض ما لم يكن فيه شرط مخالف للشرع.

(46) أما أصل جواز هذا الصلح و صحته، فتدل عليه إطلاقات أدلة الصلح و عموماته، و ظهور الإجماع عليه.

و أما سقوط حق الدعوى به فلأن تشريع هذا النحو من الصلح لا يكون إلا لذلك، فلو لم يكن له هذه الفائدة لصار لغوا.

(47) للأصل، و النص و الإجماع فعن ابن حمزة قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم مات

ص: 178


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الصلح: 1.

فإذا ادعى شخص على شخص بدين فأنكره ثمَّ تصالحا على النصف فهذا الصلح و ان أثر في سقوط الدعوى لكن ان كان المدعى محقا بحسب الواقع فقد وصل إليه نصف حقه و بقي الباقي على ذمة المنكر يطالب به في الآخرة إذا لم يكن إنكاره بحق بحسب اعتقاده إلا إذا فرض رضا المدعى باطنا بالصلح عن جميع ماله في الواقع (48)، و ان كان مبطلا واقعا يحرم عليه ما أخذه من المنكر (49)، إلا مع فرض طيب نفسه

______________________________

أ لي أن أصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟ قال: لا يجوز حتى تخبرهم» (1)، و في صحيح عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى مات، ثمَّ صالح ورثته على شي ء فالذي أخذ الورثة لهم، و ما بقي فللميت حتى يستوفيه منه في الآخرة، و ان لم يصالحهم على شي ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به» (2)، و في صحيح هشام بن الحكم عن الصادق عليه السّلام قال: «رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و بعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار» (3)، و الحكم مطابق للأصل و قاعدة السلطنة أيضا إذ ليست لما شرع من طرق فصل الخصومة موضوعية خاصة بل طريق محض لإحقاق الحق فيدور ما وصل من الحق إلى صاحبه يسقط فبقدر ما لم يصل يبقى.

(48) لوقوع الصلح على الجميع حينئذ بتمامه و كماله فلا يبقى شي ء بعد ذلك حتى يؤخذ به يوم القيامة.

(49) لأصالة بقاء الحق، و عدم موجب لانتقال شي ء منه إلى المدعى كما هو معلوم.

ص: 179


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح: 2 و 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الصلح: 2 و 4.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم. 1.

واقعا (50). بأن يكون للمدعي ما صالح به لا أنه رضي به تخلصا من دعواه الكاذبة (51).

مسألة 18: إذا قال المدعى عليه للمدعي: صالحني لم يكن هذا إقرارا بالحق

(مسألة 18): إذا قال المدعى عليه للمدعي: (صالحني) لم يكن هذا إقرارا بالحق، لما عرفت أن الصلح يصح مع الإنكار كما يصح مع الإقرار أما لو قال: «بعني أو ملكني» كان إقرارا (52).

مسألة 19: إذا كان لواحد ثوب بعشرين درهما مثلا و لآخر ثوب بثلاثين و اشتبها

(مسألة 19): إذا كان لواحد ثوب بعشرين درهما مثلا و لآخر ثوب بثلاثين و اشتبها و لم يميز كل منهما ماله عن مال صاحبه، فإن خيّر أحدهما صاحبه فقد أنصفه، فكل ما اختاره يحل له و يحل الآخر لصاحبه (53)، و إن تضايقا فإن كان المنظور و المقصود لكل منهما المالية- كما إذا اشترياهما للمساومة و المعاملة- بيعا و قسم الثمن بينهما بنسبة مالهما، فيعطي صاحب

______________________________

(50) فيحل حينئذ بالأدلة الأربعة فمن الكتاب آية التراضي (1)، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» (2)، و المفروض تحققه، و من الإجماع إجماع المسلمين مع تحقق طيب النفس على أي تقدير، و من العقل إنه صلح مطلق واقعي و هو حسن عقلا.

(51) لأصالة بقاء الحق و عدم ما يوجب انتقاله من طيب النفس على كل تقدير.

(52) لأن لفظ «ملكني» يدل بالدلالة العرفية على أن المال ملكك و أطلب منك أن تملكني مالك و كذا لفظ «بعني» يدل عرفا على ان المال منك و أنا أريده منك بيعا.

(53) لوجود المقتضي للحلية و فقد المانع عنها، لفرض حصول الرضاء

ص: 180


1- سورة النساء: 29.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

العشرين في المثال سهمين من خمسة و الآخر ثلاثة أسهم منها (54)، و إن كان المقصود و المنظور نفس المالين- كما إذا اشترى كل منهما عباء ليلبسه و ليس لهما نظر إلى القيمة و المالية- فلا بد من القرعة (55).

مسألة 20: لو أتلف على شخص ثوبا- و نحوه- قيمته درهم مثلا

(مسألة 20): لو أتلف على شخص ثوبا- و نحوه- قيمته درهم مثلا فصالحه على درهمين أو أقل أو أكثر يجوز ذلك (56).

مسألة 21: لو كان معهما درهمان و ادعاهما أحدهما

(مسألة 21): لو كان معهما درهمان و ادعاهما أحدهما و ادعى الآخر

______________________________

و طيب النفس لكل منهما بالتملك و التصرف كذلك.

(54) لوصول حق كل منهما إلى صاحبه بهذا الطريق و المفروض تسالمهما على إحراز المالية فقط من دون قصد الخصوصية العينية، و يأتي النص الدال عليه أيضا.

(55) لانحصار فصل الخصومة فيها حينئذ، و لأنها لكل أمر مشتبه بعد عدم طريق آخر شرعي أو متعارف لرفع الاشتباه، و في خبر ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب و آخر عشرين درهما في ثوب، فبعث الثوبين و لم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه، قال عليه السّلام: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسي الثمن، قلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه» (1)، و لعل عدم ذكر القرعة، لعدم تعرض السائل لفرض موضوعها.

(56) لأن نفس العين المتلف في عهدة من أتلفها إلى حين تفريغ ذمته و قد وقع التفريغ بدرهمين أو أقل أو أكثر فلا يكون هذا العمل تبديلا للدرهم الذي هو قيمة الثوب بالزائد عليه حتى يحتمل فيه الرباء المعاملي بل هو إفراغ للذمة بعين ما اشغلت به.

ص: 181


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الصلح.

أحدهما كان لمدعيهما درهم و نصف و للآخر ما بقي (57).

______________________________

(57) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب القاعدة العرفية.

و ثالثة: بحسب الدليل الخاص.

أما الأول: فمقتضى الأصل بقاء حق الاختصاص بالنسبة إلى أحد الدرهمين إجمالا الذي يدعيهما أحدهما و يعترف به الآخر و انما النزاع في الآخر الذي يدعيه كل واحد منهما لنفسه، و أما أصالة عدم اختصاص الآخر لكل واحد منهما إما لا تجري أو تجري و تسقط بالمعارضة على ما فصل ذلك في الأصول.

أما الثاني: فحيث ان كل واحد منهما مسلط على ماله و لا ترجيح لكل واحد منهما على الآخر بوجه من الوجوه فالعقل و العرف يحكم بتنصيفه بينهما جمعا بين حقهما بقدر الإمكان و أن لا يكون نصيب أحدهما الحرمان و هذا الانسباق الذهني عند العرف يمنع عن احتمال القرعة، مع أن جريانها يحتاج إلى جبر دليلها بعمل الأصحاب و لا عمل منهم عليها في المقام بل الارتكاز على خلافها، بحيث لو امتنع أحدهما عن التنصيف يستنكر ذلك منه و يلام عليه عند العرف و لا يرون بحسب مرتكزاتهم يمينا و حلفا لأحدهما على الآخر، فهذا الأمر الارتكازي يقتضي التنصيف و هو قاعدة سارية في جميع الموارد ما لم ينه عنه الشارع.

و بعبارة أو جز: كل مال حصل النزاع فيه.

تارة: يكون تحت يد كل واحد من المتنازعين بحيث لا يكون تفاوت ليدهما أبدا في البين.

و أخرى: لا يد لأحدهما عليه أصلا و هو خارج تحت استيلائهما بالمرة.

ص: 182

..........

______________________________

و ثالثة: يكون تحت يد أحدهما فقط و يدعيه الآخر.

و رابعة: يكون في يدهما معا و تحت استيلائهما مع اختلاف احدى اليدين على الأخرى بجهة من الجهات.

و المنساق إلى الأذهان في الأول هو التنصيف، لما مر بلا لزوم حلف و يمين، للأصل بعد عدم دليل على الخلاف و يصح أن يسمى هذا بالصلح القهري و لا بأس به، لحكم المتعارف بصحته، و إقدامهم عليه و النص ورد على طبق هذا المرتكز العرفي.

و الثاني مورد التداعي الذي يحتاج الى حلف كل واحد منهما.

كما إن الثالث يحتاج إلى حلف المنكر بعد عدم البينة للمدعي، و الأخير يحتاج إلى الترجيح و قد فصل ذلك كله في كتاب القضاء.

و أما الدليل الخاص ففي صحيح ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، و قال الآخر: هما بيني و بينك، فقال عليه السّلام: أما الذي قال هما بينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له و أنه لصاحبه و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين» (1)، و مثله ما عن السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال: يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسم الآخر بينهما نصفين» (2).

و ظهر مما تقدم انهما موافقان لما هو المرتكز في الأذهان و لقاعدة العدل و الإنصاف التي صرح باعتبارها جمع من الأعيان، و يصح أن يكون هذا صلحا قهريا لا اختياريا- كما تقدم- و يستدل على صحته بالنص- كما تقدم- و الإجماع.

ص: 183


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الصلح: حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الصلح: حديث: 1.

مسألة 22: لو كان لأحد مقدار من الدراهم و لآخر مقدار منها عند ودعي أو غيره

(مسألة 22): لو كان لأحد مقدار من الدراهم و لآخر مقدار منها عند ودعي أو غيره فتلف مقدار لا يدري انه من أي منهما، فإن تساوي مقدار الدراهم منهما- بأن كان لكل منهما درهمان أو ثلاثة مثلا- يحسب التالف عليهما و يقسم الباقي بينهما نصفين (58).

و إن تفاوتا فأما أن يكون التالف بمقدار ما لأحدهما و أقل مما للآخر أو يكون أقل من كل منهما، فعلى الأول يعطي للآخر ما زاد على التالف و يقسّم الباقي بينهما نصفين (59) كما إذا كان لأحدهما درهمان و للآخر درهم و كان التالف درهما يعطي صاحب الدرهمين درهما و يقسم الدرهم الباقي بينهما نصفين، أو كان لأحدهما خمسة دراهم و للآخر درهمان و كان

______________________________

(58) لظهور الإجماع، و لما تقدم من القاعدة الارتكازية، و إمكان الاستفادة من قوله عليه السّلام في الصحيح المتقدم: «و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين»، لكونه مورد النزاع لكل منهما بالسوية، لأن كل منهما يدعى تمام الدرهم فحكم عليه السّلام بالتنصيف ففي كل مورد يكون المدعى به لأحدهما ما يدعيه الآخر يكون الحكم هو التنصيف فتأمل.

و قول علي عليه السّلام في المال المشترك: «ما اقتضى أحدهما فهو بينهما و ما يذهب بينهما» (1)، و تقدم في خبر السكوني ما يشهد له أيضا.

(59) لما مر من الأدلة في سابقة بلا فرق بينه و بين المقام، و في خبر السكوني عن الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها، قال عليه السّلام: يعطي صاحب الدينارين دينارا و يقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين» (2)، و قد مر أنه موافق للمرتكزات، و لقاعدة العدل و الإنصاف.

ص: 184


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الشركة: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الصلح.

التالف درهمين يعطي لصاحب الخمسة ثلاثة و يقسم الباقي (60)،- و هو الدرهمان- بينهما نصفين. و على الثاني يعطي لكل منهما ما زاد على التالف (61)، و يقسم الباقي بينهما نصفين، فإذا كان لأحدهما خمسة و للآخر أربعة و كان التالف ثلاثة يعطي لصاحب الخمسة اثنان و لصاحب الأربعة واحدا و يقسم الباقي- و هو الثلاثة- بينهما نصفين، فلصاحب الخمسة ثلاثة و نصف و لصاحب الأربعة اثنان و نصف (62)، هذا كله إذا كان المالان مثليين كالدراهم و الدنانير (63)، و أما إذا كانا قيميين كالثياب و الحيوان فلا بد من المصالحة أو تعيين التالف بالقرعة (64).

مسألة 23: يجوز إحداث الروشن المسمى في العرف الحاضر بالشناشيل على الطرق النافذة و الشوارع العامة

(مسألة 23): يجوز إحداث الروشن المسمى في العرف الحاضر بالشناشيل على الطرق النافذة و الشوارع العامة إذا كانت عالية بحيث لم

______________________________

(60) لعين ما مر في سابقيه بلا فرق بينها.

(61) بأن يلحظ مقدار التالف أولا إلى حصة كل منهما ليحسب من المجموع و يرد نقص مقدار التلف عليهما ثمَّ يعطي كل واحد منهما ما يخصهما و لا نزاع لأحدهما فيه، ثمَّ يقسم الباقي الذي هو مورد النزاع بينهما بنصفين لما تقدم من الأدلة فيكون مجموع المال في المقام تسعة و تلف ثلثها منها و ثلث آخر ليس مورد النزاع لأحد و هو اثنان من خمسة لصاحب الخمسة و واحد من الأربعة لصاحب الأربعة و بقي ثلث آخر يدعيه كل منهما فيقسم بينهما نصفين لما مر من الأدلة فيصير لكل واحد منهما واحد و نصف.

(62) قد ظهر وجهه ما قلناه.

(63) بحيث لا يكون تفاوت بين أفراده، و يصح لحاظ الإشاعة الفردية و إلا فالدرهم و الدنانير قد تكون متفاوتة بحسب الأزمنة و الأمكنة، كما أن جملة القيميات التي كانت قيمية في الأزمنة القديمة صارت مثلية في هذه الأعصار.

(64) لتحقق التفاوت بين الأفراد، فلا موضوع حينئذ للتنصيف لأن مورده

ص: 185

تضرّ بالمارة (65)، و ليس لأحد منعه حتى صاحب الدار المقابل و ان استوعب عرض الطريق بحيث كان مانعا عن إحداث روشن في مقابله (66). ما لم يضع منه شيئا على جداره (67).

نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال بل

______________________________

ما إذا كان نصيب كل واحد مثل نصيب الآخر بلا تفاوت بينهما من هذه الجهة و ينحصر الأمر حينئذ بالمصالحة أو القرعة.

(65) للإجماع، و السيرة المستمرة خلفا عن سلف المنتهية إلى زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله.

(66) كل ذلك لأصالة ثبوت ذلك الحق و لا حق لأحد عليه بعد فرض عدم تحقق ضرر في البين كما هو المفروض.

إن قيل: إن للطرف الآخر حق في الهواء فله ان يمنعه عن ذلك.

يقال: الهواء تابع للمحل.

فتارة: يكون موردا لحق خاص ليس لأحد التصرف فيه كالهواء (العمودي) فوق ملك خاص لمالك مخصوص بقدر ما يعتبره العرف.

و أخرى: يكون من المشتركات يستحقه كل من سبق إليه كما في المقام و نحوه.

و ثالثة: مورد حق اثنين أو أزيد كالهواء في الطرق غير النافذة.

(67) فإنه لا يجوز ذلك حينئذ إلا بإذنه بالأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (2)، و من العقل انه ظلم قبيح، و من الإجماع إجماع المسلمين.

ص: 186


1- سورة النساء: 29.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

منع (68) و إن جوّزنا مثل ذلك في تعلية البناء في ملكه (69)، فلا يترك الاحتياط (70).

مسألة 24: لو بنى روشنا على الجادة ثمَّ انهدم أو هدم

(مسألة 24): لو بنى روشنا على الجادة ثمَّ انهدم أو هدم، فإن لم يكن من قصده تجديد بنائه لا مانع لأن يبنى الطرف المقابل ما يشغل ذلك الفضاء و لم يحتج إلى الاستيذان من الباني الأول (71). و إلا ففيه إشكال، بل

______________________________

(68) للشك في تحقق السيرة حينئذ، بل الظاهر استنكار المتشرعة لذلك، مع أنه نحو من الإضرار و أصل الصحة و الجواز كانتا مقيدة بعدمه، و يشهد له مورد حديث نفي الضرر و الضرار في قضية سمرة (1)، كما سيأتي.

(69) لقاعدة السلطنة، فإن الظاهر أن الهواء (العمودي) الذي يكون ملك شخص بالملكية الخاصة ملك له أيضا فله أن يتصرف بما شاء و يمنع الغير عن التصرف فيه و يصح فيه النقل و الانتقال أيضا، و كذا موارد الحريم المختص ان بنيت الدار في أرض الموات فإن الظاهر اختصاص هواء الحريم بصاحب الدار كاختصاص نفس الحريم به هذا وجه عدم جواز إحداث مثل هذه الرواشن (الشبابيك).

و أما وجه الجواز فلاحتمال شمول قاعدة السلطنة لمثل هذه الرواشن أيضا، و احتمال كون استنكار المتشرعة لذلك على فرض ثبوته تنزيهيا مجامليا لا مثل استنكارهم للمحرمات الحقيقية. هذا إذا لم يرجح حق أحدهما على الآخر بالمرجحات المتعارفة المعتبرة و إلا فلا بد من اتباعها.

(70) ظهر وجهه مما مر فلا وجه للتكرار.

(71) لرجوع الفضاء إلى الإباحة الأوّلية، فيكون المقتضي للحيازة لكل من

ص: 187


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

عدم الجواز لا يخلو من قوة فيما إذا هدمه ليبنيه جديدا (72).

مسألة 25: لو أحدث شخص روشنا على الجادة لا يجوز للطرف المقابل له أحداث روشن بدون إذن الأول

(مسألة 25): لو أحدث شخص روشنا على الجادة لا يجوز للطرف المقابل له أحداث روشن بدون إذن الأول إن تضرر الأول به (73)، و لو لم يكن ضرر في البين فلا بأس به (74)، و المرجع في الضرر ثقات أهل الخبرة بهذه الأمور (75).

مسألة 26: كما يجوز إحداث الروشن على الجادة يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها

(مسألة 26): كما يجوز إحداث الروشن على الجادة يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها، سواء كانت له باب أخرى أم لا، و كذا فتح الشباك و الروازن عليها و نصب الميزاب فيها، و كذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن

______________________________

أرادها موجودا و المانع عنه مفقودا فتصح حيازته لكل من سبق إليها و يترتب عليها الأثر.

و احتمال استصحاب بقاء حق الأول لا وجه له، لأن أصل حدوث أصل هذا الحق مردد بين أن يكون تابعا للروشن حدوثا و بقاء، أو كان إحداث الروشن موجبا لحدوثه مطلقا حتى لو انهدم الروشن، و القسم الأخير مشكوك في أصل حدوثه فليس في البين متيقن سابق حتى يستصحب فالمقام مثل ما إذا قعد أحد في محل مشترك ثمَّ قام و راح.

(72) لأصالة بقاء الحق حينئذ عرفا و كون وجود الروشن الأول من الحالات لا المقومات و يكون المقام نظير الرحل الموضوع في المحال المشتركة و الأماكن المتبركة.

(73) لقاعدة نفي الضرر و الضرار، مضافا إلى الإجماع.

(74) للأصل، و عموم ما دل على جواز حيازة كل أحد للمباحات و المشتركات.

(75) لاعتبار قول ثقات أهل الخبرة عند العرف و العقلاء و لم يرد عن

ص: 188

معتمدا على حائط غيره (76)، مع عدم إذنه (77) و لم يكن مضرا بالمارة و لو من جهة الظلمة (78)، و لو فرض انه كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهات أخرى كالوقاية عن الحر و البرد و التحفظ عن الطين و غير ذلك لا يبعد الموازنة بين الجهتين فيراعى ما هو الأصلح (79) و الأولى المراجعة في ذلك الى حاكم الشرع فيتبع نظره (80)، و كذا يجوز إحداث البالوعة للأمطار فيها مع التحفظ عن كونها مضرة بالمارة و كذا يجوز نقب سرداب

______________________________

ذلك ردع شرعي بل ورد التقرير بآية التبيين (1)، و نحوها.

(76) كل ذلك للأصل، و قاعدة السلطنة، و السيرة المستمرة، و ظهور الإجماع.

(77) أما عدم الجواز مع عدم الإذن، فللأدلة الأربعة كما مر مرارا.

و أما الجواز معه فكذلك و لا بد في نصب الميزاب ملاحظة ما هو المتعارف فلو خرج عن المتعارف بحيث يضر بالمارة لا يجوز، لقاعدة نفي الضرر و الضرار.

(78) لقاعدة نفي الضرر و الضرار، مضافا إلى الإجماع و استنكار الناس لذلك.

(79) لأن هذه كلها من حقوق الناس بعضهم على بعض، و قد جرت سيرتهم على تقديم الراجح فيها على المرجوح و الأرجح على الراجح.

(80) لأن أمثال هذه الموارد من مظان التشاجر و التخاصم فلا بد من وجود من يقطع التشاجر و هو الحاكم الشرعي، و يجوز اتفاقهما على نظر الثقة الخبير بهذه الأمور لأن به يقطع التخاصم أيضا، بل الحاكم الشرعي لو لم يكن بنفسه من أهل الخبرة يرجع إليه في تشخيص الموضوع ثمَّ يحكم بما ظهر

ص: 189


1- سورة الحجرات: 6.

تحت الجادة مع إحكام أساسه و بنيانه و سقفه بحيث يؤمن من الثقب و الخسف و الانهدام (81).

مسألة 27: لا يجوز لأحد إحداث شي ء من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب

(مسألة 27): لا يجوز لأحد إحداث شي ء من روشن أو جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو فتح باب أو نقب سرداب و غير ذلك على الطرق غير النافذة المسماة بالمرفوعة و الرافعة و في العرف الحاضر بالدريبة إلا بإذن أربابها (82)، سواء كان مضرا أو لم يكن (83)، و كما لا يجوز إحداث شي ء من ذلك لغير أربابها إلا بإذنهم كذلك لا يجوز لبعضهم إلا بإذن شركائه فيها (84)، و لو صالح غيرهم معهم أو بعضهم مع الباقين على إحداث شي ء من ذلك صح و لزم (85). سواء كان مع العوض أو بلا

______________________________

له من نظره.

(81) كل ذلك للأصل و السيرة، و ظهور الإجماع، و إطلاق ما دل على جواز حيازة المباحات مع عدم وجود ضرر على الغير في الحال و المآل، و أما مع وجوده فلا يجوز لقاعدة نفي الضرر و الضرار الحاكمة على ذلك كله.

(82) لأن الطرق غير النافذة مشتركة بين أربابها و لهم حق الاختصاص بها و لا يجوز التصرف في متعلق حق الغير المختص به إلا بإذن صاحبه الثابت، ذلك بالأدلة الأربعة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل و قد مر ذلك مكررا في هذا الكتاب و يأتي في كتاب الاحياء ما يتعلق بأحكام الطرق إن شاء اللّه تعالى.

(83) لأن التصرف في ملك الغير و حقه حرام مطلقا و لا يدور مدار تحقق الإضرار و عدمه، بالضرورة الدينية فلا يجوز ذلك مع عدم الإذن مطلقا و يجوز معه و يدور مقدار التصرف حينئذ مدار كمية الإذن و كيفيته كما هو واضح.

(84) لعدم جواز تصرف أحد الشريكين في مورد الشركة- ملكا كان أو حقا- إلا بإذن البقية بالضرورة المذهبية بل الدينية، و يأتي في كتاب الشركة بعض ما يدل عليه إن شاء اللّه تعالى.

(85) أما الصحة فلإطلاق أدلة الصلح و عمومها الشامل للمقام أيضا. و أما

ص: 190

عوض (86) و يأتي في كتاب احياء الموات بعض المسائل المتعلقة بالطريق ان شاء اللّه تعالى.

مسألة 28: لا يجوز لأحد ان يبني بناء أو يضع جذوع سقفه على حائط جاره إلا بإذنه و رضاه

(مسألة 28): لا يجوز لأحد ان يبني بناء أو يضع جذوع سقفه على حائط جاره إلا بإذنه و رضاه (87)، و إذا التمس ذلك من الجار لم يجب عليه اجابته (88)، و إن استحب له استحبابا مؤكدا من جهة ما ورد من التأكيد في قضاء حوائج الأخوان و لا سيما الجيران و لو بنى أو وضع الجذوع بإذنه و رضاه فإن كان ذلك بعنوان ملزم كالشرط في ضمن عقد لازم أو بالإجارة أو بالصلح عليه لم يجز له الرجوع (89)، و أما إذا كان مجرد الإذن و الرخصة جاز له الرجوع قبل البناء و الوضع قطعا (90)، و أما بعد ذلك فهل يجوز له الرجوع مع الأرش و عدمه أم لا (91)،

______________________________

اللزوم فلما مر من أن عقد الصلح لازم.

(86) لما مر في أول الكتاب من أن الصلح يصح مع العوض و بدونه، للعمومات و الإطلاقات الشاملة لهما.

(87) لما تقدم غير مرة من حرمة التصرف فيما يتعلق بالغير بدون رضاه لقولهم عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (1)، بل بالضرورة الدينية.

(88) للأصل، و قاعدة السلطنة، و ظهور الاتفاق.

(89) لأن ما صدر منه صار لازما في هذه الموارد الخاصة و المفروض كون المقام من بعضها.

(90) لقاعدة السلطنة، و أصالة عدم حدوث حق الإبقاء للواضع، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

(91) أما الرجوع فلقاعدة السلطنة الجارية في أصل الحدوث و في البقاء

ص: 191


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

مع استحقاق الأجرة و عدمه (92).

______________________________

أيضا.

و أما الأرش، فلقاعدة من أتلف فإن البناء وقع بعد اذنه صحيحا فهو مال محترم يجب تدارك إتلافه، و أما وجه عدم الأرش فلا إتلاف انما حصل بحكم الشارع بوجوب تفريغ مال الغير ورده إليه فالإتلاف مستند إلى صاحب الجذوع الذي يكون هو الباني لا إلى الجار حتى يوجب ضمانه فلا منشأ لضمانه حتى يتعلق به الأرش و الغرامة و حينئذ فمقتضى قاعدة السلطنة صحة الرجوع و يجب على صاحب الجذع تفريغ الجدار ورده سالما إلى صاحبه من دون استحقاقه لأخذ الأرش لما فعل من قلع بنائه، لأن البناء وقع من إقدامه و فعله و الصلح من أمر الشارع لا بتسبيب من صاحب الجدار.

(92) أما عدم جواز الرجوع فلأن الإذن في وضع الجذع مع الالتفات إلى أنه يبني عليه و البناء يبقى مدة بحسب العادة إسقاط لحق الرجوع ما دام البناء، و الاذن في الشي ء إذن في لوازمه العرفية فيكون إبقاء الوضع لازما على صاحب الجدار مع استنكار العرف للرجوع بعد الإذن في الوضع و الشك في جواز الرجوع و عدمه يكفي في عدم جواز التمسك بعموم القاعدة، لأنه تمسك بالدليل اللفظي في الموضوع المشكوك.

و أما استصحاب بقاء الحق فلا يجري أيضا، لأن أصل هذا الحق مردد بين أن يكون حقا في مجرد الحدوث أو في الحدوث و البقاء معا و في مثله لا يجري الأصل، مضافا إلى جريان قاعدة نفي الضر بالنسبة إلى صاحب الجذع و لزوم تضييع المال في القلع.

و أما استحقاق الأجرة، فلأنه جمع بين الحقين بناء على عدم سقوط حق صاحب الجدار عن البقاء.

و أما عدم استحقاقها، فهو مبني على لزوم الإبقاء على صاحب الجدار

ص: 192

وجوه و أقوال و المسألة في غاية الإشكال (93)، فلا يترك الاحتياط بالتصالح و التراضي بينهما و لو بالإبقاء مع الأجرة أو الهدم مع الأرش (94).

مسألة 29: لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء

(مسألة 29): لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة أو وتد أو غير ذلك إلا بإذن شريكه (95)، أو إحراز رضاه بشاهد الحال (96) كما هو الحال في التصرفات اليسيرة كالاستناد إليه أو وضع يده أو طرح ثوب عليه أو غير ذلك (97)، بل الظاهر إن مثل هذه الأمور اليسيرة لا يحتاج إلى إحراز الاذن و الرضا كما جرت به السير (98).

______________________________

و سقوط حقه عن الرجوع كما مرت الإشارة إليه.

(93) إذ ليس فيها نص خاص و لا إجماع معتبر و إنما حصلت الأقوال من الأنظار من حيث ملاحظة القواعد العامة و تطبيقها على المورد ثمَّ المناقشة في التطبيق و في مثل ذلك لا بد من الاحتياط.

(94) لأن بكل منهما مع التراضي يحصل الاحتياط لا محالة.

(95) لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلا و شرعا، مضافا إلى الإجماع على ذلك في المقام.

(96) لأن المناط في هذه التصرفات على إحراز الرضا، و شاهد الحال من طرق إحرازه عند العرف.

(97) لجريان السيرة المستمرة خلفا عن سلف على هذه التصرفات من غير منع و إنكار، بل الناس يستقبحون من منع عنها و يستنكرون ذلك.

(98) و يمكن أن يعد مثل هذا من الحقوق المجاملية اللازمة المراعاة بين الجيران و المؤمنين بعضهم على بعض فهو نحو حق جعله اللّه تعالى عليهم، فيكون الحق شرعيا لا أن يكون مالكيا.

و منه يظهر عدم أثر منع المالك لو امتنع عن ذلك مع عدم ضرر في البين

ص: 193

نعم، إذا صرّح بالمنع و أظهر الكراهة لم يجز (99).

مسألة 30: لو انهدم الجدار المشترك و أراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته

(مسألة 30): لو انهدم الجدار المشترك و أراد أحد الشريكين تعميره لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته (100)، و هل له التعمير من ماله مجانا بدون إذن شريكه لا إشكال في أن له ذلك إذا كان الأساس مختصا به و بناه بآلات مختصة به (101)، كما إنه لا إشكال في عدم الجواز إذا كان الأساس مختصا بشريكه (102)، و أما إذا كان الأساس مشتركا فإن كان قابلا

______________________________

و لكنه على إطلاقه مشكل و إن صح في مثل الاستضاءة بنور الغير و الاستظلال بجداره مع عدم التصرف في ماله و عدم ضرر عليه.

(99) إن عد تصرفا و كان المورد حقا مالكيا لا من حق اللّه تعالى.

و خلاصة الكلام في المقام و أمثاله إن المحتملات ثبوتا ثلاثة.

الأول: ان تكون هذه الأمور اليسيرة الشائعة بين الناس حقا شرعيا إلهيا مجعولا بين العباد بعضهم على بعض و لا إشكال في أنه لا ربط له بالمالك و ليس له حق المنع إلا مع انطباق عنوان الضرر و نحوه عليه.

الثاني: أن يكون حكما شرعيا من دون أن يكون حقا شرعيا و لا مالكيا و حكمه كسابقه من حيث عدم صحة منع المالك، لفرض أنه لا حق له.

الثالث: أن يكون حقا مالكيا و لا يعد مثل هذه الأمور من التصرف الممنوع في ملك الغير الذي يكون حراما عقلا و شرعا و دعوى: انصراف التصرف المحرم عن مثله بشهادة استمرار السيرة عليها.

(100) للأصل، و قاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع.

(101) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فيشمله عموم قاعدة السلطنة و ظاهرهم عدم الخلاف فيه أيضا.

(102) لأنه تصرف و لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذنه بالأدلة الأربعة كما مر مرارا.

ص: 194

للقسمة ليس له التعمير بدون إذنه (103).

نعم له المطالبة بالقسمة (104) فيبني على حصته المفروزة (105) و إن لم يكن قابلا للقسمة و لم يوافقه الشريك في شي ء يرفع أمره الى الحاكم (106). ليخيّره بين عدة أمور من بيع أو إجارة أو المشاركة معه في العمارة أو الرخصة في تعميره و بنائه من ماله مجانا (107)، و كذا الحال لو كانت الشركة في بئر أو نهر أو قناة أو ناعور و نحو ذلك، فلا يجبر الشريك على المشاركة في التعمير و التنقية (108)، و لو أراد الشريك تعميرها و تنقيتها من ماله تبرعا و مجانا له ذلك على الظاهر (109)، و ليس للشريك

______________________________

(103) لبقائه على الاشتراك ما لم يقسم و لا يجوز التصرف في المال المشترك بدون إذن الشريك عقلا و شرعا.

(104) لأن لكل شريك حق المطالبة بالقسمة في المال المشترك، للإجماع، و لقاعدة السلطنة.

(105) لقاعدة السلطنة بعد زوال المانع.

(106) لأنه المرجع في رفع المشاجرة و التخاصم و يجوز لهما التصالح و التراضي على كل ما يوافقا عليه، إذ المطلوب استرضاء الشريك بوجه معتبر شرعي و التصالح معتبر شرعا و لا موضوعية لخصوص نظر الحاكم الشرعي بل هو طريق للتراضي.

(107) و لو فرض وجود طريق آخر لإمكان اتفاق رأيهما عليه يكون من أطراف التخيير أيضا، لأن ما ذكروه ليس من باب الحصر بل انما هو من باب الغالب.

(108) لكون الحكم مطابقا للقاعدة فيجري في الجميع بلا فرق بين المصاديق.

(109) للأصل، و لأنه إحسان محض و ليس في البين مانع شرعي أو عرفي

ص: 195

منعه خصوصا إذا لم يمكن القسمة (110)، كما إنه لو أنفق في تعميرها فنبع الماء أو زاد ليس له ان يمنع شريكه الغير المنفق من نصيبه من الماء لأنه من فوائد ملكهما المشترك (111).

مسألة 31: لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره و لم يعلم على أي وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حق و استحقاق حتى يثبت خلافه

(مسألة 31): لو كانت جذوع دار أحد موضوعة على حائط جاره و لم يعلم على أي وجه وضعت حكم في الظاهر بكونه عن حق و استحقاق حتى يثبت خلافه (112)، فليس للجار ان يطالبه برفعها عنه، و لا منعه من التجديد لو انهدم السقف (113)، و كذا الحال لو وجد بناء أو مجرى ماء أو نصب ميزاب من أحد في ملك غيره و لم يعلم سببه فإنه يحكم في أمثال ذلك بكونه عن حق و استحقاق إلا أن يثبت كونها عن عدوان أو بعنوان

______________________________

عنه فتشمله أصالة الإباحة و الأدلة المرغبة إلى الخير و الإحسان.

نعم، لو ادعى الطرف التضرر بذلك لا بد حينئذ من مراجعة الحاكم الشرعي.

(110) لإطلاق قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، الشامل للصورتين، مع استنكار العرف لمنعه في الصورة الثانية.

(111) هكذا علله جمع منهم صاحب الجواهر رحمه اللّه و هو صحيح و لم يؤثر فيه إلا نقل الطين لا إيجاد عين خارجية مختصة به حتى يختص بها كما في بناء الجدار إذا كان بالآلات المختصة بأحدهما.

(112) لقاعدة الصحة الجارية في فعل المسلم، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(113) لفرض ثبوت الحكم الشرعي الظاهري بأنه كان بحق ما لم يعلم الخلاف و لم يعلم الخلاف بعد. و كذا الحال في الفرع اللاحق من غير فرق بينه و بين سابقة فلا وجه للتكرار.

ص: 196


1- سورة التوبة: 91.

العارية التي يجوز فيها الرجوع (114).

مسألة 32: إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق

(مسألة 32): إذا خرجت أغصان شجرة إلى فضاء ملك الجار من غير استحقاق، له ان يطالب مالك الشجرة بعطف الأغصان أو قطعها من حد ملكه (115)، و إن امتنع صاحبها يجوز للجار عطفها أو قطعها (116). و مع إمكان الأول لا يجوز الثاني (117).

______________________________

(114) فيجوز للجار المطالبة برفعها حينئذ و المنع عن التجديد، لقاعدة السلطنة من غير دليل حاكم عليها.

(115) للإجماع، و قاعدة السلطنة.

(116) لظهور الاتفاق، و يدل عليه أيضا حديث سمرة بن جندب المعروف بين الخاصة و العامة، ففي صحيح أبي عبيدة الحذاء قال: «قال أبو جعفر عليه السّلام:

كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان، فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شي ء من أهل الرجل يكرهه الرجل، قال: فذهب الرجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فشكاه، فقال يا رسول اللّه: إن سمرة يدخل عليّ بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه، فأرسل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدعاه فقال: يا سمرة ما شأن فلان يشكوك و يقول: يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت فأبى، ثمَّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يسرك أن يكون ذلك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا، قال: لك ثلاثة؟

قال: لا، قال صلّى اللّه عليه و آله: ما أراك يا سمرة إلا مضارا اذهب يا فلان فاقطعها و اضرب بها وجهه» (1).

(117) لحرمة التصرف في مال الغير إلا بما هو الأرفق فالأرفق في دحض ظلمه و عدوانه، مضافا إلى ظهور اتفاقهم عليه، و يشهد له مراعاة النبي صلّى اللّه عليه و آله الأرفق فالأرفق في قضية سمرة، و حينئذ فلو أمكنه العطف و قطع مع ذلك يكون

ص: 197


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

.....

______________________________

ضامنا لعدم الإذن الشرعي في القطع حينئذ فتجري قاعدة اليد و قاعدة من أتلف للضمان من غير دليل حاكم عليهما.

ثمَّ أن في المقام فروعا كثيرة الأنسب ذكرها في كتاب القضاء و يأتي التعرض لها هناك إن شاء اللّه تعالى.

ص: 198

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: يعتبر في المصالح عدم الحجر لسفه أو فلس أو رق

(مسألة 1): يعتبر في المصالح عدم الحجر لسفه أو فلس أو رق (1).

مسألة 2: يجوز للولي أن يصالح عن المولى عليه مع المصلحة

(مسألة 2): يجوز للولي أن يصالح عن المولى عليه مع المصلحة (2)، كما انه يجوز له قبول الصلح له (3).

مسألة 3: لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلا

(مسألة 3): لو تصالح شخص مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلا و يتصرف في لبنها و يعطي مقدارا معينا من الدهن مثلا صحت المصالحة (4)، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على ان يستفيد من لبنها بعوض مقدار معين من دهن أو غيره صحت الإجارة (5).

مسألة 4: يشترط في مورد الصلح أن لا يكون من المحرمات الشرعية

(مسألة 4): يشترط في مورد الصلح أن لا يكون من المحرمات الشرعية كالخمر و الخنزير- و الاعمال و المنافع المحرمة (6).

مسألة 5: لو بان أحد العوضين مستحقا للغير بطل الصلح في المعين

(مسألة 5): لو بان أحد العوضين مستحقا للغير بطل الصلح في المعين (7)،

______________________________

(1) لفرض حجره فيتوقف صحته على اذن من الآذن على ما يأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.

(2) لأن هذا من فروع ولايته.

(3) بل قد يجب ذلك لما تقدم من عموم ولايته خصوصا مع احتياج المولى عليه.

(4) لشمول عموم أدلة الصلح لذلك أيضا.

(5) لتمامية شرائط الإجارة على ما يأتي في كتاب الإجارة.

(6) لتعلق النهي عن نقله و انتقاله بجميع الوجوه كما مر مكررا.

(7) لثبوت عدم تحقق العوضية و المفروض انه معين فلا موضوع للتبدل إلى المثل أو القيمة كما لا وجه لقياس المقام بالمهر في النكاح إذا ظهر

ص: 199

و يصح في الكلي (8).

مسألة 6: الظاهر أن الهواء المجاور لكل ملك

(مسألة 6): الظاهر أن الهواء المجاور لكل ملك من فوقه أو من جوانبه- تبع لأصل الملك (9).

مسألة 7: يجوز صرف الزكاة- من سهم سبيل اللّه في المصالحة بين شخصين من المؤمنين أن توقف الصلح بينهما عليه

(مسألة 7): يجوز صرف الزكاة- من سهم سبيل اللّه في المصالحة بين شخصين من المؤمنين أن توقف الصلح بينهما عليه (10)، كما يجوز المصالحة عن الحقوق المجاملية مع تركها بعوض أو غير عوض (11) بالهبة، بل الأولى عدم ترك ذلك (12).

______________________________

مستحقا للغير، لأن النكاح ليس من المعاوضات في شي ء و إطلاق المعاوضة عليه انما هو بالعناية.

(8) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع بعد ظهور عدم كون المأخوذ فردا من الكلي.

(9) للسيرة ما لم يمنع العرف عن ذلك فيجوز للمالك أنحاء التصرفات فيه، كما يجوز الصلح فيه بعوض أو بدونه، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك قريبا.

(10) لما تقدم في كتاب الزكاة، و لرواية أبي حنيفة سائق الحاج قال: «مر بنا المفضل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثمَّ قال: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منا من صاحبه قال: أما انها ليست من مالي و لكن أبو عبد اللّه عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شي ء ان أصلح بينهما و افتدي بها من ماله فهذا من مال أبي عبد اللّه عليه السّلام (1)، بل يجوز وقف مال لأجل ذلك.

(11) لشمول العمومات لها أيضا.

(12) لئلا يؤخذ بها يوم القيمة كما في الحديث (2).

ص: 200


1- الوسائل باب: (1) من أبواب أحكام الصلح: 4.
2- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة: 24.

.....

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الجعالة

اشارة

كتاب الجعالة

و هي: بتثليث الجيم من المفاهيم المعروفة الدائرة بين جميع فرق الناس.

و ما ذكره الفقهاء- و منهم الماتن- إنما هو بحسب الغالب و إلا فيمكن التعميم فيها كما يأتي، و هي: أما قولية، أو كتبية: كالاعلانات الملصقة على الجدران أو المنتشرة في الصحف المشتملة على جعل شي ء لمن وجد الضائعات وردها إلى صاحبها، و إما بنائية: كما إذا كان عند الناس بناء عرفي على أن كل من رد ما فقد منهم أن يعطوه شيئا و جرت العادة على التزامهم بهذا البناء بحيث يكون لمن رد حق المطالبة لما جعل.

و يمكن توسعة الأمر في الجعالة بأكثر مما هو المشهور من التوسعة بأن يقال: الجعالة متقومة بوجود غرضين صحيحين فيها:

أحدهما: للجاعل و هو وصوله إلى مقصوده.

و الآخر: للطرف و هو حصول نفع له فهي من هذه الجهة تشبه البيع و الإجارة و سائر المعاوضات في ان كلا من الطرفين يبذل شيئا لأجل أن يستفيد شيئا، فلو قيل: كل من حفظ القرآن فله عليّ كذا يكون ذلك جعالة، و كذا لو قيل:

كل من سكن داري فلي عليه كل ليلة دينار مثلا، فكل ذلك جعالة لغة و عرفا لأنها في اللغة و العرف عبارة عن: (جعل شي ء لاستيفاء غرض صحيح)، بل و شرعا أيضا، لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و قاعدة السلطنة.

نعم، الغالب منها في الأزمنة القديمة ما إذا كان جعل العوض من الجاعل

ص: 201


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

و هي الالتزام بعوض معلوم على عمل (1) و يقال للملتزم «الجاعل»

______________________________

بإزاء عمل من العامل، و الغلبة الوجودية لا يوجب التقييد و يدل على الإطلاق قوله تعالى وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ (1)، و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قال لرجل: أعطيك عشرة دراهم و تعلمني عملك، و تشاركني هل يحل ذلك له؟ قال عليه السّلام: إذا رضى فلا بأس» (2)، فإن إطلاق ذيله- و تعليق الصحة على مجرد الرضاء بلا قيد- يدل على صحة الجميع.

(1) اختلفوا في أن الجعالة من العقود كما نسب إلى ظاهر المشهور، أو من الإيقاعات كما يظهر عن جمع، أو من التسبيبات العرفية العقلائية كما في التسبيبات الشرعية مثل قوله عليه السّلام: «من تصدق دفع اللّه عنه ميتة السوء» (3)، أو قوله عليه السّلام فيمن صلى نافلة الليل: «طاب ريحه و كثر رزقه و ابيض وجهه» (4)، أو له من الثواب كذا و كذا، أو فيمن صام أيام البيض فله كذا إلى غير ذلك مما ورد في الترغيب إلى فعل الواجبات، و المندوبات، و ترك المحرمات، و المكروهات و الآداب، و المجاملات مما لا يحصى و لا يستقصي فتكون التسبيبات العرفية العقلائية أيضا مثل تلك التسبيبات في الجملة، و الالتزام هو العنوان العام الجامع بين العناوين الثلاثة.

و الثمرة العملية تظهر في ترتب الأثر الخاص لكل عنوان خاص لو استظهر ذلك من الأدلة. و البحث.

تارة: بحسب الأصل العملي.

ص: 202


1- سورة يوسف: 72.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الجعالة ج: 16.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الصدقة: 3.
4- راجع الوسائل باب: 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة.

.....

______________________________

و أخرى: بحسب المرتكزات العرفية.

و ثالثة: بحسب الاستظهار من الأدلة الشرعية.

أما الأول: فمقتضاه عدم اعتبار خصوصيات كل واحد من العقد و الإيقاع فيها مع وجود الإطلاق في البين يصح التمسك به، و أما مع عدم وجوده فمقتضاه عدم ترتب الأثر إلا مع وجود دليل معتبر عليه كما يكون الأمر كذلك في جميع العقود و الإيقاعات.

و أما الثاني: فمطلق التسبيبية هو المتيقن في الأذهان و الزائد عليه مشكوك لديهم إلا ان يدل دليل عليه.

و أما الثالث: فلا يستفاد من قاعدتي الصحة و السلطنة و ما تقدم من خبر علي بن جعفر أزيد من التسبيب، و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد و الخصوصيات.

فتارة: ينطبق عليه عنوان العقد.

و أخرى: عنوان الإيقاع.

و ثالثة: مطلق التسبيب.

و لا بأس باختلاف شي ء واحد بحسب الخصوصيات و الجهات، فإذا تركب إنشائها من الإيجاب و القبول تكون عقدا، و إذا أنشأ مع الاكتفاء بمجرد رضاء الطرف و عدم رده تكون إيقاعا و إذا أبرزت بعنوان مجرد جعلها سببا لإبراز المراد و المقصود مع عدم مراعاة شرائط العقد و الإيقاع فيها تكون تسبيبا و هذا أيضا من جهات التوسعة في الجعالة بما لم يوسّع في غيرها فيصح انطباق عناوين متعددة عليها مع قصدها و إنشائها.

و أما اعتبار العوض المعلوم فهو مجمع عليه عندهم بل من المسلمات العرفية العقلائية، إذ ليست الجعالة من الأمور المجانية لدى العقلاء فضلا عن الفقهاء.

و أما اعتبار العمل في موردها فلا ريب فيه عرفا و شرعا و إن كان الأولى

ص: 203

و لمن يعمل ذلك العمل «العامل» و للعوض «الجعل» و «الجعيلة» (2) و يفتقر إلى الإيجاب (3)، و هو كل لفظ أفاد ذلك الالتزام (4)، و هو إما عام كما إذا قال: «من رد عبدي أو دابتي أو خاط ثوبي أو بنى حائطي مثلا فله كذا».

و إما خاص (5) كما إذا قال لشخص: «إن رددت عبدي أو دابتي مثلا فلك

______________________________

التعميم بكل ما فيه غرض صحيح و إن لم يصدق عليه العمل بالانظار العرفية، كما إذا كان شخص جالسا في مكان و تعلق غرض صحيح للجاعل ببقائه جالسا و عدم حركته عنه فيقول الجاعل: ان لم تتحرك لك عليّ كذا خصوصا بناء على أن الحادث غير محتاج إلى المؤثر في البقاء.

نعم، بناء على انه يحتاج إلى المؤثر في البقاء أيضا كاحتياجه إليه في أصل الحدوث يكون البقاء عمل يصدر منه دقة و ان لم يكن كذلك عرفا و يأتي بعد ذلك ما يتعلق باعتبار معلومية العمل و العوض إن شاء اللّه تعالى.

(2) و الوجه في ذلك كله واضح لا يحتاج إلى البيان.

(3) للضرورة الفقهية في الجملة سواء كان عقدا أو إيقاعا أو من مجرد التسبيب إلا ان في تسميته إيجابا على الأخيرين مسامحة إن كان المراد من الإيجاب ما يقابل القبول. و أما إن كان المراد مطلق المبرز الخارجي فيشمل الجميع بلا مسامحة و لا اشكال فيه.

(4) قد مر غير مرة ان المناط كله في ألفاظ العقود و الإيقاعات- بل و التسبيبات مطلقا- الظهور العرفي لإبراز المقصود بأي نحو كان الظهور سواء كان بالذات أو بواسطة القرينة المعتبرة العرفية و ذلك للإطلاقات و العمومات و بناء أهل المحاورة عليه.

نعم، لو دل دليل خاص على اعتبار خصوصية خاصة لا بد من اتباعه و إلا فالمدار على الإفادة العرفية عند أهل المحاورة.

(5) هذا التقسيم شرعي، للعمومات و الإطلاقات و عرفي للسيرة العملية،

ص: 204

كذا» و لا يفتقر الى قبول حتى في الخاص فضلا عن العام (6).

مسألة 1: الفرق بين الإجارة على العمل و الجعالة ان المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير

(مسألة 1): الفرق بين الإجارة على العمل و الجعالة ان المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير، و هو يملك الأجرة على المستأجر بنفس العقد (7). بخلافه في الجعالة حيث انه ليس أثرها إلا استحقاق العامل الجعل المقرر على الجاعل بعد العمل (8).

مسألة 2: انما تصح الجعالة على كل عمل محلل مقصود في نظر العقلاء

(مسألة 2): انما تصح الجعالة على كل عمل محلل مقصود في نظر العقلاء كالإجارة (9) فلا تصح على المحرّم و لا على ما يكون لغوا عند

______________________________

بل و عقلي أيضا لأنه حصر واقعي و خارجي و لا ثالث لهما في البين.

(6) للأصل، و العموم، و الإطلاق بعد صحة حصولها بمجرد التسبيب و الإيقاع.

نعم، لو أريد إنشاؤها بعنوان العقد يحتاج إلى القبول حينئذ لفرض عدم قصد التسبيب و الإيقاع المحض فيكون ترتب الأثر حينئذ على ما لم يقصد و هو باطل، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بالاحتياج إلى القبول أي فيما إذا قصد العقد و من قال بعدمه أي فيما إذا لم يقصد.

(7) للإجماع، مضافا إلى قاعدة السببية أي: ان إنشاء العقد المملك جامعا للشرائط توجب ترتب المسبب عليه و هو حصول الملكية للطرفين و تقدم التفصيل في البيع و سيأتي في الإجارة فراجع.

(8) لأن الجعالة في الواقع من صغريات قاعدة الاستيفاء أي: ان كل من استوفى عمل الغير يكون ضامنا لما استوفاه إما بالعوض الجعلي أو الواقعي كمن أمر غيره بعمل له أجرة، و مدرك هذه القاعدة اتفاق العقلاء فضلا عن الفقهاء، و أصالة احترام المال و العمل التي هي من الأصول النظامية و حينئذ فقبل الاستيفاء لا موضوع لاستحقاق العامل أصلا كما لا وجه لوجوب الوفاء على الآمر.

(9) إجماعا من المسلمين بل من العقلاء فيهما، و النصوص المختلفة

ص: 205

العقلاء و بذل المال بإزائه سفها كالذهاب إلى الأمكنة المخوفة، و الصعود على الجبال الشاهقة و الأبنية المرتفعة و الوثبة من موضع إلى موضع آخر و نحو ذلك (10).

مسألة 3: كما لا يصح الإجارة على الواجبات العينية و الكفائية

(مسألة 3): كما لا يصح الإجارة على الواجبات العينية و الكفائية على التفصيل الذي مر في كتابها لا تصح الجعالة عليها (11).

مسألة 4: يعتبر في الجاعل أهلية الاستيجار

(مسألة 4): يعتبر في الجاعل أهلية الاستيجار من البلوغ و العقل و الرشد (12) و القصد (13) و عدم الحجر و الاختيار (14)، و أما العامل فلا

______________________________

الواردة في الأبواب المتفرقة الدالة على عدم صحة أخذ العوض على الحرام، و سيأتي بعضها في كتاب الإجارة و تقدم في المكاسب المحرمة فراجع (1).

(10) هذا مع عدم غرض عقلائي شائع عليها كما هو الغالب فيها، و لكن لو ترتب عليها غرض صحيح متعارف فمقتضى الإطلاق الجواز.

(11) قد تكرر بيان عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات العينية في هذا الكتاب (2)، و قلنا ان عمدة الدليل عليه الإجماع، و ان إجماعهم ثابت في الجعالة أيضا بلا فرق بينها و بين الإجارة.

(12) لأنه تصرف مالي و لا يصح التصرف المالي من جميع من ذكر هذا مضافا إلى الإجماع، و كذا الكلام فيما يأتي من اعتبار عدم الحجر.

(13) لأنه فعل اختياري و كل فعل اختياري متقوم بالقصد بالأدلة العقلية، كما قد ثبت ذلك في محله و تقدم في شروط المتعاقدين ما يدل على ذلك (3).

(14) لأنه إنشاء تعويضي، و كل إنشاء تعويضي متقوم بطيب النفس شرعا و عرفا، مضافا إلى الإجماع، و حديث رفع ما استكرهوا عليه الذي تقدم البحث

ص: 206


1- تقدم في المجلد السادس عشر صفحة: 38.
2- تقدم في ج: 16 صفحة: 177.
3- راجع ج: 16 صفحة: 282.

يعتبر فيه إلا إمكان تحصيل العمل (15)، بحيث لا مانع منه عقلا أو شرعا (16) كما إذا وقعت الجعالة على كنس المسجد فلا يمكن حصوله شرعا من الجنب و الحائض، فلو كنسا لم يستحقا شيئا على عملهما (17).

و لا يعتبر فيه نفوذ التصرف، فيجوز أن يكون صبيا مميزا و لو بغير إذن الولي (18)،

______________________________

فيه مفصلا (1).

(15) للأصل، و الإطلاق، و الإجماع، و لأن المناط كله في الجعالة عند العرف إنما هو حصول النتيجة، و إمكان العمل بأي وجه اتفق ما لم يرد منع شرعي، فالمقصود أولا و بالذات هو ذات العمل لا خصوصيات العامل كما في الإجارة و نحوها لكن فيها دلت أدلة خاصة على اعتبار شروط في العامل بخلاف المقام الذي بقي تحت مقتضى الأصل و الإطلاق.

(16) لأن في مورد المنع العقلي لا يتحقق العمل كما، إذا توقف إتيانه على أمر محال، و المانع الشرعي كالمانع العقلي فلا موضوع للجعالة فيهما أصلا.

(17) لسلب الشارع اعتبار عملهما رأسا فكأنه لم يصدر منهما عمل حتى يستحقا شيئا، هذا إذا اشترطت المباشرة و كان المباشر جنبا، أو حائضا، و أما مع عدم اعتبارها فلا بأس به عليه.

(18) لأن عمل الصبي صحيح في ذاته و ليس فيه مانع عقلي أو شرعي و المفروض أن مورد الجعالة العمل الصحيح و إمكان تحصيل العمل كما صرح به جمع منهم المحقق في الشرائع و هو صادق بالنسبة إلى الصبي فتصح الجعالة عليه، و إذن الولي ليس شرطا في صحة ما يملكه الصبي من ماله و عمله، فهو مالك لعمله و ان لم يأذن فيه الولي و يملك بالحيازة، و إن كانت بغير إذن الولي و يجوز له أخذ عوض عمله أيضا كذلك، و كذا جميع حوائجه المتعارفة كقيامه

ص: 207


1- تقدم في ج: 16 صفحة: 282.

بل و لو كان غير مميز أو مجنونا على الأظهر (19) فجميع هؤلاء يستحقون الجعل (20).

______________________________

و قعوده و أكله و شربه فالجعالة مع الصبي تكون كحيازة الصبي للمباحات و كما يصح له في الثانية الحيازة و يملك ما حازه و لو بدون إذن الولي، فكذا في الأولى.

نعم، مع المفسدة لا بد من مداخلة الولي و إعمال ولايته.

إن قيل: المشهور ان قصد الصبي كالعدم فيكون فعله و عمله وقع بلا قصد فيصير لغوا و باطلا فلا وجه لترتب الأثر عليه.

يقال: لا وجه لاعتبار هذه الشهرة و على فرض الاعتبار تعبدا فالمتيقن منه خصوص عقوده و إيقاعاته لأكل فعل اختياري يحصل منه، و إلا يكون خلاف الوجدان و خلاف القاعدة العقلية من أن كل فعل اختياري مسبوق بالإرادة و الاختيار.

(19) لما مر من أن الجعالة مع سنخ التسبيبات و المعتبر فيها إمكان تحصيل العمل و حصوله و المفروض تحقق ذلك، فتصح الجعالة و يستحق العامل الجعل بعد العمل.

ان قيل لا يحصل منهما القصد فكيف تصح الجعالة المتقومة بالقصد يقال: القصد بمعنى مطلق الإرادة و الاختيار متحقق فيهما، و اعتبار الزائد عليه منفي بالأصل و من ذلك يظهر انه يجوز أن يكون العامل حيوانا معلما لإمكان حصول العمل منه أيضا.

(20) لانطباق ما يعتبر في عامل الجعالة عليهم و هو إمكان صدور العمل منه.

و قد أشكل في غير المميز و المجنون بعدم حصول القصد منهما، و أجبنا عنه بأن القصد المعتبر في الفعل الاختياري حاصل منهما و هو يكفي و لا دليل على اعتبار الزائد عليه، بل الأصل و الإطلاق ينفيه.

ص: 208

مسألة 5: يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة

(مسألة 5): يجوز أن يكون العمل مجهولا في الجعالة بما لا يغتفر في الإجارة (21)، فإذا قال «من رد دابتي فله كذا» صح، و إن لم يعين المسافة و لا شخص الدابة مع شدة اختلاف الدواب في الظفر بها من حيث السهولة و الصعوبة، و كذا يجوز ان يوقع الجعالة على المردد مع اتحاد الجعل، كما إذا قال «من رد عبدي أو دابتي فله كذا»، أو بالاختلاف كما إذا قال «من رد عبدي فله عشرة و من ردّ دابتي فله خمسة» (22).

نعم، لا يجوز جعل موردها مجهولا صرفا و مبهما بحتا، لا يتمكن العامل من تحصيله (23)، كما إذا قال «من وجد و اوصلني ما ضاع مني فله كذا» بل و كذا لو قال «من رد حيوانا ضاع مني»، و لم يعين انه من جنس الطيور أو الدواب أو غيرها (24)، هذا كله في العمل، و أما العوض فلا بد

______________________________

(21) للأصل، و السيرة، و الإطلاق و الاتفاق، و بناء شرعية الجعالة على الجهالة كما صرح به في الجواهر، و بذلك يقيد إطلاق النبوي الناهي عن الغرر (1).

(22) كل ذلك لظهور اتفاقهم على التوسع في الجعالة بما لم يوسع في غيرها، فكل ما صح في المتعارف الجعالة فيه يصح شرعا أيضا إلا مع ورود المنع الشرعي بالخصوص و لا يستنكر العرف صحة الجعالة في جميع الموارد المذكورة.

(23) لعدم اقدام متعارف الناس على مثله، بل يستنكرون ذلك فلا تشمله الأدلة الشرعية و يكفي الشك في الشمول في عدم الشمول، لأنه حينئذ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فتجري أصالة عدم استحقاق الجعل.

(24) لما مر في سابقة.

ص: 209


1- تقدم النبوي في ج: 17 صفحة 8.

من تعيينه (25) جنسا و نوعا و وصفا، بل كيلا أو وزنا أو عدا إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فلو جعله ما في يده أو إنائه مثلا بأن قال «من رد دابتي فله ما في يدي أو ما في هذا الإناء» بطلت الجعالة (26).

نعم، الظاهر انه يصح ان يجعل الجعل حصة معينة مما يرده و لو لم يشاهد و لم يوصف، بأن قال «من رد دابتي فله نصفها»، و كذا يصح ان يجعل للدلال ما زاد على رأس المال كما إذا قال «بع هذا المال بكذا و الزائد لك» كما مر فيما سبق (27).

مسألة 6: كل مورد بطلت الجعالة للجهالة استحق العامل أجرة المثل

(مسألة 6): كل مورد بطلت الجعالة للجهالة استحق العامل أجرة المثل (28)، و الظاهر انه من هذا القبيل ما هو المتعارف (29) من جعل الحلاوة المطلقة لمن دله على ولد ضائع أو دابة ضالة.

______________________________

(25) لما أرسلوه إرسال المسلمات من ان حكم العوض في الجعالة حكمه في الإجارة، و يظهر منهم الإجماع على لزوم تعيينه، و تقتضيه السيرة و المرتكزات العرفية.

(26) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، و لكن لا ثمرة للبطلان بعد استحقاق أجرة المثل للعمل، و عدم وجود أجرة المسمى كما لا ثمرة لاختلافهم في البطلان و عدمه بعد اتفاقهم على ثبوت أجرة المسمى بعد العمل و اتفاقهم أيضا على جريان قاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في المقام فتأمل و راجع المطولات.

(27) لأن ذلك نحو تعيين إجمالا و قد جرت السيرة عليه في الجملة و لو فرضت الجهالة فهي من الجهالة المغتفرة التي يتسامح فيها الناس.

(28) للإجماع، و لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(29) تعيين أجرة المثل فيما هو المتعارف معلوم لما مر و يمكن أن يراد بالحلاوة أجرة المثل أيضا فيكون ما هو المتعارف من موارد ذكر الأجرة

ص: 210

مسألة 7: لا يعتبر ان يكون الجعل ممن له العمل

(مسألة 7): لا يعتبر ان يكون الجعل ممن له العمل فيجوز ان يجعل جعلا من ماله لمن خاط ثوب زيد أو رد دابته (30).

مسألة 8: لو عين الجعالة لشخص و اتى بالعمل غيره لم يستحق ذلك الشخص

(مسألة 8): لو عين الجعالة لشخص و اتى بالعمل غيره لم يستحق ذلك الشخص، لعدم العمل و لا ذلك الغير، لأنه ما أمر بإتيان العمل و لا جعل لعمله جعل فهو كالمتبرع.

نعم لو جعل الجعالة على العمل لا بقيد المباشرة بحيث لو حصل ذلك الشخص العمل بالإجارة و الاستنابة أو الجعالة شملته الجعالة و كان عمل ذلك الغير تبرعا عن المجعول له و مساعدة له استحق المجعول له بسبب عمل ذلك العامل الجعل المقرر (31).

مسألة 9: إذا جعل الجعل على عمل و قد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة

(مسألة 9): إذا جعل الجعل على عمل و قد عمله شخص قبل إيقاع الجعالة أو بقصد التبرع و عدم أخذ العوض يقع عمله ضائعا و بلا جعل و أجرة (32).

مسألة 10: انما يستحق العامل الجعل المقرر

(مسألة 10): انما يستحق العامل الجعل المقرر لو كان عمله

______________________________

المعلومة فإن أجرة المثل معلومة نوعا.

(30) للإطلاق، و الاتفاق، و سيرة المتشرعة في الجملة و الانصراف إلى من كون الجعل لمن له العمل غالبي لا اعتبار به.

ثمَّ ان الوجه في الفرع الآتي واضح لا يحتاج إلى البيان.

(31) لفرض عدم اعتبار المباشرة بالنسبة إلى المجعول له و انه يستحق الجعل و لو بالتسبيب بأي نحو حصل.

(32) أما في الأول: فلعدم وقوع تسبب من الجاعل بعد، حتى يضمن أجرة العمل بواسطة التسبب فلا منشأ للضمان أصلا.

و أما في الثاني: فلفرض ان العامل قصد التبرع فأسقط عوض عمله بذلك فلا وجه لضمان العوض فيه أيضا.

ص: 211

لأجل ذلك (33).

فيعتبر اطلاعه على التزام العامل به، فلو عمل لا لأجل ذلك بل تبرعا لم يستحق شيئا (34)، و كذا لو تبين ذلك المخبر، كما إذا أخبر مخبر بأن فلانا قال من رد دابتي فله كذا فردها أحد اعتمادا على إخباره مع انه لم يقله لم يستحق شيئا لا على صاحب الدابة و لا على المخبر الكاذب (35).

نعم لو كان قوله أوجب الاطمئنان لا يبعد ضمانه أجرة مثل عمله

______________________________

(33) لأن العمل في نفسه محتمل لأن يكون لنفس العامل، أو لشخص آخر أو للجاعل و في مثله لا بد من تعيينه بالإضافة إلى الجاعل كما في كل فعل قابل للاشتراك مع أن التسبب من الجاعل إلى استيفاء العمل لا يتحقق إلا بعلم العامل مضافا إلى ظهور الاتفاق على اعتبار ذلك و يكفي في الإضافة مجرد الداعي الارتكازي الإجمالي و لا يعتبر الالتفات التفصيلي، للأصل و الإطلاق و ظهور الإجماع.

(34) العمل المأتي به.

تارة: يكون تبرعا فلا وجه للاستحقاق، للأصل بعد عدم تحقق الإضافة إلى الجاعل.

و أخرى: يكون لغير الجاعل.

و ثالثة: يؤتى به غافلا عن كل جهة و اضافة بالمرة و مقتضى الأصل عدم استحقاقه للعوض في هذين القسمين أيضا بعد عدم تحقق الإضافة إلى الجاعل و إضافة العمل إليه حتى يثبت استيفاؤه لعمل العامل.

(35) أما عدم الاستحقاق على صاحب الدابة فلعدم حصول التسبب لإيجاد العمل فلا وجه لاستحقاق العامل عليه، و أما على الكاذب فلعدم اضافة العمل إليه فلا وجه للاستحقاق أيضا فمن أضيف إليه العمل لم يتسبب و من تسبب لم يضف إليه العمل.

ص: 212

للغرور (36).

مسألة 11: لو قال «من دلني على مالي فله كذا»

(مسألة 11): لو قال «من دلني على مالي فله كذا» فدله من كان ماله في يده لم يستحق شيئا لأنه واجب عليه شرعا (37)، و أما لو قال «من رد مالي فله كذا» فإن كان المال مما في رده كلفة و مئونة كالعبد الآبق و الدابة الشاردة استحق الجعل المقرر (38)، و إن لم يكن كذلك كالدرهم و الدنانير لم يستحق شيئا (39).

مسألة 12: إنما يستحق الجعل بتسليم العمل

(مسألة 12): إنما يستحق الجعل بتسليم العمل (40) فلو جعل على رد الدابة إلى مالكها فجاء بها في البلد فشردت لم يستحق الجعل.

______________________________

(36) لقاعدة: «المغرور يرجع إلى من غره» المعمول بها عند الفقهاء كما تقدم (1)، و لا ريب في حصول التغرير ان حصل ذلك من قوله و هو يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص.

(37) لما مر غير مرة من أنه لا يجوز أخذ العوض على الواجب و المال كان عنده أمانة شرعية يجب عليه أعلامها.

(38) لعدم وجوب تحمل الكلفة و المؤنة عليه في رد مال الغير إن لم يتسلط عليه عدوانا فيستحق الجعل لما تحمل من الكلفة و المؤنة، و أما إن كان يده يد عدوان فلا يستحق شيئا، بل يجب عليه تحمل الكلفة و المؤنة مقدمة لإيصال المال إلى صاحبه كما تقدم في كتاب البيع و يأتي في كتاب الغصب أيضا.

(39) لفرض انه لا كلفة و لا مئونة في البين فيكون الرد واجبا شرعيا عليه و يصير مثل القسم الأول.

(40) للإجماع، و لأنه المنساق من الأدلة، و للسيرة المستمرة، و أصالة عدم

ص: 213


1- راجع ج: 16 ص: 347- 351.

نعم، لو كان الجعل على مجرد إيصالها إلى البلد استحقه، كما انه لو كان الجعل على مجرد الدلالة عليها و إعلام محلها استحق بذلك الجعل (41) و ان لم يكن منه إيصال أصلا.

مسألة 13: لو قال: «من رد دابتي مثلا فله كذا»

(مسألة 13): لو قال: «من رد دابتي مثلا فله كذا» فردها جماعة اشتركوا في الجعل المقرر بالسوية إن تساووا في العمل و إلا فيوزع عليهم بالنسبة (42).

مسألة 14: لو جعل جعلا لشخص على عمل

(مسألة 14): لو جعل جعلا لشخص على عمل كبناء حائط أو خياطة ثوب فشاركه غيره في العمل يسقط عن جعله المعين ما يكون بإزاء عمل ذلك الغير (43)، فإن لم يتفاوتا كان له نصف الجعل (44) و إلا فبالنسبة، و أما الآخر فلم يستحق شيئا لكونه متبرعا.

نعم، لو لم يشترط على العامل المباشرة بل أريد منه العمل مطلقا و لو

______________________________

الاستحقاق إلا بالتسليم.

(41) لتوافقهما على ذلك فيشمله دليل «المؤمنون عند شروطهم» (1)، مضافا إلى ظهور الإجماع على الاستحقاق بذلك.

(42) أما استحقاق الجميع للجعل المقرر فلشمول الإذن للجميع فيترتب عليه الأثر لا محالة. و أما التساوي في القسمة مع التساوي في العمل و الاختلاف فيها مع الاختلاف في العمل فهو من المسلمات إن لم يكن من الفطريات.

(43) لفرض عدم إتيان العامل بتمام العمل فلا وجه لاستحقاقه لتمام الأجرة.

(44) لفرض إتيانه بنصف العمل فلا وجه لاستحقاقه للزائد عليه، و منه يعلم الوجه في أنه لو لم يكن بقدر النصف انه يستحق بالنسبة و ذلك لأن الأجرة

ص: 214


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

بمباشرة غيره و كان اشتراك الغير معه بعنوان التبرع عنه و مساعدته استحق المجعول له تمام الجعل.

مسألة 15: الجعالة قبل تمامية العمل جائزة من الطرفين

(مسألة 15: الجعالة قبل تمامية العمل جائزة من الطرفين (45) و لو بعد تلبس العامل بالعمل و شروعه فيه (46) فله رفع اليد عن العمل، كما ان للجاعل فسخ الجعالة و نقض التزامه على كل حال (47) فإن كان ذلك قبل التلبس لم يستحق المجعول له شيئا (48)، و أما لو كان بعد التلبس فإن كان

______________________________

تقسط على مقدار العمل عرفا و ظاهرهم الاتفاق على ذلك كله و الوجه في بقية المسألة واضح لما بينه قدس سرّه بلا موجب للتطويل و الوجه في الفرع اللاحق واضح أيضا.

(45) إجماعا، و لأن المنساق منها عرفا انها كأمر الغير بإتيان عمل و لا معنى لللزوم فيه سواء كانت عقدا أو إيقاعا أو من مجرد التسبيب إلى شي ء.

نعم، أمر الشارع يجب اتباعه و هو حكم شرعي لا أن يكون لزوما حقيا.

(46) لإطلاق معقد الإجماع، و استصحاب بقاء الجواز. و أما ما في الشرائع من انها جائزة قبل التلبس فإن تلبس فالجواز باق من طرف العامل و لازم من طرف الجاعل إلا أن يدفع أجرة ما عمل.

فإن أراد باللزوم لزوم دفع الجاعل أجرة ما عمله العامل قبل فسخ الجعالة و نقض التزامها فهو حق لا ريب فيه لفرض ان الجاعل استوفى ذلك العمل بتسبيب منه فيجب عليه دفع عوضه، و ان أراد أن الجعالة كالرهن في الجواز من طرف و اللزوم من طرف آخر فهو مخالف للإجماع و الاستصحاب و لا دليل عليه من عقل أو نقل.

(47) لأنه لا معنى للجواز إلا ذلك كما هو واضح.

(48) لأن الأجرة جعل بإزاء العمل و المفروض انه لم يأت بشي ء منه مضافا إلى الأصل و الإجماع.

ص: 215

الرجوع من العامل لم يستحق شيئا (49).

و إن كان من طرف الجاعل فعليه للعامل أجرة مثل ما عمل (50) و يحتمل الفرق في الأول (51)- و هو ما كان الرجوع من العامل- بين ما كان

______________________________

(49) كما عن جمع كثير- منهم الشهيدين، و المحقق الثاني- بل نسب إلى المشهور، للأصل، و لأنه أقدم على إسقاط حقه، و لأن العمل كان هو المجموع من حيث المجموع. هذه أدلتهم قدس سرّهم.

و الكل مخدوش في مقابل أصالة احترام العمل التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية المقررة شرعا بمثل قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، فإن عمل الحر بعد الاستيفاء مال، أما التمسك بالأصل فلا وجه له مع وجود أصالة احترام العمل، و أما الإقدام على إسقاط الحق فهو مردود لأنه إما انطباقي أو قصدي و المفروض انتفاء كل منهما كما لا يخفى، و أما ان العمل كان هو المجموع من حيث المجموع فهو من مجرد الدعوى ما لم يدل عليه دليل بالخصوص بل المتعارف في الأعمال تقسيط العوض على أبعاضها، اما العوض الجعلي أو الواقعي، و لذا ذهب جمع منهم المحقق في الشرائع إلى استحقاق العامل للأجرة بالنسبة إلى ما عمل، إما من العوض الجعلي إن كان تعارف فيه على التقسيط أو من أجرة المثل إن لم يكن كذلك.

(50) لأصالة احترام العمل، و قاعدتي الغرور و نفي الضرر هذا إذا لم يكن عرف معتبر على تقسيط الأجرة المسماة على أبعاض العمل و إلا فيستحق من الأجرة المسماة بالنسبة.

(51) و الأولى الإيكال إلى العرف و أهل الخبرة، و هو مما يختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الموارد فإن حكم بعدم استحقاق شي ء فلا يستحق شيئا و إن حكم بتقسيط الأجر المسمى يقسط و إن حكم بأجرة المثل تتعين، و إن

ص: 216


1- سورة النساء: 29.

العمل مثل خياطة الثوب و بناء الحائط و نحوهما مما كان تلبس العامل به بإيجاد بعض العمل و بين ما كان مثل رد الضالة و الآبق و نحوهما مما كان التلبس به بإيجاد بعض مقدماته الخارجة فله من المسمى بالنسبة إلى ما عمل في الأول، بخلاف الثاني فإنه لم يستحق شيئا.

و المسألة محل إشكال (52)، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالتراضي و التصالح على كل حال.

مسألة 16: ما ذكرنا من أن للعامل الرجوع عن عمله على كل حال و لو بعد التلبس و الاشتغال انما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل

(مسألة 16): ما ذكرنا من أن للعامل الرجوع عن عمله على كل حال و لو بعد التلبس و الاشتغال انما هو في مورد لم يكن في عدم إنهاء العمل ضرر على الجاعل و إلا فيجب عليه، إما عدم الشروع في العمل و إما إتمامه بعد الشروع (53) مثلا إذا وقعت الجعالة على قلع عينه أو بعض العمليات المتداولة بين الأطباء في هذه الأزمنة، حيث ان الصلاح و العلاج مترتب على تكميلها، و في عدمه فساد لا يجوز له رفع اليد عن العمل بعدم التلبس له و الشروع فيه، و لو رفع اليد عنه لم يستحق في مثله شيئا بالنسبة إلى ما عمل بلا إشكال (54).

مسألة 17: لو جعل مقدارا معينا من مسافة معينة فرده من بعض تلك المسافة

(مسألة 17): لو جعل مقدارا معينا من مسافة معينة فرده من بعض تلك المسافة، فإن كان المقصود خصوص الرد و ذكرت المسافة المعينة من

______________________________

تردد فلا بد من التراضي و ذلك كله لأن المسألة عرفية لا أن تكون تعبدية.

(52) و يشهد له ما قاله في الجواهر في المقام: «ان المسألة غير محررة في كلماتهم».

(53) لأن الجعل يقع في نظائره على مجموع العمل من حيث المجموع و على تمامه و لا يكون العمل فيها مبعضا بنظر العرف، مضافا إلى ظهور الإجماع و قاعدة نفي الضرر.

(54) لعدم تسبب للجاعل لمثل هذا العمل أصلا و انما تسبب للعمل التام

ص: 217

باب الظن بأنه يوجد فيها فيستحق تمام المقدار (55) و ان كان من باب الموضوعية و تقسيط الجعل على المسافة يستحق من الجعل بمقدار ما سافر (56)، و إن شك في أنه من أي القسمين يستحق الأقل (57) و الأحوط التصالح بالنسبة إلى الأكثر (58).

مسألة 18: لو أنكر المالك الجعل أصلا و ادعاه العامل يقدم قول المالك

(مسألة 18): لو أنكر المالك الجعل أصلا و ادعاه العامل يقدم قول المالك (59)، و لو تنازعا في مقدار الجعل يقدم قول الجاعل مع اليمين (60) و إذا حلف يثبت عليه أقل الأمرين فيما يدعيه العامل (61).

مسألة 19: لو قال المالك للعامل حصل المجعول له من دون سعيك فلا تستحق الجعل

(مسألة 19): لو قال المالك للعامل حصل المجعول له من دون سعيك فلا تستحق الجعل، قال العامل بل حصل بسعيي يقدم قول المالك (62).

______________________________

مقيدا بالتمامية، بل لو حصل برجوعه عن العمل ضرر على الجاعل يضمن لقاعدة نفي الضرر و ظهور الاتفاق.

(55) لتحقق الرد الذي يكون مدار استحقاق تمامه عليه.

(56) لفرض تقسيط الجعل على المسافة فلا وجه لاستحقاقه ما زاد عليها.

(57) لأنه المتيقن إن لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف كما هو المفروض.

(58) لاحتمال كون المقام من المتباينين و قد ادعى الإجماع على لزوم الاحتياط فيه و لكنه ممنوع صغرى و كبرى كما تقدم.

(59) لأصالة عدم الجعل إلا ان يثبت بحجة معتبرة و هي مفقودة.

(60) لأن الفعل فعله، و أصالة براءة ذمته عما يدعيه العامل.

(61) لاعتراف العامل باستحقاق الأقل ان كان أقل مما يقوله الجاعل و لحجية اليمين في قطع الخصومة لو كان ما يقوله الجاعل أقل مما يدعيه العامل و الأحوط التراضي مطلقا.

(62) لأصالة براءة ذمته عن الجعل إلا ان يثبت اشتغالها بوجه معتبر.

ص: 218

مسألة 20: لو اختلفا في صحة الجعالة و فسادها يقدم قول مدعى الصحة

(مسألة 20): لو اختلفا في صحة الجعالة و فسادها يقدم قول مدعى الصحة (63).

مسألة 21: لو اختلفا في أن الواقع بينهما جعالة أو إجارة يقدم قول من يدعى الثانية

(مسألة 21): لو اختلفا في أن الواقع بينهما جعالة أو إجارة يقدم قول من يدعى الثانية (64).

مسألة 22: لو اختلفا في تسليم المجعول له إلى الجاعل و عدمه

(مسألة 22): لو اختلفا في تسليم المجعول له إلى الجاعل و عدمه يقدم من يدعى العدم (65).

______________________________

(63) لأصالة الصحة الجارية في كل عقد عند تردده بين الصحة و الفساد.

(64) لأصالة اللزوم عند تردد العقد بينه و بين الجواز.

(65) لأصالة عدم الوصول، و لقاعدة اليد إلا مع حجة معتبرة على الخلاف.

ص: 219

فصل في التأمين

اشارة

فصل في التأمين التأمين: هو الالتزام بتدارك النقص أو التلف- بما هو المقرر عندهم- في شي ء بعوض معين (1). و لا ريب في مشروعيته (2).

______________________________

فصل في التأمين التأمين: من المعاهدات الشائعة بين الناس على اختلاف أصنافهم و أديانهم و تتسع فروعه و مسائله باتساع مورده الشامل للجماد- المنقول و غير المنقول- و النبات، و الحيوان، و الإنسان بأصنافها و أنواعها التي تتعلق بها الأغراض العقلائية التي بها تزداد الفروع و المسائل.

و نشير الى بعض كلياته بنحو الإجمال حسب ما عندنا من الأدلة و على اللّه الاتكال:

(1) هذا التعريف عام يشمل جميع أقسامه المتصورة من النفس و المال و الاعتبار، و يشمل ذلك المتعاقدين و العوض و العقد بين الطرفين، كما هو معلوم بلا فرق بين إن يعرّف بما ذكرناه أو يقال: «عقد ثمرته حصول تعهد من أحد الطرفين بتعويض الطرف الآخر عن كل خسارة أو ضرر يلحق به في حالة تحقق خطر معين مقابل دفع القسط».

(2) لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، و قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (2): و قول النبي

ص: 220


1- سورة المائدة: 1.
2- سورة النساء: 29.

مسألة 1: يصح أن يكون التأمين عقدا معاوضيا مستقلا بنفسه في مقابل سائر العقود

(مسألة 1): يصح أن يكون التأمين عقدا معاوضيا مستقلا بنفسه في مقابل سائر العقود (3).

______________________________

الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «المسلمون عند شروطهم» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «استوثق من مالك ما استطعت» (2). و شموله للنفس و العرض يكون بالأولى. كما إن شمول الجميع لكل عقد عرفي إلا ما ورد الردع عنه واضح و لم يرد الردع عنه على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(3) لما مر من شمول العمومات، و الإطلاقات لكل عقد عرفي لم يردع عنه الشارع، و دليل الردع مفقود، فشمول العموم و الإطلاق مسلم.

و ما يتوهم من إن التمسك بالإطلاق، و العموم تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك واضح الفساد لفرض صدق العقد و العهد عليه عرفا و لغة.

و قد يستدل على عدم صحة كونه عقدا مستقلا.

تارة: بأن العقود منحصرة فلا يتعدى عنها.

و أخرى: بأنها توقيفية كالعبادات فلا بد من الاقتصار عليها.

و ثالثة: بدعوى الإجماع.

و رابعة: بأصالة عدم ترتب الأثر.

و الكل باطل.

أما الأول: فلان الحصر ليس عقليا بل استقرائي بحسب تلك الأزمنة التي لم تصل الأفكار إلى ما وصلت إليه في هذه الأعصار.

و أما الثاني: فلأن الشارع أخذ موضوع العقود و الإيقاعات عن العرف و اللغة و أهل المحاورة.

و أما الثالث: فعهدة إثباته على مدعيه، مع انه حادث لا أثر له في كلمات

ص: 221


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الرهن: 1.

كما يمكن أن يكون من الجعالة (4)، أو من غيرها كالصلح مع العوض، و الهبة المعوضة، أو ضمان عين بالعوض (5).

______________________________

القدماء مضافا إلى أنه معلوم المدرك، و أما الأخير فلا وجه له في مقابل العمومات و الإطلاقات.

(4) لو أنشأ بهذا العنوان فتشمله أدلة الجعالة حينئذ، فيقول المستأمن (المؤمن له) للمؤمن- خاصا أو عاما-: «من تحمل خسارة دابتي أو بيتي لو حصلت أعطيه في كل شهر عشرة دنانير مثلا»، أو يقول المؤمن للمستأمن:

«أ تحمل خسارة الدواب أو البيوت و آخذ من صاحبها في كل شهر عشرة دنانير»، و تقدم صحة كل منهما في أول كتاب الجعالة و ستأتي المناقشة في ذلك مع دفعها.

(5) لصحة انطباق كل ذلك عليه لو أنشأ بتلك العناوين و الإشكال على كونه من الهبة المعوضة يأتي ذكره و دفعه عن قريب.

و أما الإشكال على انه من ضمان ما لم يجب على فرض إنشائه بعنوان الضمان.

فمدفوع: بما مر مكررا من انه يجزي المعرضية العرفية للضمان و لا ريب في ثبوت المعرضية، إذ كل حادث معرض للحوادث و الآفات كما هو معلوم لكل ذي شعور و قد فصلنا القول في كتاب الضمان.

و من ذلك يظهر بطلان الاشكال على أنه من ضمان الأعيان غير المضمونة، لما عرفت.

ففي مقام الثبوت لا إشكال في صحة انطباق كل من هذه العقود على التأمين المتعارف.

إنما الكلام في مقام الإثبات و هو يتوقف على بيان أمرين.

الأول: تسالم الفقهاء بل العقلاء- كما تقدم- على ان عناوين العقود

ص: 222

و الأول هو الصحيح (6). أيضا.

______________________________

قصدية و متقومة بالقصد و الاختيار، لا ان تكون انطباقية قهرية فما لم تقصد لا تقع، و الظاهر بل المعلوم ان عامة الناس في العالم كله حين يعقدون عقد التأمين لا يخطر ببالهم عنوان خاص من عناوين سائر العقود، فكيف يصح ما لم يقصد؟! أم كيف يترتب الأثر على ما لم يكن بمقصود و مراد؟! مع تقوم العقود بالقصد الإرادة.

نعم، حيث ان الصلح فيما بين العقود مبنى على التخفيف و التسهيل و المسامحة كما مر فسومح فيه بما لم يتسامح في غيره حتى انه أثبت فقهاء الفريقين نحوا من الصلح القهري- كما تقدم- فيمكن إدخال المقام فيه.

و لكنه بعيد لظهور كلماتهم في أن الصلح القهري مختص بموارد خاصة يستفاد ذلك من سياق دليل خاص، لا أن يكون ذلك مطابقا للقاعدة بحيث يصح إدخال كل مورد في الصلح القهري.

هذا، مع ظهور اتفاقهم على ان عناوين العقود لا ينشأ بعضها ببعض، فمن يصدر منه عقد التأمين يقصده مستقلا و في حد نفسه لا أن يقصد من شؤون غيره و تبعا لما سواه من سائر العقود.

الثاني: مقتضى الأصل عند الشك في كونه تابعا لعقد آخر أو من صغرياته عدم التبعية و كونه منها.

و ما يتوهم من ان هذا الأصل معارض بأصالة عدم الاستقلالية.

مدفوع: بأنه مع قصد أصل العقد و ذاته وجدانا ينطبق عليه عنوان الاستقلالية قهرا فلا شك حتى يجري الأصل فيها حينئذ، فمقتضى الأصل و الوجدان كونه عقدا مستقلا و يكفي في صحته آية التراضي (1)، و لا شبهة فيه إلا ما مر ذكره و تقدم جوابه.

(6) لما تقدم في الأمرين، و أشكل عليه.

ص: 223


1- سورة النساء: 29.

نعم، لو أنشأ بعنوان الجعالة يجري عليه حكمها (7).

______________________________

تارة: بأن هذا العقد باطل من جهة الغرر و الجهالة، فإن الخسارة الواردة غير معلومة لأحد لا بحسب أصلها، و لا كميتها، و كيفيتها، و هكذا أصل التلف فكيف يصح أن يتدارك ذلك بالمال.

و أخرى: بأنه معلق على تحقق الخسارة، و ظاهر الفقهاء التسالم على أن التعليق في العقود يوجب البطلان.

و كل من الإشكالين فاسد. أما الأول: فلأنه لا غرر و لا جهالة في البين مع إقدام العقلاء على هذا العقد و تحديدهم للحوادث الواردة إما بنحو العموم أو الخصوص مع التعيين من سائر الخصوصيات و الجهات فلا موضوع حينئذ للغرر و الجهالة أصلا.

و أما الثاني: فلأنه لا تعليق في مقام الإنشاء لحصول التزام عقد التأمين بمجرد إنشاء المؤمن جامعا للشرائط و حصول اشتغال ذمة المستأمن بالمال كذلك أيضا و من اللوازم العرفية لهذا العقد تحمل الخسارة الواردة نظير تحمل الخسارة في سائر موارد الضمانات، مع أنه لا تعليق فيها، و يصح ان يقال أيضا:

ان هذا القسم من التعليق لا يضر لأنه تعليق على مقتضاه، و هو صحيح كما صرحوا به و التعليق المبطل في غير هذه الصورة على ما فصلناه في شرائط العقد (1).

و يمكن ان يقال: ان التأمين عقد مستقل برأسه و إن أفاد فائدة جملة من العقود- كالصلح، و الإجارة، و الجعالة، و الهبة المعوضة- فكما ان الصلح عقد مستقل برأسه و يفيد فائدة هذه العقود فليكن التأمين كذلك أيضا، لأنه بعد فرض إمكان انطباقه على كل واحد من هذه العقود يشمله إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في ظرف هذه الاستفادة أيضا. كما لا يخفى.

(7) لما تقدم، و مر أن الجعالة من الأسباب فيكون التأمين أيضا كذلك.

ص: 224


1- راجع ج: 16 صفحة: 249- 251.

..........

______________________________

و أشكل على صحة كونه من الجعالة بوجوه.

الأول: إن فيها لا بد و ان يكون الجعل من الجاعل دون العامل بخلاف المقام يكون الجعل فيه ممن هو بمنزلة العامل أي المستأمن (طالب التأمين).

الثاني: في الجعالة يكون التبادل بين العمل و المال، و في المقام يكون المال بإزاء تدارك الخطر (تحمل الحوادث المقررة) لا بين المال و العمل.

الثالث: في الجعالة لا يملك العامل على الجاعل شيئا، بمجرد الجعل بل بإتيان العمل، و قد جعل ذلك هو الفارق بينها و بين الإجارة بخلاف المقام، فإن المؤمن يملك على المستأمن القسط و لو قبل العمل.

الرابع: إن في الجعالة لا يستحق الطرف على الجاعل شيئا لو لم تحصل الوظيفة المجعولة له، بخلاف المقام فإن المؤمن يستحق القسط على المستأمن و لو لم يحصل خطر و لا خسارة في البين أصلا.

و الكل مخدوش.

أما الأول فلأن كون الجعل من الجاعل في الجعالات المتعارفة إنما هو غالبي لا أن يكون من مقومات ذات الجعالة- كما تقدم- فلو قال قائل: «إني أرد العبد الآبق و آخذ من صاحبه كذا و كذا» و قبل الطرف الآخر يكون ذلك جعالة و ينطبق ذلك على المقام قهرا.

و أما الثاني: فلأن تقوّم الجعالة بأن يكون فيها غرض عقلائي مع جعل المال سواء كان الغرض العقلائي عملا أو شيئا آخر، بل و لو كان أمر عدميا كما تقدم بل العقود مطلقا تدور مدار الأغراض الشرعية العقلائية إلا ما دل دليل على التحديد و التقييد و لم يرد ذلك في الجعالة و ما ذكره الفقهاء إنما هو من باب المثال، مع ان قولهم ليس بحجة ما لم يدل عليه نص أو إجماع معتبر.

و أما الثالث: فهو صحيح فيما إذا لم يكن شرط و بناء فعلي بينهما على الخلاف و إلا فالمتبع هو الشرط لأدلة وجوب الوفاء به و منه يظهر الجواب عن الرابع.

و احتمال ان مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فيكون باطلا.

مردود: بأنه مخالف لإطلاقه لا لذاته، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم

ص: 225

مسألة 2: عقد التأمين يحتاج إلى الإيجاب و القبول

(مسألة 2): عقد التأمين يحتاج إلى الإيجاب و القبول (8) و يكفي فيهما كل لفظ ظاهر في إنشاء هذا العنوان (9)، و لا تعتبر فيهما العربية و لو مع القدرة عليها (10)، و تجري فيه المعاطاة و الفضولية و يكفي في الإيجاب و القبول وقوعهما بالكتابة (11).

______________________________

المخالفة بالعدم الأزلي، كما أثبتناه في محله و لكن حيث ان عقد التأمين لم ينص عليه في الكتاب و السنة ينبغي مراعاة الاحتياط فيه.

ان قيل ان الجعالة عقد جائز فلا وجه لوجوب الوفاء بهذا الشرط (أي:

دفع المال بالتقسيط).

يقال: أولا مقتضى «المؤمنون عند شروطهم» وجوب الوفاء بالشرط و لو كان في ضمن العقود الجائزة ما دام العقد باقيا، و إذا زال العقد بسبب من الأسباب يزول موضوع وجوب الوفاء قهرا كما مر في أول بحث الشروط (1).

و ثانيا: بأن بناء العقلاء على الالتزام بهذا الشرط يكون مخصصا لما دل على أن الشروط المأتي بها في ضمن العقود الجائزة غير واجب الوفاء لأن عمدة الدليل على جواز الجعالة الإجماع، و المتيقن من إجماعهم غير مورد مثل هذا الالتزام الشرطي بين الطرفين.

(8) لأنه عقد- كما قلنا- و كل عقد متقوم بهما عرفا و شرعا، بل و عقلا أيضا إلا إذا نشأ بعنوان الجعالة كما مر.

(9) لأن المناط في العقود ظهور اللفظ في عنوان المعقود، و قد تقدم ذلك مرارا.

(10) لإطلاق آية التراضي (2)، و الوفاء بالعقود (3)، الشامل لكل لغة مطلقا.

(11) لأن المعاطاة و الفضولي موافقان للقاعدة فيجريان في كل عقد إلا ما

ص: 226


1- راجع ج: 17 صفحة: 236.
2- سورة النساء: 29.
3- سورة المائدة: 1.

مسألة 3: يعتبر في المتعاقدين في التأمين الشرائط العامة- في كل عقد

(مسألة 3): يعتبر في المتعاقدين في التأمين الشرائط العامة- في كل عقد من البلوغ، و العقل، و الاختيار (12) و عدم الحجر لفلس و سفه و نحوهما (13).

مسألة 4: يصح وقوع الإيجاب و القبول عن كل من المستأمن و المؤمن

(مسألة 4): يصح وقوع الإيجاب و القبول عن كل من المستأمن و المؤمن فيقول المستأمن لجمعية التأمين بعد تعيين الخصوصيات: «أمّنت داري- مثلا- لك لتدارك الضرر المتوجه إليه بكذا و كذا» فيقول المؤمن «قبلت» أو يقول المؤمن للمستأمن: «أمّنت دارك عن كل ضرر و خسارة لو توجه إليه» فيقول المستأمن «قبلت» (14). و إن كان الغالب ان الإيجاب من

______________________________

خرج بالدليل- كالنكاح الذي لا تجري فيه المعاطاة- و لا دليل على الخروج في المقام.

نعم في لزوم المعاطاة و لو قبل التصرف كلام مر تفصيل البحث عنه في أول البيع فراجع.

و أما الوقوع بالكتابة- المسمى في اصطلاحهم- ب (بوليصة التأمين)- فلسيرة المتشرعة بل العقلاء في هذا الأمر العام البلوى، و لا رادع في البين من نص ظاهر معتبر، أو إجماع قائم معتمد، مع انها لا تقصر عن المعاطاة بعد إن كانت المكتوبات عنوانا مشيرا إلى التعاطي الخارجي عرفا.

(12) قد تعرضنا لأدلة اعتبارها في أول البيع فراجع (1)، و لا وجه للإعادة.

(13) لأن التصرف تصرف مالي من الطرفين و يعتبر في التصرف المالي عدم كون المتصرف محجورا كما يأتي في كتاب الحجر إلا إذا كان بإذن الولي أو الغرماء على ما سيأتي في محله.

(14) لتحقق العنوان المذكور بكل منهما عند المتعارف، فيشمله عموم

ص: 227


1- راجع ج: 16 صفحة: 272.

المستأمن و القبول من المؤمن (أي الجمعية) (15).

______________________________

أدلة العقود لا محالة، و ليس ذلك عادم النظير في الفقه و قد مر في السلف انه يصح ان يقع كل واحد من الإيجاب و القبول من كل واحد من البائع و المشتري، و كذا في الصلح لو وقع بلفظ التصالح فيصح لكل من المتصالحين إنشاء الإيجاب أو القبول، و في المقام أيضا يقول أحدهما للآخر: «تصالحنا لتدارك الضرر بكذا و كذا» و يقول الآخر: «قبلت»، و يأتي في النكاح انه يصح ان يقع إيجابه من كل واحد من الزوجين إذا كان بلفظ التزويج.

نعم، لو وقع عقد التأمين بعنوان الهبة المعوضة بأن يقول المستأمن (طالب التأمين»: «وهبتك ألف دينار- قسطا لمدة سنة كل شهر كذا- على تدارك الضرر أو الخسارة إن ورد على مالي» و يقول المؤمن (الشركة): «قبلت» فالمشهور عدم صحة هبة ما في الذمة، لأنه يعتبر في الهبة قبض الموهوب و القبض متقوم بالتشخص الخارجي فلا يكون الكلي مقبوضا.

و هو ظاهر الخدشة لأن قبض الكلي بقبض فرده، لما أثبتناه في محله من ان الكلي عين الفرد خارجا فلا وجه للإشكال من هذه الجهة و ان كان الأحوط مراعاة قولهم.

كما يصح ان يقول المؤمن للمستأمن: «وهبتك عوض الخسارات التي سترد على مالك- مثلا- بما تدفع من الاقساط» و يقول المستأمن للمؤمن «قبلت»، و الإشكال على هبة ما في الذمة يجري هنا أيضا مع جوابه.

هذا إذا كان الموهوب كليا و دفع بالأقساط- كما هو الغالب في دفع مبلغ التأمين من المستأمن- و أما إذا كان شخصيا خارجيا كما دفع جميع الاقساط دفعة واحدة بألف دينار معين مثلا فلا إشكال من هذه الجهة أصلا.

(15) هذا من باب الغالب و إلا تقدم صحة وقوع كل من الإيجاب و القبول من أيهما كان لما عرفت.

ص: 228

مسألة 5: التأمين من العقود اللازمة 16 من الطرفين

(مسألة 5): التأمين من العقود اللازمة (16) من الطرفين فلا يجوز لأحدهما الفسخ إلا بأحد موجباته كما سيأتي.

مسألة 6: يجوز لكل واحد من المتعاقدين تعيين كل شرط سائغ شرعا في متن العقد

(مسألة 6): يجوز لكل واحد من المتعاقدين تعيين كل شرط سائغ شرعا في متن العقد (17) كما إذا شرط المؤمن (الشركة أو الجمعية) على المستأمن أن يعلمه بما يطرأ عليه من الخطر في حينه (18)، و يجب أن يكون الشرط جامعا لشرائط الصحة (19).

مسألة 7: لا يجري في هذا العقد الخيارات إلا خيار الشرط، و خيار الاشتراط أي تخلف الشرط و خيار الغبن

(مسألة 7): لا يجري في هذا العقد الخيارات (20) إلا خيار الشرط، و خيار الاشتراط (أي تخلف الشرط) و خيار الغبن (21) في ما إذا كان

______________________________

(16) لما أثبتناه- غير مرة- من أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و هو مفقود في المقام.

نعم لو أنشأ بعنوان الجعالة يجري عليه حكمها و هو الجواز بالإجماع.

(17) للأصل، و العمومات كقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، إلا شرطا كان خلاف الكتاب و السنة كما مر.

(18) لأنه شرط سائغ يشمله ما تقدم من العمومات كسائر الشروط الجائزة.

(19) كما تقدم في مباحث الشروط (2)، فلا وجه للإعادة.

(20) لاختصاص أدلة تلك الخيارات بخصوص البيع مثل المجلس و الحيوان و غيرهما فلا يشمل المقام.

(21) لعموم أدلة تلك الخيارات الشاملة لكل عقد مملك إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام.

و أما خيار العيب فهو مبني على جريانه حتى فيما إذا كان أحد العوضين

ص: 229


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور: 4.
2- راجع ج: 17 صفحة: 219- 226.

التفاوت بينهما (أي: التعويض، و قسط التأمين) بما لا يتسامح فيه عرفا (22).

مسألة 8: يجوز أن يكون عقد التأمين موقتا بوقت خاص

(مسألة 8): يجوز أن يكون عقد التأمين موقتا بوقت خاص (23) فلا بد من تعيينه و تحديده (24)، كما يمكن أن يكون دائميا ما دام حياة المستأمن مثلا (25).

______________________________

أو كلاهما (مبلغ التأمين الذي تدفعه الشركة للمستأمن، و أقساط التأمين الذي تدفع للشركة) كليا فإن قلنا بجريانه فيه فيجري في المقام أيضا و إلا فلا.

نعم، لو اعطى القسط و كان معيوبا فلا يقع ذلك فردا عما في الذمة فكأنه لم يدفع هذا القسط أصلا و تبقى الذمة مشغولة و كذا في التدارك (أي مبلغ التأمين أو العوض).

(22) لتحقق الضرر حينئذ و هو الموجب للخيار كما تقدم في خيار الغبن.

(23) لعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (1).

(24) لعدم إقدام العرف و العقلاء على التوقيت المجهول، و انه غرر.

(25) لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)، و غيره من العمومات- الشامل لهذه الصورة أيضا. و توهم أن أمد الحياة غير معلوم فيبطل العقد لهذه الجهة (فاسد) لمعلومية أمد الحياة النوعي بأنها لا تتجاوز غالبا عن مائة سنة.

و عمدة الإشكال في المقام ثبوت الجهالة في المدة فيشملها دليل نفي الغرر، و الإجماع الذي ذكروها في مدة الإجارة و مدة المتعة.

و الأول مردود بأن الجهالة المانعة عن صحة العقود هي الجهالة التي يستقبحها المتعاقدون من العقلاء، و فيما إذا أقدموا عليه لا وجه لتحقق البطلان.

و أما الإجماع فمعلوم المدرك فإن مدرك المجمعين قاعدة نفي الغرر فهو إجماع اجتهادي لا أن يكون تعبديا.

ص: 230


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور: 4.
2- سورة المائدة: 1.

مسألة 9: لا فرق في مورد التأمين المؤمن عليه بين أن يكون الخطر الوارد عليه محتمل الوقوع في المستقبل

(مسألة 9): لا فرق في مورد التأمين (المؤمن عليه) بين أن يكون الخطر الوارد عليه محتمل الوقوع في المستقبل أو معلوم العدم كذلك أو معلوم الوجود (26).

مسألة 10: لا يختص التأمين بالشركة المعدة لذلك

(مسألة 10): لا يختص التأمين بالشركة المعدة لذلك بل يصح التأمين بين أشخاص بعضهم مع بعض (أي التأمين بالتقابل) (27).

و كذا يجوز التأمين بين أعضاء الشركة بعضهم مع بعض (28)، كما يجوز ترامي التأمين (أي إعادة التأمين أو التأمين المضاعف) فيؤمن المؤمن مؤمن آخر و هكذا (29)، و يجوز تعدد المؤمن و وحدة المستأمن (30) كما يجوز العكس (31).

مسألة 11: يصح تأمين السفن الشاحنات

(مسألة 11): يصح تأمين السفن الشاحنات إن كانت حمولتها من

______________________________

نعم، لا ريب في تحقق الجهالة في الجملة و كون مثل هذا موجبا للبطلان و كونه مراد المجمعين أول الدعوى و إن كان الأحوط إيجاد العقد حينئذ بالتصالح أو الجعالة.

(26) لفرض أنه في جميع ذلك غرض عقلائي و تقدم ان عقد التأمين يدور مدار ذلك، فيشمله ما تقدم من الأدلة.

نعم، في الاحداث الواقعة قبل عقد التأمين لا وجه للتأمين مع علمهما بذلك كما هو المقرر عندهم أيضا.

(27) لعموم ما تقدم من الأدلة لهذه الصورة أيضا بعد توفر الشروط.

(28) لما مر من العموم و الإطلاق.

(29) للأصل، و عموم ما تقدم من الأدلة.

(30) مستقلا أو جزءا لأصالة الإباحة الوضعية و التكليفية و قاعدة السلطنة مضافا إلى ما تقدم من العمومات.

(31) لعين ما تقدم في سابقة.

ص: 231

المحللات، و لو كانت الحمولة من المحرمات- كالمسكرات- فيصح تأمين السفن و الشاحنات دون الحمولة (البضاعة) (32)، و لو وقع التأمين عليهما معا بعقد واحد يصح بالنسبة إلى السفن و الشاحنات دون الحمولة (33)، و أما التأمين على المكائن التي تولد المحرمات كالخمر فلا يصح تأمينها بوجه إلا إذا كانت من المكائن المشتركة في نتاجها بين المحرم و المحلل و قصدت المنفعة المحللة، و كذا الكلام في المخازن (34).

مسألة 12: لو ظهر بطلان عقد التأمين

(مسألة 12): لو ظهر بطلان عقد التأمين فإن كان قبل حدوث الخسارة المؤمن عليها و قبل دفع المستأمن شي ء من الأقساط فلا شي ء عليهما (35)، و ان دفع المستأمن بعض الأقساط فيملكه المؤمن- الشركة- (36)، و لو تحمل الخسارة و ظهر البطلان فللمستأمن دفع الأقساط

______________________________

(32) أما الأول فلوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها.

و أما الثاني فلما قدمناه من انه يعتبر في مورد التأمين ان لا يكون نهي شرعي، و المفروض تحققه في المقام.

(33) لانحلال العقد بحسب اجزائه كما تقدم في كتاب البيع.

(34) لما تقدم في المكاسب المحرمة من كتاب البيع (1)، و لا داعي للإطالة بالتكرار.

(35) لعدم وقوع التزام صحيح بين الطرفين.

(36) لقاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و المفروض ان المستأمن ضمن إعطاء القسط بداعي تحمل الخسارة لو حصلت، فيثبت الضمان لو كان العقد صحيحا و يكون كذلك لو كان العقد فاسدا و ليس للمؤمن (الشركة) مطالبة ما لم يدفع- أو بقي- من الأقساط لفرض بطلان العقد و زوال

ص: 232


1- راجع ج: 16 صفحة: 63- 66.

بما هي عليه (37).

مسألة 13: لو خالف أحدهما بما التزم به للآخر

(مسألة 13): لو خالف أحدهما بما التزم به للآخر يثبت الخيار للطرف الآخر (38).

مسألة 14: الأرباح المجتمعة عند المؤمنين الشركات من الأموال المأخوذة من المستأمنين في التأمين على الحياة

(مسألة 14): الأرباح المجتمعة عند المؤمنين (الشركات) من الأموال المأخوذة من المستأمنين في التأمين على الحياة يجوز لهم (أي لطالب التأمين) أخذ ما يعطيه المؤمن (39).

مسألة 15: ما تدفعه شركة التأمين إلى المستأمن في تأمين الحياة من الفائدة بعنوان الترغيب يجوز أخذه

(مسألة 15): ما تدفعه شركة التأمين إلى المستأمن في تأمين الحياة من الفائدة بعنوان الترغيب يجوز أخذه (40).

______________________________

موضوعه، و قد فصلنا ذلك في كتاب البيع فراجع (1).

(37) لما تقدم في سابقة من القاعدة ما لم ينعدم الموضوع.

(38) لفرض تخلف الشرط الموجب لثبوت الخيار كما تقدم مكررا.

(39) لبناء المستأمنين (الطالبين للتأمين) على الرضاء في أخذ هذا النحو من الربح إن كان بعنوان المضاربة.

و دعوى ان مال المضاربة لا بد و ان يكون من النقدين المسكوكين فلا تصح المضاربة بالأوراق النقدية المتداولة.

باطلة: لأن عمدة مستند هذا الشرط دعوى الإجماع و هو كان بحسب تلك الأعصار القديمة فكان اتفاقا اجتهاديا هذا إذا كان بعنوان المضاربة، مع انه لا وجه لموضوع المضاربة و القرض أصلا لأن المال مودع عندهم بعنوان الوديعة المأذون فيها بالتصرف، فحينئذ لا إشكال في أخذ الربح مع رضائهم.

و اللّه العالم بحقائق الأمور.

(40) لأصالة الإباحة، و التراضي الواقع بينهما على ذلك فتشمله آية التراضي(2).

ص: 233


1- ج: 16 صفحة: 275- 286.
2- سورة النساء: 29.

.....

______________________________

و توهم: انه من الربا المحرم لوقوع هذه الزيادة في مقابل ما أعطاه المستأمن للمؤمن.

فاسد: لأن المقام ليس من الربا المعاملي بالضرورة و لا من الربا القرضي، إذا لم يقصد القرض، بل قصد الأمانة أو الحفظ عند الشركة و أذن له في التصرف فيه.

و لو فرض انه بعنوان القرض أيضا ليس كل ما يدفع المقترض للمقرض ربا محرم، إذ لو أعطاه بعنوان الترغيب أو التشويق، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة الشرعية العقلائية ليس من الربا، و لكن الأحوط ان يرجع إلى الحاكم الشرعي لأخذ هذه المنافع.

ص: 234

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب العارية

اشارة

كتاب العارية و هي التسليط على العين للانتفاع بها على جهة التبرع (1)، و هي من

______________________________

كتاب العارية و هي شائعة بين الناس في جميع الأمكنة و الأزمان و تمام أهل الملل و الأديان، و في صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى صفوان بن أمية فاستعار منه سبعين درعا بأطراقها فقال أ غصبا يا محمد؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله بل عارية مضمونة» (1)، و عن الصادق عليه السّلام: «جرت في صفوان بن أمية الجمحي ثلاث من السنن: استعار منه رسول اللّه سبعين درعا حطمية فقال:

أ غصبا يا محمد؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله: بل عارية مؤداة» (2)، و هذه المادة تستعمل بمعنى التردد و التحول و تسمى العارية المتعارفة عارية لتحولها من يد إلى يد.

(1) قد مر مكررا أن التعاريف المذكورة في ألسنة الفقهاء لعناوين العقود شروح لفظية كتعاريف اللغويين لما يذكرونه من اللغات فلا موضوع للنقض و الإبرام فيها لأن موضوعها الحدود الحقيقية الواقعية كما ثبت في محله و إذا راجعنا مرتكزات الناس في العارية المتعارفة لديهم يحكمون بأنها: «تسليط على العين للانتفاع بها تبرعا» فتكون كذلك شرعا لأنها ليست من التعبديات، بل من الأمور العرفية التي ورد عليها الشرع كسائر العقود و الإيقاعات لا أنها

ص: 235


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام العارية 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام العارية: 2.

العقود (2) التي تحتاج إلى إيجاب و قبول، فالإيجاب كل لفظ له ظهور عرفي في إرادة هذا المعنى كقوله «أعرتك» أو «أذنت لك في الانتفاع به» أو «خذه لتنتفع به» و نحو ذلك (3). و القبول كلما أفاد الرضا بذلك (4).

______________________________

أخذت من الشرع حتى تكون تعبدية- كالصلاة و نحوها- و لعل جملة من العقود المتعارفة أوضح لدى العرف مما ذكره الفقهاء في تعريفها، و المنساق إلى الأذهان العرفية في معنى العارية هو ما ذكر.

و ليس المراد بالتسليط التمليك و التملك المعتبر في العقود المملكة بل مجرد الإذن و الترخيص في الانتفاع فهي بالحكم أشبه منه بالوضع فالجواز فيها حكمي لا أن يكون وضعيا كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و لا ريب في أنها مباين مع الرهن لاعتبار الوثيقة للدين فيه دونها.

(2) على المشهور بين الفقهاء، بل ظاهرهم الإجماع و لكن الانتفاع بمال الغير مجانا يمكن أن يقع بمجرد إذنه أو اباحته له أو تفويض العين إليه لهذا الغرض و كل ذلك من الإيقاع فيكون الرد مانعا لا أن يكون القبول شرطا. إلا أن يقال: إن مرادهم بالقبول مجرد رضاء المستعير بما دفع إليه المعير للانتفاع به مجانا، و على هذا لا ثمرة عملية بين تسميتها عقدا أو إيقاعا.

نعم، لو قيل بوقوعها بإنشاء المعير و لو مع غفلة المستعير و عدم توجهه أصلا لكانت الثمرة بينهما ظاهرة و الظاهر انهم لا يقولون به فهي عقد وسّع في قبولها بما لم يوسع في قبول غيرها من العقود.

(3) لأن المناط في صحة الإيجاب في كل عقد أن يكون له ظهور عرفي في العنوان المنشأ و المفروض ظهور كل ذلك في عنوان العارية فيصح الاكتفاء بها عند أهل المحاورة، مع إن العقود الجائزة مبنية على المسامحة من كل جهة.

(4) لأن المدار في القبول إبراز الرضاء بما أنشأه المجيب بأي وجه تحقق ذلك إلا إذا ورد تحديد خاص فيه من الشرع و لا تحديد كذلك في المقام

ص: 236

و يجوز أن يكون بالفعل (5) بأن يأخذ العين المعارة بعد إيجاب المعير بهذا العنوان، بل الظاهر أنه لا يحتاج في وقوعها و صحتها إلى لفظ أصلا، فتقع بالمعاطاة (6)، كما إذا دفع إليه قميصا ليلبسه فأخذه للبس أو دفع إليه إناء أو بساطا ليستعمله فأخذه و استعمله.

مسألة 1: يعتبر في المعير، أن يكون مالكا للمنفعة 7 و له أهلية التصرف

(مسألة 1): يعتبر في المعير، أن يكون مالكا للمنفعة (7) و له أهلية التصرف فلا تصح اعارة الغاصب عينا أو منفعة و تجري الفضولية فيها و تصح بإجازة المالك كالبيع و الإجارة (8).

و كذا لا تصح إعارة الصبي و المجنون و المحجور عليه لسفه أو فلس إلا مع إذن الولي و الغرماء (9).

______________________________

فيصح الاكتفاء بما ذكر، مع ان الحكم بكفاية الإيجاب و القبول بما ذكر مطابق للإجماع و الأصل و الإطلاق.

(5) لأنه مبرز للرضاء بالإيجاب فيصح الاكتفاء به مع عدم دليل على الخلاف و يصح التمسك بالسيرة على صحته أيضا.

(6) لصدق العارية على إيجادها بالمعاطاة أيضا فتشملها الأدلة مضافا إلى أصالة الصحة بعد عدم دليل على المنع و ظهور السيرة المستمرة خلفا عن سلف.

(7) لأنها تسليط الغير على الانتفاع بالمال و لا يصح تسليط الغاصب شخصا على ما غصبه بالأدلة الأربعة كما يأتي في محله.

(8) لما تقدم في كتاب البيع من أن عقد الفضولي مطابق للإطلاقات و العمومات إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام فتشمله أدلة العارية بلا مانع في البين.

(9) لأنها تصرف مالي و لا تصح التصرفات المالية ممن ذكر إلا بإذن الولي بالضرورة الفقهية كما ثبت كل ذلك في محله تفصيلا.

ص: 237

و تصح إعارة الصبي إذا كان بإذن الولي (10).

مسألة 2: لا يشترط في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة بالإجارة أو بكونها موصى بها له بالوصية

(مسألة 2): لا يشترط في المعير ملكية العين بل يكفي ملكية المنفعة بالإجارة أو بكونها موصى بها (11). له بالوصية.

نعم إذا اشترط استيفاء المنفعة في الإجارة بنفسه ليس له الإعارة (12).

مسألة 3: يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع بالعين

(مسألة 3): يعتبر في المستعير أن يكون أهلا للانتفاع (13) بالعين فلا

______________________________

(10) أما كون تصرفه صحيحا لفرض إجازة الولي، و أما إنشاؤه فإن قلنا بأن الصبي مسلوب العبارة مطلقا فلا يبقى موضوع لإجازة الولي، لفرض كون عباراته كالعدم فلم يقع منه شي ء حتى تتعلق به الإجازة، و إن قلنا بأنه ليس مسلوب العبارة بل تكون إنشاءاته كتصرفاته المالية تصح بالإجازة أيضا، و حيث لا دليل من عقل أو نقل على كون الصبي مسلوب العبارة مطلقا فتصح إنشاءاته كتصرفاته بالإجازة إلا ما دل الدليل بالخصوص على الخلاف.

نعم، الظاهر أن المجنون و بعض مراتب غير المميز مسلوب العبارة عند العقلاء و تقدم في كتاب البيع بعض ما ينفع المقام.

(11) لأصالة الصحة، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و حصول الغرض من العارية على كل حال، و جريان قاعدة السلطنة بالنسبة إلى كفاية ملك المنفعة أيضا، و أما إذا لم يكن مالكا للعين و لا المنفعة بل كان مالكا للانتفاع فمقتضى الأصل عدم صحة الإعارة إلا بإذن المالك، لأصالة عدم الحق لغير المالك على التسليط على مال المالك بإعارة و نحوها.

(12) لعدم قدرته عليها شرعا، لفرض اشتراط المباشرة في ذلك من الانتفاع.

(13) للإجماع، و للأدلة الخاصة الدالة على أنه لا يجوز تسليط الكافر على المصحف، و لا المحرم على الصيد مثلا كما مر في محله و غير ذلك من

ص: 238

تصح استعارة المصحف للكافر و استعارة الصيد للمحرم (14)، لا من المحل و لا من المحرم (15).

و كذا يعتبر فيه التعيين (16)، فلو أعار شيئا أحد هذين أو أحد هؤلاء لم يصح و لا يشترط أن يكون واحدا (17) فيصح إعارة شي ء واحد لجماعة كما إذا قال أعرت هذا الكتاب أو الإناء لهؤلاء العشرة فيستوفون المنفعة بينهم بالتناوب أو القرعة كالعين المستأجرة و كذا يجوز أن يكون عددا غير محصور كما إذا قال أعرت هذا الشي ء لكل الناس و إن كان الأحوط خلافه (18).

______________________________

الموارد الخاصة.

(14) تقدم بعض ما يتعلق بالأول في كتاب البيع (1)، و ما يتعلق بالثاني في كتاب الحج فراجع.

(15) لأن كلا منهما تسليط للمحرم على الصيد و هو لا يجوز. و أما العكس و هو ما لو كان الصيد في يد محرم فأخذه المحل منه بصورة العارية يصح لكن في كونه من العارية المصطلحة إشكال بل منع، لما مر من إنه يعتبر أن يكون المعير مالكا للعين أو المنفعة و المحرم لا يملك شيئا من الصيد و قد مر التفصيل في كتاب الحج فراجع.

(16) للإجماع، و السيرة العملية.

نعم، لا يبعد حصول مطلق الإذن في التصرف لواحد بعد تعيينه بالقرعة لكنه ليس من العارية المعهودة في شي ء و لا يترتب عليه أحكامها.

(17) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و لأن العارية من سنخ الإباحة يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها من العقود.

(18) دليل الجواز أن الكلي المعين له نحو تعين عرفا في مقابل المجهول

ص: 239


1- راجع ج: 16 صفحة: 386.

مسألة 4: يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها منفعة محللة

(مسألة 4): يعتبر في العين المستعارة كونها مما يمكن الانتفاع بها منفعة محللة مع بقاء عينها (19) كالعقارات و الدواب و الثياب و الكتب و الأمتعة و الصفر و الحلي بل و فحل الضراب و الهرة و الكلب للصيد و الحراسة و أشباه ذلك فلا يجوز إعارة ما لا منفعة له محللة كآلات اللهو و كذا آنية الذهب و الفضة بناء على عموم حرمة الانتفاع بها و أما بناء على اختصاص الحرمة باستعمالها في الأكل و الشرب فلا تجوز إعارتها لخصوص هذه المنفعة (20) و كذا ما لا ينتفع به إلا بإتلافه كالخبز و الدهن و الأشربة و أشباهها (21).

______________________________

المطلق، و لا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك في العارية التي هي من سنخ الإباحات المطلقة، و لذا نسب إلى العلامة رحمه اللّه الصحة فيه أيضا، و دليل عدم الصحة انه غير معهود في العقود، و العهود المتعارفة بين الناس و المنساق من أدلة العارية عرفا، و شرعا غير ذلك فيرجع إلى أصالة عدم تحقق العنوان الخاص بعد الشك في الصدق، و لكن الظاهر تحقق الإذن، و الإباحة المطلقة في الجملة فيرجع في التعيين إما إلى القرعة، أو الى التناوب في الانتفاع.

(19) للإجماع، و السيرة في العواري المتعارفة، و النهي عن الانتفاع بالمنافع المحرمة فيكون التسليط على العين لأجلها باطلا و حراما.

(20) و قد تقدم التفصيل في فصل الأواني من كتاب الطهارة (1)، فراجع.

و أما الآلات المشتركة بين المنفعة المحللة، و المحرمة فيجوز إعارتها للمنفعة المحللة بلا إشكال، و كذا تجوز إعارتها مطلقا بلا تقييد للمنفعة المحرمة لفرض وجود المنفعة المحللة فيها فتشملها الأدلة و تقدم في المكاسب المحرمة (2)، و سيأتي في كتاب الإجارة ما ينفع المقام.

(21) للإجماع على اعتبار بقاء العين في مورد العارية إلا فيما خرج

ص: 240


1- تقدم في ج: 2 صفحة: 142.
2- راجع ج: 16 ص: 38- 46.

.....

______________________________

بالدليل- كما سيأتي- و قد جعل ذلك قاعدة في العارية و أرسلوها إرسال القواعد الكلية التي يستدلون بها في العارية ثمَّ ذكروا قاعدة أخرى و هي قولهم: «كلما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارته و إجارته» ثمَّ أشكلوا بأن إعارة المنحة جائزة دون إجارتها، و لا بد من بيان إنه ما المراد بقولهم: كلما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه؟ و أنه ما المراد بالعين، هل المراد بها عين ما ينتفع به بلا واسطة بالدقة العقلية أو المراد العين التي تقع مورد الانتفاع عرفا؟

فإن كان المراد هو الأول فهو خلاف ما تسالموا عليه من عدم ابتناء الشرعيات على الدقائق العقلية مع إنه مستلزم لبطلان العارية، و الإجارة فيما إذا أستعير محل للانتفاع بحرارته، أو ببرودته الواردة عليه و الخارجة عنه- من الآلات الصناعية الحديثة مثلا- و القول ببطلانها فيه لا ينبغي ان يصدر عن عاقل فضلا عن فقيه فاضل.

و ان كان المراد العين التي ينتفع بها عرفا بحيث يصدق عرفا الانتفاع و لو مع إتلاف المنفعة فيصح الانتفاع بالشاة مع بقاء عينها عرفا فيصير المثال مطابقا للقاعدة لا مخالفا لها حتى نحتاج إلى القول بأنه تعبد خاص لا بد من الاقتصار على مورده فلا يتعدى إلى الناقة و البقر، أو نقول أن المثال من مجرد الإباحة المطلقة، أو الوكالة في الانتفاع لا ان يكون من العارية كما يظهر من صاحب الجواهر، فالشاة، و الناقة، و البقر، و البئر للاستسقاء، و الحمام لصرف الماء كلها داخل تحت عنوان واحد يصح تطبيقها على القاعدة بالنظر العرفي الذي هو المناط في الأحكام الشرعية.

ثمَّ انه قد يستدل على استثناء المنحة بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله «العارية مؤداة و المنحة مردودة و الدين مقضي و الزعيم غارم» (1).

و نوقش فيه: بقصور السند كما هو دأبهم في النبويات و لكن الظاهر ان المتن يشهد بصدوره منه صلّى اللّه عليه و آله، و لكن لا دلالة فيه على أنها كانت بعنوان العارية إذ يمكن ان يكون بعنوان مطلق الإذن في الانتفاع و الإباحة، و كذا الاستدلال

ص: 241


1- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الدين و القرض حديث: 4 و في سنن ابن ماجه باب: 5 من كتاب الصدقات حديث: 2398.

مسألة 5: يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها و صوفها

(مسألة 5): يجوز إعارة الشاة للانتفاع بلبنها و صوفها و البئر للاستقاء منها (22).

مسألة 6: لا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع بها

(مسألة 6): لا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع بها لانحصار سبب حليتها بالتزويج و ملك العين و بالتحليل الراجع إلى أحدهما (23) نعم لا

______________________________

بخبر الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئا معلوما، أو دراهم معلومة من كل شاة كذا و كذا قال عليه السّلام: لا بأس بالدراهم، و لست أحب أن يكون بالسمن» (1)، و صحيح ابن سنان: «سأله أيضا عن رجل دفع إلى رجل غنمه بسمن، و دراهم معلومة لكل شاة كذا و كذا في كل شهر.

قال عليه السّلام: لا بأس بالدراهم، و أما السمن فما أحب ذلك إلا أن تكون حوالب فلا بأس بذلك» (2).

بدعوى: أنه إذا جاز مع العوض فبدونه أولى و ذلك لأن الأولوية ممنوعة و على فرض صحتها لا وجه لتعين كونه عارية إذ يمكن ان يكون بعنوان الصلح أو الهبة.

(22) صحة عارية الشاة للانتفاع بلبنها مورد الإجماع و البقية مطابقة للقاعدة التي ذكروها في العارية و هي أن مورد العارية ما يمكن الانتفاع به مع بقاء العين فإن العرف يرى ذلك كله انتفاع بالشي ء مع بقاء عين ما ينتفع بها، و يظهر ذلك من كل من مثل لمورد عدم جواز العارية بعارية الخبز للأكل فإنه ظاهر بل نص في ان المراد انما هو زوال عين ما ينتفع به لا العين التي يعد إعدامها انتفاعا من العين الأخرى بنظر العرف كالأمثلة المذكورة و كإعارة الشجرة للانتفاع بثمرها و لكن الأحوط مع ذلك التصالح و التراضي و عدم ترتب الأحكام الخاصة في غير المنحة.

(23) على المشهور للحصر المستفاد من قوله تعالى إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ

ص: 242


1- الوسائل باب: 9 من أبواب عقد البائع و شروطه: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب عقد البائع و شروطه: 1 و 4.

بأس بإعارتهم للخدمة، و لا يجوز للمستعير أن ينظر إلى ما لا يجوز النظر إليه منها لو لا الاستعارة إلا بتحليل المعير (24).

مسألة 7: لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة

(مسألة 7): لا يشترط تعيين العين المستعارة عند الإعارة، فلو قال:

«أعرني إحدى دوابك» فقال ادخل «الإصطبل و خذ ما شئت منها» صحت العارية (25).

مسألة 8: العين التي تعلقت بها العارية ان انحصرت جهة الانتفاع بها في منفعة خاصة كالبساط للافتراش

(مسألة 8): العين التي تعلقت بها العارية ان انحصرت جهة الانتفاع بها في منفعة خاصة كالبساط للافتراش و اللحاف للتغطية و الخيمة للاكتنان و أشباه ذلك لا يلزم التعرض لجهة الانتفاع بها عند إعارتها و استعارتها (26).

______________________________

أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ (1)، مضافا إلى ورود النص فيه و يأتي التفصيل في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(24) أما جواز استعارتها للخدمة فللإجماع و قاعدة السلطنة، و أما عدم جواز النظر فللأدلة الدالة على عدم جواز النظر إلى الأجنبية مطلقا إلا ما استثنى منها و أما الحلية بالتحليل فلأدلة التحليل مضافا إلى الإجماع و يأتي التفصيل في محله.

(25) للأصل، و الإجماع، و السيرة على عدم اعتبار التعيين في المجانيات كما إذا قال المالك للفقير: ادخل المطبخ و خذ و كل ما شئت من الأطعمة، أو قال المضيف للضيف: كل ما شئت من الأغذية، و استمتع بما تريد من الفرش، و الأمتعة إلى غير ذلك من الموارد التي جرت عليها سيرة العقلاء، و في المثل المعروف «المجان لا يعد و لا يستبان».

(26) للأصل، و الإجماع، و السيرة، و لأن انحصار الانتفاع في جهة خاصة قرينة عرفية على تعين الانتفاع بها، و في غير تلك الجهة المعينة يلزمه الاستيذان

ص: 243


1- سورة المؤمنون: 1.

و إن تعددت جهات الانتفاع بها كالأرض ينتفع بها للزرع و الغرس و البناء و الدابة ينتفع بها للحمل و الركوب و نحو ذلك فإن كانت إعارتها و استعارتها لأجل منفعة أو منافع خاصة من منافعها يجب التعرض لها (27) و اختص حلية الانتفاع للمستعير بما خصصه المعير (28) إن كانت لأجل الانتفاع المطلق جاز التعميم و التصريح بالعموم (29) بأن يقول أعرتك هذه الدابة مثلا لأجل أن تنتفع بها كل انتفاع مباح يحصل منها كما انه يجوز إطلاق العارية (30). بأن يقول أعرتك هذه الدابة فيجوز للمستعير الانتفاع بسائر الانتفاعات المباحة المتعلقة بها نعم ربما يكون لبعض الانتفاعات بالنسبة إلى بعض الأعيان خفاء لا يندرج في الإطلاق ففي مثله لا بد من

______________________________

من المعير، و يضمن لو تصرف بدون إذنه أو إجازته كما إذا أراد ان يفرش اللحاف، أو يجعل البساط خيمة و ذلك لأصالة حرمة التصرف في مال الغير إلا فيما شمله الإذن.

نعم، لو كان التصرف في غير الجهة المعهودة بما يكون أخف و أدون منها يمكن ان يشمله الإذن بالفحوى.

(27) لأصالة عدم ثبوت السلطة على الانتفاع إلا فيما قصده المعير، و أصالة عدم تحقق العارية المعهودة إلا بذلك مضافا إلى ظهور الإجماع، و السيرة العملية.

(28) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا فيما إذن فيه و رضي به، مضافا إلى إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء.

(29) لقاعدة: «الناس مسلطون على أموالهم فيما شاءوا و أرادوا ما لم ينه الشارع عنه»، فإذا أراد تعميم الانتفاع لا بد من التصريح بمراده لا محاله كما في سائر المرادات و إبرازها.

(30) لما ثبت في محله من ان المطلق يشمل جميع ما يصح انطباقه عليه

ص: 244

التنصيص به أو التعميم على وجه يعمه (31) و ذلك كالدفن فإنه و إن كان من أحد وجوه الانتفاعات من الأرض كالبناء و الزرع و الغرس و مع ذلك لو أعيرت الأرض اعارة مطلقة لا يعمه الإطلاق (32).

مسألة 9: العارية جائزة من الطرفين

(مسألة 9): العارية جائزة من الطرفين (33) فللمعير الرجوع متى

______________________________

إلا مع القرينة على الخلاف مضافا إلى الإجماع و السيرة.

(31) لأنه مع عدم التنصيص على التعميم يشك في شمول المطلق له حينئذ و قد ثبت في محله انه لا يجوز التمسك بالدليل- مطلقا كان أو عاما- في الموضوع المشكوك و قد جرت عليه سيرة أهل المحاورة أيضا فراجع، و تأمل.

هذا، فيما إذا شك في الشمول و عدمه فضلا عما إذا كانت هناك قرائن دالة على عدم الشمول فلا يصح التصرف حينئذ مطلقا.

(32) و كذا في جملة من الصناعات التي يوجب تلوث المحل و قذارته مما يوجب تنفر الطباع و لا يرضى بها نوع الملاك.

و بعبارة أخرى: كلما ينصرف الإطلاق عنه و هو مما يختلف باختلاف الأزمنة، و الأمكنة، و الأشخاص، و ليس له حد معين مخصوص حتى يذكر و كلما يذكر انما هو من باب المثال.

(33) لتقومها بالإذن، و الترخيص حدوثا و بقاء، و ليست من العقود المملكة حتى تجري فيها أصالة اللزوم إذ لم يحصل ملك و حق للمستعير على المعير و كذا العكس، و انما يجوز له الانتفاع لأجل إذن المعير و اباحته فالجواز فيها حكمي لا أن يكون وضعيا حتى يكون مقابل اللزوم الذي هو مورد أصالة اللزوم فتكون العارية مثلما إذا إذن المالك لأحد في الجلوس على بساطه مثلا هذا مضافا إلى ظهور إجماعهم على الجواز.

و ما نسب إلى ابن الجنيد: من لزومها من طرف المعير في عارية الأرض القراح مدة للغرس، و البناء لا دليل عليه من عقل، أو نقل.

ص: 245

شاء (34) كما أن للمستعير الرد متى شاء (35).

نعم، في خصوص إعارة الأرض للدفن لم يجز للمعير بعد الدفن و الموت الرجوع عن الإعارة و بنش القبر و إخراج الميت على الأصح (36).

______________________________

نعم، مثل سائر الموارد التي قيل فيها بعدم جواز رجوع المعير عن إعارته لأجل جهات خارجية لا أن يكون اللزوم متعلقا بذات العقد أولا و بالذات كسائر العقود اللازمة.

(34) لما مر من تقومها بإذنه و هو فاعل مختار إن شاء بقي على إذنه و إن شاء رجع.

(35) لأصالة عدم حدوث ملزم عليه بعد ان كان مفاد العارية مجرد الإذن الترخيص في الانتفاع فيكون المستعير كضيف ورد على مائدة متى أمسك عنها لا محذور فيه.

(36) للإجماع، و لا لأهمية مراعاة حرمة الميت المحترم عند المتشرعة عن رجوع المعير في عاريته بل يلومونه مع لزوم الهتك هذا مع عدم إمكان الجمع بين الحقين بحسب المتعارف فيجمع بينهما ان لم يكن محذور في البين و تقدم بعض الكلام في أحكام الأموات.

ثمَّ انه قد استثنى عن جواز رجوع المعير في العارية موارد:

الأول: إعارة الأرض للدفن.

الثاني: العارية للرهن.

الثالث: ما إذا ترتب على الرجوع ضرر لا يتدارك.

الرابع: عارية الحائط لوضع الخشب عليه.

الخامس: عارية الأرض للزرع و البناء و الغرس مدة معلومة إلى غير ذلك مما ذكروه في الأبواب المتفرقة.

و الحق ان يقال: ان الإعارة في هذه الموارد تتصور على وجوه:

ص: 246

و أما قبل ذلك فله الرجوع حتى بعد وضعه في القبر قبل مواراته (37)، و ليس على المعير أجرة الحفظ و مئونته (38) إذا رجع بعد

______________________________

الأول: ان يكون في البين التزام بنائي على الإبقاء في ضمن عقد العارية و لو بالدلالة الضمنية الالتزامية المكشوفة من القرائن المعتبرة و لا ريب في شمول عموم أدلة الوفاء بالشرط و لكنه مبني على أن الشروط في ضمن العقود الجائزة واجبة الوفاء كما عن جمع أولا كما عن آخرين و مقتضى الإطلاق و العموم هو الأول و تقدم التفصيل في أحكام الشروط من كتاب البيع فراجع (1).

الثاني: ان المعير بإقدامه على مثل هذه العواري أسقط حقه عن البقاء بالنسبة إلى ما إذن فيه حدوثا فلا حق له حتى يرجع إليه و لا كلية فيه و الظاهر اختلافه باختلاف الموارد و الأشخاص و سائر الجهات، و في مورد الشك يستصحب بقاء حقه، بل مقتضى قاعدة السلطنة بقاؤه أيضا.

الثالث: ان يشك انها من أي القسمين و المرجع استصحاب بقاء الحق فيجوز الرجوع.

الرابع: ان يحدث للمستعير في مثل هذه العواري حق أيضا و لا بد حينئذ من ترجيح أحد الحقين على الآخر بالمرجحات الخارجية و ملاحظة الأهمية لأن المسألة من صغريات التزاحم عرفا و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الخصوصيات لا أن تكون جميع المصاديق داخلة تحت كبرى واحدة و لا بد من تدارك ضرر كل منهما لو لزم من الرجوع ضرر على كل واحد منهما جمعا بين الحقين لفرض ان أصل حدوث العارية بحق و غير عدوان.

(37) لأن عمدة الدليل على المنع الإجماع و المتيقن منه بعد المواراة و لعدم صدق النبش الذي استدلوا به على عدم جواز رجوع المعبر.

(38) للأصل، و لأن حفظ الميت المحترم من الواجبات الكفائية المجانية

ص: 247


1- ج: 17 صفحة: 218.

الحفر قبل الدفن كما انه ليس على ولي الميت طم الحفر بعد ما كان بأذن من المعير (39).

مسألة 10: تبطل العارية بموت المعير

(مسألة 10): تبطل العارية بموت المعير (40)، بل بزوال سلطنته بجنون و نحوه (41).

مسألة 11: يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عينها المعير

(مسألة 11): يجب على المستعير الاقتصار في نوع المنفعة على ما عينها المعير فلا يجوز له التعدي إلى غيرها (42) و لو كانت أدنى و أقل ضررا على المعير (43) و كذا يجب ان يقتصر في كيفية الانتفاع على ما جرت به العادة فلو أعاره دابة للحمل لا يحملها إلا القدر المعتاد بالنسبة إلى ذلك

______________________________

و ان ثبتت الأولوية للولي في الجملة و ما كان كذلك لا يقابل بالعوض كم مر في المكاسب المحرمة مع ان الحفر وقع بأذنه و الرجوع وقع بأمر الشارع بعد صحة رجوعه شرعا.

(39) و ما كان بإذن المالك مجانا فلا وجه للضمان بالنسبة إليه.

(40) لتقومها بالاذن حدوثا و بقاء، و عدم حدوث الملكية للمستعير أبدا و مع الموت ينتفي موضوع الإذن فتبطل لا محالة، و كذا الكلام في جميع العقود الإذنية من الوديعة و الوكالة، و كذا تبطل بموت المستعير الودعي و الوكيل لاختصاص الإذن في ظاهر العقد بهم فينتفي بموتهم هذا مع ثبوت الإجماع على ان العقود الجائزة تبطل بموت كل واحد من المتعاقدين.

(41) لأنه لا أثر للإذن بعد زوال السلطنة مضافا إلى الإجماع على البطلان فيه أيضا.

(42) لحرمة الانتفاع بمال الغير بدون إذنه بالأدلة الأربعة كما مر.

(43) لأن الأدنى و الأقل ضررا مما لم يتعلق به إذن المالك و كل ما لم يتعلق به إذن المالك يحرم الانتفاع بدون اجازته، لما تقدم.

ص: 248

الحيوان و ذلك المحمول و ذلك الزمان و المكان (44) فلو تعدى نوعا أو كيفية كان غاصبا و ضامنا و عليه أجرة ما استوفاه من المنفعة (45).

مسألة 12: لو أعاره أرضا للبناء أو الغرس جاز له الرجوع

(مسألة 12): لو أعاره أرضا للبناء (46) أو الغرس جاز له الرجوع و له إلزام المستعير بالقلع لكن عليه الأرش، و كذا في عاريتها للزرع إذا رجع قبل إدراكه، و يحتمل عدم استحقاق المعير إلزام المستعير بقلع الزرع لو

______________________________

نعم، لو كان الأدون مما يشمل الإذن بالفحوى عرفا يجوز الانتفاع به حينئذ لفرض تحقق الإذن فيه أيضا، كما إذا استعار أرضا للزرع يجوز دخوله و إدخال عملة الزرع فيها، لشمول الإذن لذلك عرفا.

(44) و ذلك كله لأصالة احترام كل ما يتعلق بالغير- عينا و منفعة و انتفاعا- و عدم جواز التصرف إلا برضاه عند جميع العقلاء فضلا عن الفقهاء و قد ثبت إجماعهم على ذلك و قد تقدم مرارا إثبات هذا الأصل بالأدلة الأربعة.

(45) أما العصيان فبإجماع المسلمين، بل بضرورة من الدين، و أما الضمان بالنسبة إلى التعدي في مال الغير فكذلك أيضا و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1). و خلاصة معناه كل من أستولى على مال الغير بغير حق فهو له ضامن. و يشهد له بل يدل عليه في المقام قولهم عليهم السّلام: «إذا استعرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن» (2).

و أما وجوب تدارك ما استوفاه من المنفعة فلقاعدة «على اليد» و أصالة احترام المال، فلا بد من تداركه إما بالعوض الجعلي أو الواقعي و هذه الأحكام كلها من المسلمات الفقهية عند الفريقين، بل يمكن ان تعد من الفطريات العقلائية لو التفت الناس إلى عقولهم.

(43) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في (مسألة 9) عند بيان استعارة الأرض

ص: 249


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: 12 و سنن أبي داود باب: 88 من كتاب البيوع.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب العارية.

رضي المستعير بالبقاء بالأجرة و الأحوط لهما التراضي (47) و التصالح و مثل ذلك ما إذا أعار جذوعه للتسقيف ثمَّ رجع بعد ما أثبتها المستعير في البناء.

مسألة 13: العارية أمانة بيد المستعير

(مسألة 13): العارية أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا بالتعدي أو التفريط (48).

______________________________

للدفن و الدليل في الجميع واحد و إن تعددت المصاديق و الصغريات فلا وجه للإطالة بالتكرار.

(47) لأن هذه المسائل لم يرد فيها نص خاص، و لا بد من تطبيقها على القواعد العامة و ملاحظة بعضها مع بعض ثمَّ الترجيح، و لا ريب في أن ذلك يختلف باختلاف الانظار فلذلك اختلفت الأقوال كما مر.

(48) أما كون العارية أمانة مالكية في يد المستعير فتدل عليه سيرة العقلاء بل مرتكزات الناس فضلا عن إجماع فقهاء المسلمين، و يستفاد ذلك من نصوص المعصومين، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان و ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» (1)، و يأتي بعضها الآخر.

و أما انه لا يضمنها بالتلف فلقاعدة عدم صحة تضمين الأمين إلا مع الشرط مضافا إلى الإجماع و نصوص مستفيضة، منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق؟ فقال عليه السّلام: إن كان أمينا فلا غرم عليه» (2)، و قول الصادق عليه السّلام: «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت إذا كان المستعير مأمونا» (3).

و أما قول علي عليه السّلام: «من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن» (4)،

ص: 250


1- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية حديث: 6 و 7 و 10.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية حديث: 6 و 7 و 10.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية حديث: 6 و 7 و 10.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية حديث: 11.

نعم، لو شرط الضمان ضمنها و ان لم يكن تعد و لا تفريط (49) كما انه لو كانت العين المعارة ذهبا أو فضة ضمنها شرط فيها الضمان أو لم يشترط (50).

مسألة 14: لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة و لا إجارتها إلا بإذن المالك

(مسألة 14): لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة و لا إجارتها إلا بإذن المالك (51) فتكون إعارته حينئذ في الحقيقة اعارة المالك و يكون

______________________________

فلا بد من حمله اما على الاستعارة بغير إذن المالك أو على مورد التعدي.

و أما الضمان مع التعدي أو التفريط فهو من الفطريات التي يحكم بها كل عاقل، و يدل عليه الإجماع و مفهوم النصوص المستفيضة التي مر بعضها.

(49) إجماعا و نصوصا، منها ما رواه الفريقان عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في قضية صفوان ففي خبر الفقيه: «استعار النبي صلّى اللّه عليه و آله من صفوان بن أمية سبعين درعا حطمية، و ذلك قبل إسلامه، فقال: أ غصب أم عارية يا أبا القاسم؟

فقال صلّى اللّه عليه و آله: بل عارية مؤداة، فجرت السنة في العارية إذا شرط فيها ان تكون مؤداة» (1)، و منها قول ابي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الحلبي: «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلا أن يكون اشترط عليه» (2)، و يأتي ما يدل عليه أيضا.

(50) إجماعا و نصوصا، منها صحيح زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

العارية مضمونة؟ فقال: ما استعرته فتوى (أي تلف) فلا يلزمك تواه إلا الذهب و الفضة فإنهما يلزمان إلا ان تشترط عليه انه متى توى لم يلزمك تواه و كذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك، و الذهب و الفضة لازم لك و إن لم يشترط عليك» (3).

(51) للأصل، و النص، و الإجماع، قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا استعيرت

ص: 251


1- الوسائل باب: 2 من أبواب العارية: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب العارية: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب العارية: 2.

المستعير وكيلا و نائبا عنه، فلو خرج المستعير عن قابلية الإعارة بعد ذلك، كما إذا جن بقيت العارية الثانية على حالها (52).

مسألة 15: إذا تلفت العارية بفعل المستعير

(مسألة 15): إذا تلفت العارية بفعل المستعير فإن كان بسبب الاستعمال المأذون فيه من دون تعد عن المتعارف ليس عليه ضمان (53).

كما إذا هلكت الدابة المستعارة للحمل بسبب الحمل عليها حملا متعارفا، و إن كان بسبب آخر ضمنها (54) إن كان مثليا فبالمثل و إلا فبالقيمة و المناط على قيمة يوم الأداء (55).

مسألة 16: إنما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردها إلى مالكها أو وكيله أو وليه

(مسألة 16): إنما يبرأ المستعير عن عهدة العين المستعارة بردها إلى مالكها أو وكيله أو وليه (56) و لو ردها إلى حرزها الذي كانت فيه بلا يد من

______________________________

عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن» (1).

(52) لفرض بقاء المعير الواقعي على حاله جامعا لشرائط صحة الإعارة فما خرج عن قابلية الإعارة ليس بمعير و ما هو المعير بقي عليها.

(53) للإطلاق و الاتفاق و بقاء الأمانة التي تنافي الضمان، مضافا إلى السيرة في الاستعمالات المستلزمة عادة للنقص و التلف فإن المتعارف يستنكرون التضمين حينئذ و الا اختصت العارية بأشياء خاصة لا تتحمل النقص بالاستعمال.

(54) لتحقق التعدي حينئذ فيضمن نصا كما مر و إجماعا.

(55) لما مر في المقبوض بالعقد الفاسد فلا وجه للإطالة بالتكرار (2).

(56) لتحقق الرد شرعا في جميع ذلك.

أما الأول: فهو واضح لا ريب فيه.

ص: 252


1- الوسائل باب: 4 من أبواب العارية: 1.
2- راجع ج: 16 صفحة: 266.

المالك و لا إذن منه لم يبرأ (57) كما إذا رد الدابة إلى الاسطبل و ربطها فيه بلا إذن من المالك فتلفت أو أتلفها متلف.

مسألة 17: إذا استعار عينا من الغاصب فإن لم يعلم بغصبه كان قرار الضمان على الغاصب

(مسألة 17): إذا استعار عينا من الغاصب فإن لم يعلم بغصبه كان قرار الضمان على الغاصب (58) فإن تلفت في يد المستعير فللمالك الرجوع بعوض ماله على كل من الغاصب و المستعير (59) فإن رجع على المستعير يرجع هو على الغاصب (60) فإن رجع على الغاصب لم يكن له الرجوع على المستعير و كذلك بالنسبة إلى بدل ما استوفاه المستعير من المنفعة فإنه إذا رجع به على المستعير يرجع هو على الغاصب دون العكس (61)، و أما لو كان عالما بالغصب لم يرجع المستعير على الغاصب لو رجع المالك عليه بل الأمر بالعكس (62). فيرجع الغاصب على المستعير لو

______________________________

و أما الثاني: فلان يده يد الموكل لأجل وكالته.

أما الأخير: فلاقتضاء ولايته الشرعية لذلك.

(57) للأصل بعد عدم إذن مالكي و لا شرعي له في ذلك.

(58) للإجماع، و قاعدة الغرور كما مر اعتبارها مكررا بعد فرض كون المستعير جاهلا بالعيب.

(59) لقاعدة اليد بعد فرض جريان يد كل من الغاصب و المستعير على مال المالك، مضافا إلى الإجماع.

(60) لأن قرار الضمان عليه من جهة كونه غارا و منه يعلم وجه صحة رجوع الغاصب إلى المستعير لو رجع المالك إلى الغاصب.

(61) لجريان عين ما مر في سابقة فيه بلا فرق بينهما مع ان الحكم في الأصل و العكس من المسلمات.

(62) أما عدم رجوع المستعير على الغاصب، فلعدم كونه مغرورا لفرض علمه بالعيب فهو بنفسه أقدم على الضمان و أما رجوع الغاصب على المستعير

ص: 253

رجع المالك عليه و لا يجوز له أن يرد العين إلى الغاصب بعد ما علم بالغصبية بل يجب ان يردها الى مالكها (63).

مسألة 18: لو أنكر العارية بعد طلب المالك لها بطل استيمانه

(مسألة 18): لو أنكر العارية بعد طلب المالك لها بطل استيمانه (64).

مسألة 19: إذا ادعى المستعير التلف فالقول قوله مع اليمين

(مسألة 19): إذا ادعى المستعير التلف فالقول قوله مع اليمين (65) و لو ادعى الرد فالقول قول المالك مع يمينه (66).

مسألة 20: لو قال أعرتك هذا المتاع بشرط ان تعيرني متاعك الخاص

(مسألة 20): لو قال أعرتك هذا المتاع بشرط ان تعيرني متاعك الخاص، فالأحوط ان يكون التعويض بعنوان التصالح لا بعنوان العارية المحضة (67).

______________________________

فلفرض ان التلف وقع عنده فيكون قرار الضمان عليه.

(63) لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها(1)، و الغاصب ليس من أهلها كما هو معلوم.

(64) لظهور خيانته، و مقتضى قاعدة اليد هو الضمان بعد بطلان استيمانه.

(65) اما قبول قوله فلأمانته، و اما اليمين فلأجل قطع الخصومة و اللجاج.

(66) لأصالة عدم الرد إلا إذا ثبت بالحجة المعتبرة و المفروض عدمها.

و أما اليمين فلقاعدة «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» كما سيأتي.

(67) لما هو المعروف من أن العارية لا تعوّض بشي ء و لكن لا دليل لهم من عقل أو نقل.

نعم، الغالب في العارية المجانية، فإن كانت هذه المجانية مقومة في ذاتها يصير الشرط خلاف الكتاب و السنة و إن لم يكن كذلك بل كان خلاف إطلاقها الغالبي فلا بأس بذلك، و كذا ان ثبت إجماع معتبر على بطلان مثل هذا الشرط في العارية مطلقا و إثبات كل واحد منهما دونه خرط القتاد و قد أطالوا البحث في

ص: 254


1- سورة النساء: 58.

مسألة 21: إذا قال المستعير أعرتنيها- لدفع العوض عن نفسه

(مسألة 21): إذا قال المستعير أعرتنيها- لدفع العوض عن نفسه و قال المالك بل آجرتك بكذا- أو وهبتك بكذا- يقدم قول المستعير (68).

مسألة 22: لو نقصت العين المستعارة بسبب الاستعمال

(مسألة 22): لو نقصت العين المستعارة بسبب الاستعمال (69) ثمَّ تلفت و قد شرط ضمانها ضمن (70).

مسألة 23: لو استعار مركوبا إلى محل خاص فجاوزه ضمن ما تجاوزه

(مسألة 23): لو استعار مركوبا إلى محل خاص فجاوزه ضمن ما تجاوزه (71).

______________________________

ذلك و من أراد العثور فليراجع المطولات.

(68) لأصالة عدم وجوب التعويض عليه- اجارة كانت أو هبة- إلا إذا أثبت المالك ذلك بالبينة.

ان قيل: مقتضى الأصل عدم خروج مال المالك عن سلطته إلا بما هو يدعيه، و مقتضى الأصل عدم صحة تصرف المستعير إلا فيما يعترف به المالك.

يقال: نعم، لو لم تكن الأصول معارضة بأصالة عدم سلطنته على أخذ العوض من الغير وضعا و تكليفا، و لكن الأحوط التصالح.

(69) فلا ضمان بالنسبة إلى المستعير، لفرض أنه أمين و النقص لم يحصل بالتعدي و التفريط إلا إذا شرط ضمان النقص و لو حصل بالاستعمال.

(70) مثلا إن كان مثليا و إلا فبالقيمة و لا ضمان عليه بالنسبة إلى ما نقص لما تقدم.

(71) لأنه غير مأذون فيه فلا بد له من أجرة المثل كما سيأتي في كتاب الإجارة.

و الحمد لله رب العالمين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

ص: 255

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الوديعة

اشارة

كتاب الوديعة و هي استنابة في الحفظ، و بعبارة أخرى هي وضع المال عند الغير ليحفظه لمالكه (1)، و يطلق كثيرا على المال الموضوع، و يقال لصاحب المال «المودع» و لذلك الغير «الودعي» و «المستودع» (2). و هي عقد (3) يحتاج إلى الإيجاب- و هو كل لفظ دال على تلك الاستنابة، كأن يقول

______________________________

كتاب الوديعة

(1) و هذا هو المعروف عند الناس و المرتكز في أذهانهم و تقدم غير مرة ان ما يذكر في تعريف العقود و نحوها شروح لفظية ربما يكون المعنى المغروس في الأذهان أظهر مما ذكروه في تعريفها فلا وقع للنقض و الإبرام و تفصيل الكلام بالنسبة إليها و أصل هذه المادة أنها تستعمل بمعنى الترك.

يقال: ودعه أي تركه و هو يكون لدواع كثيرة فإذا ترك ماله عند غيره لداعي حفظه يسمى ذلك بالوديعة.

(2) و ظاهر جمع ان الوديعة تطلق على كل من المودع، و المستودع، كما أن البيع يطلق على كل من البائع و المشتري.

(3) على المشهور بين الفقهاء، و تقتضيه مرتكزات الناس حيث يرونها متقومة برضاء الطرفين و ربطا بين القصدين و ليست من مجرد الإذن و الإباحة في الحفظ، لأن نوع الناس لا يتحملون حفظ مال الغير إلا بإبراز الرضاء و القبول به فتكون مثل الاستنابة في العمل تقريبا بل حقيقة، لأن الحفظ عمل محترم قد

ص: 256

«أودعتك هذا المال» أو «احفظه» أو «هو وديعة عندك» و نحو ذلك (4)- و القبول (5) الدال على الرضا بالنيابة في الحفظ (6)، و لا يعتبر فيها العربية بل تقع بكل لغة (7)، و يجوز أن يكون الإيجاب باللفظ، و القبول بالفعل (8)- بأن قال له المالك مثلا هذا المال وديعة عندك فتسلم المال لذلك- بل يصح وقوعها بالمعاطاة (9) بأن يسلم مالا إلى أحد بقصد أن يكون محفوظا

______________________________

يبذل بإزائه المال عند متعارف الناس.

و أما احتمال انها من مجرد الإذن و الإباحة و الإيقاع و ان الرد مانع لا أن يكون القبول شرطا فهو خلاف ظواهر الكلمات بل الأذهان العرفية أيضا حيث ان نوع المستودعين يبرزون القبول بأي نحو كان.

(4) لعدم ورود تحديد شرعي في هذا العقد العام البلوى في كل عصر و زمان فمقتضى الإطلاقات تحققها بكلما لا يستنكروه أهل المحاورة في إبراز هذا المعنى المعهود بين الناس و ظاهر الفقهاء التسالم على ذلك، و قد وسعوا فيها و في سائر العقود الجائزة بما لم يوسعوا في العقود اللازمة و العرف و الاعتبار يشهد بذلك أيضا.

(5) لتقوم كل عقد بهما كما هو أوضح من أن يخفى.

(6) الكلام فيه عين ما تقدم في الإيجاب من غير فرق.

(7) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، بعد صدق الوديعة على ما أنشأت بكل لغة.

(8) لتحقق الوديعة بذلك أيضا عند متعارف الناس فتشمله الأدلة الشرعية بعد عدم ورود ردع من الشرع عن ذلك.

(9) لأن المناط في صحة العقود مطلقا إظهار الرضاء بين الطرفين و الربط بين القصدين و هذا المعنى متحقق في المعاطاة أيضا فكل عقد يصح إنشاؤه بالمعاطاة حينئذ، للعمومات و الإطلاقات إلا ما خرج بالدليل على الخروج في

ص: 257

عنده، و يحفظه فتشمله بهذا العنوان.

مسائل في الوديعة

مسألة 1: لو طرح ثوبا مثلا عند أحد، و قال: هذا وديعة عندك

(مسألة 1): لو طرح ثوبا مثلا عند أحد، و قال: هذا وديعة عندك، فإن قبلها بالقول أو الفعل الدال عليه و لو بالسكوت الدال على الرضا بذلك صار وديعة و ترتبت عليها أحكامها (10)، بخلاف ما إذا لم يقبلها حتى فيما إذا طرحه المالك عنده بهذا القصد و ذهب عنه، فلو تركه من قصد استيداعه و ذهب لم يكن عليه ضمان (11) و إن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان (12).

مسألة 2: إنما يجوز قبول الوديعة لمن كان قادرا على حفظها

(مسألة 2): إنما يجوز قبول الوديعة لمن كان قادرا على حفظها فمن كان عاجزا لم يجز له قبولها على الأحوط (13).

______________________________

المقام فيشمله العموم و الإطلاق بلا كلام و يصح فيها تقديم القبول على الإيجاب بل هو الشائع في عارية الأثاث و نحوها، و ذلك لشمول الأدلة لذلك أيضا.

(10) لفرض صدق الوديعة عرفا بعد كفاية السكوت في الرضا في مثل المقام فيترتب الحكم حينئذ قهرا.

نعم، لو فرض عدم الاكتفاء بالسكوت في إحراز الرضا لا وجه لتحققها و ترتب الأثر حينئذ و كذا مع الشك في الاكتفاء و عدمه.

(11) لأصالة عدم تحقق الوديعة، و أصالة البراءة عن الضمان مضافا إلى الإجماع.

(12) لاحتمال كفاية مجرد الإذن في تحقق الوديعة المعهودة و إن لم يقبل المستودع ما لم يكن منه رد في البين و إن كان هذا الاحتمال خلاف المشهور هذا إذا ذهب المستودع بعد طرح المودع و أما إذا وقف و لم يذهب فيمكن ان يجعل ذلك قبولا أيضا.

(13) قال في المسالك: «و قد تكون محرما، كما إذا كان عاجزا عن الحفظ

ص: 258

مسألة 3: الوديعة جائزة من الطرفين

(مسألة 3): الوديعة جائزة من الطرفين (14)، فللمالك استرداد ماله متى شاء و للمستودع رده كذلك (15)، و ليس للمودع الامتناع من قبوله (16)، و لو فسخها من المستودع عند نفسه انفسخت و زالت

______________________________

أو غير واثق من نفسه بالأمانة لما فيه من التعرض للتفريط في مال الغير و هو محرم و مثله ما لو تضمن القبول ضررا على المستودع في نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين»، و أشكل عليه في الجواهر بأن الحرمة فيما إذا كان عاجزا أو غير واثق من نفسه لا توجب بطلان العقد لكون النهي متعلقا بما هو خارج عن العقد فالعقد صحيح و يجب عليه الحفظ و عدم الخيانة.

و فيه: كما أن الخيانة في مال الغير محرمة كذا تعريض النفس بإيجاد مقدماتها القريبة يستنكر عند الملتزمين بدينهم و يلومون من يفعل ذلك، و ليس ذلك من باب مقدمة الحرام، بل يجعلونه بنفسه منكرا و لو رأوا ذلك من عادل يعيرونه أشد التعيير، بل لا يقتدون به و هذا المقدار يكفي في لزوم الاحتياط على ما ذكره، و لكن مع ذلك الجزم بالحرمة أنسب بمذاق الشرع و كثرة اهتمامه بأموال الناس و عدم التدخل فيها إلا مع إذن مالكي أو شرعي.

(14) للإجماع و السيرة و تقوم العقود الإذنية بالترخيص في الرجوع متى شاء المتعاهدان إلا مع دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف إلا عموم أدلة اللزوم القابل للتخصيص بمثل ما مر من الإجماع و غيره و تقدم في العارية ما ينفع المقام فراجع، و هل يجوز اشتراط اللزوم فيهما أم لا، وجهان مبنيان على ان الجواز فيها ذاتي بحيث لا يقبل التغيير أو أنه إطلاقي، مقتضى أصالة عدم الدخل في الذات هو الثاني.

(15) لأنه لا معنى للجواز إلا ذلك.

(16) للإجماع و أصالة عدم ثبوت هذا الحق بالنسبة إليه بعد بناء العقد على الجواز.

ص: 259

الأمانة المالكية و صار المال عنده أمانة شرعية (17)، فيجب عليه رده إلى مالكه أو إلى من يقوم مقامه (18)، أو اعلامه بالفسخ (19)، و كون المال عنده، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو

______________________________

(17) أما الانفساخ بفسخ المستودع فهو مقتضى جواز عقد الوديعة حيث تزول برفع اليد عن كل من المتعاقدين عن العقد.

و أما زوال الأمانة المالكية فلتقومها بوجود عقد الوديعة و المفروض زواله بالفسخ فلا معنى لبقاء الحكم مع زوال الموضوع.

و أما صيرورته أمانة شرعية فلأن كل مال في يد غير مالكه إما غصب أو أمانة مالكية أو شرعية و المفروض انتفاء الأولين إجماعا فيتعين الأخير فالامانة المالكية باقية إلى أول عروض الأمانة الشرعية فتنقلب إليها قهرا فلا موضوع للغصب أصلا.

(18) لإطلاق قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (1)، و إطلاق النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة في رد الأمانات التي يأتي بعضها (2)، الشاملة لكل من الأمانات المالكية و الشرعية.

(19) لسقوط الأمانة المالكية بذلك حينئذ حتى عند المودع فيكون الاعلام بمنزلة رد الأمانة المالكية من هذه الجهة و ان حدثت الأمانة الشرعية من جهة أخرى لحدوث موضوعها بمجرد الفسخ.

ثمَّ ان الاعلام هل هو في عرض الرد بحيث يتخير المستودع الفاسخ بين رد الوديعة فعلا إلى المودع أو اعلامه بالفسخ- قولا أو كتابا أو نحو ذلك- أو ان الاعلام مترتب على عدم التمكن من الرد الخارجي ظاهر إطلاق المتن و من عبر كعبارته هو الأول و هو صحيح بناء على ما يأتي في (مسألة 15) من انه يكفي في

ص: 260


1- سورة النساء: 58.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة.

شرعي ضمن (20).

مسألة 4: يعتبر في كل من المستودع و المودع البلوغ و العقل

(مسألة 4): يعتبر في كل من المستودع و المودع البلوغ و العقل، فلا يصح استيداع الصبي و لا المجنون و كذا إيداعهما من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين (21)، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه (22) و لو أخذ منهما ضمنه (23) و لا يبرئ برده إليهما (24)، و إنما يبرئ بإيصاله إلى وليهما (25).

نعم، لا بأس بأخذه منهما إذا خيف هلاكه و تلفه في أيديهما فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ (26)، و لكن لا يصير بذلك وديعة و أمانة

______________________________

الرد مجرد رفع اليد عن الوديعة و التخلية بينها و بين المالك و لا يجب النقل، فإن الإعلام بالفسخ مع كونها أمانة شرعية في يده و أنه لا يجوز له التصرف فيها بأي وجه بمنزلة رفع اليد عنها و عن الأمانة الشرعية عرفا و إن كانت في يده بعد، لكنه بعنوان آخر لا بعنوان الوديعة المعهودة و لا الأمانة المالكية فالوديعة زالت بانتفاء موضوعها و ما هو الباقي ليست بوديعة.

(20) لتحقق التفريط و معه يتحقق الضمان كما يأتي في (مسألة 5).

(21) لدعواهم الإجماع و عدم الخلاف على كل ذلك و أرسلوه إرسال المسلمات.

(22) لفرض عدم الإذن في ذلك لا من الشارع و لا من وليهما فيحرم لا محالة.

(23) للإجماع، و قاعدة على اليد.

(24) لأصالة بقاء الضمان بعد إسقاط الشارع يدهما عن الاعتبار.

(25) لأنه صاحب الأمانة شرعا و لا بد أن ترد الأمانات إلى أهلها، مضافا إلى الإجماع.

(26) الأمور الحسبية هي الأمور الخيرية التي أكد الشارع في إتيانها و رغب

ص: 261

مالكية (27)، بل تكون أمانة شرعية (28)، يجب عليه حفظها و المبادرة على إيصالها إلى وليهما و إعلامه بكونها عنده (29)، و ليس عليه ضمان لو تلف في يده (30).

مسألة 5: لو أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى شخص ليكون وديعة عنده

(مسألة 5): لو أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى شخص ليكون وديعة عنده و قد أخذه منهما بهذا العنوان فتصير وديعة

______________________________

فيها، بل الظاهر ان بناء العقلاء على تحسين التعرض لها و استنكار الإعراض عنها كحفظ مال اليتيم و اغاثة اللهفان و نحو ذلك مما هو كثير لكن بشرطها و شروطها و لا ريب في ان المقام من إحداها فيكون مأذونا في ذلك شرعا و لا يعد ذلك من الوديعة المعهودة بل اصطلحوا عليه بالأمور الحسبية.

(27) لفرض عدم أهليته للإذن و عدم الاستيذان ممن هو أهل له كالولي فتكون أمانة شرعية من باب ثبوت الإذن من الشارع في الأمور الحسبية مثل قولهم عليهم السّلام: «اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» (1)، و غيره مما هو كثير.

(28) لفرض حصول الإذن من الشارع في الحفظ من باب الحسبة و لأنه محسن فيشمله قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (2)، و لأن الأمانات منحصرة في المالكية و الشرعية فإذا انتفت الأولى تثبت الثانية لا محالة و لا وجه لتضمين الأمين مطلقا.

(29) لأن ذلك كله حكم الأمانات كلها مالكية كانت أو شرعية كما تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر.

(30) بلا تعد و تفريط، لقاعدة منافاة الضمان مع الاستيمان سواء كان الاستيمان مالكيا أو شرعيا.

ص: 262


1- تقدم في ج: 15 صفحة: 252- 253- و سيأتي في ص: 266.
2- سورة التوبة: 91.

عنده، لكونها حقيقة بين الكاملين و انما الصبي و المجنون بمنزلة الآلة (31).

مسألة 6: لو أودع عند الصبي و المجنون مالا لم يضمناه بالتلف

(مسألة 6): لو أودع عند الصبي و المجنون مالا لم يضمناه بالتلف (32)، بل بالإتلاف أيضا إذا لم يكونا مميزين لكونه هو السبب (33).

______________________________

(31) و كذا إذا أرسل المودع الوديعة إلى المستودع بواسطة حيوان معلم أو آلة جمادية يحصل منها هذا الغرض.

(32) لقاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، مع ان المودع أسقط احترام ماله بالإيداع عند من ليس أهلا له شرعا.

(33) كما تقتضيه مرتكزات المتشرعة بل متعارف الناس مطلقا حيث يتوجه اللوم و الاستنكار في أمثال المورد على السبب دون المباشر و يوبخونه على فعله و ينسبونه إلى السفاهة كما لا يخفى، و حيث أن المسألة ابتلائية لا بأس بالإشارة إليها بنحو الإجمال و البحث فيها.

تارة: من حيث الحكم التكليفي بالنسبة إلى ضمان الصبي.

و أخرى: من حيث الحكم الوضعي، و على كل منهما إما أن يكون الصبي غير مميز أو يكون مميزا. أما التكليفي فلا ريب في انتفائه نصا و فتوى، بالنسبة إلى المميز فضلا عن غيره بل هو من ضروريات الدين.

و أما الوضعي فإن كان من قبيل العرض بالنسبة إلى المعروض عرفا كالنجاسة و الطهارة الخبثية بل الحدث و الطهارة الحدثية. حيث أن موضوعهما النفس بحسب ظواهر الأدلة و إنظار المتشرعة بل المتعارف أيضا و في مثل هذه الأمور التي موضوعاتها ليست قائمة باعتبار العقلاء بل خارجية بنفسها اعتبرت أو لا، و نسبة الحكم الوضعي إليها نسبة العرض إلى المعروض يصح اتصافهم بها عرفا بل و شرعا، للإطلاقات الشاملة للجميع.

إلا أن يقال أن بعض مراتب غير المميز بمنزلة الحيوان الذي يستنكر العرف اعتبار الحدث و الطهارة الحدثية بالنسبة إليه و هكذا المجنون أيضا،

ص: 263

مسألة 7: يجب على المستودع حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها به

(مسألة 7): يجب على المستودع حفظ الوديعة (34) بما جرت العادة (35) بحفظها به و وضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب و الدراهم و الحلي و نحوها و الإصطبل المضبوط بالغلق للدابة و المراح كذلك للشاة.

و بالجملة: حفظها في محل لا يعد معه عند العرف مضيعا و مفرطا و خائنا حتى فيما إذا علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع، فيجب عليه بعد ما قبل الاستيداع تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه (36).

______________________________

و الشك في صحة الاتصاف يكفي في العدم للأصل بعد عدم صحة التمسك بالدليل من جهة الشك في الموضوع، هذا و إن كان الحكم الوضعي مما يتقوم موضوعه باعتبار العقلاء و مع عدم اعتبارهم أو الشك فيه فلا يبقى موضوع له كالضمان مثلا فإن موضوعه الذمة، و لا يعتبر العرف و العقلاء لغير المميز و المجنون فلا موضوع للضمان بالنسبة إليهما حتى يثبت فيكون اعتبار الضمان من قبيل الحكم بلا موضوع هذا إذا لم يكن في البين سبب أقوى على الخلاف و إلا فالمناط هو السبب بلا اشكال فيه كما في المقام.

(34) للإجماع، بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف على التزامهم بذلك مع أن الإيداع و الاستيداع متضمن عند العقلاء على الشرط الضمني البنائي في حفظ الوديعة عند الاستيداع فتشمله ما دل على وجوب الوفاء بالشرط بناء على شمولها للشروط في ضمن العقود الجائزة أيضا، مضافا إلى أنه لا معنى لأداء الأمانة الواجب بالأدلة الأربعة إلا الحفظ مقدمة للأداء فتشمل الحفظ أيضا عين تلك الأدلة بالدلالة الالتزامية، و لا إشكال في أن الحفظ ملازم لترك التفريط و الخيانة عرفا.

(35) لأنه لم يرد فيه تحديد شرعي بل هو موكول إلى العرف، و هو يختلف باختلاف الودائع و الخصوصيات و سائر الجهات.

(36) وجوب حفظ الأمانة يمكن أن يتصف بالوجوب النفسي كما هو

ص: 264

و كذا يجب عليه القيام بجميع ماله دخل في صونها من التعيب أو التلف كالثوب بنشره في الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم و الدابة يعلفها و يسقيها و يقيها من الحر و البرد. فلو أهمل ذلك ضمنها (37).

مسألة 8: تصح الوديعة باعتبار أصل المالية لا بلحاظ خصوص العينية الخارجية

(مسألة 8): تصح الوديعة باعتبار أصل المالية لا بلحاظ خصوص العينية الخارجية فيودع عنده مائة دينار عراقي مثلا أعم من أن يكون مورد وجوب الحفظ أربع من ورقة خمس و عشرين دينار أو عشر من ورقة عشرة دنانير مع التحفظ على أصل المالية (38).

مسألة 9: لو عين المودع موضعا خاصا لحفظ الوديعة اقتصر عليه

(مسألة 9): لو عين المودع موضعا خاصا لحفظ الوديعة اقتصر عليه، و لا يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه و إن كان أحفظ فلو نقلها منه ضمنها (39).

______________________________

المنساق من ظواهر الفتاوي و يمكن أن يكون مقدميا لأجل وجوب رد الأمانة كتابا (1)، و سنة مستفيضة يأتي بعضها، و يمكن أن يكون من باب الملازمة العرفية بين حرمة الخيانة و وجوب الحفظ و الكل صحيح.

(37) لتحقق التفريط و الخيانة عرفا بل و شرعا أيضا، لفرض أن حكمه فيهما منزل على الموضوع العرفي.

(38) للإطلاقات، و العمومات، و مرجع ذلك إلى الإذن في التصرف و التبديل مع حفظ أصل المالية و دعوى ظهور الأدلة في العين خارجي ممنوع لكونه من باب الغالب و ان كان كثرة الاهتمام بالوديعة تقتضي كونها بلحاظ العينية إلا مع القرينة على الخلاف.

(39) أما عدم جواز نقلها عما عينه المودع فلأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه، و المفروض إن الإذن مقيد بوجه خاص فلا يصح التعدي

ص: 265


1- سورة النساء: 58.

نعم، لو كانت في ذلك المحل في معرض التلف جاز نقلها إلى مكان آخر احفظ و لا ضمان عليه حتى مع نهي المالك (40) بأن قال لا تنقلها و ان تلفت، و ان كان الأحوط حينئذ مراجعة الحاكم مع الإمكان (41).

مسألة 10: لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعد منه

(مسألة 10): لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعد منه

______________________________

عنه، و أما الضمان فلتحقق التفريط و الخيانة حينئذ.

(40) أما جواز النقل فلأنه من صغريات الحسبة التي أذن فيها الشارع. أما عدم الضمان فلفرض إذن الشارع في نقله فتكون كالأمانة الشرعية التي تلفت بلا تعد و لا تفريط، مع أنه إحسان محض، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، مضافا إلى انه لا تصدق الخيانة و التفريط على مثل هذا العمل عرفا فلا يتحقق موضوع الخيانة أصلا حتى يثبت الضمان فهي باقية على أمانته المالكية تلفت بلا تعد و لا تفريط فلا وجه للضمان.

و أما تعميم الجواز حتى في صورة نهي المالك فلأن نهيه في أمثال هذه الموارد إنما صدر بزعم أن ما عينه حرز حافظ فإذا تبين الخلاف يزول موضوع النهي بلا إشكال، بل يمكن دعوى القطع برضاه في بعض الموارد و بذلك تبقى على أمانتها المالكية بلا احتياج إلى إدخالها في الأمانة الشرعية.

(41) الرجوع إلى الحاكم الشرعي في مثل هذه الأمور الحسبية متوقف على ان إتيانها متقومة بنظر الحاكم الشرعي كما في القضاء و الحدود و نحوهما، أو انها مطلوبة من كل من قدر عليها بحسب الوظيفة الشرعية، مقتضى الإطلاقات و العمومات هو الثاني و طريق الاحتياط الأول مع الإمكان لأن قولهم عليهم السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (2) غير قابل للتخصيص.

ص: 266


1- سورة التوبة: 91.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف: 2.

و لا تفريط لم يضمنها (42)، و كذا لو أخذها منه ظالم قهرا سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرها (43).

نعم، يقوى الضمان لو كان هو السبب لذلك و لو من جهة إخباره بها أو إظهارها في محل كان مظنة الوصول إلى الظالم فوصل إليه بل مطلقا على احتمال قوي (44).

مسألة 11: لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب

(مسألة 11): لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب (45) حتى انه لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على ذلك جاز بل وجب (46).

______________________________

(42) للإجماع بل الضرورة الفقهية، و نصوص مستفيضة منها قول الصادق عليه السّلام: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان» (1)، مضافا إلى ما ارتكز في النفوس من منافاة الاستيمان للضمان مع عدم التفريط و الخيانة.

(43) كل ذلك لعدم تحقق التفريط و الخيانة مضافا إلى حديث: «رفع ما استكرهوا عليه» (2)، الشامل للوضعيات أيضا، هذا مع ظهور الاتفاق.

(44) النزاع في مثل هذه المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا و المرجع في تخصيص الصغرى أهل الخبرة من العرف و الصور المفروضة ثلاثة:

الأول: صدق التسبيب من المستودع عند العرف لإتلاف الوديعة.

الثاني: صدق عدمه كذلك.

الثالث: الشك في انه من التسبيب أو لا، و مقتضى إطلاق أدلة عدم الضمان في الأمانة عدم الضمان بعد صدق الأمانة عليه كما هو المفروض.

و الأحوط التراضي.

(45) لكونه مقدمة للحفظ الواجب عليه و تقدم الوجوب في مثله.

(46) أما زوال حرمة الكذب لحفظ الوديعة فلأن حرمته تزول بعروض

ص: 267


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان: 12.

فإن لم يفعل ضمن (47)، و في وجوب التورية عليه مع الإمكان إشكال أحوط ذلك و أقواه العدم (48).

______________________________

عنوان خاص عليه يكون أرجح عنها و لا ريب في أن انطباق عنوان حفظ الوديعة عليه يوجب زوال حرمته لكثرة ما ورد من الاهتمام بحفظ الوديعة، مضافا إلى الإجماع عليه في المقام و ليس كذلك سائر المحرمات فلو توقف حفظ الوديعة على الغيبة مثلا لا يقولون بجوازه.

و أما وجوبه فلأنه مع زوال حرمة الكذب لا بد من وجوبه لوجود المقتضى للوجوب حينئذ و فقد المانع عنه.

و أما الحلف فالجملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره و اضطر إليه، و قال عليه السّلام: ليس شي ء مما حرم اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر إليه» (1)، و منها خبر بياع السابري، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة أودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذي دفعته إليك لفلانة و ماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا: لصاحبتنا مال لا نراه إلا عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شي ء، أ يحلف لهم؟ قال عليه السّلام: إن كانت مأمونة عنده فليحلف، و إن كانت متهمة عنده فلا يحلف، و يضع الأمر على ما كان فإنما لها من مالها ثلثه» (2)، و مثله غيره.

(47) لتحقق التفريط حينئذ، لأنه عبارة عما إذا تمكن من الحفظ و لم يفعله عن عمد و اختيار و هذا المعنى ثابت حينئذ عرفا.

(48) ذهب جمع إلى وجوبها لأن بها يجمع بين ترك الكذب و حفظ الوديعة، و آخرون إلى عدم الوجوب لإطلاق الأخبار المرخصة للكذب في

ص: 268


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان: 18.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الأيمان: 16.

مسألة 12: إذا كانت مدافعته عن الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه

(مسألة 12): إذا كانت مدافعته عن الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه من جرح و غيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله لا يجب تحمله (49) بل لا يجوز في غير الأخير (50) بل فيه أيضا ببعض مراتبه (51).

نعم، لو كان ما يترتب عليها يسيرا جدا بحيث يتحمله غالب الناس كما إذا تكلم معه بكلام خشن لا يكون هاتكا له بالنظر إلى شرفه و رفعة قدره و إن تأذى منه بالطبع فالظاهر وجوب تحمله (52).

مسألة 13: لو توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له

(مسألة 13): لو توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو

______________________________

المقام (1)، و نظائره و عدم الإشارة فيها إلى التورية مع أن المفروض فيها الترخيص في الكذب و مع التورية لا كذب في البين حتى يحتاج إلى الترخيص.

(49) للأصل بعد عدم دليل عليه و انصراف أدلة وجوب حفظ الوديعة عن مثله (2)، مع أهمية حفظ النفس و العرض عن حفظ مال الغير.

(50) لحرمة هتك العرض و الإضرار بالنفس فلا يتحقق موضوع وجوب الحفظ من جهة حرمة مقدمته و لا ينتقض ذلك بما تقدم في الكذب لأنه خرج بالنص الخاص كما مر.

(51) كما إذا كان الهتك مما يتأثر منه نوع الناس، و المال مما يضر بالحال فيتحقق موضوع الحرمة و لا يبقى موضوع لوجوب حفظ الوديعة.

(52) لفرض عدم تحقق الهتك و الضرر المحرم و انما تحقق مطلق الإيذاء الذي قد يكون خياليا و وهميا و لا دليل على حرمته و إن كان هو أيضا خلاف الأخلاق الشرعية و المجاملات الإنسانية خصوصا بالنسبة إلى بعض مراتب الإيمان الذي ورد فيه: «ان المؤمن لا يؤذي الذر» و يمكن اختلاف ذلك أيضا باختلاف الأشخاص و الخصوصيات فقد يحرم لأجل لعروض العناوين الثانوية

ص: 269


1- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 16.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة 5.

لغيره فإن كان بدفع بعضها وجب (53) فلو أهمل فأخذ الظالم كلها ضمن المقدار الزائد على ما يندفع به منها لا تمامها (54). فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذ تمامها ضمن النصف و لو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل ضمن الثلاثين و هكذا، و كذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان و كان الظالم يندفع بدفع إحديهما فأهمل حتى أخذ كلتيهما فإن كان يندفع بإحداهما المعينة ضمن الأخرى (55) و إن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة (56) و لو توقف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه دفعه تبرعا و مجانا (57).

______________________________

و قد لا يحرم.

(53) و حيث ان بذل المال لحفظ الوديعة لا بد و أن يكون من المودع لأنه يرجع إلى مصلحة نفسه و هي حفظ ماله، و المفروض ان الوديعة أيضا مال المودع فيصح أخذ ما يتوقف عليه حفظها من ماله هذا مع الانحصار كما هو المفروض ظاهرا، و أما مع عدمه فالظاهر التخيير لو لم يكن ترجيح في البين.

(54) لأن التعدي و التفريط انما حصل بالنسبة إليه فقط و أما البقية فقد وجب دفعها إلى الظالم فلا موضوع للتفريط بالنسبة إليها فلا ضمان.

(55) لتحقق التفريط بالنسبة إليه فقط فيضمن.

(56) لفرض أن مورد التفريط واحد لا بعينه و يصح انطباقه على الأكثر قيمة فيصدق التفريط بالنسبة إليه أيضا.

ان قيل: انه يصدق على الأقل قيمة أيضا فلا وجه للتخصيص.

يقال: مع صدق التفريط بالنسبة إلى الأكثر يدخل الأقل تحته لا محالة بخلاف العكس فلا موضوع للتخيير بل يتعين الأكثر.

(57) للأصل بعد عدم دليل من عقل أو نقل على وجوب بذل المال لحفظ مال الغير لمصلحته الراجعة إليه دون الباذل، و ظاهرهم الإجماع أيضا على عدم

ص: 270

و أما مع الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستيذان منه أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم (58) فإن دفع بلا استيذان لم يستحق الرجوع به عليه (59) و إن كان من قصده ذلك (60) و إن لم يمكن الاستيذان فله ان يدفع و يرجع به على المالك إذا كان من قصده الرجوع عليه (61).

مسألة 14: لو كانت الوديعة دابة يجب عليه سقيها و علفها و لو لم يأمره المالك

(مسألة 14): لو كانت الوديعة دابة يجب عليه سقيها و علفها و لو لم يأمره المالك (62). بل و لو نهاه (63) و لا يجب ان يكون ذلك بمباشرته

______________________________

الوجوب في نظائر المقام.

(58) لأنه متمكن حينئذ من حفظ الوديعة بالنحو الشرعي فتشمله أدلة وجوب حفظها.

(59) لعدم حصول تسبيب من المودع لأخذ مال المستودع و لم يحصل استيفاء منه لماله حتى يوجب ضمانه لما صرفه المستودع، فمقتضى الأصل براءة ذمة المودع عن ضمان مثل هذا المال.

(60) لأن مجرد القصد لا أثر له في الضمان ما لم يكن تسبيب أو استيفاء من الغير أو إتلاف لماله في البين و الكل منفي مع إمكان الاستيذان.

(61) لأنه مأذون حينئذ شرعا من باب الحسبة و لم يقصد المجانية فيجب على المالك تداركه لأن صرف المال وقع لمصلحته بإذن من الشارع.

(62) لوجوب حفظ الوديعة شرعا و لا يحصل الوجوب إلا بذلك و لا مدخلية في أمر المالك فيه بعد إذن المالك الحقيقي.

نعم، لو كان عدم أمره أو نهيه لأجل قصور في المستودع يمكن القول ببطلان أصل الوديعة حينئذ.

(63) لأهمية مراعاة حق اللّه تعالى في الحيوان من ملاحظة حق الآدمي، و قد ورد التأكيد في مراعاته مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «في كل كبد حرى أجر» (1)، و غيره

ص: 271


1- النهاية لابن الأثير ج: 1 مادة: (حرر).

و ان يكون ذلك في موضعها فيجوز أن يسقيها بواسطة غلامه مثلا و كذا يجوز إخراجها من منزله للسقي و ان أمكن سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك (64).

نعم، لو كان الطريق مخوفا لم يجز إخراجها كما انه لا يجوز أن يولي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلا مع مصاحبة أمين معه (65).

و بالجملة: لا بد من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لا يعد معها عرفا مفرطا و متعديا (66) هذا بالنسبة إلى أصل سقيها و علفها و أما بالنسبة إلى نفقتها فإن وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو اذن له في الإنفاق عليها من ماله على ذمته فلا إشكال (67)، و إلا فالواجب أولا الاستيذان من

______________________________

مما هو كثير في الأبواب المتفرقة.

و أما لو نهاه عن سقي الشجرة مثلا، فيمكن القول بلزوم اتباع نهيه إلا إذا رجع ذلك إلى سفاهة المالك فلا يصح أصل الوديعة حينئذ، و لو أخل بذلك و لم يسقه و لم يعلف حتى مات لم يضمن شيئا للمالك لفرض انه أقدم على إتلاف ماله بالنهي عن التعليف.

(64) كل ذلك لأن حفظ الوديعة من العرفيات المنزلة عليها الأدلة الشرعية، و العرف لا يفرق بين ذلك مع جريان الأصل عن تعيين جهة خاصة و صدق الحفظ عرفا على ذلك كله.

(65) لأن متعارف الناس لا يقدمون على الإخراج في الأول، و على الاستيمان في الثاني إلا بالمصاحبة مع الأمين.

(66) لأنه كما ان كيفية الحفظ و تشخيص خصوصياته موكولة إلى نظر العرف تعيين التعدي و التفريط أيضا موكول إلى نظره فمع حكمه بهما يترتب حكم التعدي أو التفريط و مع حكمه بالعدم لا موضوع لترتب آثار التعدي أو التفريط و مع الشك يرجع إلى الأصل.

(67) في وجوب متابعة نظره لكون الأمر بيده لأنه المالك و «الناس

ص: 272

المالك أو وكيله (68) فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم (69). ليأمره بما يراه صلاحا و لو ببيع بعضها للنفقة فإن تعذر الحاكم أنفق هو من ماله (70)، و يرجع به على المالك مع نيته (71).

مسألة 15: تبطل الوديعة بموت كل واحد من المودع و المستودع أو جنونه

(مسألة 15): تبطل الوديعة بموت كل واحد من المودع و المستودع أو جنونه (72) فإن كان هو المودع تكون في يد الودعي أمانة شرعية (73).

______________________________

مسلطون على أموالهم»(1).

(68) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه و المفروض تمكن الاستيذان منه أو من وكيله.

(69) لأنه لا معنى لحكومته إلا ولايته الشرعية على مثل هذه الأمور الحسبية.

(70) لتحقق موضوع الحسبة حينئذ بالنسبة إليه فيكون مأذونا شرعا في الإنفاق.

(71) لأنه مع عدم نية الرجوع و إمكانها بالنسبة إليه ينطبق عليه عنوان التبرع و المجان و لا وجه للرجوع مع صدقهما.

نعم، لو كان غافلا عن هذه الجهة أو أنفق فعلا لأن يتأمل بعد ذلك في الرجوع و عدمه فمقتضى أصالة احترام المال و قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» صحة الرجوع بعد ذلك ان شاء.

(72) للإجماع، و لأن العقود الإذنية متقومة بالإذن حدوثا و بقاء، و مع زوال موضوع الإذن بالموت و الجنون يزول القصد لا محالة.

(73) لأن المفروض زوال إذن المالك و تعلق خطاب الشارع إلى الودعي برد الوديعة فورا الى مالكها الذي هو ورثة المودع و من لوازم هذا الخطاب كون المال في يده بإذن الشارع حتى يرده إلى مالكه بعد عدم وجه لكون اليد يد

ص: 273


1- البحار ج 2 باب: 23 من كتاب العلم حديث: 7 ط: طهران.

فيجب عليه فورا ردها الى الوارث المودع أو وليّه أو إعلامهما بها (74)، فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن (57).

نعم، لو كان ذلك لعدم العلم بكون من يدعي الإرث وارثا أو انحصار الوارث فيمن علم كونه وارثا فأخر الرد و الاعلام لأجل التروي و الفحص عن الواقع لم يكن عليه ضمان على الأقوى (76)، و إن كان الوارث متعددا سلمها إلى الكل أو الى من يقوم مقامهم (77) و لو سلمها إلى البعض من غير إذن ضمن حصص الباقين (78).

و إن كان هو المستودع تكون أمانة شرعية في يد وارثه أو وليه يجب عليهما ما ذكر من الرد إلى المودع أو اعلامه فورا (79).

مسألة 16: يجب رد الوديعة عند المطالبة

(مسألة 16): يجب رد الوديعة عند المطالبة (80) في أول وقت

______________________________

العدوان لا فعلا و لا سابقا، هذا مضافا إلى الإجماع على انقلاب الأمانة المالكية إلى الشرعية.

(74) للإجماع بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و هذا حكم كل أمانة مالكية عند انقلابها إلى الشرعية.

(75) لتحقق التفريط فيترتب عليه الضمان لا محالة.

(76) للعذر الشرعي المقبول في التأخير فلا موضوع حينئذ للتفريط و لا منشأ للضمان.

(77) لفرض انتقال الملك بالموت إلى الكل فيجب الدفع إليهم لأنهم الملاك و الدفع إلى من يقوم مقامهم كالدفع إليهم شرعا.

(78) لعدم وصول حقهم إليهم في المال المشترك بين الجميع، مع ان التسليم إلى البعض دفع بغير إذن صاحب الحق بالنسبة إلى حصصهم فيوجب الضمان لا محالة من جهة تحقق التفريط.

(79) الكلام فيه عين الكلام فيما تقدم من غير فرق.

(80) للضرورة الدينية، و تدل عليه الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى:

ص: 274

الإمكان (81) و ان كان المودع كافرا محترم المال (82). بل و إن كان حربيا

______________________________

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (1)، و من السنة نصوص مستفيضة منها وصية أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق ابن سيابة: «عليك بصدق الحديث و أداء الأمانة» (2)، و في موثق أبي كهمس: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عبد اللّه ابن أبي يعفور يقرأك السلام قال عليه السّلام: عليك و عليه السلام، إذا أتيت عبد اللّه فأقرأه السلام و قل له: ان جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به على عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالزمه فإن عليا عليه السّلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بصدق الحديث و أداء الأمانة» (3)، و قوله عليه السّلام: «اتقوا اللّه و عليكم بأداء الأمانة» (4)، و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء، و من العقل حكمه الجزمي بقبح الخيانة.

(81) لأن وجوبه فوري عند كل من قال بوجوبه.

(82) للإجماع، و لأصالة احترام المال، و ظاهر جملة من النصوص و هي على عناوين يمكن استفادة الإطلاق منها بعد ظهور أن ذكرها من باب المثال:

الأول: قوله عليه السّلام: «لا عذر فيها لأحد أداء الأمانة إلى البر و الفاجر» (5).

الثاني: قوله عليه السّلام: «لو أن قاتل علي عليه السّلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه» (6).

الثالث: قوله عليه السّلام: «أدّوا الأمانة إلى الأسود و الأبيض و إن كان شاميا» (7)، و ظهوره في التعميم مما لا ينكر.

الرابع: قوله عليه السّلام: «أدوا الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين عليه السّلام» (8)، و ظهوره في التعميم و لو بالنسبة إلى الحربي مما لا ينكر لأنه عليه السّلام جعل المناط حيثية الايتمان و النصيحة و هذه الحيثية تنطبق على

ص: 275


1- سورة النساء: 58.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: 1.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 2.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 2 و 1 و 3 و 4.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 2 و 1 و 3 و 4.
7- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 2 و 1 و 3 و 4.
8- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 2 و 1 و 3 و 4.

مباح المال على الأحوط (83).

و الذي هو الواجب عليه رفع يده عنها و التخلية بين المالك و بينها (84)

______________________________

الحربي و غيره.

الخامس: قوله عليه السّلام: «أدّوا الأمانة إلى أهلها و ان كانوا مجوسا» (1).

السادس: قول علي عليه السّلام: «أدّوا الفريضة و الأمانة الى من ائتمنكم و لو إلى قتلة أولاد الأنبياء» (2)، و لا ريب في شمول مثل هذه التعبيرات لمطلق الكافر الذي يكون محترم المال، و لإطلاق قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (3).

(83) لشمول قوله عليه السّلام: «من ائتمنك و أراد منك النصيحة» للحربي أيضا، و لصدق عنوان الخيانة التي هي أخص من احترام المال و اباحته.

و منشأ الإشكال إمكان دعوى انصراف الأدلة عنه لفرض اباحة ماله و ان ماله كالمباحات الأولية للمسلمين فمن استولى منهم على مال الحربي بأي وجه كان يملكه فلا يبقى موضوع للرد أصلا بعد جواز استيلائهم على ماله بأي وجه أمكن، و لكن الحكم مع ذلك مشكل لذكر الناصب في خبر إسماعيل: «ان رجلا قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام الناصب يحل لي اغتياله؟ قال أدّ الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو الى قاتل الحسين عليه السّلام» (4)، مع أنه ورد النص بإباحة ماله في قوله عليه السّلام: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا بخمسه» (5).

(84) لأنه ليست الوديعة من المعاوضات حتى يتقوم بالتسليم و التسلم و القبض و الإقباض فبكل وجه سقط عرفا اعتبار الاستنابة و الالتزام بالحفظ

ص: 276


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 14.
3- سورة النساء: 58.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الوديعة: 4.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس: 6.

لا نقلها إلى المالك (85) فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي وديعتك خذها، فقد أدى ما هو تكليفه و خرج من عهدته (86). كما أن الواجب عليه مع الإمكان الفورية العرفية (87) فلا يجب عليه الركض و نحوه و الخروج من الحمام فورا و قطع الطعام و الصلاة و إن كانت نافلة و نحو ذلك (88) و هل يجوز له التأخير ليشهد عليه

______________________________

يتحقق رد الوديعة و زوال موضوعها و لا ريب في سقوطهما بالتخلية بعنوان الرد فينتفي موضوع الوديعة قهرا، مع أن ظاهرهم الإجماع على كفايته، مضافا إلى انه يكفي مجرد التخلية في المعاوضات أيضا، كما مر ففي المقام تكفي بالأولى.

(85) لأصالة عدم وجوبه عليه بعد صدق الرد بمجرد التخلية عرفا.

(86) لدلالة مثل هذه الافعال و التعبيرات على إسقاط التزامه بحفظ الوديعة و جعل نفسه كالأجنبي بالنسبة إلى مال المالك مع إعلام المالك فيتحقق الرد بذلك لا محالة، و لا فرق فيما قلنا بين صورة مطالبة المالك و عدمه فيتحقق بذلك في الصورتين، لدلالة التخلية- بين الوديعة و مالكها و القول له خذ وديعتك- على الرد في الصورتين و ان كانت مع سبق مطالبة المالك لوديعته أصرح و أقوى، هذا كله إذا تحققت التخلية مع اعلام المودع بذلك و ازالة الموانع عن أخذ ماله و أما مع تحقق التخلية و عدم الاعلام فلا يتحقق الرد بلا كلام و كذا العكس.

(87) أما أصل الفورية فلأنها المستفاد من سياق ما ورد في رد الأمانات مطلقا من الكتاب و السنة مع كثرة التأكيد في الرد.

و أما العرفية فلتنزل جميع الفوريات الشرعية عليها الا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف.

و أما اعتبار الإمكان فلأن كل تكليف مشروط به كما هو معلوم و المراد به التمكن العرفي لا الدقي العقلي لعدم ابتناء الشرعيات عليه كما تقدم مكررا.

(88) لأن جميع ذلك لا ينافي صدق الفورية بحكم المتعارف و مع الشك

ص: 277

قولان (89).

أقواهما ذلك (90) خصوصا لو كان الإيداع مع لإشهاد (91) هذا إذا لم يرخص في التأخير و عدم الإسراع و التعجيل و إلا فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة (92).

مسألة 17: لو أودع اللص ما سرقه عند أحد لا يجوز له رده عليه مع الإمكان

(مسألة 17): لو أودع اللص ما سرقه عند أحد لا يجوز له رده عليه مع الإمكان (93)،

______________________________

فمقتضى الأصل بقاؤها.

(89) منشأ القول بالمنافاة انه غير محتاج إليه لا شرعا و لا عرفا فيكون منافيا للفورية و منشأ القول بعدم المنافاة: أن فائدته انه يترتب عليه قطع النزاع و المخاصمة فيترتب عليه الفائدة فلا يكون منافيا، و الظاهر أن النزاع صغروي فمع وجود الأثر و الفائدة لا ينافيها و مع عدم الأثر ينافي و المرجع فيه متعارف المتشرعة.

(90) مع وجود أثر له في البين عرفا.

(91) لذهاب بعض إلى اختصاص عدم المنافاة للفورية بهذه الصورة و هو ان انطبق على الاحتياج العرفي إلى الإشهاد فعلا لا إشكال فيه و أما مع عدمه فهو من الدعوى بلا دليل.

(92) لأن وجوب المبادرة إنما كان لمراعاة حق المودع و مع رضائه بالتأخير لا موضوع لوجوبها.

(93) لأنه بمجرد وضع يده عليه صار ضامنا له شرعا و لا تفرغ ذمته إلا برده إلى مالكه لقوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (1)، و اللص ليس أهلا لها، و لا فرق في الآية الكريمة بين الأمانات المالكية

ص: 278


1- سورة النساء: 58.

بل يكون أمانته شرعية (94) في يده فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه ان عرفه و إلا عرّف سنة، فإن لم يجد صاحبه تصدق به عنه، فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فإن اختار أجر الصدقة كان له، و إن اختار الغرامة غرم له و كان الأجر له (95).

مسألة 18: كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق و نحو ذلك

(مسألة 18): كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق و نحو ذلك (96) فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاص أو العام تعين و إلا فليوصلها إلى الحاكم لو

______________________________

الصحيحة و الأمانات الشرعية و المقام يكون من الثانية كما هو واضح هذا مضافا إلى الإجماع، و قاعدة على اليد (1).

(94) أما عدم كونه أمانة مالكية فلعدم الإذن من المالك.

و أما كونها أمانة شرعية فلإيجاب الشارع عليه حفظها و إيصالها إلى المالك و لا معنى للأمانة الشرعية إلا هذا كاللقطة و غيرها مضافا إلى ما يأتي من خبر حفص.

(95) الأصل في هذا التفصيل- مع موافقته للاعتبار الصحيح عند العرف و العقلاء- خبر حفص المعمول به عند الفقهاء، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا، و اللص مسلم فهل يرد عليه؟ قال عليه السّلام: لا يرده فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه، و إلا تصدق بها و إن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له فكان الأجر له» (2)

(96) لمعرضيتها للتلف في الخوف عليها و عدم تمكنه من الحفظ عند

ص: 279


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: 12.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب اللقطة: 1.

كان قادرا على حفظها و لو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضا في معرض التلف بسبب من الأسباب أودعها عند ثقة أمين متمكن من حفظها (97).

مسألة 19: إذا ظهر للمستودع إمارة الموت بسبب المرض المخوف أو غيره يجب عليه ردها إلى مالكها

(مسألة 19): إذا ظهر للمستودع إمارة الموت بسبب المرض المخوف أو غيره يجب عليه ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان (98) و إلا فإلى الحاكم (99)، و مع فقده يوصي و يشهد بها (100)

______________________________

حصول الخوف كما هو المفروض فيكون عدم الرد حينئذ تعديا فلو تلف ضمن، مضافا إلى ظهور الاتفاق على وجوب الرد حينئذ.

(97) على المعروف أما تعين الرد إلى الثلاثة الأولى على الترتيب فلتحقق الرد إلى نفس المالك في الأول و إلى من هو مأذون منه في الأخيرين.

و أما الحاكم الشرعي و الثقة الأمين فللإذن الشرعي في جواز رد الأمانة المالكية إليهما مع عدم إمكان الرد إلى المالك أو وكيله، و المشهور ان الحاكم مقدم على الثقة الأمين مع إمكان الرد إليه و قبوله لها، و يمكن دعوى السيرة على خلاف هذا الترتيب فنوع المتشرعين يضعون الامانة مع الخوف عند الثقة من دون مراجعة الحاكم الشرعي بل ينزلون البنوك و المصارف منزلة الثقة الأمين من غير مراجعة الحاكم.

و الظاهر انه مع عدم إمكان ردها إلى المالك أو وكيله تنفسخ الأمانة المالكية و تصير الامانة شرعية و هي ترد إلى الحاكم مع الإمكان و مع عدمه فإلى الثقة الأمين لإذن الشارع لهم في الحفظ.

(98) لصيرورة الأمر برد الأمانة مضيقا و فوريا بالنسبة إليه حينئذ و يشهد له سيرة المتشرعة و المهتمين بحقوق الناس فيحصل التضييق و الفورية.

تارة: بمطالبة المالك.

و أخرى: بخوف الفوت.

(99) لأنه بمنزلة مالكها شرعا فيكون الرد إليه كالرد إلى المالك شرعا.

(100) لانحصار وجوب الحفظ الواجب عليه فعلا في ذلك، مضافا إلى

ص: 280

فلو أهمل عن ذلك ضمن (101) و ليكن الإيصاء و الاشهاد بنحو يترتب عليهما حفظ الوديعة و عدم ذهابها على مالكها (102) فلا بد من ذكر الجنس و الوصف و تعيين المكان و المالك (103) فلا يكفي قوله عندي وديعة لبعض الناس فإن مثل هذا لا يجدي في إيصالها إلى مالكها (104).

نعم، يقوى عدم لزومهما رأسا و من أصله فيما إذا كان الوارث مطلعا عليها و كان ثقة أمينا (105).

مسألة 20: يجوز للمستودع ان يسافر و يبقى الوديعة في حرزها السابق عند أهله و عياله

(مسألة 20): يجوز للمستودع ان يسافر و يبقى الوديعة في حرزها السابق عند أهله و عياله لو لم يكن السفر ضروريا (106) إذا لم يتوقف

______________________________

ظهور الإجماع و ان اختلفت عباراتهم في كيفية التعبير.

(101) لتحقق التفريط حينئذ عرفا و شرعا فيتحقق الضمان قهرا.

(102) لأنه لا أثر لوجوب الوصية إلا ذلك و مع عدمه تصير لغوا بل يتحقق التفريط و الضمان.

(103) و كذا سائر الجهات التي تتوقف كيفية التعيين عليها المختلفة باختلاف أنحاء الودائع و الأمكنة.

(104) و كذا مثل هذا التعبير من سائر التعابير المجملة عرفا.

(105) لكون الوارث حينئذ بنفسه مكلفا شرعا برد الوديعة فيكون بعد فوت المورث هو المكلف بالرد و حيث انه ثقة أمين فلا أثر حينئذ للوصية إلا التأكيد.

و لكن يمكن أن يقال: بأنه يستفاد مما ورد من كثرة التأكيد و الحث على رد الوديعة كما تقدم بعضها ان القيام نفس المستودع بالوصية و الإشهاد نحو موضوعية خاصة قطعا لعذرة و إن علم بقيام الوارث بذلك لو لم يوص به و حينئذ فمقتضى إطلاق وجوب رد الأمانة وجوب الإيصاء و الإشهاد و ان علم بقيام الوارث به.

(106) لأصالة الإباحة بالنسبة إلى السفر، و أصالة البراءة بالنسبة إلى وجوب

ص: 281

حفظها على حضوره و الا فيلزم عليه اما الإقامة و ترك السفر و إما ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان و إيصالها إلى الحاكم مع التعذر (107) و مع فقده فالظاهر تعيين الإقامة و ترك السفر (108) و لا يجوز أن يسافر بها و لو مع أمن الطريق و لا إيداعها عند الأمين على الأحوط لو لم يكن أقوى (109).

______________________________

الإقامة بعد عدم فرض خطر من السفر على الوديعة.

(107) لانحصار حفظ الوديعة حينئذ في هذه الأمور فيجب ما تيسر و يسقط ما تعذر و تعسر.

(108) مقدمة لحفظ الامانة الواجب عليه فعلا و هي مقدمة منحصرة ان لم نجز له إيداعها عند الأمين و لا أن يسافر بها و إلا فيخير بين الأمور الثلاثة.

(109) أما عدم جواز السفر بالودائع و الأمانات فإنه المنساق من الأدلة و الروايات الواردة في الاهتمام الأكيد بحفظها و التأكيد الشديد على ذلك في سيرة المتشرعة بل المهتمين بحفظ أموالهم و ودائعهم فإنهم لا يسافرون بالأموال خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانت الأسفار خطيرة، و يشير إليه قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«ان المسافر و ماله لعلى قلت إلا ما وقى اللّه تعالى» (1)، و مع الشك في شمول الأدلة له لا يصح التمسك بها لأنه من التمسك بها في الشبهة الموضوعية فيرجع إلى أصالة عدم جواز هذا التصرف الخاص مع إمكان الحفظ في السفر.

و أما الوضع عند الأمين فهو أيضا كذلك لكونه مترتبا على عدم إمكان حفظه بنفسه و المفروض تمكنه منه بترك السفر و على هذا فيكون بالسفر بها أو وضعها عند الأمين متعديا يضمن بالتلف.

و ما يقال: في وجه جواز المسافرة بها و الإيداع عند الأمين من انه إذا كان ذلك بقصد حفظ الامانة يشمله إطلاق أدلة حفظ الأمانة فلا يكون ذلك تعديا.

ص: 282


1- النهاية لابن الأثير ج: 4 صفحة: 98 مادة (قلت) و القلت: الهلاك.

و أما لو كان السفر ضروريا له فإن تعذر ردها إلى المالك أو وكيله و كذا إيصالها إلى الحاكم تعين إيداعها عند أمين (110) فإن تعذر سافر بها محافظا لها بقدر الإمكان (111) و ليس عليه ضمان (112).

نعم، في مثل سفر الحج و نحوه من الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر اللازم ان يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارة الموت من ردها ثمَّ الإيصاء و الاشهاد بها على ما سبق تفصيله (113).

مسألة 21: المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيّبت بيده

(مسألة 21): المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيبت بيده (114)

______________________________

لا وجه له: لأن مجرد القصد لا يكفي بل لا بد من انطباق عنوان الحفظ عرفا و عدم صدق التعدي و التفريط كذلك و مقتضى السيرة عدم انطباق الأول بل و صدق الثاني خصوصا في الأمانات الخطيرة المهمة.

(110) لكونه حينئذ أحفظ للوديعة من المسافرة بها عند متعارف الناس.

(111) لانحصار طريق الحفظ في المسافرة بها حينئذ.

(112) لفرض عدم تحقق عنوان التعدي و التفريط بل كان بانيا على الحفظ بقدر الإمكان.

(113) لانحصار طريق الحفظ في ذلك حينئذ و كذا الودائع الخطيرة و لو كانت المسافرة غير طويلة بحيث يخشى عليها من السفر بها عادة.

(114) إجماعا بل ضرورة من الفقه، و نصوصا كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»(1)، و عنه عليه السّلام أيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس لك ان تتهم من ائتمنته و لا تأمنن الخائن و قد جربته» (2)، إلى غير ذلك من الاخبار و لا يخفى ان هذه الامانة ليست تعبدية شرعية بل حصلت

ص: 283


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الوديعة: 1.

إلا عند التفريط أو التعدي (115). كما هو الحال في كل أمين (116) أما التفريط (117)

______________________________

من استيمان المودع و المالك و من القواعد النظامية أن من استأمن شخصا باختياره ينافي ذلك تضمينه مع التلف و كذا الحكم في الأمانات الشرعية أيضا حيث ان التأمين مطلقا ينافي التضمين مع التلف.

(115) نصا و إجماعا من الفقهاء بل من العقلاء فعن محمد بن الحسن قال:

«كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: رجل دفع الى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه؟ فوقع عليه السّلام هو ضامن لها إن شاء اللّه» (1)، و تقتضيه قاعدة اليد بعد زوال أمانته و ثبوت خيانته بالتعدي أو التفريط.

(116) فتزول أمانته و تثبت خيانته بالتعدي أو التفريط فيضمن ما تعدى فيه أو فرط، لقاعدة اليد و الإجماع و النصوص الواردة في الأبواب المتفرقة كما سيأتي التنبيه عليها، مع ان الحكم من ضروريات الفقه.

(117) التعدي و التفريط ليسا من الحقائق الشرعية حتى يحتاج إلى بيان الشارع و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يحتاج إلى نظر الفقيه بل هما من المفاهيم العرفية المختلفة باختلاف الأمانات و الأزمنة و الأمكنة بل الرسوم و العادات فالمرجع فيهما تحقق الصدق العرفي فمع الصدق كذلك لا ريب في زوال الأمانة و ثبوت الخيانة و تحقق الضمان و مع صدق العدم لا ريب في بقاء الأمانة و عدم الخيانة و عدم الضمان و مع الشك و التردد في الصدق و عدمه من أهل العرف فالمرجع أصالة عدم الخيانة و أصالة بقاء الاستيمان و عدم الضمان إلا أن يثبت الخلاف.

إن قيل: ان من كثرة اهتمام الشارع بالودائع و الأمانات يستفاد ان المناط

ص: 284


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الوديعة: حديث: 5.

فهو الإهمال في محافظتها و ترك ما يوجب حفظها (118) على مجرى العادات بحيث يعدّ معه عند العرف مضيعا و مسامحا (119) كما إذا طرحها في محل ليس بحرز و ذهب عنها غير مراقب لها أو ترك سقي الدابة و علفها أو ترك نشر ثوب الصوف و الإبريسم في الصيف أو أودعها أو سافر بها من غير ضرورة أو ترك التحفظ من الندى فيما تفسده النداوة كالكتب و بعض الأقمشة و غير ذلك و أما التعدي (120) و هو: ان يتصرف فيها بما لم يأذن له

______________________________

في عدم الضمان صدق التحفظ فمع عدم صدقه يثبت الضمان سواء صدقت الخيانة أو لا فلا وجه لتثليث الأقسام.

يقال: انه مخالف لظواهر الكلمات المعلقة للضمان على التعدي أو التفريط فتكون الأقسام ثلاثة حينئذ.

(118) يصح تفسير التفريط بالأمر الوجودي أي: الإهمال و المسامحة في حفظ الشي ء، كما يصح تفسيره بالأمر العدمي أي عدم العناية و الاهتمام بحفظه، و صغرياته قد تكون وجودية كطرح الثوب في مكان يكون معرضا لفساده و قد يكون عدميا كعدم نشر الصوف مثلا في الصيف فيفسد و لا ثمرة عملية في البين إلا دعوى جريان الأصل الموضوعي فيه مع الشك عند كونه وجوديا فلا ضمان عليه و جريانه فيما إذا كان عدميا أيضا و لكن لا يثبت به الضمان لكونه من الأصل المثبت.

و فيه: انه لا فائدة في جريان الأصل بعد قبول قول المستودع لكونه أمينا مع وجود أصالة عدم الخيانة و بقاء الامانة و أصالة البراءة عن الضمان.

(119) لأن المرجع في صدق التفريط هو العرف لما تقدم من أن الموضوع من العرفيات لا من الشرعيات التعبدية و لا العقليات و لا الموضوعات المستنبطة.

(120) المرجع فيه أيضا هو العرف المختلف باختلاف الجهات

ص: 285

المالك مثل ان يلبس الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابة (121) إذا لم يتوقف حفظها على التصرف (122) كما إذا توقف حفظ الثوب و الفراش من الدود على اللبس و الافتراش أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة و يكون يده عليها على وجه الخيانة كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة و لا لعذر من نسيان و نحوه (123) و قد يجتمع التفريط مع التعدي كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب و نحوها في موضع يعفّنها أو يفسدها (124).

______________________________

و الخصوصيات.

فتارة: يصدق التعدي.

و أخرى: يصدق عدمه.

و ثالثة: يتردد العرف في الصدق و عدمه، و الحكم واضح مما مر فلا وجه للإعادة.

(121) فإن كل ذلك تصرف يحتاج إلى الإذن و مع عدمه يحرم و لا يجوز بل يكون خيانة.

(122) فإنه يجوز بل يجب حينئذ مقدمة للحفظ الواجب كما مر.

(123) لأن المتشرعة يرون ذلك منافيا للأمانة بل يعدونه من الخيانة.

(124) أما صدق التعدي فلفرض انه تصرف فيه بما لم يأذن به المالك و هو الطرح في مكان يكون معرضا للفساد و أما صدق التفريط فلفرض أنه أهمل في عدم أخذه من ذلك المكان الذي يكون معرضا له فيكون تعديا باعتبار أصل حدوث هذا العمل و تفريطا باعتبار البقاء، و يمكن انطباق التعدي و التفريط باعتبار أصل الحدوث أيضا، لأن التعدي و التفريط من الأمور الإضافية فيصح أن يكون شي ء واحد تعديا من حيث عدم الإذن فيه و تفريطا من حيث انطباق عنوان الإهمال و المسامحة في الحفظ عليه عرفا و بعد تحقق الضمان بتحقق صرف الوجود من كل منهما لا ثمرة عملية بل و لا علمية للبحث عن اجتماعهما

ص: 286

و لعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه و شده من دون ضرورة و مصلحة (125) و من التعدي خلط الوديعة بماله سواء كان بالجنس أو بغيره و سواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردى (126).

و أما لو مزجه بالجنس من مال المودع كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين و لا مشدودين فجعلهما كيسا واحدا ففيه إشكال (127).

مسألة 22: معنى كونها مضمونة بالتفريط و التعدي كون ضمانها عليه

(مسألة 22): معنى كونها مضمونة بالتفريط و التعدي كون ضمانها عليه و لو لم يكن تلفها مستند إلى تفريطه و تعديه و بعبارة أخرى تتبدل يده الأمانية غير الضمانية إلى الخيانية الضمانية (128).

______________________________

أو افتراقهما.

(125) لأن كسر الختم و حل الخيط فعل غير مأذون فيه فيكون تعديا و من حيث انه نحو إهمال و مسامحة في حفظ الوديعة يكون تفريطا و لا ريب في كونه مستنكرا عند المتشرعة و يلام المستودع عليه و يتأمل الناس في إيداع الوديعة لديه بعد اطلاعهم على صدور هذا العمل منه فينطبق عليه عنوان الخيانة لديهم، مع أن صدق التعدي و التفريط يستلزم صدق الخيانة أيضا.

(126) كل ذلك لعدم الإذن من المالك في الخلط فيكون تعديا لا محالة بل يكون تفريطا أيضا لصدق الإهمال في حفظ الوديعة عرفا لأن المتشرعة و المهتمين بحفظ الودائع يعدون ذلك إهمالا في حفظ الوديعة عرفا و عدم مبالاة بها.

(127) من أنه تصرف غير مأذون فيه بالخصوص من المالك فيكون تعديا، و من احتمال ان عدم الختم و الشد قرينة عرفية على الإذن في مثل هذا التصرف فلا يكون تعديا و يمكن الاختلاف باختلاف الأشخاص و الجهات و سائر القرائن.

ص: 287

مسألة 23: لو نوى التصرف في الوديعة و لم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية

(مسألة 23): لو نوى التصرف في الوديعة و لم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية (129).

نعم، لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها و التغلب على مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان بعد ما كانت يد استيمان (130) و لو رجع عن قصده لم يزل الضمان (131) و مثله ما إذا جحد الوديعة أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن عقلا و شرعا فإنه يضمنها بمجرد ذلك (132) و لم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه (133).

مسألة 24: لو كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها

(مسألة 24): لو كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها و أخذ

______________________________

محمد عليه السّلام (1)، و تدل عليه قاعدة اليد بعد سقوط اليد عن الأمانية و انقلابها إلى الخيانة.

(129) للأصل بعد عدم صدور فعل منه يشعر بالخيانة و العدوان فلا يزول قبضه عن كونه قبضا عن المالك بمجرد صدور هذه النية منه.

نعم، لا ريب في كونه نحو تجري و موجبا لملامة الملاك بل المتشرعة لو أطلعوا عليه.

(130) كما يشهد به الوجدان و اعترف به جمع من الأعيان منهم العلامة و المحقق الثاني و صاحب الجواهر.

(131) لزوال الأمانة بتحقق الخيانة و حصول الاستيمان ثانيا يحتاج إلى حصول إذن جديد من المالك و هو مفقود فتجري أصالة بقاء الضمان حينئذ.

(132) لانقلاب يد الأمانة إلى الخيانة و تحقق العدوان بالوجدان.

(133) لثبوت خيانته حينئذ و لا وجه لعدم الضمان مع تحقق العدوان.

ص: 288


1- تقدم في صفحة: 284.

بعضها ضمن الجميع (134) بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق (135) و أما لو لم تكن مودعة في حرز أو كانت في حرز من المستودع فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي (136) و أما لو كان من قصده عدم الاقتصار بل أخذ التمام شيئا فشيئا فلا يبعد أن يكون ضامنا للجميع (137).

مسألة 25: لو سلمها الى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها

(مسألة 25): لو سلمها الى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها

______________________________

(134) لصدق الخيانة في الوديعة فينقلب الاستيمان إلى الخيانة و العدوان.

(135) تقدم في (مسألة 21) و تقدم وجهه هناك.

(136) لصدق الخيانة بالنسبة إلى المأخوذ و أصالة بقاء الأمانة بالنسبة إلى البقية بعد عدم وقوع خيانة منه في حرز المودع و عدم كون الوديعة ملحوظة من حيث المجموع عرفا خصوصا مع بنائه على إبقاء الأمانة في البقية.

(137) لأنه بقصده التعدي في الجميع ثبتت الخيانة منه بالنسبة إلى الجميع فانقلبت الأمانة إلى الخيانة حينئذ و لا يلحظ أخذه متدرجا بعد ذلك لأنه متفرع على خيانته الأولية المتحققة بالنسبة إلى قصد أخذ الجميع.

و منه يظهر انه ينبغي الجزم بالضمان بالنسبة إلى الجميع.

نعم، لو لم يقصد أخذ الجميع أولا و كان بانيا على إبقاء الامانة لكنه حصل له قصد مستقل عند أخذ البعض مقتصرا عليه حين الأخذ ثمَّ بدئ له ان يأخذ البعض الآخر و هكذا حتى أتم الجميع يكون ضامنا للجميع لفرض وقوع الخيانة بالنسبة إلى التمام متدرجا فالأقسام ثلاثة:

الأول: أخذ البعض مقتصرا عليه فقط مع البناء على إبقاء الأمانة في البقية أو الغفلة عن ذلك.

الثاني: البناء على المجموع لكن أخذ البعض و اقتصر عليه فقط.

الثالث: أخذ الكل متدرجا مع البناء في كل مرة على الاقتصار على خصوص ما أخذ فقط و حكم الكل واضح.

ص: 289

ضمن (138) إلا أن يكونوا كالآلة لكون ذلك بمحضره و باطلاعه و مشاهدته (139).

مسألة 26: إذا فرط في الوديعة ثمَّ رجع عن تفريطه بأن جعلها في الحرز المضبوط

(مسألة 26): إذا فرط في الوديعة ثمَّ رجع عن تفريطه بأن جعلها في الحرز المضبوط و قام بما يوجب حفظها أو تعدى ثمَّ رجع كما إذا لبس الثوب ثمَّ نزعه لم يبرأ من الضمان (140).

نعم، لو جدد المالك له الاستيمان ارتفع الضمان (141) فهو مثل ما

______________________________

و أما خبر الخثعمي عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه بغير إذن؟ فقال عليه السّلام: لا يأخذ إلا ان يكون له وفاء قلت: أرأيت إن وجد من يضمنه و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟

قال عليه السّلام: نعم» (1)، و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: «سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل فاحتاج إليها هل يصلح له أن يأخذ منها و هو مجمع أن يردها بغير إذن صاحبها؟ فقال عليه السّلام: إذا كان عنده وفاء فلا بأس أن يأخذ و يرده» (2)، فمخالفان لأصول المذهب و لا عامل بهما كما في الجواهر غيره من الكتب الفقهية.

(138) لأن الإذن من المودع كان مختصا بخصوص المستودع.

نعم، لو كان إذنه عاما بحيث شملهم أيضا فلا ضمان لفرض التعميم في الإذن من المودع مثلا.

(139) لأن حفظهم حفظ نفسه حينئذ لفرض كونهم من مجرد الآلة كما لو كان الحفظ بحراسة حيوان.

(140) لانقلاب يده من الأمانة إلى الخيانة و سقوط إذن المالك بذلك فتتمحض يده في العدوان و لا ريب حينئذ في تحقق الضمان و العصيان حدوثا و بقاء.

(141) لفرض حصول إذن جديد من المالك فلا يبقى موضوع معه

ص: 290


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الوديعة.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الوديعة.

إذا كان مال بيد الغاصب فجعله بيده أمانة فإن الظاهر انه بذلك يرتفع الضمان من جهة تبدل عنوان يده من العدوان إلى الاستيمان و لو أبرأه من الضمان ففي سقوطه بذلك قولان (142).

نعم، لو تلفت العين في يده و اشتغلت ذمته بعوضها لا إشكال في صحة الإبراء و سقوط الحق به (143).

مسألة 27: لو أنكر الوديعة أو اعترف بها و ادعى التلف أو الرد

(مسألة 27): لو أنكر الوديعة أو اعترف بها و ادعى التلف أو الرد و لا

______________________________

للضمان.

هذا إذا أخذ المالك الوديعة عنه ثمَّ أعطاه بعنوان الوديعة الثانية المستقلة لا ريب و لا إشكال فيه.

و أما لو كان المال في يد المستودع و جدد مجرد الإذن فقد يقال ببقاء الضمان للأصل.

و فيه: ان المتشرعة يحكمون بتبدل الموضوع حينئذ فكيف يجري معه الأصل، مع انه قد صار يده بعد الإذن كيد المالك فلا يتصور موضوع للضمان مع ذلك.

(142) معروفان مبنيان على ان مورد الإبراء و الإسقاط لا بد و ان يكون اشتغالا ذميا متحققا و ثابتا فلا موضوع له في المقام لعدم ثبوت اشتغال الذمة إلا بعد التلف و المفروض عدم التلف بعد، أو يكفي فيه مجرد المنشئية الاقتضائية لاشتغال الذمة و لو لم يكن فعليا فيصح حينئذ لتحقق المنشئية و الاقتضاء و التأهل، و الظاهر ان مراتب الاقتضاء و المنشئية مختلفة فمع صدق الإبراء و الاسقاط عرفا يصح، و مع عدم الصدق أو الشك فيه فمقتضى الأصل البقاء و لعله بذلك يمكن الجمع بين الكلمات فراجع.

(143) لتحقق اشتغال الذمة فعلا فيكون المقتضي للإبراء و الإسقاط موجودا و المانع عنه مفقود فيصح الإبراء و الإسقاط فلا إشكال فيه من أحد حينئذ.

ص: 291

بينة فالقول قوله بيمينه (144). و كذلك لو تسالما على التلف و لكن ادعى

______________________________

(144) أما قبول قوله فلظهور الإجماع، و لأنه أمين و محسن فيشمله إطلاق مرسل المقنع المنجبر، قال: «سئل الصادق عليه السّلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال عليه السّلام: نعم و لا يمين عليه» (1)، و قوله عليه السّلام في موثق ابن صدقة:

«ليس لك ان تأتمن من خانك، و لا تتهم من ائتمنت» (2)، و قول أبي جعفر عليه السّلام:

«لم يخنك الأمين و لكن ائتمنت الخائن» (3)، الذي يستفاد منه حكمان:

الأول: عدم المبادرة إلى اتهام الأمين ما لم تثبت خيانته بحجة معتبرة.

الثاني: عدم استيمان الخائن فإن الملامة تتوجه إلى المالك دون الخائن الذي يكون ملاما و منفورا على كل حال.

و أما اعتبار عدم البينة للمالك في قبول قول المستودع فهو واضح لا ريب فيه لأنها حجة معتبرة على صدق الدعوى و مع وجود الحجة المعتبرة على صدق المدعى لا موضوع لقبول قول المنكر، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» (4).

و أما لزوم اليمين عليه فمقتضى كونه أمينا و محسنا، و في مصلحة المالك عدم الاحتياج في قبول قوله إليها كما في جميع موارد الاستيمانات من المضاربة و غيرها، و في الفقيه: «قضى مشايخنا (رضي اللّه عنهم) على أن قول المودع مقبول فإنه مؤتمن و لا يمين عليه» هذا بالنسبة إلى أصل قبول قوله مع صرف النظر عن قطع المنازعة بينهما.

و أما بملاحظة رفع الخصومة و المنازعة فلا بد من أحدهما، لانحصار رفعها بالبينة أو اليمين و مع عدم الأولى- كما هو المفروض- يتعين الثاني.

ص: 292


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: 7 و 9.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: 7 و 9.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الوديعة: 4.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب كيفية الحكم: 3.

عليه المودع التفريط أو التعدي (145).

مسألة 28: لو دفعها إلى غير المالك و ادعى الإذن من المالك فأنكر المالك و لا بينة

(مسألة 28): لو دفعها إلى غير المالك و ادعى الإذن من المالك فأنكر المالك و لا بينة فالقول قول المالك (146) و أما لو صدّقه على الإذن، لكن أنكر التسليم إلى من اذن له فهو كدعواه الرد إلى المالك مع إنكاره في القول فالقول قوله (147).

مسألة 29: إذا أنكر الوديعة فلما أقام المالك البينة عليها صدقها

(مسألة 29): إذا أنكر الوديعة فلما أقام المالك البينة عليها صدقها، لكن ادعى كونها تالفة قبل ان ينكر الوديعة لا تسمع دعواه (148) فلا يقبل منه اليمين و لا البينة (149) على إشكال (150)، و أما لو ادعى تلفها بعد ذلك

______________________________

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بعدم اعتبار اليمين أي:

في أصل قبول قوله و من قال بالاعتبار أي: في رفع الخصومة و المنازعة.

(145) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(146) لأصالة عدم الإذن و حيث لا بينة في البين فلا بد من يمينه لقطع الخصومة و المنازعة.

(147) لثبوت وكالته عند المالك حينئذ فتكون دعوى الرد إليه كدعوى الرد إلى الموكل في أنه يقدم قول المستودع حينئذ لأنه أمين و محسن و ليس للمالك أن يتهمه كما مر.

(148) لأن دعواه التلف كالإقرار بأصل الوديعة، و هو ينافي إنكاره الأول فيصير إقراره لغوا و باطلا بإنكاره الأول.

(149) لأن قبولها متفرع على سماع الدعوى و مع عدم السماع لا موضوع لها ثمَّ انه مع عدم السماع فالظاهر كشف إنكاره عن الخيانة عرفا فيزول الاستيمان و يتحقق الضمان لو تلف.

(150) الأقوال في المسألة أربعة:

الأول: القبول لأنه دعوى صدر من الكامل فيشمله إطلاق الأدلة و لعموم

ص: 293

فلا إشكال في انه تسمع دعواه (151)، لكن يحتاج إلى البينة (152).

______________________________

«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر» (1)، الشامل للمقام أيضا.

الثاني: عدم القبول لأن كلامه متناقض و لا وجه لسماع الكلام المتناقض من حيث الإنكار و دعوى التلف قبله المنافي لإنكار أصل الوديعة عرفا، و لأنه بإنكاره الأول أوجد سبب الضمان، و هذا رجوع منه فلا يقبل.

الثالث: يجوز له إحلاف المالك فقط لا أن يتوجه على نفسه يمين أو بينة.

الرابع: التفصيل بين ما إذا أظهر لإنكاره سببا ظاهرا فيقبل و بين عدمه فلا يقبل، و ليس في المسألة دليل خاص من إجماع أو غيره يعتمد عليه، و انما هي اجتهادية محضة و النزاع صغروي بينهم.

و الحق انه إن أمكن الجمع بين كلاميه بحسب القرائن المعتبرة الحالية أو المقالية عند العرف و أبناء المحاورة بحيث لم يرجع إلى التناقض و التهافت و لم يرجع إلى الإنكار بعد الإقرار بسبب الضمان فلا بأس بسماع دعواه لوجود المقتضى، و هو كماله و ظهور قوله و فقد المانع كما هو المفروض فيشمله اعتبار الظواهر في المحاورات و إن لم يكن كذلك فلا موضوع للسماع حينئذ و ذلك مما يختلف باختلاف الأشخاص و الخصوصيات و الجهات و لا تضبطها ضابطة كلية، و لعل القول الرابع المنسوب إلى الشهيدين يرجع إلى هذا أيضا و ان كانت عباراتهما غير وافية بهذه التفصيل.

(151) لوجود المقتضى للسماع و هو صدور الدعوى من الكامل و فقد المانع و هو عدم لزوم التناقض و التهافت في الكلام لبطلان إنكاره بتصديقه للمالك ثمَّ ادعى التلف بعد التصديق بالوديعة فلا تناقض و لا تنافي في البين.

(152) لعموم: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» الشامل للمقام بلا محذور فيه و أصالة عدم حجية الدعوى و عدم قطع الخصومة إلا بحجة

ص: 294


1- تقدم في صفحة: 292.

مسألة 30: إذا أقر بالوديعة ثمَّ مات

(مسألة 30): إذا أقر بالوديعة ثمَّ مات فإن عينها في عين شخصية معينة موجودة حال موته أخرجت من التركة (153) و كذا إذا عينها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت كما إذا قال احدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان، و لم يعينها فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورّث (154) و لم يميزوا الوديعة عن غيرها أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالا بأن إحدى هذه الشياه لفلان، و إذا عين الوديعة و لم يعين المالك كان من مجهول المالك (155) و قد مر حكم الصورتين في كتاب الخمس (156) و هل يعتبر قول المودع و يجب تصديقه لو عينها في معين و احتمل صدقه وجهان (157).

______________________________

معتبرة.

(153) لكونه عين مال الغير باعتراف المورّث فليس للورثة فيه حق و نصيب فلا بد و ان يرد إلى أهله.

(154) لأنه مع هذا الاحتمال تجري أصالة عدم انتقال المال إليهم و لا يجوز التمسك بعموم أدلة الإرث لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و هو لا يصح فيجب عليهم العمل بالوظيفة الشرعية و تقدم تفصيلها في كتاب الخمس، و أما إذا علموا بكذب المورث فلا شي ء عليه.

(155) لأنه عبارة عن المال المعلوم الذي لا يعلم مالكه و لا ريب في انطباقه على المقام.

(156) تقدم فيه ما يتعلق بتفصيل الأقسام الأربعة المتصورة في نظير المقام فراجع القسم الخامس مما يجب فيه الخمس، و هو: المال الحلال المخلوط بالحرام (1).

(157) من انه لا يعرف إلا من قبله فيقبل قوله فيه مع عدم المعارض،

ص: 295


1- راجع ج 11 صفحة: 408- 422.

و إذا لم يعينها بأحد الوجهين لا اعتبار بقوله إذا لم يعلم الورثة بوجود الوديعة في تركته حتى إذا ذكر الجنس و لم يوجد من ذلك الجنس في تركته (158) إلا واحد (159) إلا إذا علم ان مراده ذلك الواحد (160).

______________________________

و يشهد له إطلاق خبر هشام بن سالم، قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام و أنا جالس، فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بأجر ففقدناه و بقي له من اجره؟ شي ء و لا نعرف له وارثا؟ قال عليه السّلام: اطلبه، قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال عليه السّلام: مساكين و حرّك يده، قال: فأعاد عليه. قال: أطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلّا فهو كسبيل مالك حتى يجي ء له طالب فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه» (1)، و غيره من الاخبار كما سيأتي في باب اللقطة إن شاء اللّه تعالى.

و من ان ما لا يعرف إلا من قبل القائل يقبل قوله فيه ليست قاعدة معتبرة و لم يدل عليه دليل بالخصوص في مقابل أصالة عدم الحجية و عدم وجوب ترتيب الأثر و الخبر ورد في غير المقام فلا يجب التصديق إلا مع حصول الاطمئنان العادي من قوله.

(158) لأصالة البراءة عن وجوب شي ء عليهم بعد عدم حجية اعتراف المورّث لفرض إجماله.

نعم، يكلفه بالبيان و التفسير لو أمكن ذلك.

(159) لأن ذكر الجنس أعم من كون ذلك الواحد الذي عنده هو عين ذلك الجنس و عين الوديعة كما هو واضح مثل إذا قال: «عندي ثوب وديعة» و لم يكن عنده إلا ثوب واحد فيحكم بظاهر اليد كونه له بعد عدم ثبوت كونه وديعة بطريق معتبر.

(160) لثبوت الوديعة و تعيّنها في الخارج بالعلم، و كذا لو ثبت تعينها بالبينة أو بقرائن معتبرة أخرى.

ص: 296


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى: 1.

فصل

اشارة

فصل

مسألة 1: لو اشترط اللزوم في الوديعة لزمت

(مسألة 1): لو اشترط اللزوم في الوديعة لزمت (1).

مسألة 2: يجوز للولي استيداع مال المولى عليه

(مسألة 2): يجوز للولي استيداع مال المولى عليه مع المصلحة إلى الثقة الأمين (2).

مسألة 3: لو اشترط الضمان في الوديعة حتى مع عدم التعدي و التفريط

(مسألة 3): لو اشترط الضمان في الوديعة حتى مع عدم التعدي و التفريط فهل يصح الشرط (3) أو لا (4) وجهان يمكن تقريب الأول (5).

______________________________

(1) لعموم: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و دعوى إن الشرط مخالف لمقتضى عقد الوديعة مخدوش: بأنه مخالف لإطلاقه لا لذاته، و إن كان الأحوط التراضي.

(2) للإطلاقات و العمومات و اقتضاء ولايته ذلك.

(3) لعموم دليل الشرط الشامل لهذا أيضا.

(4) بدعوى أن هذا الشرط مخالف لحقيقة الوديعة التي هي الاستيمان و لا ضمان على الأمين فيفسد الشرط.

(5) بدعوى ان هذا الشرط مخالف لإطلاق عقد الوديعة لا لذاته.

هذا و لكن يظهر من بعض الفقهاء الإجماع على عدم صحة شرط الضمان في الوديعة المعهودة فإن تمَّ ذلك يكون هو المعول عليه و به يخصص إطلاق دليل الشرط و عمومه، و إلا فالمرجع هو العموم و الإطلاق.

ص: 297


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور: 4.

و الأحوط ان يكون ذلك بعنوان التعهد من ماله لخسارة التلف لا بشرط الضمان في الوديعة (6).

مسألة 4: لو اشتبهت العين المودعة بغيرها من مال المستودع

(مسألة 4): لو اشتبهت العين المودعة بغيرها من مال المستودع فإما أن تكونا مثليين من كل جهة يتخير المستودع بين أخذ أيهما شاء (7) و كذا لو كانتا قيميين و كانتا متساويين في القيمة من كل جهة (8) و أما لو كانتا مختلفين في القيمة فيجزي دفع ما هو أقل قيمة (9). و لكن الأحوط التصالح (10) سواء كان المودع مدعيا لما هو الأكثر قيميا و كان المستودع منكرا أو لا (11).

مسألة 5: لو أقام أحد البينة على انه هو المالك

(مسألة 5): لو أقام أحد البينة على انه هو المالك فأعطاه المستودع

______________________________

(6) و حينئذ لا يكون منافيا لمقتضى العقد و لا إشكال في صحة هذا الشرط.

(7) لفرض التساوي بينهما عن كل جهة و عدم حصول ضرر على المستودع و على المودع و ذلك كجملة كثيرة من الأثاث المنزلية المستحدثة التي تصدر من المكائن الخاصة بقياس و ميزان واحد.

(8) لجريان عين ما مر آنفا في القيمي أيضا بعد ما فرض من التساوي.

(9) لأصالة براءة ذمته عن الأكثر، لأن المسألة من صغريات الأقل و الأكثر.

إن قيل: ان مقتضى الأصل الموضوعي عدم حصول فراغ الذمة عن وجوب رد الوديعة إلا بدفع ما هو الأكثر قيمة.

يقال: الشك إنما هو في أصل وجوب دفع غير ما هو المعلوم- و هو الأقل- فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر.

(10) إذ المسألة خلافية مع إمكان المناقشة في بعض ما قلناه.

(11) لأصالة عدم اشتغال ذمة المستودع بوجوب دفع ما هو الأكثر قيمة.

ص: 298

الوديعة ثمَّ بان الخلاف فالظاهر عدم الضمان (12).

مسألة 6: يجوز أن يودع المستودع الوديعة عند شخص أمين بإذن المودع

(مسألة 6): يجوز أن يودع المستودع الوديعة عند شخص أمين بإذن المودع بل يجوز الترامي فيها أيضا بإذنه (13).

مسألة 7: نماء العين المودعة للمودع

(مسألة 7): نماء العين المودعة للمودع (14) إن لم يشرط كونها للمستودع (15).

مسألة 8: تصح الوديعة في غير المنقول

(مسألة 8): تصح الوديعة في غير المنقول كالعقارات و الأراضي و نحوها (16).

مسألة 9: يجوز، ان يجعل المودع للمستودع جعلا لحفظ الوديعة

(مسألة 9): يجوز، ان يجعل المودع للمستودع جعلا لحفظ الوديعة (17).

______________________________

(12) للأصل بعد عدم صدور تقصير و تفريط منه في الفحص مع كونه أمينا و ان البينة حجة معتبرة.

نعم، لو عد مقصرا عرفا يتحقق الضمان لقاعدة اليد و سقوط أمانته بالتقصير.

(13) كل ذلك لوجود المقتضى من الإذن من المالك و فقد المانع فتشمله الأدلة.

(14) لقاعدة: «تبعية النماء للملك».

(15) لأن القاعدة المتقدمة إنما تجري فيما إذا لم يكن على الخلاف شرط في البين و المفروض تحقق الشرط فيجب الوفاء به، و تقدم وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في ضمن العقود الجائزة.

(16) لعموم الأدلة الشاملة لجميع ذلك.

(17) لقاعدة السلطنة.

إن قيل: إن الوديعة من العقود المجانية الإذنية.

يقال: نعم، لو لا الشرط على الخلاف.

ص: 299

مسألة 10: لو أتلف المستودع الوديعة و اشترى مثلها من كل جهة و حيثية و دفعها إلى المودع

(مسألة 10): لو أتلف المستودع الوديعة و اشترى مثلها من كل جهة و حيثية و دفعها إلى المودع لا ريب في أنه أثم و هل يجب عليه اعلامه بذلك؟ (18).

مسألة 11: الأموال المودعة في المصارف إن كان الإيداع لحفظ عينها بخصوص العينية لا يجوز للمصرف التصرف فيها

(مسألة 11): الأموال المودعة في المصارف إن كان الإيداع لحفظ عينها بخصوص العينية لا يجوز للمصرف التصرف فيها (19)، و إن كان الإيداع لحفظ المالية من غير نظر إلى خصوصية العين يجوز التصرف فيها (20). و لو شك في ذلك فالظاهر جواز التصرف فيها (21) و إن كان الأحوط خلافه (22).

مسألة 12: ما تعطيه المصارف لأرباب الأموال المودعة فيها يجوز لهم أخذها

(مسألة 12): ما تعطيه المصارف لأرباب الأموال المودعة فيها يجوز لهم أخذها (23).

______________________________

(18) مقتضى الأصل العدم بعد عدم دليل على الوجوب و لكن الأحوط الاعلام.

(19) لفرض تقييد المودع حفظ العين من حيث هي.

(20) لأن نظر المالك تعلق بجهة المالية لا العينية و المفروض أن المالية محفوظة في المصرف.

(21) تنزيلا لمورد الشك على الغالب من ان نظر المودع في تلك الأموال حفظ المالية دون العينية.

(22) تحفظا لأموال الناس مهما أمكن.

(23) لقاعدة السلطنة، و أصالة الإباحة بعد عدم كون المفروض من القرض حتى يشمله دليل حرمة الرباء القرضي، بل الغالب ان ما تعطيه المصارف انما هو لأجل الترغيب و التشويق.

نعم، لو كان بعنوان القرض لا ريب في دخوله في موضوع الربا القرضي ما لم يحلل بنحو شرعي على ما يأتي تفصيله في القرض، و كذا لا ريب في عدم

ص: 300

مسألة 13: يستحب أن يودع الإنسان دينه و نفسه و ماله و أهله في كل صباح عند اللّه تعالى

(مسألة 13): يستحب أن يودع الإنسان دينه و نفسه و ماله و أهله في كل صباح عند اللّه تعالى (24)، و خصوصا عند ارادة السفر (25).

مسألة 14: يكره ايتمان الخائن و شارب الخمر

(مسألة 14): يكره ايتمان الخائن و شارب الخمر (26)، كما يكره

______________________________

كونه داخلا في موضوع الرباء المعاملي لعدم كونه من المكيل أو الموزون.

و أما لو كان بعنوان المضاربة فيجوز الأخذ أيضا لما يأتي في محله من صحة المضاربة في الأوراق النقدية أيضا و لكن الأحوط التصالح و التراضي مع الحاكم الشرعي.

(24) لأنه لا يضيع لديه الودائع و لا يخفى عليه الطلائع كما في جملة من الدعوات.

(25) كما في جملة من الروايات في آداب السفر (1)، و غيره و من شاء العثور فليرجع إلى محالها.

(26) أما الأول فلقوله عليه السّلام في صحيح حريز قال: «كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه عليه السّلام دنانير، و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل: يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج الى اليمن، و عندي كذا و كذا دينار، أ فترى أن أرفعها اليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا بني أما بلغك أنه يشرب الخمر، فقال إسماعيل: هكذا يقول الناس، فقال: يا بني لا تفعل، فعصى إسماعيل أباه و دفع اليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشي ء منها، فخرج إسماعيل، و قضى أن أبا عبد اللّه عليه السّلام حج، و حج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول: اللهم أجرني و اخلف عليّ. فلحقه أبو عبد اللّه عليه السّلام فهمزه بيده من خلفه، و قال له: يا بني فلا و اللّه مالك على اللّه هذا، و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك، و قد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته، فقال إسماعيل: يا أبه إني لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون، فقال: يا بني إن اللّه عز و جل يقول في كتابه:

ص: 301


1- الوسائل باب: 18 من أبواب آداب السفر إلى الحج.

تضمين الأمين (27).

______________________________

يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يقول: يصدق اللّه و يصدق المؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم، و لا تأتمن شارب الخمر إن اللّه عز و جل يقول في كتابه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟! إن شارب الخمر لا يزوج إذا خطب، و لا يشفع إذا شفع، و لا يؤتمن على أمانة، فمن ائتمنته على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنته على اللّه أن يأجره و لا يخلف عليه» (1).

(27) لقول الصادق عليه السّلام في خبر مسعدة بن صدقة: «ليس لك أن تتهم من ائتمنته» (2).

ص: 302


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوديعة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الوديعة حديث: 1.

خاتمة الأمانة على قسمين مالكية و شرعية

خاتمة الأمانة على قسمين مالكية و شرعية (1).

أما الأول: فهو ما كان باستيمان من المالك و إذنه سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك كالوديعة أو بتبع عنوان آخر مقصود بالذات كما في الرهن و العارية و الإجارة و المضاربة فإن العين بيد المرتهن و المستعير و المستأجر و العامل أمانة مالكية، حيث ان المالك قد سلمها بعنوان الاستيمان و تركها بيدهم من دون مراقبة فجعل حفظها على عهدتهم (2).

و أما الثاني: فهو ما لم يكن الاستيلاء على العين و وضع اليد عليها باستيمان من المالك و لا إذن منه، و قد صارت تحت يده لا على وجه

______________________________

(1) بالإجماع بل بضرورة الفقه، فوضع اليد على مال الغير اما عدواني أو إذني، و هو إما من المالك أو من الشارع و ليس في البين قسم رابع.

(2) و يدل على ذلك كله اتفاق الفقهاء و سيرة العقلاء في ذلك كله و بناؤهم على ان إعطاء العين في هذه الموارد بعنوان الحفظ و التحفظ عليه و لو كان بناء إجماليا ارتكازيا فلا تقع هذه العقود إلا مبنية على هذا البناء.

و بعبارة أخرى: الاستيمان المالكي ..

تارة: مدلول مطابقي للعقد كما في الوديعة.

و أخرى: التزامي عرفي عقلائي كما في غيرها مما ذكر و قد تقدم في العارية و سيأتي في الإجارة و المضاربة ما ينفع المقام كما يأتي في الرهن بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

ص: 303

العدوان (3)، بل إما قهرا كما إذا طارته الريح أو جاء بها السيل مثلا في ملكه و إما بتسليم المالك لها بدون اطلاع منهما كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه أو تسلم البائع أو المشتري زائدا على حقهما من جهة الغلط في الحساب و اما برخصة من الشرع كاللقطة و الضالة و ما ينتزع من يد السارق أو الغاصب من مال الغير حسبة (4).

للإيصال الى صاحبه و كذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند

______________________________

(3) فإن الأولى أمانة مالكية، و الثانية يد ضمان لا استيمان بالأدلة الأربعة.

(4) الأمور الحسبية ما كانت خيرا و إحسانا محضا و علم برضاء الشارع بالقيام بها من الإطلاقات و العمومات مثل قوله تعالى سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ (1)، و قوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (2)، و قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (3)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (4)، و انما الكلام في ان القيام بها يختص أولا بحاكم الشرع و مع عدم التمكن منه يقوم بها الثقات أو أنه لا ترتيب في البين فيصح قيام الثقات بها و لو مع التمكن من الحاكم الشرعي قولان؟.

و الحق ان يقال: ان تصدي الحاكم الشرعي أو الإذن منه انما هو لإحراز الوثاقة و القيام بالعمل صحيحا و موافقا للموازين الشرعية فالمفروض إحراز ذلك كله و عليه فلا نحتاج إلى القول بالترتيب و لا الاستيذان منه، و إن كان ذلك لأجل الموضوعية فيه، فلا بد منه بلا إشكال، و مع الشك فاعتبار الوثاقة و القيام بالعمل بحسب الوظيفة الشرعية معلوم و موضوعية الإذن مشكوكة فالمرجع

ص: 304


1- سورة الحديد: 21.
2- سورة البقرة: 148.
3- سورة التوبة: 91.
4- تقدم في صفحة: 262.

خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ (5) و ما يؤخذ مما كان في معرض الهلاك و التلف من الأموال المحترمة كحيوان معلوم المالك في مسبعة أو مسيل و نحو ذلك فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية يجب عليه حفظها و إيصالها في أول أزمنة الإمكان إلى صاحبها و لو مع عدم المطالبة و ليس عليه ضمان لو تلف في يده إلا مع التفريط أو التعدي (6).

كالأمانة المالكية و يحتمل عدم وجوب إيصالها و كفاية إعلام صاحبها بكونها عنده و تحت يده و التخلية بينها و بينه بحيث كلما أراد ان يأخذ أخذها بل لا يخلو هذا من قوة (7) و لو كانت العين أمانة مالكية بتبع

______________________________

فيها هو الأصل فلا يعتبر الاستيذان بعد ذلك إلا إذا دل دليل بالخصوص عليه و هذا هو مقتضى الإطلاقات و العمومات المرغبة إلى الأمور الحسبية أيضا.

(5) الكلام فيه و في نظائره عين الكلام فيما سبق من غير فرق بينها.

(6) أما ان العين أمانة شرعية في هذه الموارد فبالإجماع بل الضرورة الفقهية.

و أما وجوب حفظها فلأنه حكم كل وديعة مالكية كانت أو شرعية إجماعا و نصا كما تقدم.

و أما وجوب الرد و لو مع عدم المطالبة فلإطلاق ما دل من الكتاب و السنة على رد الأمانات إلى أهلها غير المقيدة في المقام بالمطالبة كما مر.

و أما عدم الضمان مع التلف فلما مر مرارا من المنافاة بين الضمان و الاستيمان مالكيا كان أو شرعيا.

و أما الضمان مع التعدي و التفريط فللأدلة الأربعة و تقدم مكررا.

(7) لإطلاق أدلة رد الأمانة و صدقه على إيجاد المقتضى لاستيلاء المالك عليها، و أصالة عدم وجوب الزائد من ذلك على الأمين، إلا بدليل خاص و هو

ص: 305

عنوان آخر و قد ارتفع ذلك العنوان كالعين المستأجرة بعد انقضاء مدة الإجارة و العين المرهونة بعد فك الرهن و المال الذي بيد العامل بعد فسخ المضاربة ففي كونها أمانة مالكية أو شرعية وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان (8).

______________________________

مفقود، و مقتضى إطلاق قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، الوارد في مقام التسهيل و الامتنان ذلك أيضا.

(8) لأصالة بقاء الإذن من المالك بعد الشك في زواله، و الشك في ان التقييد بالعنوان الخاص كان عقليا حقيقيا الذي يكون مدركا لانقلاب الأمانة المالكية الشرعية و لا يجري استصحاب إذن المالك حينئذ، أو كان مبنيا على العرف و من باب حصول الداعي بحصول الإذن من المالك للأمين فيرجع إلى بقاء الإذن حينئذ.

و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد و الأشخاص و الخصوصيات.

تمَّ بحمد اللّه و شكره الجزء الثامن عشر، و يتلوه الجزء التاسع عشر مبتدأ بأحكام الإجارة من كتاب العروة الوثقى، و ان تقدم بعض العقود الإذنية بعد البيع- في هذا المجلد- على العقود التمليكية اللازمة إلا ان ذلك كان لأجل مراعاة ترتيب كتب العروة الوثقى.

محمد الموسوي السبزواري 6/ 2/ 1403 ه ق

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 306


1- سورة التوبة: 91.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.